لجريدة عمان:
2024-06-30@00:45:07 GMT

العيد وتجديد الرغبة في الحياة

تاريخ النشر: 7th, April 2024 GMT

العيد وتجديد الرغبة في الحياة

لم يأت عيد على المسلمين في العقود الأخيرة أصعب من عيد الفطر المنتظر يوم الأربعاء القادم، حيث ستكون صورة ما حدث في غزة خلال الأشهر الستة الماضية ماثلة أمام الجميع بكل ما بها من وحشية وجرم عظيم، وهذا من شأنه أن يستحضر كل التحديات والنكبات التي عاشتها وتعيشها الأمة العربية خلال القرون الأخيرة وما بها من ضعف وهوان.

ورغم كل الألم المتوقع تداعيه صبيحة يوم العيد فإن فلسفة العيد كما يقرها الإسلام تكمن في فكرة الفرح، في أن يفرح الإنسان مهما كانت ظروف الحياة صعبة وقاسية، ومهما كان واقع الأمة العربية والإسلامية مريرا؛ فدور العيد في فلسفة الإسلام أن يحيي في الإنسان رغبة الحياة ويجددها، أن تحضر أمامه صورة الحياة لا صورة الموت؛ لذلك فإن الإسلام يفضل في يوم العيد زيارة الأحياء فهي أولى من زيارة الأموات في المقابر كما تجري العادة في الكثير من البلاد العربية.

وإذا كان المسلم قد اجتاز مشقة الصيام وممنوعاته وحصل على جائزته الدنيوية والمتمثلة بيوم العيد، فإن الله سبحانه وتعالى قادر على أن ينزل على هذه الأمة من الأعياد حتى ترضى حينما تستطيع أن تجتاز محنها وتحدياتها بالعمل الحقيقي المرتبط بالعلم وتجاوز الوهم والجهل إلى مساحة النور والضياء.

إن فلسفة العيد كما هي في الفكر الاجتماعي للمجتمعات الإسلامية يتمثل في معان عميقة أكبر بكثير من المعاني السطحية التي قد يعتقدها البعض؛ فإضافة إلى أنه لحظة مهمة بالشعور بالتكافل وزرع البسمة رغم التحديات والمآسي فإنه يوجه حركة الزمن نحو المستقبل للتأكيد على أن الحياة مستمرة ولا يمكن أن تقف بسبب أي خطب مهما كان عظيما ومهما كان تأثيره كبيرا على أمة بأكملها، كما أنه يؤكد أن الفرج آت لا محالة ليكون يوم عيد ويوم نصر عزيز مؤزر. والعيد كما قال ذات يوم مصطفى صادق الرافعي: هو المعنى الذي يكون في اليوم لا اليوم نفسه.

إن شكل المسلمين وهم يحيون أيام العيد بالفرح والسرور رغم كل المآسي الماثلة أمامهم دليل واضح على قوة نظامهم الاجتماعي بما فيه من تكافل وتآزر في كل اللحظات، فشعور العيد واحد في نفوس الجميع وكلمة العيد التي لا بد أن تسود لحظاته واحدة عند الجميع، الواجد والفاقد، الراضي والساخط.

وأمام كل هذا، ورغم كل شيء؛ فإن الفرح في يوم العيد هو شريعة من شرائح الله سبحانه وتعالى ولا تسقط بحجم الأهوال الكبرى التي تمر على الأمة ولكن في الوقت نفسه مناسبة مهمة لنشد فيها الهمم ونأخذ بأسباب التقدم وبأسباب القوة لنكون أمة قوية بكل ما تعنيه معاني قوة الأمم والحضارات: قوية إيمانا، وفكرا، وعملا، وإبداعا، وقيما، ومبادئنا.. إلخ.

وحتى لا يمضي يوم العيد ونحن نردد قول المتنبي:

عيد بأية حال عدت يا عيد

بما مضى أم بأمر فيك تجديد

فلا بد أن نستلهم فلسفة العيد حتى نعيشه وحتى نشعر بقدرته على تجديد حياتنا وتذكيرنا بقوتنا وقدرتنا على تجاوز كل المحن والتحديات وتمسكنا بالأمل دائما.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: یوم العید

إقرأ أيضاً:

أجمل يوم لم يأتِ بعد!

 

د. محمد بن عوض المشيخي **

 

أجمل ما في هذه الحياة أن نعيش ونحيا بالأمل الذي يعني لنا المستقبل المشرق والذي من خلاله نودع الماضي بأحزانه، والحاضر بكل ما يحمله من سكون وقلق وتوتر من الواقع الأمر الذي صاحبنا طوال ما مضى من العمر، وننطلق نحو الأفق الجميل ونترك خلفنا الزوايا المظلمة إلى الأبد.

وفي حقيقة الأمر أن أثمن الإنجازات التي تحققت للإنسانية عبر تاريخها الطويل؛ هو العمل بجهد واجتهاد لمد جسور من الأمل على ضفاف أنهار من اليأس؛ فالبوساء هم المعذبون في الأرض الذين تساقطت أحلامهم مثل أوراق أشجار الخريف ووصلت بهم إلى طريق مسدود، والأمل هو أجمل ما في هذا الكون؛ فهو عكس القنوط واليأس اللذيْن يعنيان ببساطة معولًا لهدم المشاريع المستقبلية والدخول في دروب مظلمة من المعاناة التي تُنهى مشوارنا في هذه الدنيا الجميلة، التي أوجد الله فيها الإنسان ليُعمرها ويعمل بجد وإخلاص لتحقيق طموحاته الواعدة التي لا يمكن لها أن تتحول إلى حقيقة إلّا بالإرادة الصلبة والعزيمة القوية.

لا شك أن الناس قد وُجِدَت للعمل والتعمير؛ ولا يوجد في قاموس الحياة من يُحقق أهدافه بدون خطط واضحة المعالم، ومثابرة وجهد مضنٍ، فلا يوجد طريق مفروش بالورود في هذا الكوكب. ومن هنا يجب أن يدرك الجميع بأن أجمل يوم في حياتنا لم يأتِ بعد؛ بل هو ذلك اليوم الدافئ والواعد والذي يحمل لنا في طياته الكثير والكثير من الأماني التي تتحقق فيها الآمال الكبرى والإنجازات العظيمة والتي سوف يفتخر فيها كل من وقف معنا وشجعنا، ونقصد بهم هنا أولئك الذين أخذوا بأيدينا في أحلك الظروف وأصعبها على الإطلاق، ومن سوء الحظ أن هؤلاء قلائل في هذا الزمن الصعب؛ فالحصول على أشخاص يمكن أن نعدهم في حياتنا بأنهم أملنا وسندنا للولوج إلى قادم الأيام الجميلة أقرب إلى الخيال منه إلى الواقع.

والإنسان إذا فقد الأمل يمكن تشبيهه بالورد أو النبات بدون ماء، فنهايته الفناء والذبول الأبدي. فلا شيء أقوى وأفضل لقهر التحديات والعقبات التي تواجهنا في مختلف محطات الحياة إلا الإيمان بالله الذي أوجدنا لتعميرالكون؛ ولا يُمكن أن يتخلى عنَّا، ثم القوة السحرية التي أذهلت الفلاسفة وعلماء النفس والاجتماع عبر التاريخ، فهي سر وقوة الابتسامة الواثقة التي تظهر على شفاهنا ووجهونا أمام الآخرين من حولنا من الأصدقاء والأعداء على حد سواء مهما كانت الظروف، فهي سلاح فتَّاك يزلزل الجبال ويُحقق النصر الساحق أمام الهزائم المفترضة التي تجعلنا نستسلم لمن خذلنا أو أراد لنا الاندحار والتوقف عن السعي في سبيل الرزق وتحقيق النجاح. كما أن الصبر والصمود والثبات في مسيرة حياتنا الملئة بالأحداث الدراماتيكية؛ من أهم مفاتيح النجاح التي يمكن أن تصنع الفارق بل المستحيل.

كم هو عظيم هذا الإنسان الذي يقهر اليأس والظلم بالابتسامة الصادقة التي تعنى ببساطة بأن هناك رباً يدبر الأمور في هذه الحياة؛ ولا يمكن بأي حال من الأحوال؛ أن يخذل عبده المؤمن بالأقدار الإلهية، فهناك قاعدة ربانية صادقة نومن بها جميعا أشد الإيمان مفادها بعد العسر يسر، يقول الله تعالى في سورة الطلاق "سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا"؛ لِمَ لا فقد ذكر الله تعالى الأمل في القرآن الكريم أكثر من مرة، إذ قال جل جلاله في سورة الكهف "وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا".

الأمل هو النافذة الصغيرة التي تفتح لنا آفاقًا رحبة في الحياة، فعند ما نزف خبرا سارا لصديق  قد ضاق صدره من الحزن والألم؛ نجده قد كتب له حياة جديدة في رحاب الأمل ودروبه، فيكون رد فعله لذلك الخبر هو (بشر). بالطبع لولا أملنا في الغد لتحطمت اشرعة سفننا العابرة للمستقبل على الصخور الصماء في أعماق البحار؛ والتي تهلك الحرث والنسل، ولكن بالأمل تستمر الحياة، فكل إنسان في هذا العالم الواسع المترامي الأطراف يطمح إلى تحقيق أحلام ومشاريع مؤجلة. وهذه القاعدة تنطبق على جميع البشر كبيرًا وصغيرًا، فكل واحد فينا يتطلع إلى إضافة المزيد من الإنجازات المستقبلية المتمثلة في الشهرة والسمعة الطيبة، وكذلك زيادة الأرصدة البنكية والأموال بشكل عام؛ والحصول على المراتب العليا في المناصب، هذا بالنسبة للطبقة المخملية، بينما عامة الناس تجاهد للحصول على مصدر رزق أساسي يغطي مصاريف الحياة اليومية فقط، هذا إذا كان الانسان العادي محظوظا في هذه الدنيا التي تتلون بالألوان الرمادية الباهته وتفتح أبوابها واذرعها للبعض فقط.

ومن المفارقات العجيبة هنا، أن تجد كل من رحل من هذه الدنيا يحمل في نفسه طموحات وآمال يتمنى تحقيقها قبل الموت؛ فهؤلاء الذين استقر بهم الحال في المقابر كان كل واحد منهم عنده قائمة طويلة من الأعمال المستقبلية والتي لم تر النور انتظارا لأمل قد لا يتحقق، على الرغم بأن كل فرد من حقه أن يحلم وينظر بعين نحو السماء لعل ذلك يتحقق يومًا ما!

من المؤسف حقًا بأن هناك من البشر في هذا العصر من يصابون بخيبة أمل وانزعاج شديد؛ عندما يرون غيرهم من الناس قد حققوا مكاسب مالية، ومناصب رفيعة، وشهادات عُليا من أعرق الجامعات، حتى ولو كانت مكاسب هؤلاء المغضوب عليهم، سوف تعود بالنفع للوطن والمجتمع بشكل عام. من هنا أتذكر كلامًا مُعبِّرًا عن هذا الواقع المرير؛ للعالم المصري الراحل أحمد زويل الذي قال "الأوروبيون ليسوا أذكى منّا، لكنهم يقفون ويدعمون الفاشل حتى ينجح، أما نحن فنحارب الناجح حتى يفشل". بالفعل هناك أعداء النجاح في كل المنافذ والزوايا المحيطة بنا، والذين يتمنون أن يعُمَّ الفشل الجميع دون تمييز، لكي يتساوى معهم الناجحون والمجتهدون، ويتقاسم الجميع الأصفار. إنها خيبة أمل ونظرة سلبية للأمور، فمنطق هؤلاء الحُسَّاد أنهم لا يحبون الخير لغيرهم؛ فهم لا يتحملون أن تنزل النعم على من حولهم من العباد!

وفي الختام.. يجب التأكيد على قاعدة مُهمة؛ وهي أن السعي في الأرض والمثابرة والاجتهاد والأخذ بالأسباب التي تدفع بصاحبها إلى الغايات الكبرى، كل ذلك من أهم أساليب النجاح المقرونة بالأمل الصادق، وإذا اعتقد البعض أنه يمكن الركون على الأمل الذي يُصاحبه الكسل والانتظار، ففي حقيقة الأمر السماء لا تُمطِر ذهبًا ولا فضة، فلكل مجتهد نصيب في هذه الحياة.

** أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • جامعة القاهرة: الدكتور الخشت من أكبر مفكري عصره بإنتاج علمي غزير
  • أجمل يوم لم يأتِ بعد!
  • الأعياد تُجدد فينا الأفراح
  • نضال من أجل تحقيق سلام عادل
  • الري تستعرض معلومات عن 780 مشروع جاري تنفيذهم في محافظات الجمهورية
  • تطبيع الإعلام تطويع للسياسة!!
  • فلسفة الصبر
  • طرق بسيطة وفعالة للإقلاع عن التدخين في الصيف.. جربها
  • لهذه الأسباب احتل أهل الكهف المرتبة الأخيرة بإيرادات أفلام العيد
  • "الشورى" يُقِّر "الضريبة على دخل الأفراد"