لم يكن الساخر البريطاني الشهير "إيان هيسلوب" الإعلامي الغربي الوحيد الذي أشار للمفارقة في تعامل الغرب مع جريمة قتل "إسرائيل" سبعة من عمال الإغاثة الأجانب التابعين لـ"المطبخ المركزي العالمي"، بمقابل ردة الفعل على مقتل أكثر من 30 ألف فلسطيني غالبيتهم من الأطفال والنساء، بل أصبحت الجريمة وطريقة التعامل معها فرصة لنظر الغربيين في المرآة، ليدركوا ليس فقط عنصرية حكوماتهم، بل عنصرية كثير من النخب أيضا.



بطريقته المميزة قال هيسلوب في البرنامج السياسي الساخر الأشهر والأطول عمرا في بريطانيا "Have I Got News For You"، "إنه أمر قاتم ولكنه حقيقي. إذا قتلت أناسا ليس فلسطينيين، فإن هذا سيصبح فجأة أمرا غير مقبول".


المفارقة في كلام الساخر البريطاني، بحسب بعض المتابعين، أنه هو نفسه لم يكن يجرؤ على انتقاد الجرائم الإسرائيلية قبل هذا الحادث!
نوع الجريمة إذن ونوع ضحاياها يحدد إذا كان يمكن الدفاع عنها أو إدانتها.
بالطبع ليس هيسلوب وحده من الإعلاميين البريطانيين -كمثال- الذين رفعوا صوتهم ضد الاحتلال بعد جريمة قتل عمال الإغاثة الغربيين بينما صمتوا أو دافعوا عن جرائمهم خلال الشهور الماضية. أحد أشهر الإذاعيين البريطانيين "نيك فراري" الذي لم يترك جريمة للاحتلال إلا ودافع عنها -ومن بينها تنكر جنود الاحتلال بلباس أطباء واقتحام أحد المستشفيات في جنين وقتل مجموعة من الفلسطينيين فيها- وجد أخيرا جريمة "مختلفة"، حيث وصف مقتل العمال الأجانب بأنه خطأ "لا يمكن الدفاع عنه".

نوع الجريمة إذن ونوع ضحاياها يحدد إذا كان يمكن الدفاع عنها أو إدانتها.

الإذاعة المحلية الشهيرة في بريطانيا "LBC" بدأت تكثف نشر مقاطع من النقاش بين مذيعيها والمشاهدين، والتي يرد فيها المذيعون بقوة على متصلين مؤيدين للاحتلال، بينما كانت في السابق لا تنشر إلا القليل جدا من هذه النوعية من المقاطع (الإذاعة فيها مذيعون معظمهم مؤيدون للاحتلال ولكنها تضم أيضا مذيعين لهم مواقف إيجابية تجاه القضية الفلسطينية).

مؤسس المطبخ المركزي العالمي نفسه، كان في بداية الحرب مؤيدا شرسا للاحتلال، ولكنه تحول بعد الجريمة للهجوم عليه، بل وصل به الأمر ليقول في لقاء مع ABC الأمريكية (سيبث قريبا) أن الأمر لم يعد يتعلق بمقتل العمال السبعة الأجانب، بل بالجريمة المستمرة ضد الفلسطينيين.

بالتأكيد هذه التحولات مرحب بها ومهمة، ولكن لا بد من الإشارة إلى سببها، وهو بدون مواربة مقتل مدنيين من ذوي البشرة البيضاء، وليس من الفلسطينيين!


هذه الأمثلة القليلة على طريقة تعامل "النخب" الإعلامية والنجوم في بريطانيا والعالم مع العدوان على غزة بعد جريمة قتل عمال المطبخ الغربيين، لا تمثل شيئا مقابل ردود الفعل الرسمية الغربية، من واشنطن إلى لندن إلى كانبرا (العاصمة الأسترالية) إلى غيرها من عواصم العالم، التي أصدرت لأول مرة منذ بداية العدوان تحذيرات حقيقية للاحتلال، جعلت حكومته تقدم بعض "التنازلات" فيما يتعلق بالتحقيق "الصوري" للجيش بالجريمة، وإدخال المساعدات إلى قطاع غزة.

العنصرية البيضاء هي فقط ما يمكن أن يفسر هذا السلوك الغربي، إذ مثل مقتل سبعة أشخاص غربيين حدثا أهم وأخطر من مقتل أكثر من 200 من عمال الإغاثة الفلسطينيين، وأكثر من 137 صحفي فلسطيني، وعدد من الأطباء الفلسطينيين العاملين في منظمات دولية مثل "أطباء بلا حدود"، إضافة إلى مقتل أكثر من 300 من الطواقم الطبية المحلية، وأكثر من 100 من موظفي الأمم المتحدة وهو رقم يفوق مثيله في كل الصراعات في التاريخ الحديث، إضافة لأكثر من 30 ألف فلسطيني لا يكترث لهم أحد من العالم "المتحضر".

يقول البعض إن تفسير هذا الانقلاب الرسمي و"النخبوي" لا يمكن تفسيره بالعنصرية "البيضاء"، وأن العواصم الغربية ضاقت ذرعا بجرائم الاحتلال ووجدت في جريمة المطبخ العالمي مبررا للتعبير عن موقفها. يا سلام! إذا أخذنا هذا التحليل، فهو إن كان يؤكد شيئا فهو بدون شك يؤكد هذه "العنصرية البيضاء"، لأن عواصم الغرب لم تجدد مبررا خلال ستة شهور من القتل وارتكاب جميع الجرائم الموصوفة بالقانون الدولي لتضغط على الاحتلال، ولكنها وجدت أن المبرر الذي يمكن أن يقنع إعلامها وشعوبها واللوبيات السياسية فيها، هو مقتل سبعة مواطنين غربيين. إذا لم تكن هذه عنصرية فما هي العنصرية إذن؟!


على أن ليس الغربيين وحدهم من يحتاجون أن ينظروا للمرآة ليروا عنصريتهم "عارية" بدون ورقة توت، بل إن العرب يجب أن ينظروا للمرآة أيضا ليدركوا مدى استرخاص العالم لأرواحهم ودمائهم، وأن يعلموا أن السبب في ذلك هي الأنظمة التي جعلت منهم "فائضا بشريا" لا قيمة له في العالم.

في مثل هذه الأيام من عام 2016، نقلت صحف إيطالية تصريحا لأم الطالب الإيطالي "جوليو ريجينى" الذي اتهم الأمن المصري بتعذيبه وقتله، تقول فيه "قتلوه وعذبوه كما لو كن مصريا"!

هذه هي صورتنا في العالم، لا قيمة لنا، وبدلا من أن نطالب -بحق- الغربيين بالتوقف عن عنصريتهم البيضاء تجاهنا، يجب أن نحرر أنفسنا من الصورة التي صنعتها حكومات فاشلة عنا في العالم، لا ترى فينا هي الأخرى سوى أرقام لا قيمة لها!

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه فلسطيني الاحتلال غزة العنصرية المطبخ العالمي فلسطين غزة الاحتلال العنصرية المطبخ العالمي مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

الأدب المسرحي ضد العنصرية.. وفاة كاسر محرمات جنوب أفريقيا أتول فيوغارد

توفي الكاتب المسرحي الجنوب أفريقي أتول فيوغارد عن عمر ناهز 92 عاما، تاركا وراءه إرثا أدبيا ومسرحيا شكّل علامة فارقة في النضال ضد نظام الفصل العنصري.

ونعت بلدية مدينة كيب تاون -الأحد- هذا المسرحي البارز الذي واجه محرمات النظام العنصري من خلال أعماله الجريئة التي جمعت ممثلين من البيض والسود على خشبة المسرح، متحديا بذلك القوانين الجائرة التي حاولت فرض التفرقة العنصرية في جميع نواحي الحياة.

وفي بيان لها، أشادت بلدية كيب تاون بإسهامات فيوغارد، مؤكدة أن "كل من تأثر بفنه سيبقى يحمل إرثه الإبداعي"، لافتة إلى أنه "اشتهر بمواقفه الثابتة ضد نظام الفصل العنصري".

وُلد فيوغارد في 11 يونيو/حزيران 1932 ببلدة ميدلبورغ خلال حقبة كان فيها الفصل العنصري سياسة رسمية متجذرة تحرم السود من حقوقهم الأساسية.

وفي عام 1961 قدّم واحدة من أولى مسرحياته الكبرى "عقدة الدم"، والتي تناولت قصة أخوين غير شقيقين، أحدهما أبيض (أدى دوره فيوغارد نفسه)، والآخر أسود، يجتمعان على خشبة المسرح أمام جمهور مختلط، وهو أمر كان يعد سابقة خطيرة في ظل النظام العنصري.

لكن لم يطل الأمر حتى فرضت السلطات حظرا على الفرق المسرحية المختلطة، ومنعت وجود جمهور متنوع الأعراق في المسارح، مما دفع فيوغارد إلى التعاون مع فرقة "سربنت بلايرز" التي ضمت ممثلين سودا -بينهم جون كاني- لتقديم عروض مسرحية تتناول واقع الحياة في جنوب أفريقيا آنذاك.

إعلان

ومن أشهر مسرحياته "بوسمان ولينا" التي عرضت لأول مرة عام 1969، وتناولت قسوة الحياة التي يعانيها زوجان من السود، وتم تحويلها إلى فيلم سينمائي عام 2000 من بطولة داني غلوفر وأنجيلا باسيت.

تدور المسرحية حول شخصيتين من عرق مختلط، يعيشان منبوذين يتجولان في أراضٍ طينية بالقرب من نهر، وخلال رحلتهما يحاولان البحث عن جذورهما والمصالحة مع ماضيهما، لكنهما يواجهان صراعات داخلية وخارجية.

ووسط الظلام الذي يلف حياتهما يظهر رجل أسود يحاول سرد قصته، لكن حاجز اللغة يمنعهما من التواصل معه، ويتوفى الرجل الأسود بجانب نارهما، وفي لحظة نادرة وسط الألم واليأس تقرر "لينا" أن تغني وترقص.

كسر القيود المسرحية

من جانبه، عبّر الممثل المسرحي الجنوب أفريقي جون كاني المعروف بصوته الأجش الذي ميز شخصياته في أفلام "مارفل" و"ديزني" عن حزنه الشديد لفقدان صديقه فيوغارد، مشيرا إلى أنهما تشاركا العمل معا منذ شبابهما.

ولم تكن شراكتهما مجرد تعاون مسرحي، بل كانت تحديا صريحا للنظام العنصري، إذ تجاهل الاثنان القوانين الجائرة، وعقدا تدريباتهما في الخفاء داخل الفصول الدراسية والمرائب هربا من مضايقات الشرطة.

وفي هذا السياق، أشادت صحيفة غارديان البريطانية عام 2012 بشجاعة فيوغارد، واصفة إياه بـ"الأفريكاني العنيد الذي ساعد في كشف وحشية نظام الفصل العنصري وظلمه الأعمى للعالم".

لم يقتصر تأثير فيوغارد على المسرح، بل امتد إلى السينما، إذ سُلطت الأضواء عليه مجددا عام 2006 عندما فاز فيلم "تسوتسي" المقتبس من قصة قصيرة كتبها عام 1961 بجائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي، ليصبح أول فيلم جنوب أفريقي ينال هذا التكريم.

أما مسرحيته "السيد هارولد والصبيان" -التي استلهمها من سيرته الذاتية- فتدور أحداثها في خمسينيات القرن الماضي، وتتناول قضية التحيز العنصري من خلال العلاقة بين مراهق أبيض ورجلين أسودين يعملان لدى عائلته.

إعلان ثيمة المقاومة

شكّلت مسرحيات أتول فيوغارد مرآة تعكس معاناة السود في جنوب أفريقيا، إذ تكررت في أعماله ثيمة المقاومة، ولا سيما في مسرحيتيه الشهيرتين "سيزوي بانزي مات"، و"الجزيرة"، واللتين كتبهما بالتعاون مع رفيقيه في النضال المسرحي جون كاني ووينستون نتشونا.

تناولت مسرحية "سيزوي بانزي مات" -التي عُرضت لأول مرة عام 1972- قضايا الهوية والكرامة الإنسانية، حيث تدور حول رجل أسود يجد بطاقة هوية لشخص متوفٍ، ويضطر إلى انتحال هويته للحصول على فرصة عمل، في إدانة واضحة للقوانين العنصرية التي فرضت قيودا مشددة على حركة السود في البلاد.

"صحيح أن نظام الفصل العنصري حصرني، لكنني فخور بالعمل الذي نتج عن ذلك، والذي يحمل اسمي"

أما مسرحية "الجزيرة" -التي استُلهمت من تجربة السجناء السياسيين في جزيرة روبن آيلاند حيث سُجن نيلسون مانديلا- فقد سلطت الضوء على القمع السياسي والمعاناة داخل المعتقلات من خلال قصة رجلين يقضيان حكما بالسجن مع الأشغال الشاقة.

وفي تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية عام 1995 بعد عام من أول انتخابات ديمقراطية غير عنصرية في جنوب أفريقيا قال فيوغارد "صحيح أن نظام الفصل العنصري حصرني، لكنني فخور بالعمل الذي نتج عن ذلك، والذي يحمل اسمي".

وكان هذا الموقف انعكاسا واضحا لإيمانه بدور الأدب والمسرح باعتبارهما وسيلة قوية للمقاومة والتغيير.

إرث مستمر بعد زوال الفصل العنصري

لم يتوقف فيوغارد عن استكشاف تداعيات الفصل العنصري حتى بعد انتهائه رسميا في عام 1994، إذ واصل في أعماله المسرحية استعراض إرث هذا النظام في جنوب أفريقيا الجديدة.

وفي مسرحية "الرجل الأول" الصادرة عام 1997 عاد إلى طفولته وتأملاته الشخصية، في حين ناقش في مسرحية "أرض الناس الجميلة" -التي كتبها في العقد الأخير من حياته- التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي واجهتها البلاد بعد التحول الديمقراطي.

إعلان

حصد فيوغارد خلال مسيرته الحافلة العديد من الجوائز، كان أبرزها جائزة توني الخاصة عام 2011 عن مجمل أعماله المسرحية -وهي واحدة من أرفع الجوائز المسرحية في العالم- تقديرا لإسهاماته الفريدة في الفن المسرحي.

كما منحته الأكاديمية البريطانية لفنون السينما والتلفزيون جائزة تقديرية عن إبداعاته السينمائية والمسرحية.

وتأثر أتول فيوغارد بالنسيج القانوني والسياسي لجنوب أفريقيا، كما تأثر بكتاب عالميين مثل جورج أورويل وبرتولت بريخت وآرثر ميلر الذين استخدموا المسرح أداة نقدية لكشف الاستبداد والظلم.

وبفضل جرأته أصبح أحد الأسماء البارزة في حركة "المسرح الاحتجاجي"، والتي ظهرت في جنوب أفريقيا لمواجهة التمييز العنصري من خلال الأعمال الدرامية.

يذكر أن أعمال فيوغارد لم تكن تُعرض بسهولة في جنوب أفريقيا خلال فترة الفصل العنصري، إذ كانت تُمنع أو تُفرض عليها رقابة صارمة، مما اضطره إلى تقديم عروض سرية أو نقل مسرحياته إلى خارج البلاد، حيث لقيت إشادة واسعة في لندن ونيويورك ومدن أخرى.

ووُلد أتول فيوغارد عام 1932 في بلدة ميدلبورغ بجنوب أفريقيا لأب من أصول أيرلندية وفرنسية وأم أفريقية.

ونشأ في بيئة متواضعة بمدينة بورت إليزابيث، حيث التحق بمدارس محلية، قبل أن يدرس الفلسفة والأنثروبولوجيا في جامعة كيب تاون، لكنه تركها دون إكمال دراسته.

قضى فيوغارد فترة من حياته في التدريس، إذ عمل أستاذا مساعدا للكتابة المسرحية والإخراج بجامعة كاليفورنيا في سان دييغو.

ورغم عودته إلى جنوب أفريقيا بعد انتهاء الفصل العنصري فإنه أعرب عن خيبة أمله من التحديات التي واجهتها البلاد في فترة ما بعد الفصل العنصري، وهي الخيبة التي يشترك فيها معه كثير من أبناء جيله من المناضلين ضد الفصل العنصري.

مقالات مشابهة

  • يامال: الإهانات العنصرية مؤلمة ولكنها لا تؤثر على أدائي
  • كورنيش المحلة وسمنود.. نهضة حضارية في قلب الغربية لخدمة المواطنين وتحقيق التنمية
  • اعتقال 40 عاملا من الضفة الغربية في الطيرة
  • محمد الأمين: أخطر مهدد يمكن أن يصيب الحوار السوداني في مقتل هو استمرار حالة الانقسام
  • الأدب المسرحي ضد العنصرية.. وفاة كاسر محرمات جنوب أفريقيا أتول فيوغارد
  • سطيف.. مقتل ثلاثيني في جريمة شنعاء دقائق قبل أذان المغرب بعين ولمان 
  • صحافة العالم.. خطة وزير الاحتلال المتطرف لإخلاء غزة من الفلسطينيين استجابة لدعوة ترامب.. ومناورة بحرية بين 3 دول من ضمنها إيران
  • الفراخ البيضاء بكام؟.. أسعار الدواجن وكرتونة البيض اليوم الإثنين 10 مارس 2025
  • إب.. مقتل إثنين من المواطنين في مديرية بعدان
  • عاجل | مصادر للجزيرة: قوات الاحتلال تغلق حواجز عسكرية جنوبي الضفة الغربية وتمنع آلاف الفلسطينيين من الوصول لمنازلهم