كسر قيود التردد وتجاوز عقدة الخيار
تاريخ النشر: 8th, April 2024 GMT
تشكِّل القرارات التي نتخذها في حياتنا ،خيوطًا تنسج مصيرنا، فكل خيار مهّما بدا ضئيلاً أو ضخماً، يرسم ملامح مسيرتنا، لكن مجرد اتخاذ تلك القرارات، يشكّل عائقاً كبيراً لدى العديدين منا، فخوف ارتكاب الخطأ يلاحقنا في حياتنا الشخصية والمهنية كظل ثقيل، باعثاً التردُّد والحيرة أمام ما يستوجب علينا حسمه.
إن العجز عن إصدار الأحكام ،مترسّخ بقوة في تجاربنا، ويتعزّز ويتجذّر أكثر ، بسبب العديد من العوامل والتحدّيات، فغالبا ما يقود دفّة هذا التردُّد “الخوف من الفشل”، المعروف بتأثيره السلبي على عملية صنع القرارات.
الدكتورة كارلا ماري مانلي وهي طبيبة نفسية سريرية، تحدّثت عن كيفية تشّكيل بيئة نشأتنا لطبيعة اختياراتنا ، فالمساحات الداعمة التي ترى في الخيارات فرصًاً للتعلُّم والتطور، تغرس الثقة، بينما ينتشر التردُّد في البيئات المتسمة بالانتقاد والخوف، مكبّلة النمو ومرهقة تقدّير الذات.
للتأثير الأبوي بصمته الخاصة ضمن نطاق التردّد، فعندما يفرط الأوصياء في السيطرة، قد يسلبون أطفالهم حرية الاختيار، ليجدوا أنفسهم بعدها غارقين في الحيرة ،حين يتوجب عليهم اتخاذ قراراتهم الخاصة.
كما أن هوس الكمال ، يزيد الطين بِلّة في عالم الأفكار، مشكّلاً شبكة من القلق ،حيث يُقيَّم كل خيار تحت مجهر صارم من الخطأ والصواب.
بالنسبة للباحثين عن رضا الآخرين، فإن عملية اتخاذ القرارات ، هي بمثابة ساحة معركـة ،حيث تتصادم رغباتهم واحتياجاتهم مع توقعات المحيطين.
وقد أجادت الدكتورة هالي ، تصوير الصراع النفسي الذي يخوضه أولئك الذين يفضّلون الإستحسان الخارجي على تقرير مصيرهم الشخصي.
وبالمثل، فإن فقدان البوصلة والرؤية الأكبر للأمور، قد يجعل حتى أصغر الخيارات يبدو جبلاً، فيما تتوه مقاييسنا وسط ضباب الحيرة.
كثيراً ما يواجه الشخص المتشكّك في ذاته ، صعوبة في اكتساب الثقة التي تشكِّل عصب صنع القرارات الناجحة، وعدم الثقة بالنفس ،قادر على كبح جماح حتّى صاحب الإرادة الفولاذية عن اتخاذ خطوة حاسمة، حتّى لو كان يعرف تمامًا ما يلزم فعله.
وعلى الجانب الآخر، فإن الافتقار للمعرفة ، قد يترك المرء عاجزاً عن اتخاذ القرارات ،حتّى لو إمتلك أعتى درجات العزيمة، وهذا يسلِّط الضوء على أهمية إيجاد
التوازن الأمثل بين الثقة والفهم ،إلا أن مشاعر التردّد التي تتجاوز عند البعض مجرّد الشك، إلى هوس ملازم ، قد يصل إلى مرحلة الإضطراب المرضي. فمرض “أبولومانيا” ،أو اضطراب فقد الإرادة القابل للتّشخيص الطبي، يثقل كاهل المريض بعجز كبير عن اتخاذ القرارات، ملقيًا ظلالاً كئيبة على كافة جوانب الحياة اليومية.
كما أن الترددّد ، قد ينبئ باضطرابات صحية نفسية أشدّ، ليكون عرضًا من أعراض مجموعة واسعة من المشاكل تمتد من القلق إلى الزهايمر.
على الرغ من من سوداوية المشهد، يبقى هناك بصيص من الأمل، فمهارة اتخاذ القرارات قابلة للتطوير كأي عضلة تصبح قوية بسبب للتمرين، وذلك بالممارسة والإصرار، وباستطاعتنا إستعادة زمام أمور حياتنا عبر تهيئة مساحات ترى في الخيارات فرصًا للنمو لاعوائق.
هناك العديد من الأساليب النافعة، مثل العلاج السلوكي المعرفي وتقنيات اليقظة الواعية، القادرة على مساعدتنا حين نرتبك أمام خياراتنا، وبمواجهة مخاوفنا، وتقصي معتقداتنا ، وتقبّل إمكانية الفشل كخطوة حتمية على طريق النجاح، يمكننا تحطيم أغلال التردّد التي تقيدنا.
في لوحة الحياة الفسيحة، يساهم كل خيار، مهّما بدا تافهاً، في نسج جماليات مسيرتنا، ومن خلال فهم عدم اليقين المصاحب لعملية اتخاذ القرارات، نتمكّن من استغلال إمكاناتنا اللانهائية.
صحيح أن شبح التردُّد حاضـر دائمًا، إلا أننا في خضم خياراتنا ، نصوغ مستقبلنا خطوة بخطوة وقرار بقرار.
jebadr@
المصدر: صحيفة البلاد
كلمات دلالية: اتخاذ القرارات
إقرأ أيضاً:
طهران ترسل عبر بغداد رسالة إيجابية الى واشنطن: الخيار العسكري مؤجل حاليا - عاجل
بغداد اليوم- بغداد
كشف مصدر مطلع، اليوم الخميس (21 تشرين الثاني 2024)، عن رسالة إيرانية ذات مضامين إيجابية الى واشنطن عبر الوسطاء العراقيين.
وقال المصدر في حديث لـ "بغداد اليوم"، إن "طهران ارسلت يوم امس عبر وسطاء عراقيين رسالة غير مباشرة الى امريكا حول رؤيتها الى حل الازمة والتصعيد الخطير في الشرق الأوسط، ابتداء من انهاء حرب الإبادة في غزة وجنوب لبنان، وايقاف القصف في بيروت والسعي الى خارطة طريق برؤية دولية".
وأضاف أن "الرسالة الايرانية حملت اشارات دبلوماسية في اغلب سطورها، ما يعني انها تريد الوصول الى حل ينهي الصراع القائم وفق رؤية محددة الابعاد مع الاشارة الى انها لا تريد الحرب الشاملة ولكنها ستنخرط بها اذا ما فرضت عليها بشكل مباشر".
وأشار الى أنه "يمكن الاستشعار بان الخيار العسكري الايراني على تل ابيب بالوقت الحالي بات مؤجلا في ظل مساعي دولية غير معلنة لمنع انفجار الشرق الاوسط، بالاضافة الى انتظار رؤية الرئيس امريكي الجديد وكيفية تعامله مع ملفات الشرق ووعوده بانهاء الحرب".
وبين المصدر أن "ايران بدأت تخفف من حدة خطابها نحو الدبلوماسية التي من خلالها يمكن الوصول الى حلول تسهم في إيقاف نزيف الدماء مع بيان موقف ثابت بانها لن تتخلى عن محور المقاومة".
ولعب العراق دور الوسيط في الحوار غير المباشر بين واشنطن وطهران، وساهم في منع تطور الأحداث إلى حرب شاملة كبرى إقليمية.
وفي شأن متصل، كشف مصدر مطلع، السبت (19 تشرين الأول 2024)، عن وصول رسالة أمريكية مقتضبة إلى طهران عبر وسطاء عراقيين تركز على ثلاث نقاط.
وقال المصدر في حديث لـ"بغداد اليوم"، إن" رسالة أمريكية مقتضبة وصلت صباح اليوم الى وسطاء عراقيين في بغداد لنقلها الى ايران ركزت على ثلاث نقاط ابرزها انها تريد التهدئة وعدم تأزيم الموقف في الشرق الأوسط وان أي اعتداء يطال مصالحها سترد وانها لا تريد حربًا مباشرة مع طهران، وان تكف عن دعم حالة التوتر في لبنان وغيره".
وأضاف، ان" الرسالة لا جديد فيها وهي تكرار لرسائل أخرى مشابهة، لافتا الى ان" ايران ردت قبل أيام على رسالة أمريكية كانت مشابهة الى حد كبير باختصار وهي انها لن تتردد في الدفاع عن نفسها اذا ما تعرضت الى هجوم من قبل الكيان وانها ستعتبر من يوفر له الدعم والاسناد للكيان بانه مشارك بالاعتداء".
وأشار المصدر الى، ان" اغتيال السنوار غيّر من قواعد اللعبة في المنطقة ويبدو ان واشنطن قررت التأني في أي مباحثات غير مباشرة مع طهران بانتظار رد الكيان المحتل الذي يتوقع بانه لن يطول لكنها قلقة من انه قد يتجاوز خطوطًا حمراء تدفع الى المزيد من التوتر في منطقة باتت في وضع لا تحسد عليه".
وفي السياق ذاته، كشف مصدر مطلع، يوم الخميس (3 تشرين الأول 2024)، عن محتوى ثلاث رسائل أمريكية عاجلة عبر العراق الى ايران خلال اقل من نصف ساعة.
وقال المصدر في حديث لـ"بغداد اليوم"، إن" واشنطن تراقب عن كثب قدرات إيران الصاروخية من خلال وسائل مختلفة وهي تبدي قلقًا من تنامي ملف تطويرها وصولا الى مرحلة فرط صوتية التي تشكل هاجس قلق بالنسبة لها لان قدرات الباتريوت وغيرها من منظومات الدفاع الجوي المتوفرة تكون اقل في اعتراضها".
وأضاف، ان"امريكا وجهت ثلاث رسائل عاجلة الى طهران عبر العراق خلال نصف ساعة، في مرحلة الاعداد للهجوم الصاروخي اول امس والذي تم تنفيذه من 5-6 قواعد إيرانية صوب اهداف في العمق الإسرائيلي وتضمنت الرسائل نقاطًا عدة تتمحور كلها في عبارة "لا تهاجموا قواعدنا العسكرية".
وأشار المصدر الى، إن" واشنطن كانت قلقة من ان تُهاجم قواعدها سواء من قبل ايران او الفصائل المقربة، مؤكدا بانها رغم ذلك استنفرت واتخذت كل الإجراءات الاحترازية تحسبا من أي تطورات متسارعة".