داليا عبد الرحيم: الجماعات الإرهابية تستخدم المفاهيم الدينية بطريقة تضمن خلق واستمرار التطرف الديني
تاريخ النشر: 8th, April 2024 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
قالت الكاتبة الصحفية والإعلامية داليا عبد الرحيم، رئيس تحرير جريدة وموقع البوابة ومساعد رئيس قطاع القنوات الإخبارية بالشركة المتحدة للخدمات الإعلامية لملف الإسلام السياسي، إن مفهوم الحاكمية يعود أول ظهوره في المجال العام في حادثة رفع المصاحف على أسنة السيوف، والدعاء إلى "تحكيم كتاب الله" من جانب الأمويين في موقعة صفين، هذه الحيلة التي كان محتواها سياسي في المقام الأول نقلت الصراع من مجاله الخاص السياسي الاجتماعي إلى مجال الدين والنصوص الدينية.
وأضافت “عبد الرحيم”، خلال تقديمها برنامج “الضفة الأخرى”، المذاع عبر فضائية “القاهرة الإخبارية”، أنه بدأ التركيز على مفهوم الحاكمية في عالمنا العربي من خلال كتابات سيد قطب مفكر جماعة الإخوان، خاصة في فترة الستينيات من القرن الماضي، وما ترتب على المفهوم بعد ذلك من تكفير المجتمع، ومحاكمة كل الأنظمة والأنساق الاجتماعية والسياسية والفكرية في تاريخ البشرية، ومن خلال استخدام هذا المفهوم حولت جماعة الإخوان صراعها السياسي على السلطة إلى صراع ديني سمح لهم بتزييف وعي الناس وتخديرهم للوصول إلى السلطة سواء في الماضي أو بعد 25 يناير.
وأوضحت أن الولاء والبراء يعتبره البعض عقيدة عند المسلمين، والبعض الأخر يعتبره من أركان العقيدة الإسلامية، وشرط من شروط الإيمان لدى بعض علماء المسلمين؛ فيعني الولاء المحبة، والنصرة، والاتباع، والقرب من الشيء، والدنو منه، بينما يُقصد من الجزء الثاني من المصطلح البراء من أي مظاهر تتعارض مع الإسلام، وتستخدم تنظيمات العنف والتطرف مصطلح الولاء والبراء في تكفير المسلمين والإعتداء عليهم، بدعوى موالاتهم لغير المسلمين؛ فيتم توظيف المصطلح فيمن يوالون خصومهم السياسيين، وبذلك يستخدم في الحرب السياسية كأحد مظاهر خلط الدين بالسياسة.
وأكدت أن الحاكمية التكوينية وهي إرادة الله الكونية القدرية التي تتمثل في المشيئة العامة المحيطة بجميع الكائنات، وهي "حاكمية الله" التي لا يشاركه فيها أحد، وفيها دلالة على إحاطة الله بشؤون الخلق والأمر، فلا يقع ولا يجري في الكون إلا ما سبق في حكم الله، أما الحاكمية التشريعية: وهي التي تتعلق بإرادة الله الشرعية في الخلق، بتحكيم شرع الله في الناس، وهذه فوض سبحانه تنزيلها في الأرض للأنبياء والخلفاء وأولي الأمر وأهل الحل والعقد، ومنها تستمد "حاكمية الأمة" وهو أحد أبرز المصطلحات الدينية التي اتخذتها الجماعات والتيارات التكفيرية المتطرفة في تأصيل موقفها من الحكم والحاكم ومؤسسات الدولة كافة، ورفض بعض تلك الجماعات الاشتغال بالعمل السياسي في البرلمان بدعوى الحاكمية، كما استخدم المصطلح في تكفير الحاكم والمحكوم، ولم تفهم هذه الجماعات أن حاكمية الله لا تتم ولا تطبق إلا بحاكمية البشر، وأن الله سبحانه وتعالى هو الذى منح البشر هذه الحاكمية وشرفهم بها، وأنه لا تناقض بين حاكمية الله وحاكمية البشر.
ولفتت إلى أن الحسبة تُعني الحساب والتحقق، وهي مفهوم تطبيقي وليس مذكوراً صراحة في القرآن الكريم ولا في مجموعة الحديث الصحيح؛ ويفسر عمومًا على أنه إحدى الآليات لضمان تصحيح الممارسات الاقتصادية والتجارية بين الأمة الإسلامية، واستخدمته الجماعات المتطرفة في الوصاية على المجتمع وأفراده؛ فرفعوا مئات القضايا أمام المحاكم المصرية يحتسبون فيها سلوكيات غير التي تُخالف أيديولوجيتهم، كما أنهم قاموا بقتال البعض الأخر بدعوى الحسبة وفرض الوصاية عليهم.
وتابعت: وهكذا استخدمت الجماعات المتطرفة المفاهيم الدينية بطريقة معينة تضمن خلق واستمرار التطرف الديني في عقول الكثيرين، ومن ناحية أخرى كانت تتعمد هذه الجماعات إغفال وطمس كثير من الآيات القرآنية الرائعة الواضحة الداعية للسلام والرحمة، ومن بين المسائل والقضايا التي تشغل بال هذه الجماعات وتروج لها قضية "نظام الحكم" حيث تدَّعي هذه الجماعات أن هناك نظام حكم إسلامي وعدَّته أساسًا للعقيدة وجذبت من خلال استخدامه عددا لا حصر له من الشباب.
واستطردت: وإذا كانت هذه الجماعات تستهدف بمفهوم الحاكمية القضاء على تحكم البشر واستعبادهم لبعضهم البعض كما يروجون، فإن هذا المفهوم ينتهي عند المستوى التطبيقي إلى تحكيم بشر من نوع خاص، يزعمون لأنفسهم احتكار حق الفهم والشرح والتفسير والتأويل، وأنهم وحدهم الناقلون عن الله عز وجل، أما عن مفهوم الولاء والبراء والذي تعتقد فيه الجماعات الإرهابية أن المسلم لا يكون مخلصا لِجماعته إلا إذا عادى وأبغض الآخرين (غير المسلمين)، وأنه يجب على المسلم أن يكون مخلصا للمسلم ومعاديا وغير موالٍ لِغَير المسلم، سَوَاء أكَان َهَذا الأخير فَردا، جماعة أو دولةً.
ولفتت إلى أن هذا التفسير الإقصائي نجده في الأعمال الكلاسيكية حيث تكونت فكرة “الولاء والبراء” كنظرية عَقَدِيَة استكملت شكلها المتماسك مع ابن تيمية وَبَعدَهُ مَعَ مُحَمد بن عبد الوهاب وَصَارَت أحَد الأسُسِ التي تقوم عليها الوهابية، ووِفقًا لعقيدة “الولاء والبراء” فليس للمُؤمنين مِن أتبَاع الديانات أخرى إلا الكراهية والعداوة، إن نظرية “الولاء والبراء” لدى هذه الجماعات تتلخصُ فِي تَقسِيم الناس إلى فئتين متنافرتين وهما الفئة المؤمنة المسلمة وفئةُ ما عدا ذلك، أما الموقف الذي يجب أن يتخذه المسلم من الجانبين حسب هذه النظرية فهو الولاء والمحبة لأفراد و جماعة الفئة الأولى (المسلمين) وإن كانوا أشرارًا و البراء من أفراد و جماعة الفئة الأخرى ومعاداتهم وإن كانوا طيبين، وبعد أن يتم تكفير المجتمع على يد هذه الجماعات يصبح الولاء لكل من هو داخل الجماعة والبراء لكل من هو خارجها حتى لو كان مشهودا له بالإيمان، ومن حفظة القرآن، وهذا ما شاهدناه فترة حكم الإخوان، وما نشاهده في الصراع الدامي بين تنظيمي القاعدة وداعش في أفريقيا.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: الضفة الأخرى الجماعات المتطرفة المفاهيم الدينية هذه الجماعات التی ت
إقرأ أيضاً:
“ميسان.. نموذج ريادي في مواجهة التطرف وتعزيز التماسك المجتمعي”
بقلم : سمير السعد ..
في خطوة تعكس الوعي المتزايد بخطورة الأفكار المتطرفة وتأثيرها على استقرار المجتمعات، أطلقت اللجنة الوطنية لمكافحة التطرف العنيف المؤدي إلى الإرهاب خططاً فرعية شملت محافظات العراق، مع التركيز على مناطق الجنوب. وتأتي محافظة ميسان في طليعة هذه الجهود، حيث أظهرت خصوصية لافتة في التحضير والتنفيذ، متفردة بتعاون حكومي ومجتمعي مشهود لإنجاح عمل اللجنة الفرعية.
تستهدف هذه الخطط الشباب بشكل أساسي، كونهم الأكثر عرضة للتأثير بالأفكار الدخيلة. وتسعى عبر توظيف موارد الدولة وتكاتف الشخصيات المجتمعية المؤثرة إلى تعزيز الوقاية المجتمعية وبناء حصانة فكرية وثقافية.
ميسان، بتنوعها الثقافي والاجتماعي، تشكل نموذجاً للتعايش السلمي، حيث يظهر التفاعل الإيجابي بين مختلف الأطراف الرسمية والشعبية، ما يعكس التزاماً واضحاً بتحقيق الاستقرار وترسيخ قيم الوحدة والتماسك.
هذه الجهود ليست مجرد خطوات وقتية، بل تمثل استراتيجية بعيدة المدى لتجفيف منابع التطرف، عبر بناء شراكات مستدامة تهدف إلى تمكين الشباب فكرياً واجتماعياً، وجعلهم قوة دافعة نحو السلام والتنمية.
التجربة الميسانية، بما تحمل من خصوصية ودروس، تمثل دعوة لمختلف المحافظات لاتباع نهج متكامل يسهم في حماية العراق من خطر الأفكار المنحرفة، ويعزز من مكانته كدولة موحدة وقادرة على مواجهة التحديات.
لا يمكن إغفال أهمية الدور الذي تلعبه المؤسسات الحكومية في ميسان في دعم هذه الجهود، حيث أبدت الجهات المعنية استعداداً لوجستياً ومادياً لإنجاح المبادرات الفرعية لمكافحة التطرف. ولم يكن هذا التعاون ليؤتي ثماره لولا الشراكة الفاعلة مع الشخصيات المجتمعية المؤثرة، من شيوخ عشائر وأكاديميين ورجال دين، الذين عملوا جنباً إلى جنب لتعزيز الخطاب المعتدل ونشر ثقافة التسامح.
كما أن محافظة ميسان، بخصوصيتها الاجتماعية، تمثل بيئة مهيأة لنجاح هذه الخطط، نظراً لما تتميز به من تقاليد عريقة في حل النزاعات بطرق سلمية، وهو ما يمنح المبادرات زخماً أكبر ويعزز فرص نجاحها. التمازج بين الدعم الحكومي والتفاعل الشعبي في ميسان أسهم في خلق نموذج فريد يمكن أن يُستنسخ في محافظات أخرى تعاني من التحديات ذاتها.
“الاستثمار في الشباب ” التركيز على فئة الشباب في خطط اللجنة الوطنية ليس اختياراً اعتباطياً، بل هو استثمار استراتيجي طويل الأمد. فالشباب هم العمود الفقري للمجتمع، وهم الأكثر تأثراً بالعوامل الاجتماعية والاقتصادية التي قد تُغذي التطرف. لذلك، جاءت هذه الخطط لتوفير منصات ثقافية ورياضية واجتماعية تسهم في إشغال وقت الشباب بما هو نافع وإيجابي، فضلاً عن إكسابهم مهارات تمكنهم من مواجهة الأفكار المنحرفة بالحوار والمنطق.
وتعزيز التمويل “لضمان استدامة هذه الخطط، لا بد من تخصيص ميزانيات كافية لدعم الأنشطة والبرامج الموجهة للشباب. مع ” بناء شراكات أوسع ” و إدخال المنظمات الدولية والمحلية غير الحكومية كشركاء في تصميم وتنفيذ البرامج. كذلك ” قياس الأثر ” و إنشاء آليات واضحة لقياس تأثير هذه المبادرات على أرض الواقع لتطويرها وتحسينها مستقبلاً. ومن الضروري جدا “التركيز على الإعلام ” وتعزيز دوره في نشر رسائل السلام ومواجهة الخطاب المتطرف.
ختاماً، ما حققته ميسان يُثبت أن التكاتف بين الحكومة والمجتمع هو المفتاح لنجاح أي مبادرة تسعى لتحقيق التماسك المجتمعي ومكافحة الفكر المتطرف. هذه التجربة تحمل في طياتها رسالة أمل بأن العراق، بمختلف أطيافه، قادر على الوقوف صفاً واحداً في وجه أي تهديد يهدد نسيجه الاجتماعي ومستقبله.