نوف الموسى (دبي)
التفكير باللغة المفتوحة، ذات الدلالات اللانهائية عبر الأعمال الفنية في الأماكن العامة، أحد أبرز الموضوعات التي أشار إليها الفنان المكسيكي هيكتور زامورا، في حواره مع «الاتحاد» حول ممارساته الفنية، ومواجهته الدائمة للأنماط المصطنعة للطبيعة الأم، والتي يُقصد بها كيف أن البيئة ضمن المفهوم الحضري للمساحة المحيطة في حياتنا اليومية، بدأت تفتقد للعفوية المتأصلة في شكل الأشجار، ونمو العشب في الأرض، وأن هناك ما يمكن أن نطلق عليه بالنمط الغربي كيفية بناء الحدائق المنزلية، وتهيئة الأشجار دونما إتاحة أكبر فرصة ممكنة لها في أن تنشأ وفقاً للطبيعة الجغرافية لكل بلد، ما يحدث تأثيراً مباشراً على سلوكياتنا، والمعنى الذي نبني من خلاله أفكارنا ومعارفنا، ورؤيتنا للحياة وعلاقتنا بذواتنا ومحيطنا الطبيعي، حيث يرى الفنان هيكتور زامورا، أن المساحة في المفهوم الفني ليست فقط مرتبطة بما يُعبر عنها من خلال المادة، ولكنها أيضاً تمثل عنصراً ثقافياً يسعى من خلاله إلى إنتاج سرديات متصلة بالناس والمجتمع المحلي، لذا فإنه يتصور أن الأعمال الفنية في الأماكن العامة تمتاز بتحدٍ أكبر، لكونها تستهدف عامة الناس، من ليس لديهم أي ارتباط بالفنون، في محاولة لإدخالهم في تجربة حسية، وإحداث تلاشٍ للحدود غير المرئية بين الناس والفن المعاصر، ويعتمد الفنان هيكتور زامورا تفاصيل اليوميات العابرة التي يعيشها البشر مثل تناول الطعام وسماع الموسيقى والاهتمام بالنباتات المنزلية وغيرها، يوازيها استخدامه لمواد من الموروث الثقافي للشعوب، كموضوعات رئيسية في أعماله الفنية، إيماناً منه بأنها تمثل جوهر التجارب الإبداعية، لما تحمله من بساطة في الفعل وسهولة في الإدراك، ما يسمح للجميع بفهمها والمشاركة فيها.

 

أخبار ذات صلة بوشكين.. شاعر روسيا الكبير وشغف عميق بالإسلام تجربة «ألف ياء» في «الأرشيف والمكتبة الوطنية»

استخدام التاريخ
الفنان المكسيكي هيكتور زامورا، فنان معاصر، تشمل ممارسته الفنية الحالية: الأداء والفيديو والنحت والتركيبات الخارجية، تم عرض فيديو الفنان وأعماله النحتية والمعمارية في بينالي البندقية، وفي ترينالي ناغويا باليابان، وفي بينالي القاهرة، وساو باولو، وإسطنبول، وشنتشن في الصين، وليفربول، وليون، وهافانا. 
وقد صمم هيكتور زامورا فيديو مسجلاً بعنوان «إساءة استخدام التاريخ»، فيه يتأمل المتلقي كيفية تساقط نباتات كبيرة مزروعة في الأصيص، وتطايرها من نوافذ المبنى، الواقع في ساحة فناء مستشفى ماتارازو في ساو باولو، حيث يتحطم الأصيص، عند لحظة الاصطدام، وتتناثر النباتات، معبرةً عن تدخلات يحدثها الفنان في العلاقة بين التجربة الإنسانية والبيئات المعمارية، حول هذه التجربة تحديداً قال هيكتور زامورا: «الإشكالية أننا بدأنا ننظر إلى محيطنا الطبيعي كديكور وأنماط مصطنعة ومعلبة، شبيهة بإكسسوارات جمالية، يجب أن تكون بصورة معينة، تكاد تكون مكررة في أغلب المجتمعات المعاصرة، نجدها في تصميمنا للأشجار في الحدائق المنزلية وغيرها. وما عمدت إلى مناقشته في الفيديو، هو بيان كيف أن النباتات بمجرد تحررها من الأصيص بعد لحظة الاصطدام، إنما هي تكشف رغبتها في أن تعيش بشكلها الطبيعي، وتنمو بعفويتها البرية الجامحة والممتدة، وهو بطبيعة الحال يعكس المعنى من سلوكياتنا كبشر التي باتت تفتقد لأصالتها، أمام امتثالها الكامل لما يود الآخرون منّا فعله، أو الامتناع عنه». 
الواقع الطبيعي
يسرد الفنان هيكتور زامورا، مواليد عام 1974 في المكسيك، أنه في طفولته، كان يتسلق الأشجار، ويلعب في المساحات الخضراء، أما الآن في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا مثلاً، فأصبح أمراً ممنوعاً، وذلك لحماية الأطفال من حوادث السقوط، ورغم أهمية الأمر بالطبع، لكنه أيضاً يفتح الأسئلة حول تسطيح علاقتنا بالواقع الطبيعي مع الوقت، وكيف يمكن أن نعززها من خلال الاشتغال على الموروث الإنساني، والمواد المنسوجة من الحجارة والطين، مثل الفخاريات وإعادة اكتشافها عبر الأعمال الفنية، كممارسة حيّة تهدي المتلقي تواصلاً إبداعياً مع الطبيعة. وقد أبدى الفنان هيكتور زامورا، قلقه حول أثر التكنولوجيا والتقنية، وبالأخص التجارب الافتراضية والميتافيرس، وكيف أن النظام العالمي يدفعنا باتجاه العيش فيها بشكل صناعي واستهلاكي، ما أفرز بالمقابل مشاريع فنية، تؤكد منهجية التجارب الحقيقية، لتحقيق ميزة الاستمتاع بالفن، وذلك بتركيز الفنانين على ابتكار مشاريع إبداعية يتم إدراكها عبر الحواس الخمس، ضمن آلية تقيس تفاعل المتلقي مع الأعمال الفنية. 
تجربة حسية
«الكثير من الناس اليوم، يشاهدون الأعمال على صفحات الإنستغرام، ويبدون إعجابهم فيها، ولكنهم لا يذهبون بعدها إلى الاستوديو للتفاعل معها بشكل حيّ ومباشر، ومنه فإني أعمل على أن تكون أغلب مشاريعي، غير مسموح فيها التصوير الفوتوغرافي، وأن يتم السير إليها بالأقدام، وبأن تمتاز بتجربة حسية متكاملة، تفتح الحواس، دونما أي تشتيت، مثلما هي رحلة الذهاب إلى منتجع سياحي بديع»، هنا يوضح الفنان هيكتور زامورا، المرحلة الأهم في بناء العمل الفني، والاشتغالات القائمة على فكرة أن يكون العمل متاحاً ضمن تفاصيل الحياة اليومية ويهتم بحركة الناس وأسلوب حياتهم، وذلك بأن يكون جزءاً من رفاهية المتعة الحسية، وليس عملاً منفصلاً عن الواقع المعاش.

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: المكسيك الثقافة الفنون اليابان إسطنبول الصين الأعمال الفنیة

إقرأ أيضاً:

الفنان الشاب علي يونس أحمد..  تقنيات فنية تعبيرية ورمزية لتجسيد رؤاه الإنسانية والجمالية

دمشق-سانا

بفرشاته السحرية ومخيلته النابضة بالإبداع يصوغ الفنان علي يونس أحمد عالماً خاصاً به يجسده بالألوان والخطوط والأشكال التي تعبر عن مشاعره وأفكاره مستلهماً موضوعات أعماله من عوالمه الداخلية ومن حكاياته الخاصة ورحلته مع الحياة فيعكس تجربته الفنية في كل لوحة مجسداً رؤيته الفريدة للجمال.

يسير يونس على خطا المدرستين التعبيرية والتعبيرية الرمزية فهما الأسلوبان المفضلان لديه حسب حديثه لنشرة سانا الشبابية، حيث أوضح أن تقنيات المدرسة التعبيرية تساعده في التركيز على المشاعر الداخلية، أما التعبيرية الرمزية فهي للتركيز على استخدام الرموز والتصاوير لتوصيل معان أعمق.

أما أهم أعماله في هذا المجال حسب قوله فهي لوحة بعنوان “انتماء” أظهر فيها التحديات التي يواجهها الإنسان في بيئة غريبة، مؤكداً أنه واجه عدة صعوبات في تنفيذ هذه اللوحة نظراً لاختياره للون الأخضر الذي يعد من أصعب الألوان في الرسم، إضافة إلى الوقت الطويل الذي استغرقه في إنجازها كونه اهتم بأصغر التفاصيل لإيصال المعاني المرجوة بدقة.

التجارب الإنسانية الشخصية والأفكار التي تُثيرها الحياة هي مصدر إلهام الفنان أحمد، أما عن هدفه الفني فهو “وصول التحليلات الفلسفية والاجتماعية للجمهور بأسلوبه الفني الخاص وتعزيز وتحليل القيم المتعلقة بالتجارب الحياتية، إضافة إلى التحليلات الشخصية للقضايا النفسية والفلسفية ضمن بعد درامي يثير التساؤل والتفكير عند المشاهد”.

ونظراً لما تنطوي عليه أعمال أحمد في عمقها الفكري والجمالي من أفكار ومفاهيم مهمة فقد أوضح أنه يؤمن بأن “ثقافة الإنسان تظهر في كل مجالات حياته وتنعكس على أعماله الفنية من خلال الاختبارات اللونية والأساليب التعبيرية والمواضيع المستوحاة”.

بطبيعة الحال فإن عدداً من التحديات تواجه الفنان في عمله، منها كما ذكر ارتفاع تكلفة المواد الأولية وإمكانية تحويل العمل الفني إلى مصدر دخل، إضافة إلى تراجع الحالة الثقافية والفنية في البلد نتيجة الحرب وعدم توافر الوقت للبحث والإنتاج الفني وصعوبة وصول المشاريع الفنية للجمهور إلى جانب تواضع الاهتمام من قبل وسائل الإعلام.

وعن طموحاته، فيؤكد أنه يسعى إلى ترك بصمة واضحة في العالم الفني بأسلوبه الخاص، وأن يصبح اسمه معروفاً في ساحة الفن السوري والعالمي، مختتماً حديثه بدعوة الفنانين الشباب إلى اتباع احساسهم الداخلي والتعبير عن رؤاهم الخاصة دون التأثر بآراء الآخرين وعدم الخضوع للأطر التقليدية والتشبث بالقيم المطلقة للفن.

وداد عمران

مقالات مشابهة

  • تركي آل الشيخ يكشف اسماء الأعمال الفنية التي ستصدر بالتعاون مع الشركة المتحدة
  • الفنان مصطفى الداسوكين في ذمة الله
  • فى عيد ميلادها.. غادة عبد الرازق فنانة ندمت على العمل بالفن
  • تامر فرج: أنا ضد المقاطعة الفنية ونحن لسنا أنبياء
  • الناقدة رحاب هانى: المقاطعة الفنية جزء من ضريبة الشهرة
  • بعد تعاقدها على فيلم "رزق الهبل".. تعرف على أبرز الأعمال الكوميدية للفنانة منى زكي
  • الفنان الشاب علي يونس أحمد..  تقنيات فنية تعبيرية ورمزية لتجسيد رؤاه الإنسانية والجمالية
  • محمود العزازي لـ «الوفد»: مسرحية «نوستالجيا 90 /80» جذبت الجمهور للمسرح من جديد
  • حقيقة تدهور صحة توفيق عبد الحميد
  • سلطنة عمان.. اهتمام متنام بالاستثمار الرقمي والصناعات الإبداعية