بداية عصر الذكاء الاصطناعي المخصّص BESPOKE AI
تاريخ النشر: 8th, April 2024 GMT
أبريل 7, 2024آخر تحديث: أبريل 7, 2024
جيه إتش هان
الرئيس التنفيذي ورئيس وحدة تجارب الأجهزة في سامسونج للإلكترونيات
خمسون عاماً مضت على إطلاق شركة سامسونج للإلكترونيّات أول ثلاجة وغسالة ومكيف هواء، وتحديداً في عام 1974، ومنذ ذلك الحين، تتواصل مسيرتنا نحو تعزيز الابتكار في الأجهزة الرقميّة.
وبالعودة إلى الوراء خمس سنوات؛ حيث كشفت سامسونج في عام 2019 النقاب ولأول مرة عن أجهزتها المنزلية المخصّصة Bespoke.
كيف ستُحدث أجهزة الذكاء الاصطناعي والمنازل الذكية المتصلة ثورة في مفهومنا للحياة العصرية في المنزل؟ هذا ما سنتحدّث عنه في هذا المقال.
لماذا يعدّ عامل الأمن محور أجهزة الذكاء الاصطناعي المخصّص Bespoke AI؟
تؤكّد دراسة حديثة أجرتها شركة ايبسوس، وهي شركة رائدة في أبحاث السوق، أهمية عامل الأمن في عصر الذكاء الاصطناعي. الدراسة التي تحمل عنوان “حياتنا مع الذكاء الاصطناعي: واقع اليوم وإمكانات الغد”، استطلعت آراء 17,000 فرد في 17 دولة. وكان الاستنتاج المهم هو أن 42% من المشاركين اعتبروا “الأمن المعزز” عنصراً مهمًا للغاية للذكاء الاصطناعي، في حين اعتبره 44% مهمًا إلى حد ما.
وعلى الرغم من أنّ تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي غنية بالإمكانات، إلّا أنّ أنظمة الذكاء الاصطناعي الأكثر تقدما ستكون عديمة الجدوى إذا لم توفر الحماية للمستخدمين، بل قد تشكل أيضاً مخاطر. وهذا هو السبب الذي يجعل الأمن يمثل محور أجهزة الذكاء الاصطناعي المخصصة Bespoke AI. لقد أولينا أهمية قصوى للأمن طوال عملية تطوير أجهزتنا بأكملها، مما يضمن أن المستخدمين يمكنهم جني المزايا الكاملة للأجهزة الرقمية التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي، كل ذلك مع الاستمتاع بالأمان وراحة البال.
وتحمي منصّة Samsung Knox أجهزتنا التي تعمل بتقنية الذكاء الاصطناعي، مما يضمن تشغيلها بشكل آمن، وتعمل تقنية Knox Matrix القائمة على تقنية blockchain مراقبة وتأمين أجهزة سامسونج المتصلة.
وقد حصلت أحدث أجهزتنا المدعومة بالذكاء الاصطناعي، والمتمثلة في ثلاجة Bespoke بأربعة أبواب مزوّدة بوضع Flex™، مع AI Family Hub™+ وBespoke Jet Bot Combo™ AI، على تصنيف المستوى الماسي لقدراتها الأمنية على إنترنت الأشياء (IoT) من UL Solutions، الشركة العالمية لعلوم السلامة. ويؤكد هذا التصنيف على أعلى معايير أمان إنترنت الأشياء، وهو ما لم يحقّقه من قبل أي جهاز منزلي آخر في العالم.
ومع ذلك، فإن جهود سامسونج لا تنتهي عند هذا الحد، بل نسعى دائماً لاستكشاف التقنيات الجديدة التي يمكنها تعزيز أمان أجهزة الذكاء الاصطناعي والمنازل الذكية.
دور أجهزة الذكاء الاصطناعي في بناء مجتمعات ذكية ومستدامة
إنّ طموحنا في سامسونج يتجسّد في ابتكار أجهزة تتجاوز مجرد الراحة، حيث نهدف إلى تصنيع أجهزة الذكاء الاصطناعي التي تحقق هدفين رئيسيين: أن تكون في متناول الجميع وأن تقدم مساهمة مجتمعية ذات معنى من خلال تعزيز الاستدامة والحد من التأثير البيئي.
وتأتي أحدث غسالة ومجفف الكل في واحد من سامسونج مزودة بشاشة LCD كبيرة تعمل باللمس مقاس 7 بوصات مصممة للتشغيل بسهولة، وتلبي احتياجات المستخدمين بقدرات متنوعة. ومن خلال دمجها مع Bixby، يمكن أيضًا التحكم في الجهاز من خلال الأوامر الصوتية، مما يضمن إمكانية الوصول على نطاق أوسع. بالإضافة إلى ذلك، تتيح ميزة الفتح التلقائي للباب من سامسونج للمستخدمين فتح الجهاز بسهولة وبلمسة بسيطة. علاوة على ذلك، تفتح الغسالة والمجفف الجديد أبوابهما تلقائيًا عند الانتهاء من دورة الغسيل والتجفيف. وقد ساهمت جميع هذه التحسينات في جعل أجهزتنا أكثر سهولة في الاستخدام من أي وقت مضى.
وفيما يتعلق بالمساهمة المجتمعية لأجهزتنا، فإننا نستخدم أحدث التقنيات للتخفيف من الأثر البيئي. ويتضمن ذلك استخدام الذكاء الاصطناعي لتقليل استهلاك الطاقة في الأجهزة واستخدام أشباه الموصلات المتقدمة لتقليل استهلاك الطاقة وانبعاثات الكربون من الثلاجات. علاوة على ذلك، نقوم بتطوير التكنولوجيا التي تتيح التشغيل المستمر لأجهزة تنقية الهواء دون الحاجة إلى استبدال المرشحات بشكل مستمرّ.
أجهزة Bespoke AI: تجسيد للذكاء الاصطناعي في أبهى صوره
تجسد تشكيلة أجهزتنا لعام 2024 أعلى مستوى من تكامل الذكاء الاصطناعي، وقد تم تصميم هذه الأجهزة للتخفيف من عبء العمل في المهام المنزلية بشكل كبير، حيث تدمج مجموعة متنوعة من أجهزة الاستشعار وتقنية التعرف وأدوات تحليل البيانات الضخمة ورقائق الذكاء الاصطناعي القوية ونظام التشغيل Tizen.
وبفضل هذه الإمكانات؛ فإنّ طريقة استخدام الأجهزة ستشهد ثورة شاملة. إذ تعمل شاشات العرض الواسعة المدمجة في ثلاجات Family Hub™ والشاشة مقاس 7 بوصة الموجودة في أحدث غسالة ومجفف الكل في واحد من سامسونج؛ على تسهيل التحكم ومراقبة الأجهزة في جميع أنحاء المنزل بسهولة. بالإضافة إلى ذلك، يمكنك إدارة الوظائف الأساسية للمنتج بسهولة باستخدام الهاتف الذكي، مما يلغي الحاجة إلى جهاز التحكم عن بعد أو متاعب التعامل مع الأزرار.
ونعتزم في هذا العام دمج الذكاء الاصطناعي التوليدي في أجهزة Bespoke AI، مما يتيح للمستخدمين التفاعل معها من خلال المحادثة الطبيعية، على غرار التحدث مع أفراد العائلة. ومن خلال التوسع في منظومة SmartThings وإمكانات أجهزة الذكاء الاصطناعي، سنقدم أكثر من 100 تجربة اتصال متنوّعة يمكن أن توفرها أجهزة سامسونج.
وخلال حدث “مرحبًا بكم في الذكاء الاصطناعي المخصّص BESPOKE AI” يوم الأربعاء الموافق 3 أبريل، ستتاح لكم الفرصة لتجربة أجهزة الذكاء الاصطناعي الرائدة من سامسونج لعام 2024. لا تركز عروضنا على الأمان فحسب، بل تأخذ أيضًا في الاعتبار رفاهية مجتمعنا وبيئتنا. انضم إلينا ونحن نبدأ هذه الرحلة لتحديد مستقبل أجهزة الذكاء الاصطناعي المخصص Bespoke AI.
مرتبطالمصدر: وكالة الصحافة المستقلة
كلمات دلالية: أجهزة الذکاء الاصطناعی من سامسونج من خلال المخص ص
إقرأ أيضاً:
هل يمكن أن يطوّر الذكاءُ الاصطناعي خوارزمياته بمعزل عن البشر؟
في عقود زمنية خلت، تصدرت سرديات الخيال العلمي سيناريوهات أقرب تشبيها إلى ما صار العلم يعرفه في وقتنا الحالي بـ«الذكاء الاصطناعي العام أو الخارق»؛ حيث يمتلك النظام الحاسوبي قدرةً على فهم أوسع لمختلف المجالات والمهارات البشرية؛ فتكون لديه ملكة التعلّم والتحسين الذاتي بشكلٍ مطلقٍ أو شبه مطلق، ويصل الأمر في بعض التصوّرات إلى ظهور ما يُدعى بـ«الانفجار التقني» أو«التفرّد التقني» -Technological Singularity-؛ حيث يصبح الذكاء الاصطناعي قادرًا على تحسين قدراته بنفسه بوتيرة متسارعة تؤدي في النهاية إلى تجاوز مستوى الذكاء البشري بمراحل. مع التطور التقني المتسارع، تجاوز مفهوم «الذكاء الاصطناعي العام» أبجديات الخيال العلمي وسردياته اللاواقعية؛ ليكون في بعض أجزائه النظرية والعملية واقعا ملموسا؛ فنلمح تقدما علميا بارزا مثل قدرة نظم الذكاء الاصطناعي على ابتكار خوارزميات فريدة أسرع وأكفأ، ولكن -للأمانة العلمية- فإن الوصول إلى «التفرّد التقني» ما زال افتراضًا نظريًا لم يجد طريقه العملي، ولكن التطور آخذ في الصعود؛ فهناك مظاهر أولية لهذا الاتجاه مثل الأنظمة التي تنتج رموزًا برمجية وتتعلّم من أخطائها؛ ففي تطور علمي غير معهود يمكن اعتباره قفزةً علميةً في مجال الذكاء الاصطناعي، أعلنت شركة «DeepMind» في يونيو 2023 عن نجاح نظامها «AlphaDev» في ابتكار خوارزمية فرز «Sorting Algorithms» بيانات جديدة أسرع بنحو 70% من أفضل الخوارزميات التي طورها البشر سابقا -وفقَ الخبر الذي نشره موقع «Deepmind» في 7 يونيو 2023-؛ ليعكس هذا الإنجاز العلمي الفريد خطوةً كبيرةً في عالم التقنية وتحديدا الذكاء الاصطناعي، ويعكس قدرة الأنظمة الذكية الحديثة على تخطي حدود التفكير البشري التقليدي.
كيف نفهم هذا النوع من التطور الخوارزمي الذاتي؟
لفهم أهمية مثل هذا التطور العلمي غير التقليدي، سنحتاج إلى إلقاء نظرة معمّقة فيما يخص آلية هذا التطور وكيفية حدوثها؛ فنشرت مجلة «Nature» العلمية دراسة تفصيلية -في عددها المسجّل بـ 618, 257–263 (2023)، وجاءت بعنوان « Faster sorting algorithms discovered using deep reinforcement learning» « اكتشاف خوارزميات فرز أسرع باستعمال التعلّم التعزيزي العميق»- عن نظام AlphaDev» الذي طُوّر عن طريق تقنيات التعلّم التعزيزي Reinforcement Learning الذي يعتبر فرعا من فروع التعلم الآلي، ويعمل على تعزيز النظام الذكي عبر عملية التجربة والخطأ وتلقي المكافآت على القرارات الصائبة. تُعدّ خوارزميات الفرز من العناصر الرئيسة في علم الحاسوب من حيث قدرتها على التحكم في طريقة معالجة البيانات وتصنيفها؛ فيؤثر بشكلٍ مباشرٍ على سرعة تنفيذ المهام الحاسوبية في شتى المجالات، بدءًا من الترتيب البسيط للبيانات في قواعد المعلومات وانتهاءً بالخوارزميات المعقّدة المستعملة في الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، وعلى مدار العقود الماضية، اكتُشفت العديد من خوارزميات الفرز وطُوّرت مثل: خوارزمية «الفرز السريع» (Quicksort) التي طورها «توني هور» في عام 1960، وخوارزمية «الفرز الدمجي» «Mergesort»، وبالإضافة إلى خوارزميات أُخرى تُعد كلاسيكيةً من حيث المبدأ العلمي لعلوم الحاسوب، وواصلت هذه الخوارزميات تطويراتها حتى وصلت إلى مستويات بالغة الدقة من حيث التعقيد الرياضي، وظلت لفترة طويلة بمثابة الأمثلة الأبرز للتميّز الرياضي والبرمجي. في هذا الإطار، لم يقم نظامُ «AlphaDev» بابتكار خوارزمية جديدة فحسب، ولكنه قام ببناء هذه الخوارزمية على مستوى لغة التجميع «Assembly Language»، وهي لغة منخفضة المستوى تتعامل مباشرة مع تعليمات المعالج المركزي؛ ليسمح باكتشاف طرق مختصرة غير تقليدية لتحسين كفاءة عمليات الفرز.
كما أشرنا آنفا؛ فإن مجلة «Nature» العلمية المرموقة نشرت تفاصيل هذه الدراسة في يونيو 2023؛ حيث وضّح البحث المنشور في المجلة بالتفصيل آلية عمل «AlphaDev» وكيفية توصله إلى هذه النتائج غير المسبوقة، وأشارت الدراسة إلى أن «AlphaDev» استعمل أسلوب التعلم التعزيزي الاستراتيجي؛ فأقدم النظام الذكي على ملايين المحاولات لإعادة ترتيب العناصر بطريقةٍ تحسّن من سرعة عملية الفرز مع الحفاظ على صحة النتائج ودقتها، وفي كل محاولة كان النظام يتعلم من أخطائه ويُعدّل من إستراتيجيته؛ ليقترب تدريجيًا من أفضل نتيجة ممكنة.
ما يميز ابتكار «AlphaDev» أنه وجد طرقًا مختصرة وغير تقليدية لفرز البيانات، وبمعنى آخر، اكتشف طرقًا لم تكن واضحةً أو متوقعةً لدى خبراء الذكاء الاصطناعي البشر. لم يقف الأمر عند حدود النشر العلمي النظري، ولكن باتت هذه الخوارزمية الجديدة جزءا فاعلا في مكتبة «C++» القياسية؛ فجعلها متاحةً للمطورين في جميع العالم بشكل مباشر، وبدأت العديد من التطبيقات بالفعل باستعمال هذه الخوارزمية المتطورة، وهذا ما يمكن أن يساهم في تحسين كفاءة البرمجيات وتسريع الأداء في مختلف المجالات التقنية، بدءًا من التطبيقات البسيطة ووصولًا إلى الأنظمة الحاسوبية العملاقة بما فيها الكوانتمية التي سبق أن استعرضنا حديثا عنها في مقال علمي سابق نشرناه في الملحق العلمي لجريدة «عُمان »عدد أكتوبر 2023.
المنافع المتوقعة
إنّ الفوائد المتوقعة من هذا الإنجاز لا تقف عند حدود فرز البيانات بشكلٍ أسرع؛ ولكنها تمتد إلى تحسين النظم الحاسوبية في مجالاتٍ عدة مثل قواعد البيانات العملاقة، وتحليل البيانات الكبيرة «Big Data»،
ونماذج التعلم الآلي التي تعتمد كثيرًا على عملياتٍ متكررةٍ من الفرز والبحث والمقارنة، ومع دخول التقنيات الحاسوبية في كل جوانب الحياة العملية التي تشمل تطبيقات التجارة الإلكترونية وتطبيقات الطاقة والمناخ؛ فإنّ تخفيض الوقت المستهلك في مثل هذه العمليات الأساسية يمكن أن يسهم في توفير كبير في الطاقة والموارد؛ ليعود بالنفع على الشركات والمؤسسات والمجتمعات على حد سواء. كذلك يمكن أن يفتح هذا التطور الرقمي أبوابًا جديدةً أمام الأبحاث المستقبلية في الذكاء الاصطناعي؛ إذ يمكن أن تتطور الخوارزميات التي تأتي بها نظم الذكاء الاصطناعي لتشمل جوانب برمجية أخرى مثل: الضغط «Compression»، والتخزين، والمحاكاة البصرية، والأمن السيبراني. رغم أن بعضنا يرقب هذه التطورات بحذرٍ خوفًا من تفوق الآلة على الإنسان في نواحٍ تهدد وظائف بشرية؛ فإنّ النظرةَ العلمية متفائلةٌ إلى حد ما؛ فترى في ذلك فرصةً لتعزيز القدرات البشرية واستغلال وقت المبرمجين والعلماء في حل مشكلات أكبر وأكثر تعقيدًا، تاركين للأنظمة الرقمية ابتكارَ الحلول في الجوانب الروتينية والحسابية المحضة.
الإبداع الرقمي والتساؤلات الفلسفية
عبر هذا المنحى الرقمي ذو البعد الذاتي للتقنيات الحديثة، يفتح نظام «AlphaDev» آفاقًا جديدة في عالم الخوارزميات والحوسبة؛ ليعكس قدرةَ الذكاءِ الاصطناعي على اكتشاف حلول إبداعية لمشكلات لم تكن معروفة ومحسومة من قبل العقل البشري ومنظوره العلمي؛ ليطرح تساؤلات عميقة تتعلق بمستقبل الذكاء الاصطناعي واستقلاله التطوري الذي يوحي بالنقيضين: الآمال العلمية والمخاوف المرتبطة، ومن الناحية الفلسفية، يطرح هذا الإنجاز أسئلةً مهمة تتعلق بطبيعة الإبداع وحدود الإدراك الإنساني في مقابل قدرات الآلة الرقمية واستقلالها التطوري؛ إذ ظن الإنسان لفترات طويلة أنه المصدر الوحيد للإبداع والتفكير غير التقليدي، ولكن تجربة «AlphaDev» وغيرها من أنظمة الذكاء الاصطناعي الحديثة بدأت تزلزل هذه الفرضيات؛ فلم تعد الآلة الآن محصورةً في دور الأداة لتنفيذ الأوامر البشرية، ولكنها أضحت كيانًا رقميا قادرًا على إنتاج المعرفة والإبداع بطرق يمكن أن تفوق ما يمكن للبشر أن يتصوره؛ ففي حدث علمي آخر أشبه بالخيال العلمي -بطله الذكاء الاصطناعي-، نجح باحثون في اليابان في تدريب ذكاء اصطناعي على توليد صور مرئية مستخرجة من دماغ الإنسان عن طريق مسح دماغه، وعرض الباحثون على مشاركين مجموعة متنوعة من الصور -مثل دب دمية وطائرة وبرج ساعة-، واعتمدت الآلية على قياس نشاط الدماغ عبر «fMRI»؛ ليتمكن بعدها نموذج الذكاء الاصطناعي من إعادة رسم صور لهذه القراءات التي تعكس أنماطَ نشاطِ الدماغِ المسجلة والمستخرجة، وجاءت الصور المولدة مشابهة بشكل مذهل لما رآه المشاركون في التجربة، وتشير الدراسات إلى أن دقة هذه الطريقة كانت مدهشة رغم أن التقنية لا تزال في مهدها، وحال استمرار تطورها؛ فإنها ستخطو خطوة علمية كبيرة في المقاربة لمساعدة الأشخاص غير القادرين على التواصل عبر ترجمة أفكارهم إلى صور أو نصوص، وكذلك يمكن للقدرات الخوارزمية أن تمتد إلى فهم محتوى الأحلام وتصويرها وقراءة ما يدور في الأذهان.
عودة إلى المنظور الفلسفي، فإن مثل هذا التفوق الرقمي يثير أسئلة عميقة تتعلق بالعلاقة بين الإنسان والآلة، والطبيعة الحقيقية للذكاء والإبداع؛ فتنهمر العديد من الأسئلة مثل: أيكرر الذكاء الاصطناعي تجربة الإنسان الإبداعية أم أنه يُنشئ مسارات جديدة بالكامل؟ وهل ينبغي لنا التعامل مع الذكاء الاصطناعي باعتباره شريكا في الإبداع وليس أداةً جامدةً؟ بدأت مثل هذه التساؤلات تأخذ مساحة واسعة في النقاشات العلمية والفلسفية الحديثة خصوصًا بعد أن أثبتت الأنظمة الذكية مثل «AlphaDev» قدرات لا تقتصر فقط على حسابات رياضية، ولكن على إيجاد حلول ابتكارية غير متوقعة لمشكلات علمية معقدة.
نظرة مستقبلية مشرقة
تؤكد نتائج «AlphaDev» على أن قدرة الذكاء الاصطناعي على الإبداع والابتكار فاقت حدودَ التصورات البشرية السابقة؛ فتقليديًا، كان تطوير الخوارزميات الجديدة يعتمد بشكل كبير على الخبرة الإنسانية والمعرفة النظرية والتجريبية المسبقة، كما رأينا في الفقرات السابقة أمثلة لخوارزميات مشابهة من تطوير الإنسان، ولكنها بقدرات رياضية وبرمجية أضعف، وليظهر نظام «AlphaDev» بمنهجيةٍ جديدةٍ تعتمد على المحاكاة العميقة والتجربة واسعة النطاق، والخالية من القيود البشرية التقليدية؛ لتُحدثَ تغييرات جذرية في كيفية تصميم الأنظمة الحاسوبية مستقبلًا وتطوريها. على المستوى العملي والتطبيقي، فإن هذه الخوارزمية الجديدة توفر الكثير من الوقت في عملية معالجة البيانات، الأمر الذي يعني توفيرًا في الموارد والطاقة وتخفيضًا كبيرًا في التكاليف خاصةً في الصناعات التي تعتمد على المعالجة المكثّفة للبيانات مثل التحليل المالي، والذكاء التجاري، والتطبيقات الصناعية، وغيرها. كما أن هذا الإنجاز يمهّد الطريق نحو اكتشافات مستقبلية مشابهة في مجالات أخرى عديدة؛ حيث من المحتمل أن تتمكن أنظمة الذكاء الاصطناعي من ابتكار خوارزميات أخرى أكثر تعقيدًا في مجالات مختلفة.
كذلك من المتوقع أن يؤدي تطوّر الذكاء الاصطناعي في مجال ابتكار الخوارزميات إلى تغييرات في طرق تعليم الحوسبة وهندسة البرمجيات؛ لينتقل المبرمجون والمهندسون إلى التركيز على تطوير استراتيجيات لتهيئة أنظمة الذكاء الاصطناعي بدلًا من كتابة الخوارزميات بشكل مباشر؛ ليسهم في صناعة تحولٍ في طبيعة عملهم من التنفيذ إلى إدارة العمليات الإبداعية وتوجيهها. تؤكد لنا مثل هذه القفزات العلمية أننا على أبواب مرحلة جديدة من العلاقة بين الإنسان والآلة، ولا ينبغي أن نعتقد أن هذه المرحلة حالة منافسة بين الاثنين (الإنسان والآلة)، ولكنها مرحلةُ تكاملٍ واندماجٍ؛ حيث تتضافر قدرات الإنسان والذكاء الاصطناعي معًا لبناء مستقبلٍ أكثرَ تطورًا وإبداعًا وفعالية.
د. معمر بن علي التوبي أكاديمي وباحث عُماني