ما بين إنقاذ الموقف وتوظيف التكنولوجيا الحديثة، اقتحمت تقنيات الذكاء الاصطناعي السباق الرمضاني لهذا العام، لتفتح نوافذ جديدة على إمكانية سيطرة تلك التقنيات على عالم صناعة المؤثرات البصرية وإقصاء القدرات البشرية بعيدا عن الساحة، وعلى الرغم من أن خطوة الاستعانة بتقنيات الذكاء الاصطناعي في صناعة الدراما لم تكن جديدة بعد أن أخذ صناعها زمام التجربة الأولى العام الماضي في مسلسل العمدة، فإنها سيطرت بشكل لافت على معظم المسلسلات في سباق هذا العام.

تقنيات تحيي الموتى و تعود في الزمن

الصحفية والناقدة الفنية سامية عايش تقول لـ"الجزيرة نت" إنه قبل سنوات قليلة كانت تشكل وفاة ممثل قبل أن يؤدي كامل مشاهده التمثيلية في مسلسل رمضاني مسألة كارثية تضع صانع العمل أمام مأزق كبير، فإما أن يجد مخرجا يضعف السيناريو وإما إلغاء كامل المشاهد للممثل المتوفي وإعادة تصوير الأدوار مع ممثل آخر، أما اليوم فالحل موجود ومتوفر وهو ما حدث في مسلسل "بقينا اثنين" المصري إذ تم استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لاستكمال دور الفنان طارق عبدالعزيز، الذي وافته المنية في نوفمبر/كانون الثاني الماضي أثناء تصوير مشاهده في العمل، قبل اكتمالها.

واستخدمت تقنية الذكاء الاصطناعي هذا العام في تصوير مشاهد وملاحم وحروب في أماكن يصعب الوصول إليها في مسلسل "الحشاشين"، واستعان صناع مسلسل "حق عرب" بتقنية التزييف العميق (Deepface) لإظهار أبطال العمل في صورة أعمار شباب بعكس أعمارهم الحقيقية، وهي تقنية تستخدم للمرة الأولى في الدراما الرمضانية ويعرفها الباحث في الذكاء الاصطناعي شحاتة السيد أنها إحدى تقنيات الذكاء الاصطناعي، والتي تستخدم لإنتاج فيديو أو تعديل محتواه بشكل كامل ليستعرض شيئًا لم يكن موجودًا فيه بالأصل.

يقول السيد في حديثه لـ"الجزيرة نت" إن لجوء صناع العمل للزيف العميق كان بدائيا ولم يقتنع به المشاهد نتيجة الأخطاء الظاهرة، مع وجود تقنيات أفضل لضبط الصورة، إلا إن الطريق ما زال في بدايته وما زلنا نحتاج للعمل بشكل أكبر على توظيف الذكاء الاصطناعي  بشكل احترافي من خلال الاعتماد على متخصصين للخروج بمشاهد أكثر إقناعا للجمهور، ولكن لا نستطيع إنكار أنها خطوة جيدة ليعتاد الجمهور العربي عليها ويبدأ بالاقتناع بتلك التقنيات، مؤكدا أن العام القادم سيكون هناك توظيف أكبر و صناعة محترفة ومقنعة واعتماد بنسب أعلى في صناعة مؤثرات بصرية وربما شخصيات افتراضية تحل محل الممثلين.

تتفق عايش مع فكرة أن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في مجال صناعة الدراما ما زال في بداياته وفي مرحلة الاختبار، ولكنها ترى أن في عالمنا العربي لم نصل لمرحلة أن تحل تقنياته مكان الممثل أو الفنان بشكل كامل، وإنما اقتصر استخدامه هذا العام على إضافة بعض التحسينات أو التغلب على بعض الأمور التي يصعب على الإنسان القيام بها، ومن الممكن أن يستفيد صناع المؤثرات الصوتية والبصرية في مجال الدبلجة بواسطة التقنيات الذكية، على حد قولها.

في عالمنا العربي لم نصل لمرحلة أن تحل تقنياته مكان الممثل أو الفنان بشكل كامل (غيتي) هل يفقد المشاهد متعته؟

تتباين الآراء حول استخدام الذكاء الاصطناعي في صناعة الدراما، إذ يرى جانب أن ذلك من منطلق مواكبة التطورات التكنولوجية في وقت يبلغ فيه استخدامها ذورته في معظم مجالات الحياة، في حين يرى الجانب الآخر أن توظيف التقنيات الذكية يفسد متعة الجمهور في المتابعة، فكيف للتكنولوجيا أن تقدم عملا دراميا إنسانيا يتضمن مشاعر وأحاسيس، وتفاعلا وإثارة، بعيدا عن العنصر البشري.

تميل عايش مع الرأي الأول إذ ترى أن الحديث حول عدم قدرة تلك التقنيات على تقديم الأدوار بإحساس وطاقة وتفاعل غير منطقي، لأن العالم أصبح أمام تقنيات متطورة ومتقدمة وقادرة على أن تتقمص أي شخصية وتقدمها بشكل احترافي، بالرغم من تكلفتها العالية على المدى القصير ولكنها على المدى الطويل ستثبت أنها تقلل من التكلفة في مقابل الاستخدام التقليدي.

وتبرر عايش وجهة النظر الثانية، أن هناك الملايين لا يشاهدون الأعمال الدرامية لأن القصة جميلة أو المكان رائع، جزء مهم من متابعة العمل هو أن النجم الفلاني يقوم بدور في هذه المسلسل بالتالي الذكاء الاصطناعي قد لا يكون قادرا على التغلب على هذه الفكرة لأنه عند مشاهدة المسلسل يتكون في العقل الباطن للمشاهد أفكار أن هذا الممثل إنسان وله حياة وإنجازات ويمكن أن أشاهده في مكان ما أو أن ألتقط صورة معه، والذكاء الاصطناعي قد لا يكون قادرا على التغلب على أن ملايين المشاهدين ينتظرون نجما، فمهما كان هذا الممثل الذي يقدم دوره من خلال التقنيات سيبقى المشاهد يشعر بنقصان الروح الإنسانية.

إلى جانب كل هذه الضجة الكبيرة التي تشعلها هذه التقنيات، هناك  سيناريوهات وتصورات تشغل العاملين في مجال الفن من هذه التطورات السريعة، مثلا أثارت تصريحات النجم العالمي توم هانكس الأخيرة حول إمكانية تقديم عدة أفلام من بطولته بعد وفاته بواسطة تقنيات الذكاء الاصطناعي، إذ قال هانكس عبر بودكاست آدم بوكستون، إنه يمكن استخدام التكنولوجيا لإعادة إنتاج صوره، ما يضمن استمرار ظهوره في الأفلام "من الآن وحتى قيام الساعة".

استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في مجال صناعة الدراما ما زال في بداياته وفي مرحلة الاختبار (شترستوك) ضوابط أخلاقية

يتفق الخبيران اللذان التقيناهما أن الأخلاقيات في هذه المجال أمر سهل ممتنع، فلا بد من الإشارة في الدرجة الأولى إلى الشفافية وذلك يعني أن يكون صانع العمل صريحا مع جمهوره وأن يذكر كيف وظف التقنيات في العمل، كما ينبغي أخذ الإذن والقبول من ذوي الممثل المتوفي عند الرغبة في استخدام الذكاء الاصطناعي للقيام بدوره أو حتى صوته.

تقول الناقدة الفنية سامية عايش، إنه لا يمكننا إنكار أن الإفراط في استخدام التقنيات سيدخلنا في إشكاليات التمويه والإخفاء، وفي متاهات الكم والإنتاجات الكثيرة، فالممثل الطبيعي يمكن أن يقدم مسلسلين أو 3 في السنة بينما تقنيات الذكاء الاصطناعي ستقدم أدوارا كثيرة بالتالي قد يكون ذلك على حساب المضمون والجودة.

من جهته، يقول الباحث في الذكاء الاصطناعي شحاتة السيد إن هذا التطور يجعل هناك ضرورة ملحة لتحديد إطار أخلاقي للاعتماد على هذه التقنيات في صناعة الدراما خاصة في المشاهد الخيالية التي تحتاج لضبط أخلاقي ومهني، وخاصة أن بعض الأعمال بدأت تنتج بشكل كامل أفلام البورنو (الخاصة في صناعة الأفلام الإباحية) بواسطة التقنيات الذكية والتي تشكل خطرا كبيرا على القيم المجتمعية وتفتقر للقيم الأخلاقية، ويرى أن المخاوف تكمن في تحول الأعمال الدرامية السنوات القادمة من عمل إنساني يقوم به البشر لعمل مؤتمت تجاري.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ ترجمات حريات تقنیات الذکاء الاصطناعی الذکاء الاصطناعی فی صناعة الدراما بشکل کامل هذا العام فی صناعة فی مسلسل فی مجال

إقرأ أيضاً:

النائبة غادة علي: مطلوب من الحكومة الجديدة تحقيق الإصلاح الهيكلي بشكل واقعي

قالت الدكتورة غادة على، عضو مجلس النواب عن تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، إنه في ظل رؤيتها للوضع الحالي من تحديات داخلية وخارجية، فإن فلسفة التغيير القادمة في الحكومة تكون قائمة على الاعتماد على الخبرات والكفاءات، والتوسع في وظيفة نائب الوزير بصلاحيات واضحة وواقعية؛ لتمكين أكبر للشباب ولضمان الجدية، في تنفيذ السياسات والاستراتيجيات والمتابعة، مع تقدير قيمة الوقت حتى نتفادى نقاط الضعف في الحكومة السابقة.

الحكومة الجديدة يجب أن تكون اقتصادية لمواجهة التحديات 

وأضافت «علي»، أن تجديد الثقة في الدكتور مصطفى مدبولي كان ضروريًا، نظرًا لدوره في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية في فترات عصيبة بداية من أزمة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية وصولا للحرب الفلسطينية، إلى جانب تنفيذه لمعدلات عالية في مشروع حياة كريمة وصولاً لصفقة رأس الحكمة.

وأشارت إلى أن التشكيل الوزاري المرتقب عليه عبء كبير وجاء في مرحلة إنقاذ للاقتصاد، يواجه تحديات استثنائية داخليًا وخارجيًا، تحديات داخلية على رأسها أن الحكومة الجديدة مخول لها أن تحقق آمال وطموحات المواطن، فيما لا يجاوز 38%؜ من استخدامات الموازنة العامة للعام المالي 2024/2025، إذ يوجه 62% من إجمالي الاستخدامات لخدمة الدين العام إلى جانب ارتفاع معدلات التضخم، وأزمات نقص الطاقة، أو الاعتماد الاستدامة للوفاء بالتزامات الحكومة العامة (بمفهومها الشامل الذي يضم 59 هيئة اقتصادية إلى أجهزة الموازنة العامة).

تحديات الحكومة الجديدة 

وتابعت نائبة التنسيقية: ‎وعلى الصعيد الدولي والإقليمي، ما زالت أزمات تغير المناخ، واضطراب سلاسل الإمداد العالمية، والحرب التجارية الأمريكية- الصينية، والحرب الروسية-الأوكرانية، والعدوان الإسرائيلي على الأراضي المحتلة، واستمرار التشديد النقدي الأمريكي والأوروبي تؤثر على موارد مصر الدولارية، وترفع من فاتورة الاستيراد، بما يغذى التضخم المستورد بشكل عنيف، وهي في مجملها تحديات يصعب مواجهتها بشكل أحادي، ودون اغتنام الكيانات المعبّرة عن الإقليمية الجديدة، والتحالفات العابرة للأقاليم، وأحدثها عضوية مصر في تكتّل بريكس الموسّع، وأيضًا عضوية مصر في صندوق الصادرات الإفريقي.

وأكدت أن أولى التحديات أمام رئيس الوزراء هو آلية تشكيل الحكومة الجديدة في شكل كتيبة عمل متناغمة الأداء ويقودها «مايسترو» واحد لتعزف نفس السيمفونية، بشكل يساعدها على تخطي نقاط الضعف المؤسسية الناتجة عن الازدواجية وتشابك الصلاحيات وعدم التنسيق في الأداء وتعدد جهات الولاية في المشاريع الاستثمارية، ‎ويأتي البعد الاقتصادي من الأمن القومي على رأس أولويات، ما هو مطلوب من الحكومة الجديدة سواء الأمن الغذائي وأمن الطاقة وغيرهم.

وتابعت: ‎مطلوب من الحكومة الجديدة تحقيق الإصلاح الهيكلي بشكل واقعي، يخدم المنظومة ككل سواء بدمج العديد من الهيئات أو تقليص عدد الوزارات التي تمثل عبئًا على الموازنة العامة، دون تحقيق العائد المرجو منها، و‎أتوقع أن تكون الحكومة الجديدة حكومة اقتصادية في المقام الأول.

ولفتت إلى أنه مطلوب من الحكومة الجديدة أن تكون هناك حقيبة مستقلة للاقتصاد، سواء بوجود وزير للاقتصاد أو نائب رئيس وزراء للاقتصاد بصلاحيات وزير واضحة ومنصوص عليها في قرار تعيينه، بشكل يضمن الاستقلالية والمرونة في اتخاذ القرارات، ويكون على رأس أولوياته وضع مسارًا اقتصاديًا منضبطًا ومتكامل لكل من السياسات المالية والاقتصادية، وإصلاحات هيكلية ومؤسسية حاسمة تسمح بدور أكبر للقطاع الخاص وتنفيذ وثيقة سياسة ملكية الدولة.

دعم منظومة التصنيع والإنتاج

وأوضحت أنه ‎مطلوب من الحكومة الجديدة وضع سياسات واستراتيجيات ممنهجة لدعم منظومة التصنيع والإنتاج والتصدير، الذي يقلل من العجز في الموازنة العامة وميزان المدفوعات، إلى جانب المزيد من محفزات الاستثمار، وكذلك مطلوب من الحكومة الجديدة أما الدمج أو التنسيق الكامل بين حقيبة التعاون الدولي وحقيبة التخطيط والتنمية الاقتصادية، فكل منهم يعرف منفردًا والنتيجة ظهرت أمام النواب في الحساب الختامي من وجود العديد من المنح والقروض التي استقطبتها التعاون الدولي ولم تستغل، أو حدث تباطؤ في استخدامها أدى إلى فرض عمولات ارتباط دون نفع منها، ويتضح ذلك في المؤشرات الدولية التى تثبت كون مصر في المرتبة الأول من دول المنطقة في عدد الاتفاقيات الثنائية، في حين كونها تأتي أيضا في مرتبة متقدمة في مؤشر القيود التنظيمية للاستثمار، مما يوضح الفجوة بين التعاون الدولي والمتابعة مؤشرات الأداء في التنفيذ من التخطيط.

فصل حقيبة التجارة عن الصناعة 

واستطردت: مطلوب من الحكومة الجديدة فصل حقيبة التجارة عن الصناعة مع وضع استراتيجية وطنية قطاعية مجدولة زمنيًا بمؤشرات واضحة لملف الإنتاج والتصنيع، وتقديم قانون موحد للصناعة، وإعادة النظر في وجود بعض الوزارات التي لا عائد منها مثل وزارة قطاع الأعمال العام، بعد انتقال أغلب الشركات القابضة التي كانت تحت لوائها إلى وزارات وكيانات أخرى، و‎التفكر في تحويل الشركات القابضة إلى شركات إدارة أصول ورفع النتائج إلى وحدة لإدارة ممتلكات الدولة التابعة لرئاسة الوزراء، وفيما يخص حقيبة التعليم العالي والبحث العلمي يجب أن تقوم على أفكار وأساليب غير تقليدية لزيادة عدد الباحثين والحفاظ على الكوادر البحثية المصرية وخاصة المرتبطة بمجال بالنهوض بالصناعة، والنهوض بالصناعات التكنولوجية، وفيما يخص ملف السياحة أتمنى إدارته من منظور اقتصاديّ وعدم الاعتماد على السياحة الشاطئية التقليدية فقط، فمصر غنية بالسياحة العلاجية والبيئية والرياضية التي لم تتطرق لها الحكومة السابقة بشكل يليق بإمكانيات مصر لها وموقعها التنافسي في السياحة مع باقي دول المنطقة.

مقالات مشابهة

  • الجبورى: تقاس قدرات الدول وإمكاناتها بمدى تحكمها في تكنولوجيا المعلومات والإستفادة من البيانات الضخمة
  • النائبة غادة علي: مطلوب من الحكومة الجديدة تحقيق الإصلاح الهيكلي بشكل واقعي
  • الجامعة العربية تعقد ورشة عمل حول تعزيز الوعي بأخلاقيات استخدام الذكاء الاصطناعي
  • أفضل 5 بدائل شات جي بي تي المتاحة عبر الإنترنت
  • “بيت الفلسفة” في الفجيرة يستضيف حلقة الشباب الفلسفية حول دور الفلسفة في عصر الثورة التكنوإلكترونية
  • بالفيديو.. مختصة: الذكاء الاصطناعي لا يمكنه التحقق من جودة البيانات
  • طلاب جامعة بنها يبتكرون نظاما جديدا لمراقبة السيارات يساهم فى الحد من الحوادث
  • ضرورة محاربة أمية الذكاء الاصطناعي
  • اتحاد إذاعات الدول العربية ينظم ندوات حول صناعة المحتوى والميديا عن طريق الذكاء الاصطناعي
  • «الغرفة التجارية»: تطور هائل في صناعة الأجهزة المنزلية بمصر آخر عامين