عادة ما تعلو نبرة الحنين للماضي عند الحديث عن الفنون، خصوصا المسلسلات المصرية، لا سيما أن هذا الفن شهد نهضة كبيرة في الثلث الأخير من القرن العشرين، سواء من حيث المؤلفين أو المخرجين أو الممثلين، وإن ظلت المواضيع تدور في فلك أفكار محدودة مع بعض الأعمال التي خرجت عن المألوف.

قد يكون هذا الحنين فيه تقدير للماضي، غير أنه في أحيان أخرى يكون سجنا للمبدعين الذين يحاولون استعادة زمن فات، سواء من حيث المواضيع التي تتناولها هذه الأعمال، أو حتى أسلوب الكتابة والتمثيل والإخراج، فهي أعمال لا تعلّم جمهورها، لأن مشاهدي المسلسلات نضجوا فتغير ذوقهم بالتبعية أو حتى فارقوا عالمنا، فيصبح رهان الحنين للماضي هنا رهانا خاسرا.

يُعرض خلال رمضان 2024 مسلسلان يظهران كما لو أنهما خارج نطاق الزمن، أحدهما بطله أحد أهم أركان الزمن الماضي، اسمه كان كفيلا بجعل أي مسلسل من الأعلى مشاهدة، والآخر يستعيد قصة نشرها الكاتب "إحسان عبد القدوس" عام 1965، وقدمتها السينما المصرية من قبل في السبعينيات من القرن الماضي، ونحلل هنا الأسباب التي تجعل هذه الأعمال كما لو أنها تخاطب مشاهد ليس موجودا بالفعل.

مسلسل "عتبات البهجة" الملصق الدعائي للمسلسل المصري "عتبات البهجة" (الجزيرة)

يجمع "عتبات البهجة" بين اثنين من الذين يمكن أن نطلق عليهم "نجوم الزمن الجميل"، أولهما يحيى الفخراني الممثل الذي ارتبط اسمه بواحد من أهم المسلسلات المصرية وأكثرها شهرة "ليالي الحلمية"، والثاني مجدي أبو عميرة مخرج بعض أشهر المسلسلات وأكثرها بقاء عبر الزمن، ومنها "المال والبنون" و"الراية البيضاء" و"الضوء الشارد".

اجتماع هذين النجمين منذ 20 عاما كان ينبئ بعمل قوي سيصبح حديث الساعة، لكن في 2024 اختلف الوضع، ليس فقط لكبر عمر المخرج والمؤلف، لكن لأن السوق الذي ينافس فيه المسلسل نفسه اختلف، ولم يعد المشاهد الملول، الذي يتنقل بين مئات القنوات التلفزيونية بالإضافة إلى المنصات الإلكترونية، قادرا على متابعة كل هذا الكم من المحتوى، لذلك يختار الأكثر إثارة أو الأقرب لواقعه، والعامل الأهم الأكثر اختلافا عما شاهده من قبل.

يقع "عتبات البهجة" في دائرة "شوهد من قبل"، وليس مرة فقط بل عشرات المرات، فيدور حول الجد بهجت الأنصاري (يحيى الفخراني) الذي يتولى تربية حفيديه بعدما توفي ابنه، وبالتالي بدلا من قضائه أيام تقاعده في هدوء وراحة بال يجد نفسه منغمسا في مشاكل غير مستعد لها سواء من الناحية المادية أو النفسية أو الاجتماعية، فمن ناحية تضغط عليه المصاريف الدراسية ومن ناحية أخرى لا يمكنه التواصل معهما لفهم المشاكل التي يمران بها في هذه المرحلة الخطرة من حياتهما.

وفي الوقت ذاته، يركز المسلسل على رحلة بحث البطل عن السعادة، وعلاقاته بجيرانه وأصدقائه وسكان الشارع جميعا الذين يمثلون شريحة من المجتمع مليئة بتناقضاته الطبيعية.

لم يحاول العمل حتى إضفاء طابع الحداثة عبر مشاكل الشباب اليوم، بل بدا كما لو أنه عمل لبداية الألفية الثالثة على أقرب تقدير، إن لم يكن أبعد من ذلك.

وفي النهاية لم يكن "عتبات البهجة" سوى إعادة للمسلسلات أخرى أقدم وأفضل من الناحية الفنية قدمت القالب الفني نفسه مثل "العائلة" إنتاج 1994 الذي دارت أحداثه كذلك في بناية لكل شقة منها قصة، واشتبك مع قضايا مهمة في هذه الفترة، أو "أبو العلا البشري" إنتاج 1986، الذي تناول كذلك شخصية الرجل المتقاعد الذي يبحث عن السعادة والصلاح بين أفراد مجتمعه الصغير.

مسلسل "إمبراطورية م" الملصق الدعائي للمسلسل المصري "امبراطورية م" (الجزيرة)

لا تظهر نبرة الحنين إلى الماضي لدى الكاتب محمد سليمان عبد المالك في اختيار قصة مر على نشرها 60 عام تقريبا وتقديمها في صورة مسلسل هذا العام فقط، فالعام الماضي قدم مسلسل "راجعين يا هوى" الذي بالأساس من تأليف الراحل أسامة أنور عكاشة، ليبدو الأمر كما لو أن الكاتب يرغب في إحياء نوع عتيق من المسلسلات، ربما نبذه عكاشة نفسه لو كان على قيد الحياة، وتطور لتقديم أعمال حداثية أكثر.

"إمبراطورية م" من إخراج محمد سلامة، وتدور أحداثه في منزل بحي المعادي يسكنه مختار (خالد النبوي) وأولاده الستة الذين يبدأ اسم كل منهم بحرف الـ "م"، وتوفيت والدتهم منذ ثلاث سنوات، فيتحمل مسؤوليتهم كاملة بمساعدة أخته التي تعيش معه، ويسعى لإحداث توازن في تعاملهم معه بين القِيم العصرية والأسلوب التقليدي في التربية، الأمر الذي يصل بهم إلى طرق مسدودة من وقت لآخر.

من ناحية أخرى، ترغب شركة مقاولات ضخمة في شراء منزله وجميع المنازل المجاورة لبناء مجمع سكني فاخر، مثل تلك المتواجدة على أطراف القاهرة، ويرفض مختار كل الإغراءات التي تصل إلى مبالغ مالية طائلة، ليصبح "دون كيشوت" الدفاع عن الذكريات والأصالة في زمن يتجه فيه كل العالم إلى الاستهلاكية، ما يضع المزيد من الضغط على العائلة، خصوصا مع الديون الطائلة التي يعاني منها الأب.

يناقش المسلسل مشاكل الأسرة المتعددة الأطفال وفي أعمار مختلفة، وهو موضوع اشتبكت معه المسلسلات مرارا وبصورة أغلبها متشابهة، ليقدم "إمبراطورية م" نسخة حديثة من القصة القديمة بدون أي تجديد حقيقي، ويمكن مقارنته بمسلسل آخر عُرض معه في الموسم الرمضاني نفسه، ويتناول الفكرة ذاتها وهو "كامل العدد"، الذي ابتعد عن نطاق صراع الأجيال إلى قضايا حية تتعلق بالأجيال الصغيرة بالفعل، مثل التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي، بينما محاولة شراء منزل الأسرة الذي يمثل التمسك بالقيم والأصالة تتشابه مع مسلسل "الراية البيضاء" إنتاج عام 1988 وتأليف "أسامة أنور عكاشة".

قد يعتقد المشاهد أنه في ظل المنافسة الشرسة بين المسلسلات خلال الموسم الرمضاني يبحث كل منها عن فكرة جديدة ومختلفة، ليضع بصمته الخاصة، ولكن ذلك ليس ما يعتقده صُناع "عتبات البهجة" و"إمبراطورية م" الذي لجأ كل منها إلى فكرة تقليدية مكررة، في محاولة لجذب مشاهد تجاوز هذا النوع من المسلسلات منذ 10 سنوات على أقل تقدير.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ ترجمات حريات عتبات البهجة إمبراطوریة م کما لو

إقرأ أيضاً:

«غصب» نعيم قاسم!

بدا أمين حزب الله نعيم قاسم مثيراً للشفقة، وهو يؤكد في كلمته الأخيرة بنبرة ثقة مصطنعة: «غصب عنكم انتصرنا»، غصب عن من يا شيخ نعيم؟! عن القتلى الذين سقطوا تحت أنقاض القصف الإسرائيلي في الضاحية؟ عن الجرحى الذين أصابتهم شظايا الصواريخ والقذائف الإسرائيلية؟ عن المشردين الذين هجروا من بيوتهم المدمرة في الجنوب؟! بالفعل غصب عن من ؟!

المثير للسخرية أن يشعر نعيم قاسم بأنه منتصر وهو الباقي الوحيد من الصفين الأول والثاني من قياديي الحزب، إلا إذا كان يرى في خسارة صفوة قيادات الحزب أمراً هيناً، لكنه وهم الانتصارات في ثقافة جمهور دكاكين الشعارات، والسؤال الذي يطرح نفسه بعد أحداث غزة ولبنان وسورية: هل ما زال جمهور شعارات المقاومة يغط في غيبوبته يصدق الوهم رغم أنه يعيش الواقع ويقاسي أهواله؟!
اللافت أن كثيراً من حلفاء الحزب بدأوا في مراجعة مواقفهم وإعادة التأقلم مع الواقع الجديد سواء كان ذلك نتيجة ممارسة نقد ذاتي أو تلون لمعايشة المتغيرات، بل إن منهم من انقلب على عقبه وبدأ في نقد المرحلة السابقة وتحميل رموزها مسؤولية الأخطاء التي أدت للانهيار والسقوط المدوي لمحور المقاومة، رغم أنهم كانوا من أدواتها ومخالبها!

لا يبدو أن نعيم قاسم يدرك واقع التغيير الحاصل والمناخ الإقليمي والدولي الجديد، وربما غير مطلوب منه أن يدرك، فهو مجرد بيدق تحركه مرجعيته الإقليمية على رقعة شطرنج المنطقة، ومن سوء حظها وحظه أنه من البيادق القليلة الباقية والتي لا تملك أي فرصة أو قدرة أو تأثير لتغيير واقع الهزيمة!
باختصار.. الانتصار الوحيد الذي حققه نعيم قاسم وحزبه منذ تأسيسه ودخوله بازار السياسة والمتاجرة بالشعارات كان الانتصار على اللبنانيين والسوريين والفلسطينيين، انتصار ثمنه دماؤهم وأرواحهم وسلامهم.. وحتى هذا الانتصار ينقلب اليوم إلى هزيمة.. غصباً عن الواهمين!

مقالات مشابهة

  • الشامي يعلن عن مفاجأة لجمهوره.. ما الذي سيجمعه بـ تيم حسن في رمضان؟
  • عتبات الفرح للكاتبة هديل حسن: لعلها عتبات الكتابة أيضا
  • هدية من “أم الإمارات” إلى الشعب الفلسطيني .. وصول سفينة المساعدات الإماراتية السادسة لميناء العريش وصلت اليوم سفينة المساعدات الإماراتية السادسة إلى مدينة العريش المصرية تحمل على متنها هدية سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك “أم الإمارات”
  • شرنوبي ينقذ نفسه من أن يكون ضحية هنا الزاهد..أحداث الحلقة الأخيرة من إقامة جبرية
  • “اقتحام سفارة إسرائيل في القاهرة”.. لماذا تعرض تل أبيب مسلسلا عن ثورة 25 يناير 2011؟
  • اليوم العالمي للنوتيلا.. كيف تؤثر على المزاج وتزيد من هرمون البهجة؟
  • أكشن مع وليد : علي البليهي وغضب جمهور الهلال
  • عروض فنية مبهرة تضفي البهجة والإبداع على فعاليات معرض الكتاب
  • طرق طبيعية لتعزيز هرمون السعادة.. استعادة البهجة من قلب الطبيعة والحياة اليومية
  • «غصب» نعيم قاسم!