الجزيرة:
2025-03-16@15:29:35 GMT

هل حقاً سحب الناخب التركي ثقته من أردوغان؟

تاريخ النشر: 7th, April 2024 GMT

هل حقاً سحب الناخب التركي ثقته من أردوغان؟

ثمَّة زوايا عديدة لتقييم نتائج الانتخابات المحلية التركية التي هُزم فيها حزب العدالة والتنمية للمرّة الأولى منذ تأسيسه، بحلوله ثانيًا خلفَ حزب الشعب الجمهوري المعارض. لكن قد تكون الأهم من بينها الدلالات السياسية للنتائج ومدى تعبيرها عن انفضاض الناخبين عن حزب العدالة والتنمية، أو استمرار ثقتهم به، وهو ما تباينت بشأنه التقييمات كما هو متوقع.

نتائج صادمة

شكلت نتائج الانتخابات المحلية صدمة غير متوقعة للعدالة والتنمية، ولعلها كانت مفاجِئة حتى لحزب الشعب الجمهوري نفسه. ذلك أنه بعد الفوز في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في مايو/أيار الماضي، بنى العدالة والتنمية حملته في الانتخابات المحلية على استعادة البلديات التي كان خسرها لصالح المعارضة في 2019، وفي مقدمتها أنقرة وإسطنبول، وقد قاد أردوغان بنفسه الحملة الانتخابية وأَولى الأخيرة اهتمامًا خاصًا.

بيد أن الشعب الجمهوري لم يكتفِ فقط بالاحتفاظ ببلديتي أنقرة وإسطنبول، بل وسّع الفارق فيهما عن العدالة والتنمية بشكل ملاحظ، وحاز أغلبية المجلس البلدي في كلتيهما (عكس الانتخابات السابقة)، وضم إليهما عددًا كبيرًا من بلديات المدن الكبرى والمحافظات بما فيها مدنٌ كانت تعدُّ معاقل للحزب الحاكم، كما أنه حل أولًا في عموم تركيا للمرة الأولى منذ عقود، وطبعًا للمرة الأولى في عهد العدالة والتنمية.

بالأرقام، تراجعت البلديات التي يرأسها حزب العدالة والتنمية من 39 مدينة كبرى ومحافظة في 2019 إلى 24 فقط في 2024. ولأن أكثر المستفيدين من هذا التراجع كان خصمه التقليدي الشعب الجمهوري، الذي رفع رصيده من هذه البلديات من 21 عام 2019 إلى 35 عام 2024، فقد كانت الخسارة مزدوجة.

يمكن النظر لهذه الخسارة كمحطة إضافية في منحى التراجع لحزب العدالة والتنمية في الانتخابات، وخصوصًا التشريعية منها، في العقد الأخير، وهو ما عزز فكرة التصويت الاحتجاجي أو العقابي لعدة أسباب، بعضها يتعلق بالحزب وسياساته وبعضها الآخر بالعملية الانتخابية نفسها. البعض رأى أن النتيجة تعبر عن رغبة الشعب التركي في قيادة سياسية جديدة وأنها تحوُّلٌ في المشهد السياسي في البلاد، وفي مقدمتهم رئيس حزب الشعب الجمهوري أوزغور أوزال الذي وضع النتيجة في سياق رغبة الشعب في تغيير الحزب الحاكم ورئيسه، كما بدأ البعض بالتبشير برئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو رئيسًا قادمًا لتركيا.

فهل فعلًا سحب الناخب التركي ثقته من أردوغان وحزبه، ويريد فتح صفحة جديدة بقيادة مختلفة؟  

دلالات

في أول اجتماع لقيادة الحزب الحاكم تحدّث الرئيس التركي بشكل مباشر وواضح عن "رسائل الصندوق" لحزبه، موجهًا قياداته للبحث عن الأسباب وعلاجها وعدم إلقاء اللوم على الناخبين كما تفعل أحزاب أخرى، وأنه ينبغي "التصدي لأي خطأ، وإلا فقد لا نتمكن من تجنب كوارث أكبر في المستقبل".

يحيل أردوغان هنا على فكرة التصويت الاحتجاجي أو العقابي الذي كان واضحًا في الانتخابات الأخيرة لأسباب فصّل في بعضها ودعا لدراسة بعضها الآخر بشكل أعمق. ولعله من المفيد الإشارة إلى أن هذا النوع من التصويت لا يحدث لأول مرة، فقد حصل مرارًا في السابق كما مع حزب الوطن الأم في الانتخابات المحلية في 1989 مثلًا، ومع العدالة والتنمية في الانتخابات التشريعية في يونيو/حزيران 2015 (قبل أن تعاد الانتخابات ويفوز بها)، وفي عدة استحقاقات لاحقة بدرجة أقل، ولذلك يكرر أردوغان بعد كل محطة انتحابية تعهده بالتجاوب مع "رسالة الناخبين".

والمعنى من هذا التصويت أن شريحة من الناخبين التقليديين للحزب أرادوا إيصال رسالة احتجاج للرئيس أردوغان وحزب العدالة والتنمية تشمل ضمنًا مطالب بالتغيير والتحسين في عدة مجالات. ولا يعني ذلك أنهم انفضوا عن الحزب لصالح حزب الشعب الجمهوري المعارض، وفق عدة قرائن في مقدمتها أنهم قبل عشرة أشهر فقط أعادوا انتخاب أردوغان رئيسًا وجددوا أغلبية البرلمان لتحالف الجمهور الحاكم، وليس من المتوقع ولا الاعتيادي أن تتغير توجهات الناخبين بهذه الجذرية والحدّة خلال هذه المدة الزمنية الوجيزة.

تفسير الاختلاف بين النتيجتين خلال عشرة أشهر فقط هو الاختلاف بين الاستحقاقين. فالأول كان انتخابات رئاسية وبرلمانية متزامنة يبنى عليها الكثير من حيث النظام السياسي، ومن يقود البلاد ويصوغ سياساتها لخمس سنوات مقبلة (على أقل تقدير) مما لا يحتمل معه – بالنسبة لكثير من أنصار العدالة والتنمية – "المغامرة" بانتخاب أو حتى إفادة المنافس.

بينما المحطة الثانية انتخابات محلية ترتبط بالبلديات، وارتداداتُها السياسية المباشرة قليلة جدًا مقارنة بالأولى وتحتمل هذا النوع من الهزات أو الرسائل الاحتجاجية التي قد تتسبب في استفادة آنية للخصم لكن يؤمّل أن تفيد الحزب على المدى البعيد.

في تفاصيل النتائج ما يدعم هذه الفرضية بل ويثبتها، فالجزء الأكبر من النتيجة يمكن عزوه لتراجع نسبة المشاركة في الانتخابات (زهاء 6% عن الانتخابات المحلية السابقة و10% عن الانتخابات الرئاسية الأخيرة)، وليس لانزياح كبير في اتجاهات التصويت، كما توضح النتائج التفصيلية أن معظم المقاطعين في هذه الانتخابات كانوا من أنصار العدالة والتنمية.

كما أن بعض من أبطلوا أصواتهم، الذين زاد عددهم بوضوح عن الانتخابات السابقة، دللوا على ذلك باعتراضات تخص الحكومة والحزب الحاكم. ويضاف لما سبق صعود حزب "الرفاه من جديد" بقيادة فاتح أربكان – الذي كان مفاجأة الانتخابات بحلوله ثالثًا – حيث يبدو أنه سحب من رصيد العدالة والتنمية أكثر من غيره بعدِّه "خيارًا آمنًا" أو بديلًا ممكنًا عن العدالة والتنمية بالنسبة للناخبين المحافظين على وجه التحديد.

ماذا بعد؟

وعليه، كان الأمر بمثابة رسالة حادة النبرة لأردوغان وحزبه لتصويب وتعديل بعض المسارات، ولذلك كان تفاعل أردوغان معها مختلفًا هذه المرة، إذ أتت تصريحاته سريعة وواضحة ومباشرة ومفصّلة ومكتوبة، بما في ذلك تحمل مسؤولية التراجع والوعد بالتجاوب.

في استحقاقات انتخابية سابقة، صدر عن أردوغان تصريحات مشابهة بخصوص التغيير، لكن الأمر بدا مقتصرًا في معظمه على تغيير بعض الوجوه في الحزب وتحديدًا في الهياكل التنظيمية في المدن والمحافظات بناءً على تقييم مفاده أن السبب الرئيس في تراجع حضور الحزب هو كسل التنظيم و/أو تقاعسه و/أو عدم قدرته على كسب الناس، أو كما قال الرئيس التركي مؤخرًا: "بناء جدران بينه وبين الشعب".

من الواضح أنّ تغييرًا من هذا النوع لن يكون كافيًا هذه المرّة، ولا نظنّ أنه كان كافيًا سابقًا، إذ إن الرسالة هذه المرة قاسية جدًا، وتدقّ ناقوس الخطر بخصوص المستقبل. وقد عبّر أردوغان عن هذا المعنى، حين قال: "إما أن نرى أخطاءنا ونصوّب أمورنا، وإما سنستمر في الذوبان مثل الثلج تحت الشّمس".

ثمة ما هو متوقع قريبًا مثل تغييرات في هيكلة الحزب ودوائره القيادية، كما يمكن توقع تعديل وزاري محدود وإن كان من غير المرجح أن يكون قريبًا جدًا، لكن كل ذلك سيبقى في إطار التغييرات الشكلية البعيدة عن حجم رسالة الاحتجاج هذه المرة. المطلوب اليوم هو التطرق للتحفظات الأساسية لمناصري الحزب والمتعلقة بالفكر والخطاب والممارسة السياسية بما في ذلك طريقة الحكم ومنظومة التحالفات والترهل وضعف الأداء، وهي الأسباب الرئيسة التي جعلت ثمة "جدرانًا" بين الحزب وأنصاره.

السؤال الأهم هنا: هل يستطيع أردوغان إقناع الشارع التركي بجدية التغيير وعمقه وجدواه؟ الأمر ليس بالسهولة المتوقعة حتى مع رئيس قوي مثل أردوغان، فالكثير من السلبيات المشار لها موجودة منذ سنوات طويلة جدًا، وتجذرت إلى حد ما مع تحول الحزب إلى حزب حاكم مهيمن على الحياة السياسية في البلاد. لكنه ضروري كما هو واضح إن أراد الحزب أن يبقى رقمًا صعبًا، كما كان دائمًا وحتى الآن، في المشهد السياسي التركي ولا يلقى مصير سابقيه من الأحزاب الحاكمة، على ما حذّر أردوغان نفسه.

أربع سنوات، حتى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة، تبدو مدة زمنية كافية لإحداث التغيير ورؤية آثاره على الناس في حال صدقت النوايا، إذ إن المرغوب والمجدي يتطلب إرادة وجهدًا ووقتًا وإصرارًا. من المنتظر أن يكون أردوغان قد قرأ رسالة الناخبين بشكل دقيق، وأن يملك الإرادة لتغيير حقيقي وعميق هذه المرة، ولكن المهمة ليست سهلة ولا مضمونة النتائج بعد كل هذه السنوات، وسيبقى الحكم في النهاية للشعب وتحديدًا أنصار الحزب الذين ما زالوا يملكون الثقة بالرئيس التركي ليقوم بالتغيير المنشود. فهل يفعلها؟ وهل ينجح؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ ترجمات حريات حزب العدالة والتنمیة الانتخابات المحلیة حزب الشعب الجمهوری فی الانتخابات الانتخابات ا هذه المرة رئیس ا

إقرأ أيضاً:

أردوغان يكرم عميد المعتقلين السوريين وخطيب الأقصى في حفل جائزة دولية

كرّم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، عميد المعتقلين السوريين الطيار رغيد الططري، الذي قضى 43 سنة من حياته في سجون نظام الأسد المخلوع، وخطيب المسجد الأقصى الشيخ عكرمة صبري.

جاء ذلك خلال حفل أقيم، الخميس، في العاصمة التركية أنقرة، لتوزيع جوائز الخير الدولية التي يقدمها وقف الديانة التركي التابعة لرئاسة الشؤون الدينية.

وخلال الحفل، كرّم أردوغان، الطيار الططري، الذي رفض تنفيذ أوامر قصف مدينة حماة خلال مجزرة الرئيس السوري السابق حافظ الأسد عام 1982، ما أدى إلى سجنه لـ43 سنة في سجن صيدنايا.



كما قدم أردوغان، جائزة الوفاء لخطيب المسجد الأقصى الشيخ عكرمة صبري، الذي عمل قضى حياته في مواجهة مخططات الاحتلال في المسجد الأقصى والدفاع عن الحرم القدسي.

ومن الحاصلين على جائزة الخير، الطالب عمر عساف كار، الذي قاد طلاب مدرسة عمرانية "محمد علي يلماز الابتدائية"، في احتجاج ضد دخول شاحنة تابعة لشركة تدعم الاحتلال إلى المدرسة.

ومنحت جائزة الوفاء أيضا بشكل رمزي إلى الخطاط التركي حسن جلبي، المعروف بلقب "رئيس الخطاطين"، والذي توفي في فبراير/شباط الماضي، وتسلم الجائزة نيابة عنه ابنه مصطفى.

أنقرة.. أردوغان يكرّم، اليوم الخميس، خطيب المسجد الأقصى المبارك الشيخ عكرمة صبري والطيار السوري رغيد الططري الذي قضى 43 عاما في سجون نظام الأسد المخلوع بسبب رفضه قصف المدنيين خلال مجزرة حماة. pic.twitter.com/QPfzpJ4ExT — وكالة أنباء تركيا (@tragency1) March 13, 2025

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يُكرم الطيار السوري المحرَّر رغيد الططري الذي قضى 43 عاماً في سجون الأسد لأنه رفض قصف حماة عام 1982 pic.twitter.com/EFIuBLUiXH — Abdulrahman Al Hariri (@abdulrahmanpho) March 13, 2025

مقالات مشابهة

  • تركيا تتحول إلى مركز العالم
  • العدالة والتنمية يطالب بالتحقيق في مشاركة رجال السلطة في توزيع مساعدات "جود"
  • العدالة والتنمية يطالب بتسريع إعادة إعمار الحوز ويحمل الحكومة مسؤولية التأخير
  • تعيينات وإقالات كبار المسؤولين من قبل أردوغان
  • مارك كارني يؤدي اليمين رئيسًا لوزراء كندا وسط حرب تجارية مع واشنطن
  • بيتكوفيتش يصدم اللاعب المحلي !
  • أردوغان يؤكد اقتراب بلاده من هدفها المتمثل في تركيا خالية من الإرهاب
  • عاصم الجزار يقرر تشكيل لجنة لإعداد برنامج حزب الجبهة الوطنية في الانتخابات البرلمانية 2025
  • أردوغان يكرم عميد المعتقلين السوريين وخطيب الأقصى في حفل جائزة دولية
  • بلومبيرج: أردوغان يستغل قوة تركيا في الناتو مع التراجع الأمريكي