لجريدة عمان:
2025-03-12@11:43:27 GMT

المجموعات الجماهيرية عقلانية بالضرورة

تاريخ النشر: 7th, April 2024 GMT

كثير ما تتهم المجموعات «الجماهيرية» بالعشوائية، وبعدم التنظيم، وبـ «عقلية القطيع» وتترسخ الصورة النمطية هذه مع مرور الزمن، ليس لأنها حقيقة مطلقة ولكنها تخفف من وطأة التأثير الذي تحدثه المجموعات «الجماهيرية»، وعلى أن هذا التأثير ينطلق من منهج عقلاني، بعيد عن الشطط، ومن هنا يجب التفريق بين ما تؤول إليه ممارسات وسلوكيات المجموعات الجماهيرية، وبين تجاوز الحقيقة في ترسيخ الصورة النمطية التي تشاع عنها.

وفي تناص شديد الحساسية يمكن النظر إلى المنطلق أو الباعث في تكوين المجموعات الجماهيرية، فهي لا تنطلق من فراغ، إذن هناك حقيقة واقعية وملموسة للحظة الميلاد، وهذا ما ينفي عنها العشوائية، وعدم التنظيم، أما وصفها بـ «عقلية القطيع» فهذه تبقى استثناء من القاعدة، ولا توجد أصلا قواعد في الحياة لا تتخللها الاستثناءات.. ومن اختزال المفاهيم أن ترمى الأوصاف التي مضمونها (الانتقاص/ الشتم) على أي مكون كان: إنساني، جغرافي، قيمي، عرقي، النوع، مذهبي، وغيرها مما يندرج تحت ذات المفاهيم، من غير أن تراعى مجموعة الحدود، أو الإطارات، التي تحكم هذا المكون أو ذاك.

في تقييم غير واع بالضرورة أن المجموعات الجماهيرية هي سيئة بالكلية، وأن حراكها لا يفضي إلا إلى كثير من التداعيات السلبية، وأن حراكها لا يعبر عن مجتمع واع، وأن فئاتها تحتاج إلى كثير من الدعم النفسي، والتربوي، وهذا التدافع من الإساءات تجاه المجموعات الجماهيرية يحتاج إلى كثير من التمهل، والمراجعة، والدقة، لأن في مجموعها تهم أغلبها غير دقيقة، وإنما بنيت على ترسخ صور نمطية، وأن كل ما يقع تحت تصنيف «المجموعات الجماهيرية» هي سيئة بالضرورة، وهذا فكر، أتصور، أنه قد تضاءل كثيرا في العهود المتأخرة من عمر الوعي الاجتماعي، على وجه الخصوص، وهذا التضاؤل تدعمه وسائل التواصل الاجتماعي التي أعطت الحرية الكاملة للأفراد لأن يعبروا عن كل ما يودون التعبير عنه، دون أن تمر تعبيراتهم عبر مقص الرقيب، كما كان في الماضي، بالإضافة طبعا إلى أهم منفذ يمكن التعبير من خلالها عن طموحات وآمال العامة، وهي المجالس البرلمانية، وهي المؤسسة المعبرة عن الشعوب كافة، حيث فوضت الشعوب من يمثلها في هذه المجالس، وكفلت المجالس، في المقابل، التعبير الحر الكامل، للحديث والمطالبة، والاعتراض، والنقد الموضوعي، على كل ما هو موجود في الميدان، ومعنى هذا أن أعضاء هذه المجالس هم مجموعة جماهيرية انتقاها الجمهور من بين أفراده الكثر، وسلمها أمانة المسؤولية للتعبير عنهم، وعن كل ما يودون طرحه، وبالتالي فهم أقرب إلى الحوار مع صاحب القرار من دون تشنج، وهذه المجموعة البشرية وإن نظر إليها بكثير من التنظيم، إلا أنها في النهاية هي صورة مصغرة للمجموعات الكبيرة خارج المؤسسة البرلمانية.

هل تحرك المجموعات الجماهيرية تحركا رأسيا «هرميا» أم أفقيا «تجانسيا»؟ فالذي ينتصر للصورة الأولى فهو يذهب إلى تعزيز الصورة النمطية المترسخة عن المجموعات الجماهيرية، وهي الصورة المتوجسة والخائفة، وقد ينظر إليها نظرة استفهام كبيرة عن أسباب نشأتها، وأن موضوعاتها التي تطرحها موضوعات غير قابلة للنقاش، وقد تتهم بأنها تنفذ أجندات خارجية، ولذا يجب أن تواجه بالقوة القاهرة، والذي ينتصر للصورة الثانية، فإنه يرى أن المجموعات تتحرك أفقيا، وبالتالي فهي تمارس أنشطتها وفق ممارسات عقلية تخضع لكثير من التنظيم، والترتيب، وتعتمد كثيرا على برامج وآليات تفضي إلى كثير من الخير؛ لأن هناك تجانسا كبيرا -بالتأكيد غير مطلق- لكنه يصل إلى حد الرضى، ولعلنا نشاهد مثل هذه الصورة أكثر في المجموعات الجماهيرية التي تسيرها الأحزاب في الدول الحزبية، ولها أجندة واضحة، ومشروع محدد تعمل عليه، وبالتالي فمتى تحقق لها ما أرادت بمجالات القوة الناعمة، وكتب لها النجاح، لا تلبث كثيرا في الساحة، وتعود أدراجها إلى حيث النشأة الأولى، ولعل الثانية ذات البعد الأفقي تخضع لكثير من تأثيرات ثقافة المجتمع الذي يحتضنها، وهو المجتمع الذي لا تشكل فيه المجموعات الجماهيرية ظاهرة اجتماعية ملفتة، وتحتاج إلى كثير من الرعاية والمتابعة، وإنما هي تتحرك في السياق الاجتماعي المعهود، فلا يثير تحركها استنفارا يجب مواجهته بالقوة، أو أن هذا التحرك يثير الخوف، ويخلق مجموعة من الأسئلة عن الأسباب والمسببات.

ربما ما يعاب على المجموعات الجماهيرية في عموميتها؛ هو حالات الحماس، أو الانفعالات التي يبديها بعض أفرادها، فيعلو سهم هذه الانفعالات إلى شيء من الضرر المادي للممتلكات العامة، وهذا يقينا، ليس من أخلاقيات وقيم المجموعات الجماهيرية التي تعي، تماما مسؤولياتها الوطنية والأخلاقية، وبالتالي فهذه تظل حالات استثنائية يتم معالجتها تلقائيا عبر العقلاء المنظمين للحراك الجماهيري، وإن حدثت فإن من قام بفعله السيئ، يقينا، أيضا، سيدخل في حالة تأنيب ضمير غير منكورة؛ لأن الهدف هو الإصلاح. وبالإضافة إلى ذلك سيدفع ثمن ما تسبب في إتلافه، عاجلا أو آجلا، فالقانون لا يحمي المغفلين، وهذا يصنف ضمن جنوح الممارسات غير الواعية، ومع ذلك، فهذه الاستثناءات لا يمكن أن تلغي أهمية الدور الذي تقوم به الجماعات الجماهيرية، ومدى فرض أجندتها التي تذهب إلى خدمة الصالح العام لا أكثر.

هناك منْ يَنْظُرُ إلى أن فعل المجموعات الجماهيرية على أنه يتخذ مسارين مهمين؛ الأول: المسار البنائي للمواقف الداعمة للخير والبناء، والصلاح كـ «المؤازرة للقضايا الإنسانية» والمسار الثاني: المسار المطالب بتحقق ما أخفقت في تحقيقه كلا السلطتين: السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية في أداء الأدوار التي تعهدت بها أمام المجموعات الجماهيرية، سواء في فترة الانتخابات بالنسبة للسلطة التشريعية، وبالنسبة لانخفاض أداء مستوى البرامج التنموية بالنسبة للسلطة التنفيذية، وبالتالي فإن لم يتحقق تجسير الهوة بين الطرفين (المؤسستان «التشريعية والتنفيذية/ الجماعات الجماهيرية) فيكون ذلك كفيل بأن تصل العلاقة بينهما إلى مستويات الاحتقان، وفي كلا الأمرين ليس هناك ما يتوجس منه من نتائج، فكل ذلك ذاهب إلى البناء والصلاح والاستقرار، ومسألة إسقاط أي نشاط جماهيري في مفهوم الـ «تحريض» لا يجب أن يدفع به كتقييم أولي حتى تتضح الصورة كاملة.

يحل اليوم مفهوم جديد لـ «المجموعات الجماهيرية» وهو ما يعرف بـ «الترند» وإن كان ساحته التفاعلية عبر منصات التواصل الاجتماعي، إلا أنه لا يمكن فصله عن المجموعات الجماهيرية الذين يشكلون عنصره التفاعلي المهم، والحاضر، عبر مناقشة موضوع يظل مستحوذا على الاهتمام الكبير من قبل جميع الذين يدلون فيه بدلوهم؛ وإن خضعت هذه المشاركات كلها لفئات مختلفة: في الأعمار، في المستويات الثقافية، في الوعي الكامل بالقضية، في تباينات فئات المجتمع، في تباينات الجغرافيا، إذن فما الذي يفرق بين المجموعات الجماهيرية على الأرض وبين المجموعات الجماهيرية عبر منصات التفاعل الاجتماعي «الفضاءات الإلكترونية»؟ هنا قد نقف عند مجموعة من الفروقات من بينها: الساحة التفاعلية، ففي الأولى مادية على الأرض، وفي الثانية عبر منصات تفاعلية، غير مادية، ومن ضمن الفروقات أيضا أنه في الأولى يمكن احتواء المجموعات عبر مساحة محددة بحواجز مختلفة للسيطرة عليها، أما في الثانية فيصعب ذلك حيث يكون جميع المشاركين سابحين عبر الفضاء الإلكتروني الممتد عبر مشارق الأرض ومغاربها، وفي الأولى أيضا يمكن تحييد شخصية معينة ومعرفة هويتها، وثقافتها، وعمرها، وانتماءاتها الاجتماعية والسياسية، ولونها ونوعها، بينما يصعب في ذلك الثانية إلا في حالات ضيقة جدا، فالحسابات التي ينطلق منها الأعضاء، قد تكون حسابات وهمية، فلا يعرف حقيقة أصحابها، لا عن أعمارهم، ولا عن مستوياتهم الثقافية، ولا النوع (ذكرا/ أنثى)، فقير أو غني، ذي انتماء سياسي معين من عدمه، حيث تطغى على هذه الحسابات هوية الأسماء المستعارة، وهذا قد يشكل تحديا أمنيا غير منكور، في حالة المساءات القانونية؛ إن استدعى الأمر ذلك.

أحمد بن سالم الفلاحي كاتب وصحفي عماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: إلى کثیر من

إقرأ أيضاً:

هل بدأت إسرائيل بمخطط تقسيم دول المنطقة؟

إذا أمعن الرائي في الخلفيات الظاهرة والخفية لإصرار إسرائيل على إبقاء احتلالها لمواقع في الجنوب اللبناني تعتبرها "استراتيجية" لأمن مستوطناتها الشمالية لتبيّن له أن هذا الإصرار يرتبط في جزء كبير منه بما تقوم به تل أبيب في الجنوب السوري، وامتدادًا ما له علاقة بما يجري على الساحل السوري، وبالأخص في المدن، التي كانت تُعتبر معقل نظام البعث، أو بتعبير أوضح "النظام العلوي" بما له من دلالات تقسيمية قد بدأت تتبلور معالمها. ولا يخطئ المرء كثيرًا إذا ذهب في تحليلاته إلى أبعد مما يطفو على سطح الأحداث المتسارعة في سوريا، بدءًا بـ "السقوط الكارتوني" لنظام الأسد، مرورًا بالتحرّك التركي شمالًا، ووصولًا إلى عودة تحريك الملف الكردي، وذلك بالتزامن مع ما يبدو اتفاقًا "ناعمًا" بين الرئيسين الأميركي والروسي دونالد ترامب وفلاديمير بوتين على إنهاء الحرب الروسية في أوكرانيا لمصلحة موسكو بعد عملية "التطويع" القسري للرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي، التي مورست عليه في لقاء "البيت الأبيض"، والتي أدّت في نهاية المطاف إلى تسليمه بالشروط الأميركية لاتفاقية المعادن.
وقد يكون لهذا الاتفاق الأميركي – الروسي "الناعم" أوكرانيًا تداعيات شرق أوسطية بفعل وجودهما القوي في المنطقة، وبالأخصّ في سوريا المعرّضين لمزيد من التفاعل في مناطق تقاسم النفوذ، حيث لكل من واشنطن وموسكو مصالح حيوية تمتد حتمًا، ومع التطورات السريعة على الساحل السوري الغربي وما يمكن توقعه في المناطق الشمالية، إلى خارج الحدود السورية في اتجاه العراق ولبنان كونهما البلدين الأكثر تأثرًّا بما يجري في الداخل السوري، غربًا وشرقًا وجنوبًا.
فإذا بدأت معالم تقسيم سوريا تتوضح مع تفاعل التطورات العسكرية، التي لم تفاجئ الكثير من المحللين الاستراتيجيين، فإن كلًا من العراق ولبنان ستلحق بهم حتمًا "طرطوشة" هذه الجرثومة، التي لا بدّ منها كحال مكمّلة للمخطط التفتيتي لدول المنطقة، الذي سعت إليه تل أبيب من خلال تدميرها شبه الكامل لقطاع غزة، واستكمال ما بدأت به في القطاع من مخطّط تهجيري في القطاع ونقله إلى الضفة الغربية. ولأن الشيء بالشيء يُذكر أذكر ردّة فعل الرئيس الراحل كميل شمعون عندما سئل سنة 1976، أي بعد اندلاع الحرب في لبنان بسنة تقريبًا عن مشروع تقسيم لبنان، فكان جوابه صادمًا لجميع الصحافيين، وقال بما معناه إن لبنان لن يُقسّم قبل أن يُقسّم العراق، الذي كان يومها بعيدًا كل البعد عن نظرية التقسيم، حيث كان الرئيس صدام حسين يمسك بزمام الأمور بقبضة من حديد.
فما قامت به إسرائيل منذ اليوم الأول لسقوط نظام الأسد في سوريا من ضربات موجعة استهدفت القدرات العسكرية للدولة السورية بما تبقّى لها من قدرات المواجهة لم يكن مجرد حدث ظرفي له علاقة مباشرة بالتطورات السورية حصرًا، بل تمتد مفاعليه، وهذا ما بدأ يظهر جليًا، إلى لبنان والعراق لاحقًا، مع إمكانية توجيه ضربة عسكرية خاطفة للمفاعل النووي في إيران.
وما مكّن تل أبيب من القيام بما كانت تحلم به حتى قبل مشروع هنري كيسنجر بالنسبة إلى خلق كيانات ضعيفة ومتصارعة في المنطقة هو سقوط النظام السوري السابق بهذه الطريقة الكاريكاتورية وفرض واقع سياسي وأمني جديد. وهذا ما ساعد إسرائيل على تحقيق ما كانت تحتاج إليه في ظروف أخرى لكي تشّن حربًا واسعة النطاق بدأت في القطاع وامتدّت إلى لبنان فسوريا. فإضعاف ما كان لسوريا من قدرات وإمكانات سابقة من شأنه أن يبعدها عن دائرة التأثير على مسرى الأحداث في المنطقة كلاعبة أساسية، وهذا ما قد يمكّن تل أبيب من توسيع نطاق نفوذها خارج حدودها الجغرافية بعدما أصبحت تشكّل خطرًا حقيقيًا على كل من فلسطين، بقطاعها وضفتها، ولبنان وسوريا، وذلك بعدما أنهكت كلًا من حركة "حماس" في غزة، و"حزب الله" في لبنان، وبعد سقوط النظام السوري، ولاحقًا في كسر شوكة النفوذ الإيراني في المنطقة. كذلك فإن للبعد الإسرائيلي في أهدافه المعلنة قطع الممر ربما الوحيد للسلاح الآتي إلى "حزب الله" من إيران عبر الأراضي السورية.
فالمخاطر المستجدّة في سوريا في ضوء التوسع الإسرائيلي في جنوبها وفرض منطقة عازلة، يشكلان التفافًا مدروسًا أيضًا على لبنان، بحيث يتحوّل جزء من الحدود السورية إلى خاصرة رخوة للبنان. وهذا ما تشهده الحدود الشرقية من حين إلى آخر من مناوشات غير بريئة .
وما شهده الجنوب قبل أيام من استهداف إسرائيل لعدد من مواقع تدّعي تل أبيب بأنها مخازن أسلحة لـ "حزب الله" خارج الحدود الجنوبية لنهر الليطاني سوى حلقة في سلسلة طويلة لن تنتهي قبل أن تكتمل كل حلقاتها المتواصلة من إيران ومرورًا بالعراق وسوريا ولبنان وصولًا إلى قطاع غزة والضفة الغربية. المصدر: خاص "لبنان 24"

مقالات مشابهة

  • مكي استقبل محافظ الجنوب.. وهذا ما تم بحثه
  • روسيا تؤكد ضرورة مشاركة جميع المجموعات في العملية السياسية السورية
  • وفاة الأمير فريدريك عن 22 عامًا.. وهذا المرض السبب
  • برشلونة يواجه بنفيكا من أجل طبيبه الراحل
  • وزير المهجرين استقبل المكاري.. وهذا ما تم بحثه
  • فريق عُمان يلاقي جلفار الإعلامي في ثالث لقاءاته بدور المجموعات
  • داخل الضاحية.. إجراءات جديدة وهذا ما حصل
  • هل بدأت إسرائيل بمخطط تقسيم دول المنطقة؟
  • المتحدث باسم وزارة الدفاع العقيد حسن عبد الغني لـ سانا: تمكنت وحداتنا من التصدي لهجوم شنته قوات قسد على جبهة الأشرفية بمدينة حلب، وأوقعنا خسائر في المجموعات المهاجمة
  • مجلس وزراء الداخلية العرب بدين هجمات المجموعات المسلحة بسوريا