لجريدة عمان:
2025-04-02@11:59:54 GMT

الحل واحد.. وطالب الأرض اثنان

تاريخ النشر: 7th, April 2024 GMT

أعاد طوفان الأقصى الحديث عن «حلِّ الدولتين» إلى الواجهة من جديد، بعد عقود من اعتقاد البعض أنه يمكن للفلسطينيين والإسرائيليين أن يعيشوا جنبًا إلى جنب في دولتين منفصلتين، ممّا يعني تنازل الفلسطينيين عن حقوقهم في أجزاء كبيرة من أرض فلسطين التاريخية لصالح الكيان الصهيوني.

فكرة حلّ الدولتين ليست جديدة، وإنما تعود إلى عام 1947، عندما وافقت الأممُ المتحدة على خطة لتقسيم فلسطين إلى دولتين، عربية ويهودية، مع فرض حكم دولي على القدس، إلا أنّ الدول العربية رفضت وقتها هذا القرار، لكن المتغيرات في الوطن العربي، خاصة بعد زيارة الرئيس السادات للقدس، فرضت واقعًا جديدًا على الأرض، أدت بالعرب أن يقبلوا ما كانوا قد رفضوه من قبل؛ فعلَت أصواتٌ تنادي بانسحاب إسرائيل من المناطق التي احتلتها عام 1967، كخطوة أولى لحلّ الدولتين، قبل أن يوافق العرب عام 2002، على «المبادرة العربية للسلام»، التي نصّت على مبدأ حلّ الدولتين، واقترحت إقامة دولة فلسطينية مقابل تطبيع العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل.

ولم تأت تلك المبادرة إلا بعد أن أصدر الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات عام 1988، إعلانَ الاستقلال، الذي تحدث لأول مرة عن «دولتين لشعبين»، مُعترِفًا بذلك بدولة إسرائيل وسيادتها، وهو الذي أدّى به إلى توقيع اتفاقيات أوسلو في الثالث عشر من سبتمبر 1993، التي بموجبها وافق فيها الفلسطينيون على حقّ إسرائيل في الوجود، إذ فوجئ العالم بالإعلان عن تلك الاتفاقيات في واشنطن، عندما صافح الرئيسُ عرفات، رئيسَ الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين في حديقة البيت الأبيض، برعاية الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، ومنحت اتفاقيات أوسلو حكمًا ذاتيًّا محدودًا للفلسطينيين تحت مسمى «السلطة الفلسطينية» ومقرّها رام الله، مع هدف نهائي يتمثّل في إنشاء دولة فلسطينية يعيش شعبُها بحرية وسلام إلى جانب إسرائيل، وهو الذي لم يحدث حتى هذه اللحظة؛ بل إنّ الذي حصل أنّ تلك الاتفاقيات كبّلت الفلسطينيين، وضيّقت عليهم الخناق، وقضت تمامًا على منظمة التحرير الفلسطينية، التي تأسست عام 1964، وكان هدفها الأساسي استعادة كلّ فلسطين، كما أنّ اتفاقيات أوسلو فرضت واقعًا جديدًا على الأرض، كان من أبرز نتائجه ظهور حركتي حماس والجهاد الإسلامي، اللتين تمسكتا بالكفاح المسلح ضد الكيان الإسرائيلي، فنتج عن ذلك المزيد من الانقسامات الفلسطينية - الفلسطينية، لدرجة أن يصل الأمر «بالبعض» أن يساند الكيان في حربه ضد غزة، وكأنّ الحرب ليست ضد فلسطين والفلسطينيين.

جاءت الحرب في غزة لتؤكد على أنّ حلّ الدولتين ليس إلا وهمًا، فقد كرّر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو رفضه لأيِّ سيادة فلسطينية، حتى مع إصرار حليف إسرائيل القوي الرئيس الأميركي جو بايدن والاتحاد الأوروبي، على التأكيد على أنّ حلّ الدولتين هو الحل الوحيد الممكن للصراع التاريخي. وما يشغل نتنياهو ليس إقامة دولة فلسطينية، فهو مهتم بتطبيع علاقات الكيان مع الدول العربية، وهذا ما أعلنه من على منبر الأمم المتحدة، بقوله «إن فكرة حلّ الدولتين باتت من الماضي، وإنّ المستقبل تطبيع علاقات إسرائيل مع الدول العربية».

يتحدث نتنياهو بصوت عال ضد قيام الدولة الفلسطينية، ولم يرفع صوته إلا لأنه وجد تجاوبًا من بعض الدول العربية مع توجهاته تلك، في فترة رأينا فيها كيف تراجعت مكانة السلطة الفلسطينية، التي انبثقت عن اتفاقيات أوسلو؛ فباتت لا تمارس إلا سيطرة محدودة على بعض أقسام الضفة الغربية المحتلة، فيما توسَّع البناء الاستيطاني في الضفة الغربية، إذ ينفذ الجيش الإسرائيلي بانتظام مداهمات دامية للفلسطينيين، وهذا يكفي مؤشرًا لشكل الدولة الفلسطينية المقبلة، في حال قيامها جنبًا إلى جنب مع الكيان الصهيوني، إذ ستكون دولة منزوعة السيادة، ولا تملك لنفسها نفعًا ولا شيئًا، لكنها قد تملك لنفسها ضرًا؛ فإسرائيل تصر على أنه في حال قيام الدولة الفلسطينية، يتعين أن تكون منزوعة السلاح حتى لا تهدد أمنها، لكن إقامة دولة بلا سلاح ولا سيادة ليست المشكلة الوحيدة، فهناك نقاط خلاف شديدة بين الطرفين، منها مسألة المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، إذ يعتبر الفلسطينيون المستوطنات اليهودية المقامة على الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967 غير قانونية (وهي كذلك)، فيما ترفض إسرائيل ذلك، وتستشهد بعمق روابطها التاريخية والتوراتية بهذه الأراضي، لكن المشكلة الأكبر تتعلق بالقدس، حيث يتمسك الفلسطينيون بأن تكون القدس الشرقية، التي تضم مواقع ذات مكانة دينية خاصة لدى كلٍّ من المسلمين واليهود والمسيحيين، عاصمة لدولتهم، فيما يصر الكيان على أنّ القدس يجب أن تظل عاصمتها «الأبدية غير القابلة للتقسيم».

أمام نقاط الخلاف هذه، تقف حركة حماس ضد جميع الخطوات الساعية إلى تفتيت الأراضي الفلسطينية التاريخية -حسب تعبير الحركة في أحد بياناتها الرسمية- حيث ترفض أيَّ محاولة للاعتراف بدولة إسرائيل، ورغم إعلان حركة حماس سنة 2017، قبولها إعلان قيام دولة فلسطين عاصمتها القدس الشريف على حدود 1967، فإنها رفضت الاعتراف بالكيان الإسرائيلي، وأكدت أنها تسعى إلى تحرير جميع أراضي فلسطين التاريخية.

إذا كان طوفان الأقصى قد أعاد حلّ الدولتين إلى الواجهة، فإنّ هناك من يرى أنّ ذلك الحلّ هو الأنسب والأفضل في الوضع الراهن؛ لكن الواقع يرفض التسليم بذلك، فإذا كان العرب قد وافقوا على ذلك -تطبيقًا للمبادرة العربية- فهذا يعني أنهم وافقوا على الحلّ وهم في حالة ضعف، وسط هرولة عربية للتطبيع مع الكيان، واهمين أنّ تصفية القضية الفلسطينية ستجعل الدول العربية تعيش في رخاء، وكأنّ القضية هي التي عرقلت ذلك الرخاء، وهو ما ردده من قبل الرئيس السادات، عندما وعد الشعب المصري بالرخاء الذي لم يروه أبدًا، إذ كان الاعتقاد السائد بأنّ (السلام) سوف يؤدي إلى حلِّ جميع مشاكل مصر الاقتصادية.

في اعتقادي أنّ حلَّ الدولتين محكومٌ عليه بالفشل مسبقًا؛ فهو ضمن مخططات تصفية القضية الفلسطينية بأوهام دولة لا تملك السيادة ولا القوة، وموقفُ حركة حماس من ذلك الحل هو الأصوب والأنسب، وقديمًا لخّص ديفيد بن جوريون الأزمة كلها في جملة واحدة: «ليس هناك حل؛ الأرض واحدة.. وطالب الأرض اثنان».

زاهر المحروقي كاتب عماني مهتم بالشأن العربي ومؤلّف كتاب «الطريق إلى القدس»

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: اتفاقیات أوسلو الدول العربیة دولة فلسطین على أن

إقرأ أيضاً:

العصابة إسرائيل في مواجهة مباشرة مع الشعوب العربية

استشهد خلال عام 1948 دفاعا عن فلسطين وشعبها مئات من المجاهدين العرب؛ من العراق وسوريا وتونس والأردن والسعودية ولبنان وكافة دول الخليج والمغرب العربي. وقد وثق كتّاب وباحثون ومراكز بحث ومؤرخون فلسطينيون أسماء هؤلاء الشهداء، وفي مقدمتهم المؤرخ عارف العارف في كتابه "النكبة"، ومقابرهم الموجودة في عدة قرى فلسطينية دالة على ذلك، ويتم تخليدهم عبر زيارة مقابرهم بشكل دوري من قبل الفلسطينيين.

وتبعا لعمليات الإبادة الجماعية التي قامت وتقوم بها إسرائيل منذ نشأتها؛ فقط سقط خلالها أكثر من 160 ألف شهيدة وشهيد فلسطيني؛ ثلثهم استشهدوا في قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس والداخل المحتل منذ بداية تشرين الأول/ أكتوبر 2023، فضلا عن أسر نحو مليون ومائة ألف فلسطينية وفلسطيني؛ منهم عشرات الآلاف خلال العامين الأخيرين.

اعتداءات صهيونية متواصلة
تبعا لعمليات الإبادة الجماعية التي قامت وتقوم بها إسرائيل منذ نشأتها؛ فقط سقط خلالها أكثر من 160 ألف شهيدة وشهيد فلسطيني؛ ثلثهم استشهدوا في قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس والداخل المحتل منذ بداية تشرين الأول/ أكتوبر 2023، فضلا عن أسر نحو مليون ومائة ألف فلسطينية وفلسطيني؛ منهم عشرات الآلاف خلال العامين الأخيرين
احتلت العصابة إسرائيل مدعومة من نظم الغرب الاستعماري في حزيران/ يونيو 1967؛ الضفة الغربية وقطاع غزة وشبه جزيرة سيناء المصرية وهضبة الجولان السورية، وعقدت لظروف عدة خلال الأعوام 1978 و1993 و1994 اتفاقات تسوية بين إسرائيل وكل من مصر ومنظمة التحرير الفلسطينية والأردن، إلا أن ذلك لم يمنع العصابة إسرائيل من الاستمرار في عدوانها على الشعوب العربية، وخاصة العدوان الذي لم يتوقف البتة على الشعب الفلسطيني، صاحب الوطن الفلسطيني، ليكون الأشرس منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2023.

ومن المجازر والمذابح المروعة المرتكبة من قبل العصابة المنفلتة إسرائيل بحق الشعوب العربية؛ مجزرة مدرسة أم البقر في مصر العربية وبالتحديد في محافظة الشرقية؛ حيث قصفت طائرات صهيونية المدرسة في صباح الثامن من نيسان/ أبريل 1970؛ استشهد إثرها 30 طفلا عربيا مصريا وجرح عدد كبير من الأطفال، ودمرت المدرسة. وفي 18 نيسان / أبريل 1996 قصفت طائرات صهيونية مقر الأمم المتحدة (اليونفيل) في قرية قانا جنوب لبنان، وكان يؤوي نازحين لبنانيين، استشهد منهم 150 شخصا. والاعتداءات الصهيونية على لبنان وشعبه مستمرة حتى اللحظة وسقط المئات من المدنيين.

وفي سوريا لم يتوقف الطيران الصهيوني عن القصف على كل الجغرافيا السورية بعد سقوط طاغية الشام في 8 كانون الأول/ ديسمبر 2024، بحجة وجود أسلحة نوعية في سوريا. ولم تتوقف الجرائم الصهيونية عند هذا الحد فكل يوم يتمدد الجيش الصهيوني في محافظتي درعا والقنيطرة ويقوم بعملية تقتيل واعتقال السكان وترهيبهم وجرف البنى التحتية، وفوق كل ذلك برزت دعوات وخطابات صهيونية من نتنياهو وحكومته الفاشية بأنها ستسعى لاحتلال سوريا وكذلك دول عربية للحفاظ على أمنها، مدعومة من الرئيس الأمريكي وإدارته، بغرض رسم شرق أوسط تكون في العصابة إسرائيل قطبا سياسيا واقتصاديا له.

ردة فعل الشعوب العربية
باتت المواجهة مباشرة بين العصابة إسرائيل مع كل الشعوب العربية المنحازة للحق الفلسطيني والرافضة لمخططات إسرائيل وأمريكا؛ الرامية إلى التمدد في عمق الوطن العربي لزعزعته ونهب خيراته، ولهذا ستكون كلمة الحسم والفصل في الصراع والمواجهة للشعوب العربية في نهاية المطاف، وسيتغير المشهد حتما ولو بعد حين؛ رغم بؤس النظم العربية وصمتها وتخاذلها
رغم منع الأنظمة العربية المستبدة خروج الجماهير العربية إلى ميادين التغيير والتحرير للتعبير عن مناصرة فلسطين وشعبها المكلوم؛ الذي يتعرض على مدار الساعة منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2023 لأبشع عمليات إبادة جماعية ممنهجة من قبل العصابة المنفلتة إسرائيل، إلا أن ذلك لم ولن يحد ويمنع من قيام العديد من الجنود والمدنيين العرب بعمليات فدائية في عمق الكيان الغاصب وزعزته ودب الرعب بقلب المغتصبين للوطن الفلسطيني بمساحته البالغة 27009 كيلومترات مربعة. وفي هذا السياق نذكر عمليتي الجنديين العربيين المصريين محمد صالح ابراهيم وسليمان خاطر، وكذلك أكثر من عملية فدائية من قبل أردنيين. كل ذلك إنما هو تعبير عن تضامنهم ومناصرة الشعب الفلسطيني وآلامه الجسيمة.

وفي ريف محافظتي درعا والقنيطرة كان الرد واضحا من قبل الشعب السوري هناك؛ فرفع الصوت مرددا بالصوت والصورة "لن نرضى باحتلالكم وتبجحكم وتمددكم"، واشتبك مدنيون من أهالي القرية مع الجيش الصهيوني المتقدم في قرية كويا جنوب درعا وأجبروه على الانسحاب، وبهذا كانت الرسالة واضحة.

ومن نافلة القول أنه باتت المواجهة مباشرة بين العصابة إسرائيل مع كل الشعوب العربية المنحازة للحق الفلسطيني والرافضة لمخططات إسرائيل وأمريكا؛ الرامية إلى التمدد في عمق الوطن العربي لزعزعته ونهب خيراته، ولهذا ستكون كلمة الحسم والفصل في الصراع والمواجهة للشعوب العربية في نهاية المطاف، وسيتغير المشهد حتما ولو بعد حين؛ رغم بؤس النظم العربية وصمتها وتخاذلها.

مقالات مشابهة

  • العصابة إسرائيل في مواجهة مباشرة مع الشعوب العربية
  • الخرطوم هي العاصمة العربية التي هزمت أعتى مؤامرة
  • نقيب الخدمات الإدارية: إقامة دولة فلسطين الحرة مطلب مصر قيادة وشعبا
  • من أوكرانيا إلى فلسطين.. العدالة التي تغيب تحت عباءة السياسة العربية
  • إعلام عبري: إسرائيل ستناقش إنهاء الحرب على غزة بشرط واحد
  • مساجد مصر تتزين بعلم فلسطين.. عيد الفطر يشهد تلاحما مع القضية الفلسطينية
  • رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة يهنئ الرئيس الشرع بمناسبة تشكيل الحكومة السورية الجديدة
  • مسيرات بإسبانيا تضامنا مع فلسطين بذكرى يوم الأرض
  • «المنفي» يتلقى برقية تهنئة من رئيس دولة فلسطين
  • من هي الجهة التي وجهت بقطع تغذية الجيش وعرقلة صرف مرتباتهم.؟