لجريدة عمان:
2024-11-23@01:46:35 GMT

الحل واحد.. وطالب الأرض اثنان

تاريخ النشر: 7th, April 2024 GMT

أعاد طوفان الأقصى الحديث عن «حلِّ الدولتين» إلى الواجهة من جديد، بعد عقود من اعتقاد البعض أنه يمكن للفلسطينيين والإسرائيليين أن يعيشوا جنبًا إلى جنب في دولتين منفصلتين، ممّا يعني تنازل الفلسطينيين عن حقوقهم في أجزاء كبيرة من أرض فلسطين التاريخية لصالح الكيان الصهيوني.

فكرة حلّ الدولتين ليست جديدة، وإنما تعود إلى عام 1947، عندما وافقت الأممُ المتحدة على خطة لتقسيم فلسطين إلى دولتين، عربية ويهودية، مع فرض حكم دولي على القدس، إلا أنّ الدول العربية رفضت وقتها هذا القرار، لكن المتغيرات في الوطن العربي، خاصة بعد زيارة الرئيس السادات للقدس، فرضت واقعًا جديدًا على الأرض، أدت بالعرب أن يقبلوا ما كانوا قد رفضوه من قبل؛ فعلَت أصواتٌ تنادي بانسحاب إسرائيل من المناطق التي احتلتها عام 1967، كخطوة أولى لحلّ الدولتين، قبل أن يوافق العرب عام 2002، على «المبادرة العربية للسلام»، التي نصّت على مبدأ حلّ الدولتين، واقترحت إقامة دولة فلسطينية مقابل تطبيع العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل.

ولم تأت تلك المبادرة إلا بعد أن أصدر الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات عام 1988، إعلانَ الاستقلال، الذي تحدث لأول مرة عن «دولتين لشعبين»، مُعترِفًا بذلك بدولة إسرائيل وسيادتها، وهو الذي أدّى به إلى توقيع اتفاقيات أوسلو في الثالث عشر من سبتمبر 1993، التي بموجبها وافق فيها الفلسطينيون على حقّ إسرائيل في الوجود، إذ فوجئ العالم بالإعلان عن تلك الاتفاقيات في واشنطن، عندما صافح الرئيسُ عرفات، رئيسَ الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين في حديقة البيت الأبيض، برعاية الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، ومنحت اتفاقيات أوسلو حكمًا ذاتيًّا محدودًا للفلسطينيين تحت مسمى «السلطة الفلسطينية» ومقرّها رام الله، مع هدف نهائي يتمثّل في إنشاء دولة فلسطينية يعيش شعبُها بحرية وسلام إلى جانب إسرائيل، وهو الذي لم يحدث حتى هذه اللحظة؛ بل إنّ الذي حصل أنّ تلك الاتفاقيات كبّلت الفلسطينيين، وضيّقت عليهم الخناق، وقضت تمامًا على منظمة التحرير الفلسطينية، التي تأسست عام 1964، وكان هدفها الأساسي استعادة كلّ فلسطين، كما أنّ اتفاقيات أوسلو فرضت واقعًا جديدًا على الأرض، كان من أبرز نتائجه ظهور حركتي حماس والجهاد الإسلامي، اللتين تمسكتا بالكفاح المسلح ضد الكيان الإسرائيلي، فنتج عن ذلك المزيد من الانقسامات الفلسطينية - الفلسطينية، لدرجة أن يصل الأمر «بالبعض» أن يساند الكيان في حربه ضد غزة، وكأنّ الحرب ليست ضد فلسطين والفلسطينيين.

جاءت الحرب في غزة لتؤكد على أنّ حلّ الدولتين ليس إلا وهمًا، فقد كرّر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو رفضه لأيِّ سيادة فلسطينية، حتى مع إصرار حليف إسرائيل القوي الرئيس الأميركي جو بايدن والاتحاد الأوروبي، على التأكيد على أنّ حلّ الدولتين هو الحل الوحيد الممكن للصراع التاريخي. وما يشغل نتنياهو ليس إقامة دولة فلسطينية، فهو مهتم بتطبيع علاقات الكيان مع الدول العربية، وهذا ما أعلنه من على منبر الأمم المتحدة، بقوله «إن فكرة حلّ الدولتين باتت من الماضي، وإنّ المستقبل تطبيع علاقات إسرائيل مع الدول العربية».

يتحدث نتنياهو بصوت عال ضد قيام الدولة الفلسطينية، ولم يرفع صوته إلا لأنه وجد تجاوبًا من بعض الدول العربية مع توجهاته تلك، في فترة رأينا فيها كيف تراجعت مكانة السلطة الفلسطينية، التي انبثقت عن اتفاقيات أوسلو؛ فباتت لا تمارس إلا سيطرة محدودة على بعض أقسام الضفة الغربية المحتلة، فيما توسَّع البناء الاستيطاني في الضفة الغربية، إذ ينفذ الجيش الإسرائيلي بانتظام مداهمات دامية للفلسطينيين، وهذا يكفي مؤشرًا لشكل الدولة الفلسطينية المقبلة، في حال قيامها جنبًا إلى جنب مع الكيان الصهيوني، إذ ستكون دولة منزوعة السيادة، ولا تملك لنفسها نفعًا ولا شيئًا، لكنها قد تملك لنفسها ضرًا؛ فإسرائيل تصر على أنه في حال قيام الدولة الفلسطينية، يتعين أن تكون منزوعة السلاح حتى لا تهدد أمنها، لكن إقامة دولة بلا سلاح ولا سيادة ليست المشكلة الوحيدة، فهناك نقاط خلاف شديدة بين الطرفين، منها مسألة المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، إذ يعتبر الفلسطينيون المستوطنات اليهودية المقامة على الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967 غير قانونية (وهي كذلك)، فيما ترفض إسرائيل ذلك، وتستشهد بعمق روابطها التاريخية والتوراتية بهذه الأراضي، لكن المشكلة الأكبر تتعلق بالقدس، حيث يتمسك الفلسطينيون بأن تكون القدس الشرقية، التي تضم مواقع ذات مكانة دينية خاصة لدى كلٍّ من المسلمين واليهود والمسيحيين، عاصمة لدولتهم، فيما يصر الكيان على أنّ القدس يجب أن تظل عاصمتها «الأبدية غير القابلة للتقسيم».

أمام نقاط الخلاف هذه، تقف حركة حماس ضد جميع الخطوات الساعية إلى تفتيت الأراضي الفلسطينية التاريخية -حسب تعبير الحركة في أحد بياناتها الرسمية- حيث ترفض أيَّ محاولة للاعتراف بدولة إسرائيل، ورغم إعلان حركة حماس سنة 2017، قبولها إعلان قيام دولة فلسطين عاصمتها القدس الشريف على حدود 1967، فإنها رفضت الاعتراف بالكيان الإسرائيلي، وأكدت أنها تسعى إلى تحرير جميع أراضي فلسطين التاريخية.

إذا كان طوفان الأقصى قد أعاد حلّ الدولتين إلى الواجهة، فإنّ هناك من يرى أنّ ذلك الحلّ هو الأنسب والأفضل في الوضع الراهن؛ لكن الواقع يرفض التسليم بذلك، فإذا كان العرب قد وافقوا على ذلك -تطبيقًا للمبادرة العربية- فهذا يعني أنهم وافقوا على الحلّ وهم في حالة ضعف، وسط هرولة عربية للتطبيع مع الكيان، واهمين أنّ تصفية القضية الفلسطينية ستجعل الدول العربية تعيش في رخاء، وكأنّ القضية هي التي عرقلت ذلك الرخاء، وهو ما ردده من قبل الرئيس السادات، عندما وعد الشعب المصري بالرخاء الذي لم يروه أبدًا، إذ كان الاعتقاد السائد بأنّ (السلام) سوف يؤدي إلى حلِّ جميع مشاكل مصر الاقتصادية.

في اعتقادي أنّ حلَّ الدولتين محكومٌ عليه بالفشل مسبقًا؛ فهو ضمن مخططات تصفية القضية الفلسطينية بأوهام دولة لا تملك السيادة ولا القوة، وموقفُ حركة حماس من ذلك الحل هو الأصوب والأنسب، وقديمًا لخّص ديفيد بن جوريون الأزمة كلها في جملة واحدة: «ليس هناك حل؛ الأرض واحدة.. وطالب الأرض اثنان».

زاهر المحروقي كاتب عماني مهتم بالشأن العربي ومؤلّف كتاب «الطريق إلى القدس»

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: اتفاقیات أوسلو الدول العربیة دولة فلسطین على أن

إقرأ أيضاً:

«الثقافة الفلسطينية» تُحيي شجاعة أطفال فلسطين: يصنعون من الحجارة أغنيات

ذكرت وزارة الثقافة الفلسطينية، أنه بعد 411 يومًا على حرب الإبادة الجماعيَّة التي أزهقت أرواح أكثر من 18 ألف طفل شهيد، يُطِلُّ من تبقى من الأطفال كرمز حيٍّ للصُّمود، مواجهين بعزيمة لا تلين، التحدِّيات التي يفرضها الاحتلال، ليكونوا شهودًا على مقاومة الظُّلم، باحثين عن نبض الحياة.

وأكدت الوزارة في بيان لها بمناسبة اليوم العالمي للطفل، الذي يصادف العشرين من نوفمبر من كل عام، أنَّ يوم الطفل العالمي يذكِّر بمعاناة أطفال فلسطين اليوميَّة، داعيةً المجتمع الدَّولي لتحمُّل مسؤولياته تجاه هذه القضية الإنسانية؛ تجاه أطفال فلسطين الذين يكبرون بسرعة بين الحصار والاحتلال؛ بين ركام المنازل ومشاهد الدَّمار، محرومين من الحقوق الأساسيَّة؛ الأمان والغذاء واللَّعب والتَّعليم والثقافة.

وزير الثقافة الفلسطيني: الأطفال يحرمون من كل حقوقهم 

وقال وزير الثقافة الفلسطيني عماد حمدان، إنَّ ميثاق حقوق الطفل ينصُّ على حقِّ كل طفل بحياة كريمة وأمان نفسي، غير أنَّ أطفال فلسطين يُحرَمون من هذه الحقوق بسبب الاعتقال والتَّشريد المستمرّ، كما أنَّ واقع أطفال فِلَسطين يتناقض مع مبادئ اتِّفاقيَّة حقوق الطِّفل التي تنص على حمايتهم من كل أشكال العنف، إذ يعيشون تحت نيران احتلال ينتهك أبسط حقوقهم، يحرمهم من أبسط حقوقهم التَّعليميَّة والثقافية؛ الأمر الذي يشكِّل انتهاكًا صارخًا للمادَّة 28 من اتِّفاقيَّة حقوق الطِّفل التي تكفل حقَّ التَّعليم لجميع الأطفال دون أدنى تفرقة.

وأضاف «حمدان»: «إنَّ القانون الدولي الإنساني يؤكد ضرورة حماية المدنيِّين في أثناء الصِّراعات، ولكنَّ أطفال فلسطين يجدون أنفسهم في مواجهة مباشرة مع الاحتلال وآليَّاته العسكريَّة، بالإضافة إلى أنَّ استهداف الاحتلال لأطفال فلسطين عبر الاعتقال والتَّعذيب والقتل، والذي يُعَدُّ انتهاكًا صارخًا للبروتوكول الاختياري لاتِّفاقيَّة حقوق الطِّفل بشأن إشراك الأطفال في الصِّراعات المسلَّحة، ووفقًا لاتِّفاقيَّة جنيف الرَّابعة، فيجب توفير الحماية للأطفال في مناطق الصِّراعات، ولكنَّ أطفال فِلَسطين ما زالوا يعانون التَّهجير القسريّ وهدم منازلهم وقتلهم وحرمانهم من ابسط حقوقهم في العيش بسلام».

وتابع «حمدان»: «إنَّنا في هذا اليوم نناشد الدُّول والمؤسَّسات الدَّوليَّة بتحمل مسؤوليَّاتها القانونيَّة لحماية أطفال فلسطين، كما ندعو الدُّول الأعضاء في الأمم المتَّحدة إلى اتِّخاذ إجراءات حازمة لضمان تطبيق اتِّفاقيَّة حقوق الطِّفل في فِلَسطين، والضَّغط على الاحتلال الإسرائيلي لإنهاء سياساته التي تستهدف الأطفال، بدءًا من الاعتقال مرورًا بالحرمان من الحقوق الأساسيَّة، وانتهاءً بالقتل؛ كما نناشد الدُّول العربيَّة والإسلاميَّة لتوحيد جهودها من أجل رفع صوت أطفال فِلَسطين في المحافل الدَّوليَّة، والمطالبة بمحاسبة منتهكي حقوقهم».

وحول رؤية الوزارة وأهدافها فيما يتعلق بالطفل الفلسطيني، أضاف «حمدان»: «وزارة الثقافة الفلسطينيَّة تهدف إلى دعم حقوق الطفل الفلسطيني في الوصول إلى المعرفة والفنون باعتبارها أدواتٍ أساسيَّةً لتنشئة جيل مدافع ومثقَّف، كما أن رؤيتها ترتكز على توفير منصات إبداعية للأطفال، تتيح لهم التعبير عن أفكارهم وأحلامهم بحريَّة وإبداع، حيث تؤمن وزارة الثقافة أنها درع حماية للأطفال الفلسطينيَّة، وتعمل على تطوير برامج معرفيَّة وفنِّيَّة تعزز مناعتهم النفسية والاجتماعيَّة، فضلًا عن إطلاق مبادرات تحفِّز الأطفال على الإبداع الأدبيّ والفنيّ كجزء من رؤيتها؛ لتمكين الأطفال ثقافيًّا وإنسانيًّا».

واستكمل «حمدان» حديثه قائلا: «وزارة الثقافة تبني رؤية متكاملة لدعم الأطفال في فلسطين، لتجمع بين تعزيز هُوِيَّتهم الثَّقافيَّة وحمايتهم من محاولات الاحتلال لطمس معالم طفولتهم، كما تهدف إلى توعية الأطفال بأهميَّة التُّراث الفلسطيني ليبقوا حماةً له ومبدعين في حفظه وتطويره، إذ ترى الوزارة أنَّ الثقافة هي الجسر الذي يربط الأطفال الفلسطينيِّين بماضيهم ومستقبلهم، وتسعى الوزارة إلى تعزيز هذا الرَّابط في يوم الطِّفل العالميّ؛ لأنَّ أطفال فِلَسطين يستحقُّون بيئة ثقافيَّة غنيَّة تنمِّي مواهبهم وتعزِّز قدراتهم على الحلم والابداع والابتكار».

واختتم وزير الثقافة الفلسطيني في رسالة منه للأطفال قائلًا: «في يوم الطِّفل العالمي، ننحني أمام أطفال فِلَسطين الذين يصنعون من الحجارة أغنياتٍ، ومن الألم ألحانًا للمستقبل، ونقول لهم: يا أطفال فِلَسطين، أنتم قصيدةٌ تُكتَب على أرض مقدَّسة، قلوبكم دافئة كالشَّمس، وأحلامكم تعانق أفق الحريَّة رغم القيد والعدوان، ورغم الجراح، ما زلتم الأمل الذي لا يموت، والألوان التي ترسم على جدران الحياة لوحة المستقبل». 

مقالات مشابهة

  • المنسق الأممي: حل الدولتين لا يزال يحظى بإجماع دولي
  • إدارة التوحش من داعش إلیٰ مليشيا آل دقلو!!
  • قيصر الحدود يرحب باستخدام الأرض التي منحتها تكساس لتنفيذ خطط الترحيل
  • الخارجية : سورية تؤكد أن الجرائم التي يرتكبها الكيان الصهيوني في سورية ولبنان وفلسطين تشكل خطراً حقيقياً على أمن واستقرار المنطقة
  • ممثل الاتحاد الأوروبي لدى فلسطين: ندعم استقرار المنطقة عبر حل الدولتين
  • الرئاسة الفلسطينية: قطاع غزة جزء لا يتجزأ من أرض دولة فلسطين
  • الرئاسة الفلسطينية: نرفض خطط إسرائيل لإنشاء منطقة عازلة في شمال غزة
  • «الثقافة الفلسطينية» تُحيي شجاعة أطفال فلسطين: يصنعون من الحجارة أغنيات
  • هوكستين يواصل محادثاته في لبنان.. وزيارة إسرائيل تحدد مصير الحل
  • هوكستين يختتم محادثات بيروت... وزيارة إسرائيل تحدد مصير الحل