موقع النيلين:
2025-02-21@09:46:28 GMT

التخابر الأجنبي وموازين القسط

تاريخ النشر: 7th, April 2024 GMT


يعتقد كثير من السودانيين أن السلطة القائمة في بلادهم، وبحكم الأمر الواقع قدرا، تقاعست وقتاُ طويلاً في ممارسة سلطاتها في مضمار الأمن الخارجي، وخاصة فيما يتعلق بمساءلة من ينتحل إسمها فيتحدث بإسم أهل السودان في الخارج، كما هو الحال من سلوك بعض معارضيها وعديد الناشطين السياسيين في الشتات، دون تفويض منها، وبما ترتب عليه تأثيرات أضرت بالأمن الوطني، وحماية المواطنين ومكتسباتهم، وسمعة بلادهم بالخارج، وتأجيج نيران الفتن الدموية الغادرة.

ولعل مرجع التهاون المتطاول في الحالة السودانية جاء نتيجة لإلغاء قانون الأمن الوطني، وتشريد كوادره منذ أغسطس 2019، ومع ما تبع ذلك من إجراءات الفصل التعسفي الجائرة لكثير من الدبلوماسيين وموظفي الخدمة المدنية الذين طالتهم الأيدي المسيسة والظالمة، دون قانون ولا محاكمات ولا مساءلة، حتى قيض الله الدكتور محمد علي أبو سبيحة، قاضي المحكمة العليا، ليبطل القرارات الظالمة بالقانون المعتمد والساري النفاذ.

فمن حيث السوابق القانونية وأدلتها تبرز الولايات المتحدة التي تعتبر من أكثر الدول في العالم حساسية إزاء إفشاء أسرار الدولة، أو التحدث بإسمها من قبل مواطنين غير مصرح لهم بحكم القانون. إذ تفرض على الرؤساء المنتهية ولاياتهم والوزراء، وعناصر الاستخبارات السابقين وغيرهم من المسئولين في مفاصل الدولة، قوانين صارمة وحاسمة، تحدد كيفية إعادة توظيفهم خارج القطاع الحكومي.

فقد أجاز الكونغرس القانون المعروف بقانون لوقان The Logan Act منذ عام 1799 وفي عهد الرئيس جون آدمز، لحماية الدستور والجمهورية التي كانت تتربص بها امبرطوريات وممالك العالم القديم الدوائر، بعد إعلان الجمهورية عام 1776، ولا يزال هذا القانون ساريا.

ويحاول الجمهوريون في الكونغرس، منذ فترة، استدعاء حيثياته، لمحاكمة هنتر بايدن، نجل الرئيس الحالي، الذي يتهمونه بالتخابر مع مسئولين في الإتحاد الروسي دون تفويض رسمي.
كما تطال الاتهامات على ذات النسق، ومنذ عام 2013 الصحفي الاستقصائي إدوارد سنودن، الموظف السابق في وكالة الأمن القومي الأمريكي NSA وصاحب منصة ويكليكس المتخصصة في نشر الأخبار الكاشفة لتآمرات الدول وأجهزة استخباراتها، وحبائل مصائدها التي تستهدف بها المستكبرة منها مستضعفيها. حيث تطارده مذكرات المدعي العام الأمريكي المتلاحقة ليقدم للمحاكمة في أمريكا ونقله من بريطانيا التي يقيم بها لاجئاً سياسياً.

وفيما يتعلق بحماية وحساسية الأمن القومي للدول عموما، تحضرنا محاكمة الدكتور محمد مرسي رئيس مصر السابق، الذي وجهت له تهمة التخابر مع الأجانب وتهديد الأمن المصري عام 2013 وظلت محاكمته شاهرة تتناقلها الفضائيات الدولية حتى لحظة سقوطه في منصة الإتهام على رؤوس الأشهاد.

أما في الحالة السودانية، فإن إقدام الدكتور عبد الله حمدوك، رئيس الحكومة الانتقالية خلال الفترة (2019 إلى 2021) في سابقة غير معهودة للسودانيين، وعلى التواصل المكشوف مع رؤساء دول وحكومات ومسئولين أجانب، وإصدار تقارير حول لقاءاته تلك على منصات التواصل الاجتماعي، ومن تلقاء اعتراف بعض المنسوبين له بتلقيهم تمويلا من جهات أجنبية، دون الكشف عن مصادرها، ولا برامجها ومشاريعها الموجهة للوطن، ولا الكشف عن بنود الصرف والمستندات المؤيدة، فضلاً عن موقع السودان وشعبه من كل ذلك، وفي ظل انعدام أي تفويض من سلطات الأمر الواقع، ولا من الحكومة التي كان الدكتور حمدوك رئيساً لها ثم قدم استقالته منها، رغم إصرار غالبية شعب السودان حينها على استمراريته بنهج مستقل، يعتبر مخالفة صريحة لروح القانون، والعرف الساري بين الدول والحكومات، كما يخالف الذوق العام، والإرث السوداني لسلوك رؤساء الحكومات الديمقراطية المدنية، من لدن الزعيم إسماعيل الأزهري، والإمام الصادق المهدي، ومحمد أحمد محجوب، و سر الختم الخليفة و د. الجزولي دفع الله وحتى المهندس معتز موسى، الذي لم يصرح حتى اليوم لأية جهة أجنبية بما كان من أمره إبان رئاسته لحكومة السودان أخريات عهد الإنقاذ.

ومن تلقاء ذلكم واستشراء ذلكم النشوز السياسي من دكتور حمدوك، فإن هذا السلوك يدخل في بوح وساحات مهددات الأمن الوطني ودون الحاجة لكثير تأمل.

فالسودان منذ أبريل 2023 ظل في حالة حرب مفروضة، ويعلم الكل أنها ممولة ومسنودة بمرتزقة أجانب، وقد أكدت ذلك كل التقارير الموثقة الصادرة من المنظمات الدولية المتخصصة ومنها الأمم المتحدة.

وبالتالي فإنه يحق للدول في مثل هذه الحالات أن تستعصم بإجراءات استثنائية فوق العادة، لحماية أمنها القومي، إن لم يكن لها من القوانين ما يجرم مثل هذه الأفعال المنكرة عرفاُ.

بيد أن الواقع الراهن، والفوضى الإدارية التي ضربت أطنابها في ربوع البلاد، وغياب السلطة التشريعية المنتخبة والشرعية، منذ أبريل 2019 يفرض على سلطة الأمر الواقع المتمثلة في مجلس السيادة توجيه مكتب النائب العام بتوضيح القانون الذي يجرم هذه الأفعال، وحتى يعلم السودانيون جميعا أن إفشاء أسرار بلادهم للآخرين، ليست هملاُ سائباً، يتشدق بها كل من هب ودب، تكسباً وارتزاقا أو بلاهة وسذاجة، بل هي جريمة ضد الدولة تعاقب عليها قوانين كل الدول ولن يكون السودان في هذا استثناء.

ولكيلا تقع الحكومة القائمة اليوم في زلة أخلاقية وقانونية كمن سبقتها من عشوائية إصدار القرارات، وجزافية الأحكام والإجراءات، فيتعين أن تشكل محكمة من قضاة السودان المعتمدين في هذا الاختصاص، لتفصل في هذا الأمر المهم والهام، حماية للوطن والمواطن، وإعلاءا لقيمة العدل ومبادئه التي قامت بها السموات والأرض، واستدراكا للسنن الراتبة التي لا تتبدل ولا تتحول، بأن هلاك الأمم مرتهن بسلوكها الظالم، وأن بقائها يستند على جنوحها للعدل وبسط موازين القسط.

د. حسن عيسى الطالب

المصدر: موقع النيلين

إقرأ أيضاً:

اليوم العالمي للعدالة الإجتماعية .. الحركة الشعبية لتحرير السودان-شمال (الجبهة الثورية)

إتخذت الأمم المتحدة من يوم ٢٠ فبراير – ٢٠٢٥م يومًا دوليًا للتأمل في قضايا العدالة الإجتماعية، وبحث سبل تساوي حقوق الشعوب أمام القانون الدولي ومحاربة خطاب الكراهية والعنصرية، ويأتي هذا اليوم في وقت دقيق من تاريخ السودان، والذي يمر بحرب وجودية تقف من خلفها وتمولها حكومات الإستعمار الإستيطاني التي تعمل جهرًا علي تفكيك النسيج الإجتماعي السوداني.يواجه الشعب السوداني اليوم الكثير من المؤامرات التي تُحاك ضد وجوده، وتسعى جهات داخلية وخارجية لتقسيم هذه البلاد ومحو تاريخها من سجلات افريقيا والعالم، ولكن شعبنا العظيم إستشعر تلك المخاطر ونهض متحدًا لمقاومة مخططات المستعمرين والمتمردين، وتخليد التاريخ، وقد إستبسل الجميع علي خط الدفاع الوطني مع أبطال القوات المسلحة والقوات المساندة لها من أجل تحرير السودان.قيادة الحركة الشعبية-شمال تدعو الهيئات والمنظمات الإنسانية والحقوقية الإقليمية والدولية لتسجيل إداناتها لإنتهاكات مليشيا الدعم السريع الإرهابية وإتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة ضدها ومساندة شعب السودان في كفاح البقاء والتحرر، وهنالك معلومات توثق فظائع مليشيا الدعم السريع المتمردة، وتظل الحقيقة أن تحقيق العدالة الإجتماعية يتطلب محاسبة ممولي الإرهاب وضمان نفاذ القانون والوصول إلي سودان السلام والتنمية والمواطنة المتساوية.سعد محمد عبداللهالناطق الرسمي باسم الحركة الشعبية لتحرير السودان-شمال (الجبهة الثورية)20 فبراير – 2025م إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • تقسيم السودان وصفة عالمية في طور التحضير
  • الجزيرة نت تكشف التعديلات الدستورية التي أجازتها حكومة السودان
  • اليوم العالمي للعدالة الإجتماعية .. الحركة الشعبية لتحرير السودان-شمال (الجبهة الثورية)
  • ضبط قضايا اتجار في النقد الأجنبي بـ10 ملايين جنيه
  • الهزيمة العسكرية هي التي أدت إلى أن يتواضع آل دقلو للجلوس مع عبد العزيز الحلو
  • ضربة لتجار العملة.. ضبط قضايا اتجار غير المشروع في النقد الأجنبي بـ 6 ملايين جنيه
  • ضبط قضايا اتجار غير المشروع في النقد الأجنبي بقيمة 6 ملايين جنيه
  • ‏159.6 مليار دولار متحصلات النقد الأجنبي في مصر بنهاية ‏‏2024‏
  • ضبط قضايا اتجار غير المشروع في النقد الأجنبي بقيمة 8 مليون جنيه
  • مجلس الأمن أمام اختبار جديد.. هل يجبر إسرائيل على الانسحاب من لبنان؟