الإعلانات المضللة.. طريق مختصر لكسب المال وخداع الناس
تاريخ النشر: 7th, April 2024 GMT
كثير منّا هلّل وكبّر عندما سمع عن التجارة الإلكترونية، وهو واثق بأن كل إعلان عن منتج جديد يفتح ذراعيه؛ ليضم زبائن جددًا إليه هو إعلان حقيقي جودة وسعرًا، خاصة في أيام المناسبات كالأعياد التي تكثر فيها الإعلانات عن المنتجات، ولذا يستسهل البعض الأمر ويعتمد كثيرا على التسوق من خلال المواقع الإلكترونية التي تعج بالمسوقين من مختلف الفئات.
ثم انتقلت الإعلانات من مرحلة إلى أخرى ومن سلعة إلى غيرها، حتى وصلت إلى ترغيب الناس بالسفر، والحصول على عقود العمل السحرية المغرية التي تأتي بالدولارات في غمضة عين، صدقها من هو راغب في السفر؛ لتحسين وضعه المادي، وتكوين حياته المستقبلية، وهذه الإعلانات أصبحت منتشرة أكثر من غيرها في الأسواق المفتوحة عبر الإنترنت ومنصة أكس والفيسبوك وغيرها من المنصات الأخرى ووسائل التواصل الاجتماعي.
دفع البعض مدخراتهم وأموال أهلهم، باع بعضهم متعلقاته الشخصية واقترضَ من الآخرين؛ لتوفير ثمن العقد المزيّف، طار إلى البعيد لكنه سقط في أول الطريق، فأصبح عاجزًا عن التحليق ثانية والعودة إلى أرضه أو الاستمرار في مرحلة التوهان، كل ذلك بسبب الإعلانات المضللة والوعود الكاذبة من بعض السماسرة وبائعي الوهم. وطالما أصبحت حالة الناس إلى شراء المستلزمات المنزلية من ضروريات الحياة، سعى الكثير من الناس إلى متابعة الإعلانات التي تعطي خصومات خيالية للمنتجات التي يحتاج إليها الإنسان، وعرضت على الإنترنت بضائع بالجملة، وأعلنت الشركات عن تقديم خدماتها الإلكترونية رغم أنها تفتقر إلى إطار قانوني فبعضها ليس له مقر ثابت، أو سجل تجاري معتمد لمزاولة نشاط البيع، واستغلت نافذة الإعلانات لتعريف الناس عن مفاجآتها وأسعارها الخيالية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ليخرج للناس شخص ما يحثهم على انتهاز فرصة العروض التي لن تتكرر قريبا.
الضحك على الذقون أصبح ظاهرة تبدو أكثر وضوحا هذه الأيام، فعندما يكتشف الزبون متأخرا جدا بأنه وقع ضحية لتضليل إعلان وهمي، لا يجد وسيلة أخرى سوى القبول بما وصله من بضاعة رديئة غير التي شاهدها أو تمنى الحصول عليها في الصور التي أرسلت إليه قبل عملية الشراء وتحويل الأموال.
انتبه: يمكن لأي إعلان تجاري أن يصبح إعلانًا مضللًا للمستهلك كيف ذلك؟
الجواب: إذا بالغ المُعِلن في وصف المنتج أو الخدمة بشكل غير واقعي أو أخفي بعض الأمور المهمة عن الزبون، ويترك عنصر المفاجأة هو الفيصل في تقبُّل الواقع؛ لأن المنتج الذي وصل الزبون مختلف تمامًا عما كان في الإعلان التجاري!.
ندرك حقيقة الأشياء بالعقل والتجارب، إن لم تكن جميع الحملات التسويقية تتركز على الإعلان الجذاب والشيق؛ فإن بعضها يتعمد الالتفاف حوله الزبائن ومعرفة كيف يخطفون أنظار الناس بحديث شيق وجذاب ومنتج تزهو به الألوان، وهذا النوع من الإغراء يمر بمراحل متسلسلة تعمل على الاستحواذ المباشر على حواس الناس وشد تركيز الزبائن سواء أكان هذا الإعلان حقيقيا أو وهميًا، لكن الفارق بين الأمرين هو المصدر الذي يقوم بالحملة الدعائية للمنتج والطريقة المتبعة في التعريف به. في الوقت الراهن ينصبّ اهتمام الشركات في حملاتهم التسويقية على صناع المحتوى، ومن خلال الحوادث المؤسفة التي كشفتها بعض الإعلانات المضللة التي ظهرت فجأة للناس وسقوط عدد من الزبائن في فخ الخديعة، أصبح الكثير من الزبائن لا يثقون بمن يدعون بأنهم صناع محتوى أو مؤثرين في وسائل التواصل الاجتماعي، حيث أثبتت التجارب السابقة أن عددًا منهم لم يكن نزيهًا في تقديمه للمنتج الذي يروّج له في وسائل التواصل الاجتماعي.
من الحقائق التي تم توثيقها أيضا هو إن بعض صنّاع المحتوى يهتمون كثيرا في السعر الذي يدفع له جراء هذا الإعلان، والبعض منهم لا يراعي الجوانب الأخلاقية بل يقبل على نشر الإعلانات في قنواته ومحيط أصحابه وأقاربه، لكنه يسقط مع الزمن كما كان يُسقط متابعيه في فخ الخديعة.
بعض الناس يسألون كثيرا عن المعنى الحقيقي لمصطلح «الإعلانات المضللة؟وماذا نعني بها؟»
تم تعريف مصطلح «الإعلان المضلل»على إنه تقديم المعلومات الغير الصحيحة بقصد خداع الناس وبمعنى أدق « هو نوع من التضليل أو إخفاء الحقائق» وذلك بغرض إقناع المستهلكين بشراء منتج ما أو الحصول على خدمة معينة، وذلك من خلال استخدام ألفاظ مبالغ فيها من التفخيم والثناء، أو اللجوء إلى عملية التلاعب بالإحصائيات غير المنطقية للمنتج، أو إخفاء المعلومات المهمة، أو تصوير المنتج بشكل يجعله أفضل مما هو عليه في الواقع.
من جهة أخرى، تعد الإعلانات المضللة هي صورة باهته وغير أخلاقية وقد تؤدي سلبًا إلى إحباط وخيبة أمل لدى المستهلكين عند شراء المنتجات أو الخدمات التي تروّج لها.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: التواصل الاجتماعی الإعلانات المضللة إعلان ا
إقرأ أيضاً:
إعلانات الجزيرة الممولة.. نموذج للتأثير القسري على “يوتيوب”
محمد محسن الجوهري
أصبحت مشاهدة مقاطع “يوتيوب” تجربة مزعجة للكثيرين بسبب كثافة الإعلانات الممولة، لكن يبقى للمستخدم خيار حظر بعض الإعلانات أو الإبلاغ عنها إن لم يرغب في رؤيتها مجددًا. غير أن بعض الإعلانات، وعلى رأسها تلك الخاصة بمنصة الجزيرة 360، تبدو عصية على الحظر. فمهما حاولت تجاوزها، تبقى ماثلة أمامك بإصرار، لتطرح تساؤلات مشروعة حول آليات الانتشار والظهور التي تتحكم بها شركات التكنولوجيا العالمية.
هذا النموذج من الحضور الإعلامي القسري يكشف كثيرًا من الخفايا حول طبيعة التمويل الضخم لبعض المؤسسات الإعلامية، والدور الذي يلعبه المال في فرض خطاب معين على الجمهور، بغض النظر عن طبيعة هذا الخطاب أو صدقيته. فحين تتمكن مؤسسة إعلامية من احتلال صدارة التوصيات على المنصات العالمية، أو من فرض نفسها على شاشات المستخدمين دون خيار للرفض، فنحن أمام نموذج من الاستحواذ الإعلامي لا يقل خطرًا عن أشكال الاستبداد التقليدية.
وبالرجوع إلى قناة “الجزيرة” القطرية، نجد أن ما تملكه من أدوات ليس المحتوى بقدر ما هو المال السياسي الضخم الذي يُستخدم لتوجيه الرأي العام العربي والإقليمي. إذ لطالما اتُّهِمت القناة بلعب أدوار تتجاوز الإعلام إلى صناعة التأزيم، وتعزيز الانقسامات الداخلية بين مكونات المجتمعات العربية. ويكفي أن نراجع أرشيف تغطيتها للأحداث في سورية، أو العراق، أو ليبيا، لندرك كيف يمكن للإعلام الممول أن يُسهم في إذكاء النعرات الطائفية والعرقية، بل وحتى في تبرير الاقتتال الداخلي.
فعلى سبيل المثال، خلال السنوات الأولى للأزمة السورية، ركّزت تغطيات الجزيرة على تأجيج السرديات الطائفية، وسعت لتصوير الصراع وكأنه حرب بين مذهبين، بدلًا من عرضه كأزمة سياسية واجتماعية مركبة. وقد أشار كثير من الباحثين في الإعلام إلى خطورة هذا النوع من الخطاب، الذي يسهم في ترسيخ الكراهية بدلًا من فتح باب الفهم والحوار.
ولا يقتصر التأثير على الإعلانات وحدها، بل يمتد ليشمل نتائج البحث على محركات مثل “غوغل”، حيث تلعب الأموال دورًا جوهريًا في تحسين ترتيب الصفحات، وتمكين مؤسسات معينة من الظهور أولًا، حتى لو لم تكن الأكثر موضوعية أو مهنية. هذا التلاعب بخوارزميات الانتشار يُعد نوعًا من “الرقابة الناعمة”، حيث لا يُمنع المحتوى المنافس بشكل مباشر، بل يُدفن تحت سيل من المحتوى الممول والمهيمن.
إن خطورة هذا الوضع تكمن في أن التمويل الضخم لا يستخدم فقط لأغراض تجارية، بل بات يُستخدم كسلاح سياسي ناعم، يُعيد تشكيل وعي الجماهير، ويوجه النقاشات العامة نحو ما يخدم مصالح مموليه. وهذه الظاهرة باتت تستحق دراسة متعمقة من قبل خبراء الإعلام، وصانعي السياسات، للحفاظ على الحد الأدنى من التوازن والعدالة في الفضاء الرقمي.
إن التمويل الضخم لا يصنع فقط إعلامًا مهيمنًا، بل يصنع واقعًا إعلاميًا جديدًا تتحكم فيه القنوات الكبرى بالرأي العام، وتُحاصر الأصوات البديلة والمستقلة، في ظل تواطؤ خوارزميات الذكاء الاصطناعي، وسياسات المنصات التجارية.
وحين يغيب التوازن، وتُفرض قناة ما على الجمهور رغمًا عنه، فإننا نكون أمام أزمة حرية إعلام حقيقية. فالمشكلة لا تكمن في وجود إعلام ممول، بل في غياب الحياد الرقمي، وضعف آليات حماية المستخدم من الإعلام القسري.