داليا عبد الرحيم: الجماعات الإرهابية تستخدم المفاهيم الدينية بطريقة تضمن خلق واستمرار التطرف.. والمفتي: فكر سيد قطب قائم على أن الإسلام غائب منذ زمن بعيد.. و"الإخوان "تسعى لنشر أفكاره
تاريخ النشر: 8th, April 2024 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
قالت الكاتبة الصحفية والإعلامية داليا عبد الرحيم، مساعد رئيس قطاع القنوات الإخبارية بالشركة المتحدة للخدمات الإعلامية لملف الإسلام السياسي، إن مفهوم الحاكمية يعود أول ظهوره في المجال العام في حادثة رفع المصاحف على أسنة السيوف، والدعاء إلى "تحكيم كتاب الله" من جانب الأمويين في موقعة صفين، هذه الحيلة التي كان محتواها سياسي في المقام الأول نقلت الصراع من مجاله الخاص السياسي الاجتماعي إلى مجال الدين والنصوص الدينية.
وأضافت “عبد الرحيم”، خلال تقديمها برنامج “الضفة الأخرى”، المذاع عبر فضائية “القاهرة الإخبارية”، أنه بدأ التركيز على مفهوم الحاكمية في عالمنا العربي من خلال كتابات سيد قطب مفكر جماعة الإخوان، خاصة في فترة الستينيات من القرن الماضي، وما ترتب على المفهوم بعد ذلك من تكفير المجتمع، ومحاكمة كل الأنظمة والأنساق الاجتماعية والسياسية والفكرية في تاريخ البشرية، ومن خلال استخدام هذا المفهوم حولت جماعة الإخوان صراعها السياسي على السلطة إلى صراع ديني سمح لهم بتزييف وعي الناس وتخديرهم للوصول إلى السلطة سواء في الماضي أو بعد 25 يناير.
وأوضحت أن الولاء والبراء يعتبره البعض عقيدة عند المسلمين، والبعض الأخر يعتبره من أركان العقيدة الإسلامية، وشرط من شروط الإيمان لدى بعض علماء المسلمين؛ فيعني الولاء المحبة، والنصرة، والاتباع، والقرب من الشيء، والدنو منه، بينما يُقصد من الجزء الثاني من المصطلح البراء من أي مظاهر تتعارض مع الإسلام، وتستخدم تنظيمات العنف والتطرف مصطلح الولاء والبراء في تكفير المسلمين والإعتداء عليهم، بدعوى موالاتهم لغير المسلمين؛ فيتم توظيف المصطلح فيمن يوالون خصومهم السياسيين، وبذلك يستخدم في الحرب السياسية كأحد مظاهر خلط الدين بالسياسة.
وأكدت أن الحاكمية التكوينية وهي إرادة الله الكونية القدرية التي تتمثل في المشيئة العامة المحيطة بجميع الكائنات، وهي "حاكمية الله" التي لا يشاركه فيها أحد، وفيها دلالة على إحاطة الله بشؤون الخلق والأمر، فلا يقع ولا يجري في الكون إلا ما سبق في حكم الله، أما الحاكمية التشريعية: وهي التي تتعلق بإرادة الله الشرعية في الخلق، بتحكيم شرع الله في الناس، وهذه فوض سبحانه تنزيلها في الأرض للأنبياء والخلفاء وأولي الأمر وأهل الحل والعقد، ومنها تستمد "حاكمية الأمة" وهو أحد أبرز المصطلحات الدينية التي اتخذتها الجماعات والتيارات التكفيرية المتطرفة في تأصيل موقفها من الحكم والحاكم ومؤسسات الدولة كافة، ورفض بعض تلك الجماعات الاشتغال بالعمل السياسي في البرلمان بدعوى الحاكمية، كما استخدم المصطلح في تكفير الحاكم والمحكوم، ولم تفهم هذه الجماعات أن حاكمية الله لا تتم ولا تطبق إلا بحاكمية البشر، وأن الله سبحانه وتعالى هو الذى منح البشر هذه الحاكمية وشرفهم بها، وأنه لا تناقض بين حاكمية الله وحاكمية البشر.
ولفتت إلى أن الحسبة تُعني الحساب والتحقق، وهي مفهوم تطبيقي وليس مذكوراً صراحة في القرآن الكريم ولا في مجموعة الحديث الصحيح؛ ويفسر عمومًا على أنه إحدى الآليات لضمان تصحيح الممارسات الاقتصادية والتجارية بين الأمة الإسلامية، واستخدمته الجماعات المتطرفة في الوصاية على المجتمع وأفراده؛ فرفعوا مئات القضايا أمام المحاكم المصرية يحتسبون فيها سلوكيات غير التي تُخالف أيديولوجيتهم، كما أنهم قاموا بقتال البعض الأخر بدعوى الحسبة وفرض الوصاية عليهم.
وتابعت: وهكذا استخدمت الجماعات المتطرفة المفاهيم الدينية بطريقة معينة تضمن خلق واستمرار التطرف الديني في عقول الكثيرين، ومن ناحية أخرى كانت تتعمد هذه الجماعات إغفال وطمس كثير من الآيات القرآنية الرائعة الواضحة الداعية للسلام والرحمة، ومن بين المسائل والقضايا التي تشغل بال هذه الجماعات وتروج لها قضية "نظام الحكم" حيث تدَّعي هذه الجماعات أن هناك نظام حكم إسلامي وعدَّته أساسًا للعقيدة وجذبت من خلال استخدامه عددا لا حصر له من الشباب.
واستطردت: وإذا كانت هذه الجماعات تستهدف بمفهوم الحاكمية القضاء على تحكم البشر واستعبادهم لبعضهم البعض كما يروجون، فإن هذا المفهوم ينتهي عند المستوى التطبيقي إلى تحكيم بشر من نوع خاص، يزعمون لأنفسهم احتكار حق الفهم والشرح والتفسير والتأويل، وأنهم وحدهم الناقلون عن الله عز وجل، أما عن مفهوم الولاء والبراء والذي تعتقد فيه الجماعات الإرهابية أن المسلم لا يكون مخلصا لِجماعته إلا إذا عادى وأبغض الآخرين (غير المسلمين)، وأنه يجب على المسلم أن يكون مخلصا للمسلم ومعاديا وغير موالٍ لِغَير المسلم، سَوَاء أكَان َهَذا الأخير فَردا، جماعة أو دولةً.
ولفتت إلى أن هذا التفسير الإقصائي نجده في الأعمال الكلاسيكية حيث تكونت فكرة “الولاء والبراء” كنظرية عَقَدِيَة استكملت شكلها المتماسك مع ابن تيمية وَبَعدَهُ مَعَ مُحَمد بن عبد الوهاب وَصَارَت أحَد الأسُسِ التي تقوم عليها الوهابية، ووِفقًا لعقيدة “الولاء والبراء” فليس للمُؤمنين مِن أتبَاع الديانات أخرى إلا الكراهية والعداوة، إن نظرية “الولاء والبراء” لدى هذه الجماعات تتلخصُ فِي تَقسِيم الناس إلى فئتين متنافرتين وهما الفئة المؤمنة المسلمة وفئةُ ما عدا ذلك، أما الموقف الذي يجب أن يتخذه المسلم من الجانبين حسب هذه النظرية فهو الولاء والمحبة لأفراد و جماعة الفئة الأولى (المسلمين) وإن كانوا أشرارًا و البراء من أفراد و جماعة الفئة الأخرى ومعاداتهم وإن كانوا طيبين، وبعد أن يتم تكفير المجتمع على يد هذه الجماعات يصبح الولاء لكل من هو داخل الجماعة والبراء لكل من هو خارجها حتى لو كان مشهودا له بالإيمان، ومن حفظة القرآن، وهذا ما شاهدناه فترة حكم الإخوان، وما نشاهده في الصراع الدامي بين تنظيمي القاعدة وداعش في أفريقيا.
من جانبه قال الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، إن الجماعات المتطرفة تستند إلى القرآن الكريم في الحديث عن مبدأ الحاكمية، خاصة سيد قطب الذي ذكر هذا المصطلح بصورة كبيرة.
وأضاف "علام"، خلال حواره مع الإعلامية داليا عبد الرحيم، ببرنامج "الضفة الأخرى"، المذاع على فضائية "القاهرة الإخبارية"، أن مفردة الطاغوت والحاكمية في كتاب "في ظلال القرآن" لسيد قطب، ذُكرت أكثر من مرة في الصفحة الواحدة، وهذا يرجع إلى أن سيد قطب يتبنى فكرة أن الإسلام غاب من زمن بعيد، خاصة بعد الخلافة الراشدة، وهذا الفهم يتشبك مع فهم الخوارج"، موضحا أن الخوارج في عهد سيدنا علي بن أبي طالب رفعوا المصاحف على أسنة الرماح، وتحدثوا عن أن الحكم لله فقط، فتحدث سيدنا علي بن أبي طالب بأن هذه الكلمة حق يُراد به باطل، حيث يتم استغلال الدين لأسباب سياسية.
وأوضح أن سيد قطب تحدث عن أن الإسلام غائب، وطالب باتخاذ مجموعة من الإجراءات لإعادة الإسلام مرة أخرى، من خلال قيام مجموعة من الشباب تعلم الناس وتعيدهم إلى الصواب، وهذا يعني أن الناس على عقيدة غير صحيحة، وأطلق على هذه الفئة "فتية آمنوا بربهم"، مشيرا إلى أن سيد قطب تحدث عن أن هذه الفئة يجب أن تصطدم مع المجتمع، ومن الضروري وجود قوة تحمي هذه الفئة، ومن هنا تم عسكرة الفكر الدعوي الذي لا ينبغي أن يعسكر أبدًا، متسائلاً: "لماذا أحمل السلاح لنشر هذا الفكر، إذا فرضنا جدًا أنه فكرًا صحيحيًا؟.
ولفت إلى أن علي عشماوي أحد القادة المنشقيين عن جماعة الإخوان الإرهابية أصدر كتابًا يحمل اسم "التاريخ السري للإخوان" وكلمة السلاح والعسكرة وإرادة في كل الكتاب تقريبًا، موضحا أن سيد قطب كان يسعى لنشر فكره من خلال السلاح، وهذا مذكور في الكتب، معقبًا: "لا يوجد مفكر يفكر في استخدام السلاح أو العسكرة، بل المفكر يعمل على نشر فكره، من خلال طرح الأفكار ومبادلة الرأي بالرأي".
وأكد أن القانون الوضعي الموضوع من قبل السلطة هو وسيلة لتطبيق الشرع الشريف، مشيرًا إلى أن التشريع في الأصل لله عز وجل، ووجود سلطة تشريعية في الدولة لا يعني سلب هذه السلطة من الله عز وجل، وإطلاق السلطة التشريعة على البرلمان المصري من قبل المجاز.
ونوه بأن البرلمان المصري يصدر القوانين المنضبطة بالمادة الثانية من الدستور التي تنص على أن الشريعة الإسلامية أحد مصادر التشريع، وإذا صدر قانون ضد الشريعة، فمن حق المدعي أن يطعن على هذه القوانين، وفي حال تأكد من المخالفة تكون القوانين غير دستورية.
وأشار إلى أن الجماعات المتطرفة أخذت الكثير من المصطلحات والمفاهيم من سياقها، ووضعتها في مكان آخر، لتحقيق أغراض سياسية، مؤكدا أن مفهوم الجهاد من أهم المفاهيم التي شوهت من قبل المتطرفين، مشيرًا إلى أن الخوف من الإسلام في الغرب يرجع إلى استخدام مصطلح الجهاد في معارك وهمية من اجل تحقيق أغراض سياسية.
واستطرد أن دار الإفتاء أصدر كتابا يسمى "التأسلم السياسي" ولم نذكر الإسلام السياسي، لأنه لا يوجد إسلام سياسي، مشيرًا إلى أن هذا الكتاب يتحدث عن حركة حسم في العصر الحالي، مشيرا إلى أن كل المجموعات التي استغلت الدين لتحقيق أغراض سياسية لم تنجح على مر التاريخ، معقباً: "ربما تنجح هذه الجماعات في تحقيق أغراضها لفترة ما، ولكنها لم تستمر".
ولفت إلى أن الدولة لم تحرك أو تحلل شيئًا ثابت بشكل قطعي على الإطلاق، معقبًا: “المساجد في مصر ممتئلة طوال العام، وفي رمضان بشكل خاص، والزكاة في مصر كبيرة جدًا، وهناك حجم كبير من الجميعات الخيرية في مصر التي تأخذ الزكاة والصدقات”، موضحا أن مصر تحتل المرتبة الثانية أو الثالثة في الحج والعمرة، وهذا يعني أن الشعب المصري يقوم بتطبيق الشريعة الإسلامية من العبادات والعقائد.
وقال إن الجماعات المتطرفة تصف القوانين بأنها تُمثل الطاغوت وخلافه، مشيرًا إلى أن القوانين المصرية مأخذوة من الفقه الإسلامي، موضحا أن الشريعة الإسلامية غير غائبة على الإطلاق وهي مُطبقة في مصر، موجهًا رسالة للشباب المُغيب قائلاً: "لا تنساق وراء هذا أو ذاك، واسأل أهل الاختصاص".
وتابع أن التكفير يؤدي إلى القتل واستباحة الهدم والتدمير والاقصاء، والتفرقة ما بين الزوج والزوجة، موضحا أن الجماعات المتطرفة ترى أن المجتمع عندما يصدر قوانين وضعية فهو سلب التشريع من الله عز وجل، وهذا غير صحيح، لأن الله أمرنا أن نجتهد وأن نحتكم إلى أنفسنا، مستندين في ذلك إلى القرآن الكريم والشريعة الإسلامية.
وأوضح أن تنظيم داعش أخذ الكثير من المصطلحات إلى مكان آخر، ولهذا أنشأنا مرصد الفتاوى المتطرفة، وحصرنا كل الأفكار المتطرفة لهذا التنظيم، وقمنا بتحليل هذا المحتوى وأصدرنا تصحيح لهذه المفاهيم، مؤكدا أن مرصد الفتاوى المتطرفة عمل منذ 2014 حتى 2020، ومن هذا التاريخ حولنا هذا المرصد إلى مركز سلام للدراسات التطرف ومكافحة فوبيا الإسلام.
ولفت إلى أن هذا المرصد أصدر ما يقرب من 1000 تقرير حول علاقة المسلمين بغير المسلمين، ودليل مرجعي لمكافحة التطرف، وهذا الدليل نال الإشادة من قبل الكثير من الأوساط الممتخصصة في مكافحة التطرف، موضحا أن مفهوم الولاء والبراء خادم لمفهوم الحاكمية لدى الجماعات المتطرفة، ويُتخذ الجهاد من أجل تثبيت هذه الأفكار.
وأضاف أن الجماعات المتطرفة اهتمت بالجهاد في القتال فقط، وتناست جميع أنواع الجهاد مثل الجهاد في البحث العلمي، وخلافه، رغم أن الجهاد يجب أن يكون بإجماع الامة، وتحت راية الأمة.
واختتم أن قضية الولاء والبراء إحدى الوسائل التي تُعين على تنفيذ الفكر المتطرف، وهذا المفهوم يقتضي عزلة فكرية واجتماعية، وهذا ليس صحيحًا، فالرسول صلى الله عليه وسلم عاش بين المشركين، وكان يحب عمه أبي طالب وهو مُشرك.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: جماعة الإخوان سيد قطب الولاء والبراء الشریعة الإسلامیة الجماعات المتطرفة مشیر ا إلى أن هذه الجماعات عبد الرحیم موضحا أن من خلال من قبل فی مصر التی ت عز وجل
إقرأ أيضاً:
مستشارة الإمام الأكبر تدعو خريجي الأزهر ليكونوا خير سفراء للمؤسسة الدينية وإظهار حقيقة الإسلام
ألقت الدكتورة نهلة الصعيدي، مستشارة شيخ الأزهر لشئون الوافدين، رئيس مركز تطوير تعليم الطلاب الوافدين والأجانب بالأزهر، كلمة اليوم الثلاثاء في الحفل الثاني لتخريج طلاب الأزهر الوافدين، باسم «شهداء غزة 2»، نقلت خلالها تهنئة فضيلةِ الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخِ الأزهر الشريف، لأبنائه الخريجين ودعائه لهم بالتوفيق والسداد في حياتهم العملية، وقول فضيلته: «أدعوكم ابنائي أن تكونوا دائمًا على العهد خيرَ سفراء للأزهر الشريف: تحملون رسالتَه إلى شعوبكم، وتعملون على إظهار حقيقة الإسلام وأثرِه في تقدُّم البشر، وإسهامِه في الحضارة، وكفالةِ الأمنِ والطمأنينة وراحةِ النفس لكل الناس في الدنيا والآخرة».
وأشارت الدكتورة نهلة الصعيدي خلال كلمتها في الاحتفالية التي أقيمت بمركز الأزهر للمؤتمرات إلى أن ما نشهده اليوم يمثل مشهدًا من مَشاهد الخلود والمجد، مشهدًا تختلط فيها مشاعرُ الفخرِ بثمرة الإنجاز، ومشاعرُ الأسى والحُزْنِ لأرواحٍ أُزهقتْ - ولا تزال تُزهَقُ - في ساحات غَزَّةَ العِزَّة، لشُهداءَ أضاءوا بدمائهم دُروبَ الكرامة، وخلَّدوا في وجداننا معانِيَ الصمودِ والإباء.
وأضافت أننا اليوم إذ نَحتفي بتخريج كوكبةٍ من أبناء الأمة الإسلامية مِن طلابنا الوافدين الذين جاءوا من أصقاع الأرض طلبًا للعلم، فحملوا في أعماقهم رسالة العطاء والخلود، نَشْرُف بأن تتزيَّن دُفعتُهم «شهداء غزة»، أولئك الذين جسَّدوا لنا بأرواحهم أبهى معاني الفداء، وأثبتوا أن التضحية لا تُحدُّ بحدود الحياة، بل تبقى خالدةً نبراسًا للأجيال، مشتعلةً بنور الحق في وجه الظلم والطغيان.
وأكدت مستشارة شيخ الأزهر أن مركز تطويرِ تعليمِ الطلابِ الوافدين والأجانب عازمٌ على الاستمرار في متابعة مشروعه الحضاريِّ الذي بدأه في ميدانِ تحقيقِ رسالةٍ عظيمة، استمدت عظمتَها مِن عظمة منطلقاتها، المتمثلة في: رسالةِ الإسلام الحضارية، رسالةِ مصر التاريخية، رسالةِ الأزهر العالمية، فها هو ذا اليومَ، للعام الثاني على التوالي، يحتفي - في هذا الحفل المهيب - بتخريج أبنائه الوافدين من كل بقاع الأرض.
وأكدت مستشارة شيخ الأزهر أن كل دُفعةٍ من الخريجين هي إحياءٌ لعالميةِ الإسلام، تلك العالَميةُ التي أسَّسها القرآنُ المجيدُ، الذي أكد وَحدةَ الإنسانية، ووَحدةَ الأرض، مَسكنًا وموطنًا لبني آدم، وأكد جُملةً من المقاصد الشرعية العليا، وجُملةً مِن القِيم الإنسانيةِ العليا، قِيَمِ العدل والمساواة والحرية. وأن هذا الحفل جاء ليَجمعَ الخريجين والخريجات تحت رايةٍ واحدةٍ، وشعارٍ واحد، وهدفٍ واحد، ليُعيدَ للأمة وَحدتَها بعقولٍ واعية، وأَنْفُسٍ طاهرة، وقلوبٍ زاكية، بعد أن عَملت العصبياتُ الضيقةُ الطائشةُ عملَها في تفتيت هذه الأمةِ وتمزيق شملِها وتقسيمها.
واستشهدت خلال كلمتها بما قاله الأديب المصري الدكتور زكي مبارك: «سيأتي يومٌ يَعرف فيه المسلمون أن حضارتَهم العظيمةَ لم تُقوِّضْها غيرُ الأقلامِ الباغية، أقلامُ الكُتاب والمؤلفين الذين غفلوا عن أخطار الغيبة الاجتماعية، فحَبَّرُوا الفصولَ الطِّوالَ في المفاضلات بين الأمم الإسلامية، حتى شَطَروها إلى عناصرَ يَبغي بعضُها على بعض بلا تورعٍ ولا استحياء». إلى أن قال: «ولن تَزولَ آثارُ هذه الغيبةِ القلميةِ إلا يومَ يَمُنُّ الله على المسلمين بكُتَّابٍ حُكماءَ يعرفون كيف يقتلعون جذورَ هذه الفتن من الأفئدة والقلوب، ولكن متى يأتي ذلك اليومُ؟».
وبيَّنت أن الأزهرَ الشريفَ، ذلكم الصرحُ الشامخُ الذي ظلَّ عبرَ ألفِ عامٍ منارةً للعلم، وإشعاعًا للفكر، ومَبعثًا للحضارة المادية والروحية، ومَهبِطًا للمبادئ العظيمة، لم يكن في يومٍ من الأيام مُؤسّسةً علميةً فحسب، بل هو في جوهره كيانٌ وجدانيٌ متجذِّرٌ في ضمائرنا وأرواحنا، مدرسةٌ تُعلِّمُ العلمَ وتنشرُ النورَ وتبني الإنسان، وكان علماؤه رجالَ فكرٍ وقادةَ ثورةٍ وزعماءَ إصلاح، استطاعوا أن يحملوا أمانةَ الرسالة، وأن يكونوا ورثةَ الأنبياء، وكما كان الأزهرُ عبر العصور منارةً سامقةً تُطاول السماء، فهو اليومَ أشدُّ عزمًا على أن يظلَّ في مقدمةِ المؤسسات التي تُنادي بالعقلانية والحوار، وتدعو إلى الاعتدالِ والمودة، وتنبذُ التعصُّب والجمود، وسيظل يَسْلَخُ مِن عمرِه المديدِ - إن شاء الله - ألفَ سنة أخرى في خدمة الدين والعربية، ماضيًا في حفظ التراث الإسلامي ودراسته ونشره، وحمل رسالة الإسلام إلى ربوع العالمين، باقيًا مفخرةً لمصرنا الخالدة وعنوانًا حيًّا على أصالتها في إسلامِها وعروبتِها، وعلى جهادِها الدائبِ في الذَّود عن حياضِ الإسلامِ وأمجاد العروبة.
ووجهت مستشارة شيخ الأزهر رسالة إلى الطلاب الخريجين قالت فيها إننا نحتفلُ بكم وقد حَصَّلتم كلَّ ما يُمكن تحصيلُه من علوم الدِّين والدنيا، وتهيَّأتُم بكل ما يُمكن من أسباب العلم والخبرة للعمل والإنتاج في كل المجالات، ليُعتمدَ عليكم في دقائقِ ما تحتاج إليه الأمةُ الإسلاميةُ، ولا سيما في هذه المرحلة من حياتها، بما يَموج فيها من أفكارٍ مضللة، ونَزَعَاتٍ شريرة، وصراعاتٍ مُحتدِمة، توشك أن تحيط بناشئتنا وكثيرٍ من مثقفينا بعد أن نقلتها إلينا وسائلُ الحضارةِ الحديثة، وصُورُ المتغيراتِ العالمية في المعاملات وفي العادات والاتصالات، فإن أربابَ هذه الأفكارِ الضارةِ بمجتمعِنا ودينِنا يَستخدمون ظواهرَ نصوصِ القرآن الكريم والحديثِ النبويِّ، يُحرفون الكَلِمَ عن مواضعه، ترويجًا لأفكارهم، وإنَّ التصدِّيَ لهؤلاء ورَدَّهم إلى الصواب يحتاج إلى متعمقين في دراسة الشريعة، ومتمكنين في أصول الدين، وأَثباتٍ في علوم العربية وفقه دلالاتها، يُرْجَعُ إليهم في معرفة الحقائق وكشف المبهمات ورد الفروع إلى الأصول وتبيين الأشباه والنظائر في شريعة رب العالمين.
وتابعت: ها أنتمُ اليومَ أُولاءِ على عَتباتِ مرحلةٍ جديدة، بعد أن خُضتم بِحارَ العلم بأشرعةِ الإرادة وقوَّة العزيمة، متحملين غربةَ الأهلِ والوطن، مثابرين بلا كللٍ ولا ملل، تحملون بين جنباتكم فكرَ الأزهر الوسطي، وروحَه المتسامحة، وعزمَه الذي لا يلين، تنبثق منكم روحُ الإخلاص، وتُروى قلوبُكم بقيم الرحمة والتسامح والاعتدال، لتكونوا رُسلَ المعرفة، وحَملَةَ مشاعلِ المستقبل للأمة، وحراسَ الأمل في دروب الحياة الرَّحبة.
وأعربت عن ثقتها بهؤلاء الطلاب وأنهم أملُ هذه الأمة، وأبناؤها الذين تنتظرهم، وقد أتممتم رحلتَكم العلميةَ تحت ظلال الأزهر، تلك الرحلةُ التي لم تكن يومًا ما سهلةَ المَنال، بل كانت مليئةً بالتحديات التي خُضتموها بنجاح وعزم، واليوم نُودِّعكم بقلوبٍ فخورةٍ بكم، قلوبٍ تُدرك أنكم قد نِلتُمُ العلمَ في أشرفِ منابعه، وشرَّفتم الأزهرَ كما شرَّفكم. مضيفة: إن الأزهرَ ليس مكانًا تُغادرونه، بل هو أصلٌ في ضمائركم، يَنبِضُ مع نَبَضات قلوبكم، وسنظل نتابعُ خُطواتِكم بعينِ المَحبَّة والاهتمام، وكلنا يقينٌ بأنكم ستحملون راية الأزهر أينما حللتم، وستنشرون رسالته السامية حيثما كنتم.
وقدمت مستشارة شيخ الأزهر نصائحها للخريجين قائلة: أيها الشباب، اعلموا أن الطريقَ أمامَكم ليس سهلًا، وأن تَخرُّجَكم في الأزهر الشريف يَضعُكم أمام مسؤوليات جِسام، فالعالمُ اليومَ يمرُّ بتحدياتٍ شتَّى، فكريةً كانت أو اجتماعيةً أو اقتصادية، وكلها تتطلَّب أن تكونوا في طليعة المُصلحين، وقد نالَكم من العلم والتربية ما يَجعلُكم أهلًا لهذه المهمة، فكونوا لأمَّتكم كما كان العلماءُ مِن قبلُ: مَناراتٍ في الدُّروب المُظْلِمات، تَدعون إلى السلام بالحكمة، وتُقاومون الفِتنَ بالبصيرة، واعلموا أن العلمَ بلا خُلُق كالشجرةِ بغير ثَمَر، وأن الأخلاقَ بلا علمٍ كالنجم الذي يَفتقد الضوء.
وحثت رئيسة مركز تطوير تعليم الطلاب الوافدين والأجانب الخريجين بربط العلم بالعمل، وأن يجعلوا من العلم نبراسًا يُضيء بهُداه مِن حولهم: اجعلوا من المساجدِ ومنابرِ العلم ساحاتٍ للتوعية ونشر الاعتدال، ولا تكتفوا بنقل العلم، بل اجعلوا من سلوككم وأخلاقكم نموذجًا يُحتذى، فالناسُ اليومَ في أشد الحاجة إلى قُدُواتٍ تعيش المبادئ وتُطبِّق القِيَم في كل حَرَكةٍ وسَكَنَة.
وواصلت في كلمتها: أيتُها العقولُ التي أنارت ليلَها بالعلم، والقلوبُ التي صَفَتْ بالإيمان، لقد نِلتم شرفَ هذا الصرحِ العلميِّ الشامخ، واليومُ هو يومُ تكريمٍ لكم ولأُسركم، التي صَبرتْ وثابرتْ وصابرتْ وتحمَّلتْ من أجلكم، وقدَّمتْكم فخرًا لهذه الأمة، فطُوبى لكم ولأهلكم، وبارك الله لكم في ما حققتم، وجعل دَربَكم زاهرًا بالعطاء والخير، ووفَّقكم في بناء أوطانكم وخدمةِ مجتمعاتكم، وصيَّر علمَكم زادًا للخير والسعادة لمن حولكم، ولا تَنْسَوْا في زحمة الحياة أنكم خُلِقتم لتكونوا للبشرية مُعينًا، وأنَّ أوطانَكم تَستحقُّ منكم الإخلاصَ والولاء، وسيظل الأزهرُ سندًا لكم، فإن كانتْ أيامُ دراستكم قد انتهت، فإن صلتَكم بالأزهر لن تنقطع.
وفي ختام كلمتها أشارت مستشارة شيخ الأزهر إلى أن الصلة لن تنقطع مع أبنائنا الوافدين، وقد دشن مركز الوافدين العديد من المبادرات والخدمات لدعم التواصل مع الطلاب والخريجين من الوافدين، وعلى رأسها خدمة الرسائل الإخبارية للوافدين التي أطلقها مركز تطوير تعليم الوافدين والأجانب برعاية فضيلة الإمام الأكبر، معلنة كذلك عن إطلاق إصدار تذكاري بمناسبة هذا التخرج وهو مجلة «سفراء الأزهر»، والتي سيتم طباعتها وإرسالها إلى السفارات والطلاب خريجي الأزهر في كل مكان.
اقرأ أيضاًبمشاركة 36 دولة.. انطلاق احتفالية تخريج دفعة جديدة من الطلاب الوافدين بالأزهر باسم «شهداء غزة 2»
تحت شعار «بناء العقيدة فى نفوس النشء».. الرواق الأزهرى بأسوان يُطلق برنامج ملتقى الطفل
أستاذ بطب الأزهر: المصريون القدماء من أوائل ممارسي جراحة التجميل