يمضى فلا يُبالى. سهم حُر. رصاص مباغت. برقٌ خاطف. قطار لا يتوقف فى أى محطات. تتقدم خُطى الزمن دوما للأمام. لا تتباطئ، ولا تتعثر، وكلما مرت سنوات طويلة اندهشنا كيف مرت بهذه السرعة. وهذا ما قد يجعل الإجابة المعروفة لآخر العمر إن سُئل سائل عن ما عاشه، هى أنه لبث « يوما أو بعض يوم».
لقد كانت الحياة أسرع مما نتخيل.
نحزن على سرعة الزمن، نندهش من كلمة «عمو» التى تقابلنا من فتيات وفتيان شباب نراهم كبارا، ننزعج من كلمة «حاج» التى يمنحنا إياها مَن لا يعرفنا. نُدرك يقينا أننا خرجنا من زمرة الشباب، فنتحسر ونحزن.
لكن ما المردود؟ ما نتاج الحزن سوى الحزن؟ ما بعد الندم؟ سكون؟ كيف ننظر للغد؟ بخوف؟ ثم ماذا بعد؟ لا شيء.
إن علينا أن نستوعب حركة الزمن برضا، ونقاوم وهن النفس بطاقة لا حدود لها. مَن قال إن الشباب مُقيد بعمر، ومّن أجزم أن أوان الألق فات؟ لا أوان يفوت ما دام الإنسان يتنفس، لأن الشيخوخة كما أقول دائما هى مجرد اختيار، وهناك دائما مًن يحققون أحلامهم وهم فى الستين والسبعين، وما بعد ذلك. فهذا هارلند ساندرز الذى نرى صورته فى كل مدينة فى العالم نجح مشروع حياته «كنتاكي» بعد تجاوزه الستين عاما وخروجه إلى التقاعد.
وذاك هنرى كيسنجر، وزير الخارجية الأمريكى الأسبق الذى رحل قبل شهور بعد أن أتم المئة عاما، ظل يعمل حتى النهاية بحثا وكتابة وتفكيرا، وأخرج لنا وهو فى الثامنة والتسعين كتابا يحدثنا عن مستقبل الذكاء الاصطناعى.
وبلغ الطبيب الأمريكى هوارد تاكر، مئة وثلاثة أعوام، ومازال يعمل كاستشارى عظيم فى طب الأعصاب. وعاش المفكر برنارد لويس مئة واثنتين سنة، ولم يتوقف عطاؤه ولم تتعطل روحه عن التفكير والتحليل والعمل.
وكل هذا يدفعنا أن نقاوم الزمن، ببشاشة، وتفاؤل، ودأب مكررين أن الأجمل لم يأت بعد.
إننى أنصح أصدقائى الشباب الذى تجاوزوا الخمسين والستين عاما أن ينطلقوا، فرحابة الحياة تستوعب الانطلاق. أقول لهم: ابتسموا. استمتعوا بالموسيقى، تحركوا، وافعلوا ما لم تفعلوا، واذهبوا حيث لم تذهبوا من قبل. استحسنوا الجمال وتذوقوا الفن واستمتعوا بالمعرفة. لا تتورطوا فى معارك عبثية، ولا تجادلوا جهلاء أو كارهين، ادعوا لهم بالشفاء والهدى.
ضعوا دوما خططا لمشروعات مستقبلية فى العمل، والإبداع، والحياة، وارسموا خطواتكم القادمة لعشرين عاما، وثلاثين عاما وخمسين عاما، ولا تتخلوا عن الأحلام، فهى منبع الطاقات وهى الدالة على الحياة. وتذكروا أن الفنان العظيم يوسف وهبى عندما كتب مذكراته اختار لها عنوانا غريبا هو «عشت ألف عام» تدليلا على صخب وعظم ما رأى وشاهد وأنجز.
ابتسموا وتعلموا ثم انظروا إلى الغد، فلم يفت الأوان، ولن يفُت.
والله أعلم.
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: مصطفى عبيد قطار
إقرأ أيضاً:
وفاة «عصمت رشيد».. مطرب الزمن الجميل
نعت نقابة الفنانين في سوريا، مطرب الزمن الجميل، عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما.
وقالت النقابة في بيان لها: “فرع دمشق لنقابة الفنانين ينعي إليكم وفاة الزميل الفنان القدير عصمت رشيد نوافيكم لاحقاً بموعد التشييع والدفن وموعد التعزية.. إنا لله وإنا إليه راجعون”.
يذكر أن “عصمت رشيد من مواليد مدينة دمشق لعام 1948، اشتهر كمغني وملحن في كل من مصر وسوريا، ومن أشهر أغانيه الشعيبة “كان عندي غزال”، و”ليه بتشكي يا دنيا من الورد”، و”راحوا فين”، دقوا ع الخشب، كفك يا جميل، وغيرها الكثير، كما شارك رشيد في عدة أعمال تلفزيونية وسينمائية، من بينها: “صيد الرجال” عام 1976، و”الفراري” عام 1997، عريس الهنا، السفينة، وغيرها.
وعُرف خلال مسيرته الفنية، بالتلحين إلى جانب الغناء، وتم تصنيفه في سوريا ومصر كمطرب وملحن من الدرجة الأولى، وهو عضو في جمعية المؤلفين والملحنين ومركزها القاهرة وباريس.
آخر تحديث: 24 نوفمبر 2024 - 19:40