أعاد طوفان الأقصى الحديث عن «حلِّ الدولتين» إلى الواجهة من جديد، بعد عقود من اعتقاد البعض أنه يمكن للفلسطينيين والإسرائيليين أن يعيشوا جنبًا إلى جنب في دولتين منفصلتين، ممّا يعني تنازل الفلسطينيين عن حقوقهم في أجزاء كبيرة من أرض فلسطين التاريخية لصالح الكيان الصهيوني.
فكرة حلّ الدولتين ليست جديدة، وإنما تعود إلى عام 1947، عندما وافقت الأممُ المتحدة على خطة لتقسيم فلسطين إلى دولتين، عربية ويهودية، مع فرض حكم دولي على القدس، إلا أنّ الدول العربية رفضت وقتها هذا القرار، لكن المتغيرات في الوطن العربي، خاصة بعد زيارة الرئيس السادات للقدس، فرضت واقعًا جديدًا على الأرض، أدت بالعرب أن يقبلوا ما كانوا قد رفضوه من قبل؛ فعلَت أصواتٌ تنادي بانسحاب إسرائيل من المناطق التي احتلتها عام 1967، كخطوة أولى لحلّ الدولتين، قبل أن يوافق العرب عام 2002، على «المبادرة العربية للسلام»، التي نصّت على مبدأ حلّ الدولتين، واقترحت إقامة دولة فلسطينية مقابل تطبيع العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل.
جاءت الحرب في غزة لتؤكد على أنّ حلّ الدولتين ليس إلا وهمًا، فقد كرّر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو رفضه لأيِّ سيادة فلسطينية، حتى مع إصرار حليف إسرائيل القوي الرئيس الأميركي جو بايدن والاتحاد الأوروبي، على التأكيد على أنّ حلّ الدولتين هو الحل الوحيد الممكن للصراع التاريخي. وما يشغل نتنياهو ليس إقامة دولة فلسطينية، فهو مهتم بتطبيع علاقات الكيان مع الدول العربية، وهذا ما أعلنه من على منبر الأمم المتحدة، بقوله «إن فكرة حلّ الدولتين باتت من الماضي، وإنّ المستقبل تطبيع علاقات إسرائيل مع الدول العربية».
يتحدث نتنياهو بصوت عال ضد قيام الدولة الفلسطينية، ولم يرفع صوته إلا لأنه وجد تجاوبًا من بعض الدول العربية مع توجهاته تلك، في فترة رأينا فيها كيف تراجعت مكانة السلطة الفلسطينية، التي انبثقت عن اتفاقيات أوسلو؛ فباتت لا تمارس إلا سيطرة محدودة على بعض أقسام الضفة الغربية المحتلة، فيما توسَّع البناء الاستيطاني في الضفة الغربية، إذ ينفذ الجيش الإسرائيلي بانتظام مداهمات دامية للفلسطينيين، وهذا يكفي مؤشرًا لشكل الدولة الفلسطينية المقبلة، في حال قيامها جنبًا إلى جنب مع الكيان الصهيوني، إذ ستكون دولة منزوعة السيادة، ولا تملك لنفسها نفعًا ولا شيئًا، لكنها قد تملك لنفسها ضرًا؛ فإسرائيل تصر على أنه في حال قيام الدولة الفلسطينية، يتعين أن تكون منزوعة السلاح حتى لا تهدد أمنها، لكن إقامة دولة بلا سلاح ولا سيادة ليست المشكلة الوحيدة، فهناك نقاط خلاف شديدة بين الطرفين، منها مسألة المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، إذ يعتبر الفلسطينيون المستوطنات اليهودية المقامة على الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967 غير قانونية (وهي كذلك)، فيما ترفض إسرائيل ذلك، وتستشهد بعمق روابطها التاريخية والتوراتية بهذه الأراضي، لكن المشكلة الأكبر تتعلق بالقدس، حيث يتمسك الفلسطينيون بأن تكون القدس الشرقية، التي تضم مواقع ذات مكانة دينية خاصة لدى كلٍّ من المسلمين واليهود والمسيحيين، عاصمة لدولتهم، فيما يصر الكيان على أنّ القدس يجب أن تظل عاصمتها «الأبدية غير القابلة للتقسيم».
أمام نقاط الخلاف هذه، تقف حركة حماس ضد جميع الخطوات الساعية إلى تفتيت الأراضي الفلسطينية التاريخية -حسب تعبير الحركة في أحد بياناتها الرسمية- حيث ترفض أيَّ محاولة للاعتراف بدولة إسرائيل، ورغم إعلان حركة حماس سنة 2017، قبولها إعلان قيام دولة فلسطين عاصمتها القدس الشريف على حدود 1967، فإنها رفضت الاعتراف بالكيان الإسرائيلي، وأكدت أنها تسعى إلى تحرير جميع أراضي فلسطين التاريخية.
إذا كان طوفان الأقصى قد أعاد حلّ الدولتين إلى الواجهة، فإنّ هناك من يرى أنّ ذلك الحلّ هو الأنسب والأفضل في الوضع الراهن؛ لكن الواقع يرفض التسليم بذلك، فإذا كان العرب قد وافقوا على ذلك -تطبيقًا للمبادرة العربية- فهذا يعني أنهم وافقوا على الحلّ وهم في حالة ضعف، وسط هرولة عربية للتطبيع مع الكيان، واهمين أنّ تصفية القضية الفلسطينية ستجعل الدول العربية تعيش في رخاء، وكأنّ القضية هي التي عرقلت ذلك الرخاء، وهو ما ردده من قبل الرئيس السادات، عندما وعد الشعب المصري بالرخاء الذي لم يروه أبدًا، إذ كان الاعتقاد السائد بأنّ (السلام) سوف يؤدي إلى حلِّ جميع مشاكل مصر الاقتصادية.
في اعتقادي أنّ حلَّ الدولتين محكومٌ عليه بالفشل مسبقًا؛ فهو ضمن مخططات تصفية القضية الفلسطينية بأوهام دولة لا تملك السيادة ولا القوة، وموقفُ حركة حماس من ذلك الحل هو الأصوب والأنسب، وقديمًا لخّص ديفيد بن جوريون الأزمة كلها في جملة واحدة: «ليس هناك حل؛ الأرض واحدة.. وطالب الأرض اثنان».
زاهر المحروقي كاتب عماني مهتم بالشأن العربي ومؤلّف كتاب «الطريق إلى القدس»
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: اتفاقیات أوسلو الدول العربیة دولة فلسطین على أن
إقرأ أيضاً:
الإمارات: ضرورة الامتثال للقانون الدولي في الأرض الفلسطينية المحتلة
نيويورك (الاتحاد)
أخبار ذات صلة توقعات بتواصل انكماش الاقتصاد بإسرائيل «حقوق الإنسان» ترحب بتصريح المقررة الخاصة للأمم المتحدةرحبت دولة الإمارات العربية المتحدة باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة، قراراً يطلب رأياً استشارياً من محكمة العدل الدولية بشأن التزامات إسرائيل بضمان تسهيل المساعدات الإنسانية والتنموية المنقذة للحياة للشعب الفلسطيني، مؤكدةً ضرورة الامتثال للقانون الدولي في جميع أنحاء الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وقالت البعثة الدائمة للدولة لدى الأمم المتحدة، في رسالة نشرتها عبر حسابها الرسمي على منصة «إكس» أمس: «رحبت دولة الإمارات باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة لقرار يطلب رأياً استشارياً من محكمة العدل الدولية بشأن التزامات إسرائيل بضمان تسهيل المساعدات الإنسانية والتنموية المنقذة للحياة للشعب الفلسطيني، وشاركت الدولة في رعاية القرار وصوتت لصالحه»، وأضافت: «يجب الامتثال للقانون الدولي في جميع أنحاء الأرض الفلسطينية المحتلة، ونتطلع إلى الرأي الاستشاري الذي ستصدره محكمة العدل الدولية».
واعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً يطلب فتوى من محكمة العدل الدولية بشأن التزامات الاحتلال الإسرائيلي فيما يتعلق بتسهيل المساعدات للفلسطينيين.
وحظي القرار الذي اعتمدته الجمعية العامة بتأييد 137 عضواً ومعارضة 12 وامتناع 22 عن التصويت.
ودعت الجمعية العامة في القرار الاحتلال إلى الإيفاء بالتزاماته القاضية بعدم إعاقة الشعب الفلسطيني عن ممارسة حقه في تقرير المصير، بالإضافة إلى إلغاء أي تدابير تعيق تقديم الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية والإنمائية للشعب الفلسطيني.
وأعربت الجمعية في قرارها عن القلق البالغ بشأن الحالة الإنسانية في الأرض الفلسطينية المحتلة مطالبة الاحتلال بأن يمتثل لجميع التزاماته بموجب القانون الدولي.
كما أعربت عن تقديرها لعمل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» وخاصة في قطاع غزة.
ويأتي ذلك عقب مصادقة «الكنيست» الإسرائيلي على قانونين أحدهما يحظر أنشطة «الأونروا» والآخر يمنع إجراء اتصالات بالوكالة الأممية.
وتعد محكمة العدل الدولية ومقرها في لاهاي المرجعية القانونية الأهم في الأمم المتحدة، ورغم أن آراءها الاستشارية غير ملزمة فإنها تحمل وزناً سياسياً وقانونياً كبيراً.
ورحب الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، بالتصويت على القرار الأممي، معبراً عن تقديره وشكره للنرويج التي تقدمت بالقرار.
وقال إن «التصويت الكبير لصالح القرار يعكس رأياً عاماً دولياً رافضاً لقرارات سلطات الاحتلال بحظر الأونروا وإنهاء دورها في الأراضي الفلسطينية، ويعكس على نحو خاص القلق الشديد من انهيار عمليات الاستجابة الإنسانية في غزة بصورة كلية في حال إنهاء دور الأونروا في القطاع كما ترغب إسرائيل».
ورحبت منظمة التعاون الإسلامي بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، مؤكدةً أن «جميع خطط وتدابير الاحتلال، بما في ذلك التشريعات التي تؤثر في وجود وعمليات وحصانات الأمم المتحدة وكياناتها وهيئاتها، بما فيها وكالة الأونروا والمنظمات الدولية الأخرى والدول الثالثة في الأرض الفلسطينية المحتلة بما في ذلك القدس الشرقية، تشكل انتهاكاً لميثاق الأمم المتحدة وقراراتها ذات الصلة، ومن شأنها أن تحرم الشعب الفلسطيني من المساعدات الأساسية وتفاقم الأزمة الإنسانية التي يعاني منها».