موقع النيلين:
2025-01-16@13:05:46 GMT

التخابر الأجنبي وموازين القسط

تاريخ النشر: 7th, April 2024 GMT


يعتقد كثير من السودانيين أن السلطة القائمة في بلادهم، وبحكم الأمر الواقع قدرا، تقاعست وقتاُ طويلاً في ممارسة سلطاتها في مضمار الأمن الخارجي، وخاصة فيما يتعلق بمساءلة من ينتحل إسمها فيتحدث بإسم أهل السودان في الخارج، كما هو الحال من سلوك بعض معارضيها وعديد الناشطين السياسيين في الشتات، دون تفويض منها، وبما ترتب عليه تأثيرات أضرت بالأمن الوطني، وحماية المواطنين ومكتسباتهم، وسمعة بلادهم بالخارج، وتأجيج نيران الفتن الدموية الغادرة.

ولعل مرجع التهاون المتطاول في الحالة السودانية جاء نتيجة لإلغاء قانون الأمن الوطني، وتشريد كوادره منذ أغسطس 2019، ومع ما تبع ذلك من إجراءات الفصل التعسفي الجائرة لكثير من الدبلوماسيين وموظفي الخدمة المدنية الذين طالتهم الأيدي المسيسة والظالمة، دون قانون ولا محاكمات ولا مساءلة، حتى قيض الله الدكتور محمد علي أبو سبيحة، قاضي المحكمة العليا، ليبطل القرارات الظالمة بالقانون المعتمد والساري النفاذ.

فمن حيث السوابق القانونية وأدلتها تبرز الولايات المتحدة التي تعتبر من أكثر الدول في العالم حساسية إزاء إفشاء أسرار الدولة، أو التحدث بإسمها من قبل مواطنين غير مصرح لهم بحكم القانون. إذ تفرض على الرؤساء المنتهية ولاياتهم والوزراء، وعناصر الاستخبارات السابقين وغيرهم من المسئولين في مفاصل الدولة، قوانين صارمة وحاسمة، تحدد كيفية إعادة توظيفهم خارج القطاع الحكومي.

فقد أجاز الكونغرس القانون المعروف بقانون لوقان The Logan Act منذ عام 1799 وفي عهد الرئيس جون آدمز، لحماية الدستور والجمهورية التي كانت تتربص بها امبرطوريات وممالك العالم القديم الدوائر، بعد إعلان الجمهورية عام 1776، ولا يزال هذا القانون ساريا.

ويحاول الجمهوريون في الكونغرس، منذ فترة، استدعاء حيثياته، لمحاكمة هنتر بايدن، نجل الرئيس الحالي، الذي يتهمونه بالتخابر مع مسئولين في الإتحاد الروسي دون تفويض رسمي.
كما تطال الاتهامات على ذات النسق، ومنذ عام 2013 الصحفي الاستقصائي إدوارد سنودن، الموظف السابق في وكالة الأمن القومي الأمريكي NSA وصاحب منصة ويكليكس المتخصصة في نشر الأخبار الكاشفة لتآمرات الدول وأجهزة استخباراتها، وحبائل مصائدها التي تستهدف بها المستكبرة منها مستضعفيها. حيث تطارده مذكرات المدعي العام الأمريكي المتلاحقة ليقدم للمحاكمة في أمريكا ونقله من بريطانيا التي يقيم بها لاجئاً سياسياً.

وفيما يتعلق بحماية وحساسية الأمن القومي للدول عموما، تحضرنا محاكمة الدكتور محمد مرسي رئيس مصر السابق، الذي وجهت له تهمة التخابر مع الأجانب وتهديد الأمن المصري عام 2013 وظلت محاكمته شاهرة تتناقلها الفضائيات الدولية حتى لحظة سقوطه في منصة الإتهام على رؤوس الأشهاد.

أما في الحالة السودانية، فإن إقدام الدكتور عبد الله حمدوك، رئيس الحكومة الانتقالية خلال الفترة (2019 إلى 2021) في سابقة غير معهودة للسودانيين، وعلى التواصل المكشوف مع رؤساء دول وحكومات ومسئولين أجانب، وإصدار تقارير حول لقاءاته تلك على منصات التواصل الاجتماعي، ومن تلقاء اعتراف بعض المنسوبين له بتلقيهم تمويلا من جهات أجنبية، دون الكشف عن مصادرها، ولا برامجها ومشاريعها الموجهة للوطن، ولا الكشف عن بنود الصرف والمستندات المؤيدة، فضلاً عن موقع السودان وشعبه من كل ذلك، وفي ظل انعدام أي تفويض من سلطات الأمر الواقع، ولا من الحكومة التي كان الدكتور حمدوك رئيساً لها ثم قدم استقالته منها، رغم إصرار غالبية شعب السودان حينها على استمراريته بنهج مستقل، يعتبر مخالفة صريحة لروح القانون، والعرف الساري بين الدول والحكومات، كما يخالف الذوق العام، والإرث السوداني لسلوك رؤساء الحكومات الديمقراطية المدنية، من لدن الزعيم إسماعيل الأزهري، والإمام الصادق المهدي، ومحمد أحمد محجوب، و سر الختم الخليفة و د. الجزولي دفع الله وحتى المهندس معتز موسى، الذي لم يصرح حتى اليوم لأية جهة أجنبية بما كان من أمره إبان رئاسته لحكومة السودان أخريات عهد الإنقاذ.

ومن تلقاء ذلكم واستشراء ذلكم النشوز السياسي من دكتور حمدوك، فإن هذا السلوك يدخل في بوح وساحات مهددات الأمن الوطني ودون الحاجة لكثير تأمل.

فالسودان منذ أبريل 2023 ظل في حالة حرب مفروضة، ويعلم الكل أنها ممولة ومسنودة بمرتزقة أجانب، وقد أكدت ذلك كل التقارير الموثقة الصادرة من المنظمات الدولية المتخصصة ومنها الأمم المتحدة.

وبالتالي فإنه يحق للدول في مثل هذه الحالات أن تستعصم بإجراءات استثنائية فوق العادة، لحماية أمنها القومي، إن لم يكن لها من القوانين ما يجرم مثل هذه الأفعال المنكرة عرفاُ.

بيد أن الواقع الراهن، والفوضى الإدارية التي ضربت أطنابها في ربوع البلاد، وغياب السلطة التشريعية المنتخبة والشرعية، منذ أبريل 2019 يفرض على سلطة الأمر الواقع المتمثلة في مجلس السيادة توجيه مكتب النائب العام بتوضيح القانون الذي يجرم هذه الأفعال، وحتى يعلم السودانيون جميعا أن إفشاء أسرار بلادهم للآخرين، ليست هملاُ سائباً، يتشدق بها كل من هب ودب، تكسباً وارتزاقا أو بلاهة وسذاجة، بل هي جريمة ضد الدولة تعاقب عليها قوانين كل الدول ولن يكون السودان في هذا استثناء.

ولكيلا تقع الحكومة القائمة اليوم في زلة أخلاقية وقانونية كمن سبقتها من عشوائية إصدار القرارات، وجزافية الأحكام والإجراءات، فيتعين أن تشكل محكمة من قضاة السودان المعتمدين في هذا الاختصاص، لتفصل في هذا الأمر المهم والهام، حماية للوطن والمواطن، وإعلاءا لقيمة العدل ومبادئه التي قامت بها السموات والأرض، واستدراكا للسنن الراتبة التي لا تتبدل ولا تتحول، بأن هلاك الأمم مرتهن بسلوكها الظالم، وأن بقائها يستند على جنوحها للعدل وبسط موازين القسط.

د. حسن عيسى الطالب

المصدر: موقع النيلين

إقرأ أيضاً:

أحمد موسى: مصر تسعى لدعم استقرار السودان وإعادة إعمار الدول المنكوبة (فيديو)

كشف الإعلامي أحمد موسى عن تحرك مصري لتعزيز التعاون المشترك مع السودان، استجابة لتوجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي، مؤكداً أن مصر تسعى لدعم استقرار السودان وإعادة إعمار الدول التي تمر بتحديات.

عاجل.. وزير الخارجية والهجرة يتوجه إلى السودان السودان.. قصف يودي بحياة 120 شخصًا في أم درمان مصر تقف إلى جانب السودان في محنته

وأكد أحمد موسى في حلقة خاصة من مدينة بورتسودان ببرنامج “على مسئوليتي” المذاع عبر قناة “صدى البلد”،  أن مصر تقف إلى جانب السودان في محنته، موضحًا أن مصر هي دولة تدعو للسلام والأمن في المنطقة، وتحاول تقديم الدعم للشعب السوداني الذي يعاني من تداعيات الحرب.

وأشار أحمد موسى إلى أن مصر استضافت أعدادًا كبيرة من اللاجئين السودانيين، حيث يقدر عددهم بنحو 38% من إجمالي اللاجئين السودانيين الفارين من النزاع في بلادهم.

وكشف عن توفير التعليم لأكثر من 28 ألف طالب وطالبة سودانيين في مصر، من خلال المدارس والجامعات، لتمكينهم من أداء الامتحانات في ظروف آمنة.

وأوضح موسى أن الشعب السوداني دفع ثمنًا باهظًا نتيجة للحرب المستمرة منذ 15 أبريل 2023، مشيرًا إلى أن السودانيين يقدرون الجهود المصرية الكبيرة في دعمهم خلال هذه الفترة الصعبة.

 

وفي سياق متصل، توجه د. بدر عبد العاطي وزير الخارجية والهجرة صباح  اليوم الأربعاء إلى مدينة بورسودان في زيارة تستهدف بحث وتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين، وتناول آخر مستجدات الأوضاع فى السودان.

والتقى د. بدر عبد العاطي وزير الخارجية والهجرة،  الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة الانتقالي بالسودان الشقيق اليوم الأربعاء 15 يناير 2025 فى بورسودان، وذلك وبتوجيهات من رئيس الجمهورية.

وقال السفير تميم خلاف المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية أن وزير الخارجية استهل اللقاء بنقل تحيات رئيس الجمهورية إلى رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني، مؤكداً على استمرار مصر في بذل مساعيها الحثيثة لتحقيق الاستقرار في السودان الشقيق، معرباً عن تضامن مصر الكامل مع السودان ودعمها لاستقراره وأمنه وسيادته ووحدة وسلامة أراضيه.


وشدد الوزير عبد العاطي على الروابط التاريخية الوثيقة التي تربط بين البلدين، مؤكداً الحرص على مواصلة العمل المشترك من أجل تحقيق مصالح الشعبين الشقيقين. واستعرض السيد وزير الخارجية الجهود المصرية الهادفة لدعم الاستقرار بالسودان الشقيق واستئناف نشاطه في الاتحاد الإفريقي، مرحباً بقرارات مجلس السيادة بشأن الإسراع من وتيرة نفاذ المساعدات الإنسانية للسودان.

وأضاف المتحدث الرسمي أن الوزير عبد العاطي استعرض أيضاً ما توفره مصر من تسهيلات للأشقاء السودانيين بمصر لحين عودتهم الآمنة إلى بلادهم عقب استعادة الأمن والاستقرار بالسودان.

من جانبه، طلب الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان نقل تحياته وتقديره لفخامة السيد رئيس الجمهورية لإيفاد السيد وزير الخارجية إلى بورسودان للمرة الثانية خلال فترة وجيزة، كما طلب نقل شكر وتقدير الشعب السودانى لأوجه الرعاية التى قدمتها مصر للمواطنين السودانيين الذين لجأوا إلى مصر خلال الفترة الأخيرة.


وأشاد  بعقد امتحانات  الثانوية العامة بنجاح لأبناء الجالية السودانية فى مصر الذين تجاوز عددهم ٢٨ الف طالبا.

وفي سياق متصل، التقى د. بدر عبد العاطي وزير الخارجية والهجرة، مع مالك عقار، نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني، وذلك خلال زيارته إلى بورسودان اليوم.

وأشار وزير الخارجية إلى العلاقات التاريخية التي تربط البلدين والشعبين الشقيقين، مشدداً على دعم مصر للمؤسسات السودانية وسيادة السودان ووحدته وسلامة أراضيه، مؤكداً على حرص مصر على بذل كافة الجهود الممكنة من أجل رفع المعاناة عن الشعب السوداني وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى السودان.

كما نوه الوزير عبد العاطي بالتسهيلات التي تقدمها مصر للمواطنين السودانيين لتيسير إقامتهم في مصر لحين عودتهم بأمان إلى بلادهم، وآخرها عقد امتحانات الثانوية العامة لأبناء الجالية السودانية في مصر، وذلك بناء على توجيهات من رئيس الجمهورية، وفي إطار الأهمية التي توليها مصر لمساعدة أبناء الجالية السودانية في استكمال مسيرتهم التعليمية.

مقالات مشابهة

  • شكوى قضائية ضد قادة أحزاب بتهمة التخابر مع دول اجنبية ضد الاقليم والعراق كافة
  • مصر و السودان و العلاقة بين مرحلتين
  • أحمد موسى: مصر تسعى لدعم استقرار السودان وإعادة إعمار الدول المنكوبة (فيديو)
  • ضربات أمنية مستمرة لضبط مرتكبي جرائم الاتجار بالنقد الأجنبي
  • القتل خارج نطاق القانون في حرب السودان (أحداث ولاية الجزيرة)
  • القتل خارج نطاق القانون في حرب السودان «أحداث ولاية الجزيرة»
  • ما هي الزراعة المستدامة التي حظيت باعتراف دولي في 2015؟
  • البرهان: علاقات السودان مع الخارج مبنية على مواقف الدول من الحرب
  • «البرهان»: علاقات السودان الخارجية ستُبنى على مواقف الدول من الحرب
  • البرهان: علاقات السودان مع الخارج مبنية على مواقف الدول من الحرب