نصف عام من العدوان الإسرائيلي المستمر يشل التعليم بالجنوب اللبناني
تاريخ النشر: 8th, April 2024 GMT
جنوب لبنان– تشهد مناطق الجنوب اللبناني تصعيدا لافتا في العمليات العسكرية يوما بعد آخر، مما فرض واقعا تعليميا جديدا على طلابها. فالقطاع التربوي في لبنان، الذي يعاني فعليا أزمة، يجد نفسه اليوم في ظل العدوان الإسرائيلي أمام أزمة أكثر تعقيدا.
على مدار 6 أشهر منذ بدء التصعيد في المناطق الحدودية ارتباطا بعملية طوفان الأقصى وما أعقبها من عدوان إسرائيلي على غزة، تنعدم إمكانية الحياة في القرى الأمامية، ومع حركة النزوح الكثيفة تتعطل العملية التعليمية في المدارس الرسمية والخاصة معا، حتى في المناطق النائية نسبيا بمسافة تقدر بنحو 8 كيلومترات، نتيجة للمواجهات المباشرة مع إسرائيل.
وقد تسبب العدوان في تقسيم طلاب الجنوب إلى عدة فئات، فمنهم من اضطر لترك القرية والانتقال إلى مدارس في مناطق النزوح، حيث يتلقى التعليم عن بُعد، ومنهم من نزح ولم يتمكن من الانضمام إلى أي مدرسة. وقلة من التلاميذ فضلت أسرهم البقاء، فبقوا من دون تعليم بعد إغلاق المدارس.
أمام هذا الواقع، وجد مصطفى السيد أبو حسن، النازح من بلدة بيت ليف، نفسه مع عائلته المكونة من زوجتين و11 طفلا، في مركز إيواء في مدينة صور، وسط غموض يلف مصير أطفاله على المستوى التعليمي.
وفي حديثه للجزيرة نت، قال أبو حسن بحزن "4 من أبنائي لا أعرف مصير تعليمهم؛ منذ بداية العام الدراسي، لم يحضروا أي صف تعليمي بسبب العدوان بعدما أغلقت المدرسة أبوابها، وأتينا إلى هنا".
وأضاف "ابنتي الكبرى مريضة بالسكري، وعندما نزحنا توقفت نهائيا عن الدراسة، والثانية تدرس ساعة واحدة في النهار عن بُعد، بينما ابني حسن المفترض أن يكون في الصف الرابع، ولكنه لا يزال في الثاني، وابنتي الصغيرة إيلين ما زالت في الصف الأول، رغم أنها يجب أن تكون في الثاني".
وتابع "لديهم الآن تعليم عن بُعد، حيث وزعت وزارة التربية جهاز تابلت واحد على الثلاثة ليتعلموا، إضافة إلى بطاقة إنترنت شهرية، ولكن تغطية الإنترنت ضعيفة جدا".
وأشار إلى أن تجربة التعليم عن بعد في لبنان لا تجدي نفعا، ومصير أطفاله صار مجهولا، وأردف "بالإضافة إلى مصيرهم التعليمي المجهول، تأثرت حالتهم النفسية كثيرا، وأحيانا يعانون من حالة هلع وخوف في الليل، خاصة في فصل الشتاء عندما يسمعون صوت الرعد يعتقدون أنه قصف، كما أن سلوكياتهم تغيرت بشكل ملحوظ".
معاملة خاصة
وفي هذا السياق، أوضح رئيس رابطة معلمي التعليم الأساسي في لبنان الأستاذ حسين جواد أن هناك مدارس في الجنوب ما زالت تمارس التعليم الحضوري، بينما هناك مدارس أخرى قد أُغلقت، وتحديدا المدارس الموجودة في الشريط الحدودي على عمق يقارب 8 كيلومترات، والمعروفة باسم المنطقة الواقعة في نطاق قواعد الاشتباك.
وقال جواد للجزيرة نت، بالنسبة للمناطق كصور والنبطية، فإن جميع المدارس التي تقع بعد هذا الخط شمالا مفتوحة بشكل حضوري، وتقدم التعليم يوميا بشكل طبيعي، وحتى عند وقوع بعض الاعتداءات أحيانا أو وجود خرق لجدار صوت وما شابه، فإن التعليم يظل مستمرا من دون توقف. وأوضح أنه قد يكون هناك خوف في بعض الأحيان، ولكن التعليم يستمر بشكل عادي.
وأضاف جواد "وبالنسبة لطلاب الجنوب في المناطق المتاخمة للحدود، فهم لم يتلقوا الدراسة حضوريا في الأيام الأولى بسبب العملية العسكرية التي بدأت بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وكان من المقرر أن تبدأ المدارس في 9 منه. بمجرد بدء العملية، تم إغلاق هذه المدارس على الفور، ومن ثم توسعت دائرة الاعتداءات والإغلاقات تدريجيا من الجنوب إلى الشمال.
وفي ما يتعلق بالشهادات الرسمية لطلاب الجنوب، أكد جواد "سيتم إجراء الامتحانات مع مناهج مخففة لهم في المراحل الثانوية والمتوسطة. وستكون أسئلتهم مختلفة عن أسئلة الامتحانات العادية".
وتابع المتحدث ذاته أن هذا الموضوع مرهون أولا بموافقة مجلس الوزراء على اقتراح الوزير بإلغاء امتحانات التاسع الأساسي أو الشهادة المتوسطة والاستعاضة عنها بامتحان موحد، وسيتم تقديم الأسئلة لهذا الامتحان من قبل المركز التربوي للبحوث والتنمية، وستكون الأسئلة موحدة لجميع طلاب الشهادة المتوسطة الذين سيخضعون لامتحاناتهم في صفوفهم وفي مدارسهم.
ولفت جواد إلى أن "المخاوف التي يعاني منها الطلاب خلال فترة الامتحانات أمر طبيعي، ويجب أن تؤخذ بعين الاعتبار. ينبغي للوزارة توفير كل التسهيلات والدعم لطلاب المناطق المتضررة والمناطق الحدودية في الجنوب، وأن تأخذ في اعتبارها وضعهم التعليمي والأكاديمي والنفسي، وتجب معالجة الخوف والقلق بعناية".
وفي ظل العدوان الإسرائيلي المستمر، يعاني سكان المناطق المتضررة ضغوطا متزايدة ومزدوجة، فهم يشعرون بالقلق بشأن مستقبل العام الدراسي لأولادهم، وفي الوقت نفسه، يجدون أنفسهم محاصرين في دوامة الضغوط النفسية نتيجة للأحداث القاسية التي عاشها أطفالهم.
وتشير المستشارة الأسرية والتربوية مريم الشامي، للجزيرة نت، إلى أن الفترة الراهنة التي يعيشها الأطفال تترك آثارا سلبية شاملة على حياتهم، سواء من الناحية النفسية أو الجسدية والعقلية.
وتؤكد أن زيادة فترة الحرب والخوف والهلع تزيد من اضطراباتهم النفسية، مما يؤثر على نموهم العاطفي والسلوكي، وقد تظهر الآثار البدنية كذلك، مثل الألم في البطن وتسارع نبضات القلب وآلام الرأس، التي تتراكم عند الطفل وتظهر فيما بعد، مع تأثيرات طويلة الأمد.
وتشدد الشامي على أهمية تعميم ثقافة التحدث والتعبير عن المشاعر التي تخلفها الأحداث، خاصة في بيئة المدارس، مشيرة إلى ضرورة تهيئة الأطفال لما قد يحدث، خاصة في ما يتعلق بأصوات الغارات والطائرات، وطمأنتهم بعدم تعرضهم للأذى، مع الحرص على الحفاظ على الروتين اليومي للطفل وممارسة هواياته كوسيلة لتفريغ مشاعره وابتعاده عن مصادر الأخبار.
وتضيف المستشارة الأسرية أنه "من الضروري معرفة أهمية الدعم المبكر والتدخل المباشر في حل هذه المشكلة، مع التأكيد على أهمية الدعم الجماعي بين الأطفال وإشعارهم أنهم ليسوا وحدهم، وأنه من الطبيعي التعبير عن خوفهم من دون خجل".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ ترجمات حريات
إقرأ أيضاً:
شاهد.. هكذا تبدو المناطق التي استعادها الجيش من الدعم السريع
الخرطوم- دمار كبير للبنية التحتية ونهب شبه كامل للممتلكات، هكذا بدت المناطق التي استطاع الجيش السوداني تحريرها من قبضة قوات الدعم السريع في العاصمة السودانية الخرطوم بعد قرابة عامين من سيطرة المليشيا على تلك المناطق.
وتعتبر منطقة وسط الخرطوم -التي تم تحريرها مؤخرا من سيطرة الدعم السريع- من أكثر من المناطق الحيوية في السودان، فهي تعج بالأسواق والمؤسسات الحكومية والقطاعات الخاصة من شركات ومنظمات، فضلا عن أنها تحتضن أكبر أسواق الخرطوم وفيها المستشفيات والجامعات والمدارس والبنوك والفنادق وأماكن الترفيه، لكن الحالة التي بدت عليها تلك المنطقة الآن بعيدة تماما عن ماضيها.
فبحسب شهادة تجار وموظفين كانوا يعملون في منطقة وسط الخرطوم، فإن قوات الدعم السريع نهبت وسرقت جميع المحلات التجارية في المنطقة، ولا سيما البنوك والأسواق، ومن بينها أسواق الذهب المعروفة في قلب السوق العربي، فضلا عن سرقة أكثر من 10 بنوك ومصارف وحرقها وتدميرها كليا.
طال التدمير عددا من الأبراج الشاهقة المملوكة للقطاع الحكومي والخاص كبرج النيل للبترول الذي دمر كليا ثم أُحرق، وتم تدمير فندق كورال وفندق برج الفاتح وفندق المريديان والفندق الكبير وفندق برج إيواء وأبراج بيلوس، وجميع هذه المباني كانت جزءا من ملامح العاصمة الخرطوم.
وبحسب مصدر قيادي في الجيش السوداني تحدث للجزيرة نت، فإن منطقة المقرن التي تضم عددا من الأبراج كانت تستخدمها قوات الدعم السريع مكانا للقنص وأدخلت فيها المدفعية الثقيلة لقصف سلاح المهندسين غرب المقرن ودفاع الجيش غرب جسر الإنقاذ، فضلا عن استخدام بعض الأبراج مثل برج يبلوس لقصف القيادة العامة للجيش.
ولم تسلم البنوك والمصارف في وسط الخرطوم من التخريب والسرقة، إذ وثقت الجزيرة نت حجم الدمار الذي طال كلا من بنك السودان المركزي وبنك الساحل والصحراء وبنك فيصل الإسلامي وبنك أم درمان الوطني وبنك الادخار وبنك النيل والبنك الزراعي.
واتهم الجيش السوداني في بيان صحفي قوات الدعم السريع بنهب البنوك في وسط الخرطوم، خاصة بنك السودان المركزي الذي كان يحتوي على احتياطي من الذهب والنقد الأجنبي، وكان تحت سيطرة قوات الدعم السريع على مدى 20 شهرا، مشيرا إلى أن جميع المصارف في منطقة وسط الخرطوم تحولت إلى أكوام من الرماد بعد سرقتها وحرق محتوياتها وتحويلها لثكنات عسكرية.
إعلانولم تكن المستشفيات أفضل حالا من البنوك في وسط الخرطوم، ويقول مصدر حكومي -طلب حجب اسمه- إن بعض المستشفيات نقلت محتوياتها إلى إقليم دارفور غربي البلاد، ونهبت الأموال التي كانت في خزائنها، في حين حولت مستشفيات أخرى إلى مخازن للسلاح.
ويقول ضباط في قيادة الجيش السوداني للجزيرة نت إن مستشفيي الزيتونة وإمبريال غرب القيادة كانت تنطلق منهما مدفعية وصواريخ قناصة الدعم السريع، مما أدى إلى إصابة ومقتل عناصر الجيش في القيادة العامة.
وخلال 72 ساعة من بدء الحرب في أبريل/نيسان 2023 سُرقت كامل محتويات الأسواق في منطقة وسط الخرطوم من قبل قوات الدعم السريع، فتلك المنطقة لا تضم أحياء سكنية رغم اتساع مساحتها لكنها تضم أهم الأسواق في العاصمة.
وتوثق المشاهد حجم الدمار الهائل الذي تعرضت له المنطقة، فالأسواق باتت مهجورة وهي التي كانت تعج بالحياة، فالسوق العربي الذي كان أكثر الأسواق ازدحاما تنتشر المقذوفات المتفجرة والدبابات المحروقة والآليات الحربية المدمرة وبعض الجثث الملقاة على الأرض في محيطه.
والوضع في جزيرة توتي الواقعة في وسط ملتقى النيلين الأزرق والأبيض ليس أفضل حالا، فالجزيرة -التي تعد من أقدم المدن السودانية وتسكنها قبائل، معظمها من شمال السودان- كان لها نصيب من انتهاكات الدعم السريع، إذ تعرضت لأكبر حصار خلال الحرب.
ووثقت بيانات المنظمات المدنية والطوعية مقتل عشرات المواطنين من جزيرة توتي، فضلا عن إجبار جميع مواطني الجزيرة على إخلائها، ومع مرور الأيام تحولت إلى جزيرة تسكنها قوات الدعم السريع وتقصف منها أم درمان وتسند بها قواتها في بحري والخرطوم.
ومؤخرا تمكن الجيش من استعادتها ضمن حملته العسكرية في وسط الخرطوم، لكن الجزيرة الحيوية صارت مدينة صامتة لا تكاد تسمع فيها غير أصوات الطيور.
وتفرق أهل جزيرة توتي في رحلة نزوح طويلة إلى مدن السودان المختلفة، كما أن الدمار بات أحد المشاهد الثابتة في كل المدن التي تتم استعادتها من قوات الدعم السريع، فالأسواق باتت منهوبة ولا توجد في الجزيرة حركة غير حركة النيل الشاهد الأبرز على تلك الانتهاكات.
وفي حي المقرن بوسط الخرطوم، يقول أحد سكان الحي للجزيرة نت إن الحي من أوائل المناطق التي تم طرد سكانها منها منذ بدء الحرب بين قوات الجيش والدعم السريع.
وأضاف أنه بعد سيطرة الدعم السريع على المقرن في شهور الحرب الأولى حضرت قوة منها إلى منازل المواطنين وأمرتهم بإخلاء منازلهم فورا "علمنا لاحقا أن الإخلاء والطرد كان سببهما تأمين زيارة عبد الرحيم دقلو نائب قائد قوات الدعم السريع الذي حضر فعليا إلى المقرن وخاطب جنوده.
إعلانوبعد استعادة الجيش للمقرن صارت خالية من السكان، وباتت منازلها مهجورة لا يكاد يسكنها أحد وحطمت معظم أبواب المنازل، قبل أن تطالها يد السرقة المعهودة.