لجريدة عمان:
2024-06-29@14:29:13 GMT

الحل واحد.. وطالب الأرض اثنان

تاريخ النشر: 7th, April 2024 GMT

أعاد طوفان الأقصى الحديث عن «حلِّ الدولتين» إلى الواجهة من جديد، بعد عقود من اعتقاد البعض أنه يمكن للفلسطينيين والإسرائيليين أن يعيشوا جنبًا إلى جنب في دولتين منفصلتين، ممّا يعني تنازل الفلسطينيين عن حقوقهم في أجزاء كبيرة من أرض فلسطين التاريخية لصالح الكيان الصهيوني.

فكرة حلّ الدولتين ليست جديدة، وإنما تعود إلى عام 1947، عندما وافقت الأممُ المتحدة على خطة لتقسيم فلسطين إلى دولتين، عربية ويهودية، مع فرض حكم دولي على القدس، إلا أنّ الدول العربية رفضت وقتها هذا القرار، لكن المتغيرات في الوطن العربي، خاصة بعد زيارة الرئيس السادات للقدس، فرضت واقعًا جديدًا على الأرض، أدت بالعرب أن يقبلوا ما كانوا قد رفضوه من قبل؛ فعلَت أصواتٌ تنادي بانسحاب إسرائيل من المناطق التي احتلتها عام 1967، كخطوة أولى لحلّ الدولتين، قبل أن يوافق العرب عام 2002، على «المبادرة العربية للسلام»، التي نصّت على مبدأ حلّ الدولتين، واقترحت إقامة دولة فلسطينية مقابل تطبيع العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل.

ولم تأت تلك المبادرة إلا بعد أن أصدر الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات عام 1988، إعلانَ الاستقلال، الذي تحدث لأول مرة عن «دولتين لشعبين»، مُعترِفًا بذلك بدولة إسرائيل وسيادتها، وهو الذي أدّى به إلى توقيع اتفاقيات أوسلو في الثالث عشر من سبتمبر 1993، التي بموجبها وافق فيها الفلسطينيون على حقّ إسرائيل في الوجود، إذ فوجئ العالم بالإعلان عن تلك الاتفاقيات في واشنطن، عندما صافح الرئيسُ عرفات، رئيسَ الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين في حديقة البيت الأبيض، برعاية الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، ومنحت اتفاقيات أوسلو حكمًا ذاتيًّا محدودًا للفلسطينيين تحت مسمى «السلطة الفلسطينية» ومقرّها رام الله، مع هدف نهائي يتمثّل في إنشاء دولة فلسطينية يعيش شعبُها بحرية وسلام إلى جانب إسرائيل، وهو الذي لم يحدث حتى هذه اللحظة؛ بل إنّ الذي حصل أنّ تلك الاتفاقيات كبّلت الفلسطينيين، وضيّقت عليهم الخناق، وقضت تمامًا على منظمة التحرير الفلسطينية، التي تأسست عام 1964، وكان هدفها الأساسي استعادة كلّ فلسطين، كما أنّ اتفاقيات أوسلو فرضت واقعًا جديدًا على الأرض، كان من أبرز نتائجه ظهور حركتي حماس والجهاد الإسلامي، اللتين تمسكتا بالكفاح المسلح ضد الكيان الإسرائيلي، فنتج عن ذلك المزيد من الانقسامات الفلسطينية - الفلسطينية، لدرجة أن يصل الأمر «بالبعض» أن يساند الكيان في حربه ضد غزة، وكأنّ الحرب ليست ضد فلسطين والفلسطينيين.

جاءت الحرب في غزة لتؤكد على أنّ حلّ الدولتين ليس إلا وهمًا، فقد كرّر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو رفضه لأيِّ سيادة فلسطينية، حتى مع إصرار حليف إسرائيل القوي الرئيس الأميركي جو بايدن والاتحاد الأوروبي، على التأكيد على أنّ حلّ الدولتين هو الحل الوحيد الممكن للصراع التاريخي. وما يشغل نتنياهو ليس إقامة دولة فلسطينية، فهو مهتم بتطبيع علاقات الكيان مع الدول العربية، وهذا ما أعلنه من على منبر الأمم المتحدة، بقوله «إن فكرة حلّ الدولتين باتت من الماضي، وإنّ المستقبل تطبيع علاقات إسرائيل مع الدول العربية».

يتحدث نتنياهو بصوت عال ضد قيام الدولة الفلسطينية، ولم يرفع صوته إلا لأنه وجد تجاوبًا من بعض الدول العربية مع توجهاته تلك، في فترة رأينا فيها كيف تراجعت مكانة السلطة الفلسطينية، التي انبثقت عن اتفاقيات أوسلو؛ فباتت لا تمارس إلا سيطرة محدودة على بعض أقسام الضفة الغربية المحتلة، فيما توسَّع البناء الاستيطاني في الضفة الغربية، إذ ينفذ الجيش الإسرائيلي بانتظام مداهمات دامية للفلسطينيين، وهذا يكفي مؤشرًا لشكل الدولة الفلسطينية المقبلة، في حال قيامها جنبًا إلى جنب مع الكيان الصهيوني، إذ ستكون دولة منزوعة السيادة، ولا تملك لنفسها نفعًا ولا شيئًا، لكنها قد تملك لنفسها ضرًا؛ فإسرائيل تصر على أنه في حال قيام الدولة الفلسطينية، يتعين أن تكون منزوعة السلاح حتى لا تهدد أمنها، لكن إقامة دولة بلا سلاح ولا سيادة ليست المشكلة الوحيدة، فهناك نقاط خلاف شديدة بين الطرفين، منها مسألة المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، إذ يعتبر الفلسطينيون المستوطنات اليهودية المقامة على الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967 غير قانونية (وهي كذلك)، فيما ترفض إسرائيل ذلك، وتستشهد بعمق روابطها التاريخية والتوراتية بهذه الأراضي، لكن المشكلة الأكبر تتعلق بالقدس، حيث يتمسك الفلسطينيون بأن تكون القدس الشرقية، التي تضم مواقع ذات مكانة دينية خاصة لدى كلٍّ من المسلمين واليهود والمسيحيين، عاصمة لدولتهم، فيما يصر الكيان على أنّ القدس يجب أن تظل عاصمتها «الأبدية غير القابلة للتقسيم».

أمام نقاط الخلاف هذه، تقف حركة حماس ضد جميع الخطوات الساعية إلى تفتيت الأراضي الفلسطينية التاريخية -حسب تعبير الحركة في أحد بياناتها الرسمية- حيث ترفض أيَّ محاولة للاعتراف بدولة إسرائيل، ورغم إعلان حركة حماس سنة 2017، قبولها إعلان قيام دولة فلسطين عاصمتها القدس الشريف على حدود 1967، فإنها رفضت الاعتراف بالكيان الإسرائيلي، وأكدت أنها تسعى إلى تحرير جميع أراضي فلسطين التاريخية.

إذا كان طوفان الأقصى قد أعاد حلّ الدولتين إلى الواجهة، فإنّ هناك من يرى أنّ ذلك الحلّ هو الأنسب والأفضل في الوضع الراهن؛ لكن الواقع يرفض التسليم بذلك، فإذا كان العرب قد وافقوا على ذلك -تطبيقًا للمبادرة العربية- فهذا يعني أنهم وافقوا على الحلّ وهم في حالة ضعف، وسط هرولة عربية للتطبيع مع الكيان، واهمين أنّ تصفية القضية الفلسطينية ستجعل الدول العربية تعيش في رخاء، وكأنّ القضية هي التي عرقلت ذلك الرخاء، وهو ما ردده من قبل الرئيس السادات، عندما وعد الشعب المصري بالرخاء الذي لم يروه أبدًا، إذ كان الاعتقاد السائد بأنّ (السلام) سوف يؤدي إلى حلِّ جميع مشاكل مصر الاقتصادية.

في اعتقادي أنّ حلَّ الدولتين محكومٌ عليه بالفشل مسبقًا؛ فهو ضمن مخططات تصفية القضية الفلسطينية بأوهام دولة لا تملك السيادة ولا القوة، وموقفُ حركة حماس من ذلك الحل هو الأصوب والأنسب، وقديمًا لخّص ديفيد بن جوريون الأزمة كلها في جملة واحدة: «ليس هناك حل؛ الأرض واحدة.. وطالب الأرض اثنان».

زاهر المحروقي كاتب عماني مهتم بالشأن العربي ومؤلّف كتاب «الطريق إلى القدس»

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: اتفاقیات أوسلو الدول العربیة دولة فلسطین على أن

إقرأ أيضاً:

صحيفة إسرائيلية: نتنياهو لديه موقف جديد بشأن الدولة الفلسطينية

قالت صحيفة تايمز أوف إسرائيل إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سيطرح وقفا جديدا يتيح إحراز تقدم في عملية التطبيع مع السعودية، في الخطاب الذي سيدلي به أمام جلسة مشتركة للكونغرس الأميركي خلال زيارته لواشنطن الشهر المقبل.

ونسبت الصحيفة لتقرير للقناة الـ13 الإسرائيلية الإخبارية قوله إن خطة نتنياهو الجديدة تتضمن صفقة لوقف إطلاق النار مقابل إطلاق سراح الأسرى لإنهاء القتال في غزة، وحلا دبلوماسيا للصراع بين إسرائيل وحزب الله في لبنان، ومسارا نحو إقامة دولة فلسطينية، وإقامة علاقات دبلوماسية مع السعودية.

غير أن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي رفض، في تصريح للصحيفة، ما ورد في تقرير القناة الـ13 قائلا إن نتنياهو "يعارض قيام دولة فلسطينية ولن يغير موقفه في خطابه أمام الكونغرس".

وفي نفس الوقت ترك مكتب نتنياهو مساحة للمناورة بتقديم دعم خطابي لعملية "غامضة" تفضي إلى زيادة الحكم الذاتي الفلسطيني دون إقامة دولة.

وذكرت الصحيفة، نقلا عن القناة الـ13 الإخبارية، أن مساعدين كبارا لنتنياهو أبلغوا البيت الأبيض أن خطابه سيحتوي عناصر تدعم رؤية الرئيس الأميركي جو بايدن الكبرى للشرق الأوسط.

مقالات مشابهة

  • التوسع الاستيطاني الصهيوني في الضفة ينسف اتفاق أوسلو ويقضي على ما يسمى “حل الدولتين”
  • التعاون الإسلامي تدين بشدة مصادقة حكومة الكيان الصهيوني على شرعنة بؤر استيطانية
  • ملتقى فلسطينيي الخارج يناقش بإسطنبول تداعيات طوفان الأقصى
  • الخارجية الفلسطينية: شرعنة بؤر استعمارية جديدة تخريب متعمد لفرص حل الدولتين
  • حماس فكرة أم حقيقة صلبة على الأرض؟
  • الجنوب أسير الحل الدبلوماسي الأميركي
  • إسرائيل توسع الاستيطان بالضفة وتعاقب السلطة الفلسطينية
  • صحيفة إسرائيلية: نتنياهو لديه موقف جديد بشأن الدولة الفلسطينية
  • مجسم تعليمي للكرة الأرضية يظهر إسرائبل ويتجاهل دولة فلسطين
  • أمن إسرائيل الصهيونية.. اللغز والمدلول