حرب غزة تجعل إسرائيل دولة منبوذة
تاريخ النشر: 7th, April 2024 GMT
ترجمة: أحمد شافعي -
بعد ستة أشهر من هجمات السابع من أكتوبر، حان الوقت لإحصاء الخسائر مرة أخرى. تبدأ الخسائر بالقتلى، فقد لقي ألف ومئتا إسرائيلي مصرعهم في ذلك اليوم، ولقي ما يقدر بنحو ثلاثة وثلاثين ألف فلسطيني في مائة واثنين وثمانين يوما منذ ذلك الحين. يشكك البعض في أن الرقم الخاص بغزة مأخوذ من وزارة الصحة التي تسيطر عليها حماس -في حين يشك البعض الآخر في أن هذه الأرقام على أي حال أقل من الواقع، ويخشون من أن يكون هناك عدة آلاف من القتلى الفلسطينيين الذين لا يحصى عددهم تحت الأنقاض.
وعليكم من بعد أن تأخذوا بعين الاعتبار من ليسوا إسرائيليين أو فلسطينيين، لكنهم غرباء أرادوا المساعدة فدفعوا ثمن طيبتهم من حياتهم -ومثال لهم ستة من عمال الإغاثة السبعة في (المطبخ المركزي العالمي) لقوا مصرعهم في ثلاث ضربات منفصلة من طائرة إسرائيلية مسيرة هذا الأسبوع.
لكن حصيلة المعاناة لا تنتهي بالموتى. فلا بد أن تشمل آلام الفلسطينيين المشوهين والأيتام، وآلام مائة وأربعة وثلاثين من الإسرائيليين وغيرهم الذين أمضوا الأشهر الستة الماضية رهائن، ويفترض أن العديد منهم مسجونون تحت الأرض.
قد يستغرق حساب كل هذا العذاب مدى الحياة، وقد لا تكفيه حياة. لكن أي استقصاء لنصف العام الكريه هذا يجب أن يمتد إلى نطاق أوسع، فلا يزال تأثير حرب الأيام الستة عام 1967 محسوسا حتى يومنا هذا، معيِّنًا الأراضي التي لا تزال تحت الاحتلال الإسرائيلي. وإذن، فما العواقب الدائمة لهذه الحرب المستمرة منذ ستة أشهر؟ من سيخرج منها أضعف ومن أقوى؟
للوهلة الأولى، قد تفترضون أن حماس ستصاب بخيبة أمل من نتائج جهودها القاتلة في السابع من أكتوبر.
فقد كان طموحها كبيرا: إذ كشف مسؤول سابق في غزة هذا الأسبوع أن قادة حماس كانوا على قناعة تامة «بأنهم سيسقطون إسرائيل، بل وبدأوا في تقسيمها إلى مقاطعات استعدادا لليوم التالي للغزو». (حتى أنهم تحدثوا مع ذلك المسؤول السابق في أن يصبح حاكم مقاطعة). لكن الأمر لم يمض على ذلك النحو. فقد جلب اجتياح حماس لجنوب إسرائيل إطلاق النيران لأهل غزة، وأدى إلى رد فعل إسرائيلي نجم عنه مصرع 2% من السكان وتشريد الباقين.
ولن يؤرق حجم الدمار كثيرا في قمة حماس: فموت الآخرين تضحية لهم على استعداد لتقديمها. لكنهم سوف يندبون الخسائر الواقعة في صفوفهم: ذلك أن ما يقدر بنحو عشرة آلاف رجل منهم، أي أكثر من ثلث قوتهم القتالية، إلى جانب ثلاثة قادة كتائب وسبعة أعضاء من المكتب السياسي الحاكم، وفقا لمايكل ميلشتاين، ضابط المخابرات الكبير السابق الذي يحظى بتقدير واسع النطاق بصفته الخبير الإسرائيلي الأول في شؤون حماس. كما خسرت المجموعة أو استنفدت كل ترسانتها من الصواريخ تقريبا ـ فضلا عن خيبة أملها الكبرى في أن هذا العمل فشل في إشعال شرارة هجوم إقليمي أوسع نطاقا كانوا يحلمون به ضد إسرائيل. ومع ذلك لن تعد حماس نفسها الطرف الخاسر في الحرب المستمرة منذ ستة أشهر. فبرغم كل حديث بنيامين نتنياهو عن «الهزيمة الكاملة» لحماس، لم تزل حماس قائمة. ولم يزل معظم قادتها الرئيسيين في غزة على قيد الحياة وحاضرين، و«لم تزل هي «الفاعل البارز في غزة» كما قال لي ميلشتين، مضيفا أنه لا يوجد احتمال واقعي بأن يحل أي من البدائل المطروحة مكانها. وبرغم كل ما تحمّله أهل غزة، لا يزال رضاهم عن دور حماس في الحرب يصل إلى 70%، وفقا لما ذكره خبير الاستطلاعات الفلسطيني المخضرم خليل الشقاقي.
ومع ذلك فإن المصدر الرئيسي للرضا الذي سوف تشعر به حماس، بعد ستة أشهر من السابع من أكتوبر، كامن في مكان آخر -فهو غير كامن فيما حدث لها، ولكن فيما حدث لعدوها اللدود: إسرائيل.
ففي أعقاب أحداث السابع من أكتوبر مباشرة، حظيت إسرائيل بتعاطف واسع النطاق -وإن لم يكن مطلقا- وخاصة من جانب الحكومات الغربية. إذ هرع جو بايدن إلى تل أبيب لمواساة الثكالى ومناصرة القادة. لكن انظروا إلى الصورة الآن.
لم تكن إسرائيل معزولة بمثل عزلتها الآن. فرئيس الولايات المتحدة، الذي ظل لعقود من الزمن حليفا حقيقيا لا غنى عنه لإسرائيل، يشعر «بالغضب» الشديد -على حد تعبيره- لقتل إسرائيل عمال الإغاثة هؤلاء، حتى أنه أصدر ليلة الخميس إنذارا غير مستتر تقريبا لرئيس وزراء إسرائيل: افعل ما أقوله وإلا فلا مزيد من الأسلحة. والتهديد في الغالب ليس أجوف: فقد قام حلفاء غربيون آخرون بالفعل بقطع إمدادات الأسلحة أو هم يفكرون في ذلك. وهذه الحكومات تستجيب لمزاج عالمي لم يعد بوسعها أن تتجاهله. فليس منتقدو إسرائيل المعهودون هم الذين يدينونها الآن، وإنما أصدقاء إسرائيل. ففي بريطانيا، أدت عمليات القتل التي وقعت للعاملين في (المطبخ العالمي) إلى مطالبة اللورد ريكيتس، وهو مستشار الأمن القومي البريطاني السابق الذي خدم في وقت سابق في حكومة توني بلير، بتعليق مبيعات الأسلحة. وتردد صدى دعوته هذه في جميع أنحاء حزب المحافظين، في رسالة وقعها مئات المحامين، منهم العديد من القضاة السابقين في المحكمة العليا، فضلا عن أصوات يمينية مؤيدة لإسرائيل في العادة في وسائل الإعلام. ومن يفقد نيك فيراري، الذي يظهر بانتظام مقدما للبرامج في الفعاليات الخيرية اليهودية الكبرى في المملكة المتحدة، يعلم أنه بات وحده.
سوف يرجو البعض في إسرائيل أن يتركز الغضب الحالي بشكل محدود على حادث يوم الاثنين المروع. ولكن هذا ليس صحيحا تماما. فمن ناحية، ليس السلوك الذي أدى إلى مقتل هؤلاء السبعة بالفريد من نوعه ـ كل ما في الأمر أن الضحايا هذه المرة لم يكونوا جميعهم من الفلسطينيين. وكما كتب محلل الدفاع المرموق عاموس هاريل في صحيفة هآرتس هذا الأسبوع، فإن مقتل العاملين في (المطبخ العالمي) «عرض لظاهرة أوسع» في الجيش الإسرائيلي، هي الإهمال أو ما هو أسوأ من ذلك «عندما يتعلق الأمر بإطلاق النار بالقرب من المدنيين» وهي «مشكلة خطيرة في الانضباط» أدت إلى «العديد من الانتهاكات لقوانين الحرب».
لقد ظلت إسرائيل على مدى ستة أشهر تطالب العالم بتفهمها، محاولة أن توضح أنها تواجه عدوا استثنائيا
ـ عدوا يختبئ تحت الأرض، وبين السكان المدنيين وتحتهم، ولا يتورع عن إطلاق الصواريخ والقذائف من المستشفيات والمدارس والمساجد. ولهذا السبب، منحت الحكومات الأجنبية إسرائيل صبرا نادرا. ولكن الصبر نفد الآن. كثيرا منه يتعلق بالقرارات التي اتخذتها إسرائيل لا في القتال، وإنما في المساعدات.
فحتى الحلفاء، من أمثال بايدن، الذين قبلوا أن يكون لحرب إسرائيل على حماس ثمنا باهظا ولا يطاق، لم يروا أي منطق أو مبرر لنمط القيود والعقبات التي لا تلحق المعاناة بحماس، بل وبالفلسطينيين العاديين.
وقد وصل الغضب من نقص الغذاء والدواء، ومن التحذيرات من حدوث مجاعة يمكن تجنبها، إلى الذروة بعد أعمال القتل التي وقعت يوم الاثنين. وبعد مسعى بايدن، وعد نتنياهو بالتغيير وفتح معابر جديدة للمساعدات إلى غزة ـ برغم وعد في الشهر الماضي لم يتحقق قط بـ«فيضان» مساعدات من إسرائيل. والنتيجة هي أن إسرائيل، التي طمح مؤسسوها إلى أن تكون نورا للأمم، تقف اليوم بين الأمم وقوف الأبرص. ولا يعي الكثير من الإسرائيليين بهذا التغيير: فوسائل الإعلام لديهم لا تظهر الحرب التي يراها بقية العالم ويشجبها. ولكنها تركز بدلا من ذلك على تهديد طهران بالانتقام في أي لحظة بعد اغتيال إسرائيل لجنرالين إيرانيين في دمشق في وقت سابق من هذا الأسبوع، والخطر الذي يلوح في الأفق ممثلا في ترسانة حزب الله في الجهة الأخرى من الحدود الشمالية. ومع الشلل الذي أصابها بسبب الفشل في إعادة الرهائن -وهو محور الاحتجاجات المتزايدة المناهضة لنتنياهو- تظل وسائل الإعلام الإسرائيلية عالقة في صدمة السابع من أكتوبر، تعيد مرارا وتكرارا تمثيل رعب ذلك اليوم، الأكثر دموية في تاريخ إسرائيل.
وأنا لا ألوم «الشعب» الإسرائيلي على ذلك. لكني ألوم قادته. حتى لو لم يفعلوا شيئا لمعالجة الأسباب الجذرية للصراع، فقد كانت مهمتهم هي تجاوز غضب تلك اللحظة ورعبها، وأن يفكروا تفكيرا هادئا واستراتيجيا حتى في غمرة الذعر. وأن يدركوا في تلك اللحظة أن قتالهم إنما هو مع حماس، وليس مع كل أهل غزة. ولكنهم بدلا من ذلك زرعوا الكراهية في قلوب الجيل الجديد، وجعلوا بلدهم وحيدا وهو الذي لا يستطيع أن يعمل منفردا.
وإذن، فلا، ما من فائزين في هذه الحرب المروعة. ولكن لحماس أن تنعم بابتسامة رضا: فقد نصبت فخا مميتا ـ وقاد بنيامين نتنياهو إسرائيل مباشرة إلى الوقوع في هذا الفخ.
جوناثان فريدلاند من كتاب الرأي في جارديان البريطانية
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: السابع من أکتوبر هذا الأسبوع ستة أشهر
إقرأ أيضاً:
ما هي الأسباب التي تعزز فرص الهجوم الإسرائيلي على إيران؟
تناولت صحيفة "غلوبس" الاقتصادية العبرية التقارير الأجنبية عن "هجوم إسرائيلي مُخطط على إيران"، ونقلت تحليل معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي بشأن تلك القضية، موضحة أن طهران تحاول إخفاء وضعها الاقتصادي البائس.
وقالت "غلوبس" تحت عنوان "الانهيار الاقتصادي الإيراني يشعل فتيل البرنامج النووي.. على الورق على الأقل"، إن التقارير الأجنبية بشأن النووي الإيراني أثارت استغراب الكثيرين في إسرائيل، وجاء في أحدها بصحيفة "ذا تلغراف" البريطانية، أن إيران رفعت مستوى التأهب في نظام الدفاع الجوي بمنشآتها النووية، خوفاً من هجوم إسرائييل أمريكي، مشيرة إلى أنه على الورق، يبدو توقيت مثل هذا الهجوم مثالياً من حيث الأمن الإقليمي، لأن حركة حماس الفلسطينية ضعفت بشكل كبير، وأصبح حزب الله في وضع حرج، وفي الوقت نفسه سقط نظام بشار الأسد في سوريا، وتعطلت سلاسل الإمداد الإيرانية بالأسلحة والأموال.
ونقلت عن معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، أنه منطقياً وعسكرياً، هذا هو الوقت المناسب لضرب إيران، ولكن يبدو أن طهران تسيء تفسير نوايا إسرائيل التي لن تهاجم وحدها، مشيراً إلى أن الرئيس الأمريكي يفرض عقوبات في وقت ينفتح فيه على المفاوضات مع طهران.
في أول تعليق له.. محمد جواد ظريف يكشف كواليس استقالتهhttps://t.co/jFwmRVqVik
— 24.ae (@20fourMedia) March 3, 2025 تأثير العقوبات الأمريكيةوتقول الصحيفة الإسرائيلية إن سياسة العقوبات التي ينتهجها دونالد ترامب تسير على قدم وساق، مشيرة إلى أنه قبل نشر تقرير "ذا تلغراف"، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على أكثر من 30 تاجراً ومشغلا لناقلات النفط وشركات الشحن المشاركة في أسطول الظل الذي يخدم صناعة النفط الإيرانية، وتشمل القائمة عقوبات على تجار النفط في عدد من الدول، بالإضافة إلى مدير شركة النفط الوطنية الإيرانية، ومديري ناقلات النفط من الصين.
وتحدثت الصحيفة عن تأثير عقوبات النفط على الوضع الاقتصادي في إيران، التي يعيش أكثر من ثلث سكانها تحت خط الفقر، في الوقت الذي يقدم النظام الإيراني أكثر من 10 آلاف دولار لأسر أعضاء حزب الله الذين أصيبوا في الحرب، فيما ظلت المكاتب الحكومية والبنوك والمدارس في 22 من محافظات إيران البالغ عددها 31 مغلقة اليوم الإثنين بسبب عدم توفر الكهرباء اللازمة لتشغيلها.
تقدم البرنامج النووي
وعلى النقيض تماماً من حالة الاقتصاد المحلي، فإن البرنامج النووي الإيراني أصبح الآن في أكثر مراحله تقدماً على الإطلاق، وفقاً لتقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
ونقلت غلوبس عن المعهد أنه "من الممكن أن يكون هذا نابعاً من مصلحة داخلية في إيران لإظهار قدرتها على الصمود في الخارج، بعد التصريحات الإسرائيلية بشأن القضاء على الدفاع الجوي الإيراني، وليس من المستحيل أن يرغب النظام، بسبب الوضع الاقتصادي الصعب في البلاد، في إيصال رسالة مفادها أنه على الرغم من أن الوضع الداخلي رهيب، فإن التهديد الخارجي أعظم، كما كانت الحال خلال الحرب الإيرانية العراقية في ثمانينيات القرن العشرين".
في السياق ذاته، أجرت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية حواراً مع بيني سباتي، الباحث البارز في برنامج إيران في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، والذي عكس في حديثه صورة قاتمة عن إيران، مؤكداً أن الأزمة الحالية أكثر خطورة من الحرب الإيرانية العراقية.
هل يُسقط تعدين البيتكوين النظام الإيراني؟https://t.co/tepd2E95XR
— 24.ae (@20fourMedia) February 28, 2025 إقالة دون تأثيروعلى الرغم من أن إقالة وزير الاقتصاد الإيراني عبد الناصر همتي تثير تساؤلات حول قدرة الحكومة على التعامل مع الأزمة الاقتصادية المستمرة، إلا أن سباتي يقول إن هذه الإطاحة لن يكون لها أي تأثير تقريباً، وأن "حكومة هذا الرئيس لا تتخذ القرارات حقاً، ولا تتمتع بأي تأثير حقيقي، ولكن من يتمتع بتأثير حقيقي هو الزعيم، في إشارة للمرشد علي خامنئي، ومستشاريه، وغالبيتهم من الحرس الثوري.
وبحسب سباتي، فإن إشارة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إلى أن الوضع الحالي أكثر خطورة من الحرب الإيرانية العراقية، تكشف عن الضعف الإيراني.
ورأى أن رفض خامنئي استئناف المحادثات مع الولايات المتحدة الأمريكية يسبب أضراراً جسيمة، لأنه يحط من قدر الدولة الإيرانية والاقتصاد الإيراني، والمجتمع أيضاً، ويذهب بكل شيء نحو الهاوية على شكل كرة من الثلج.