عدت يا يوم ميلادى. هل قررت أخيرًا، أن تعدل ميزان الكون، وتنصفنى؟ أم أنك ما زلت وفيًا، لما خُلقت له، أنك معذبى، وجلًادى؟
عدت يا يوم ميلادى. تعبر البحور، وتتسلق الجبال، وتقفز فوق الأسلاك الشائكة، وتتسلل عبر الحدود، بدون تأشيرة دخول، كمهاجر غير شرعى، لكى تفى بموعدك؟
بينما تعلم أن المرأة التى كانت تستضيفك، سافرت دون عودة، منذ عشر سنوات، إلى نائم، لا يصحو.
” الأشجار “، تهنئنى قائلة: “كل ميلاد، وقلبك رغم الألم، طازج، أخضر، جذورك ثابتة فى الأرض، أغصانك تلامس السماء.. كل ميلاد، وثمارك شهية مثمرة، يقذفها بالحجارة، أعداء الحرية، والعدالة، والحضارة.. تهب عليكِ الأعاصير وأنتِ شامخة، غير خائفة.. وحين تشتهين الرحيل، تموتين مثلى “واقفة”.
من شواطئه الفيروزية البعيدة، يهنئنى “البحر”، قائلًا: “كل ميلاد ، وأنتِ سمكتى الحبيبة، السابحة ضد تيارات الكذب، وتصحر المشاعر.. تعجز دوامات الذكورة أن تشدك الى أسفل..لا يغرقك مد العنصرية الدينية الدموية..”.
على نار هادئة، أسمع فنجان القهوة.. “سأبقى المرتشف الأول، لنزيف كلماتك، ورحيق قصائدك…كل ميلاد، وأنا أستعذب رفقتك، حين يستعصى، أو يرق الإلهام، أحتضن شرودك، وحيرتك، عندما تهرب البدايات.. أحزم حقائبى، وأذهب معك لاصطياد عصافير الدهشة، والتأملات النائمة على الشجر، وخيال جامح، يحذره البشر…”.
وقال قلبى المتعب المشرد: “كل ميلاد، وأنتِ عاشقة، بلا عشيق.. زوجة، بلا زوج.. أم بلا ذرية.. أرملة بلا راحل.. مريضة بلا داء.. محلقة بلا أجنحة.. لحن دون غناء.. وأنتِ البكر، البتول بلا عذرية.. وأنتِ الجُرح الغائر، دون دماء.. حينما تتذكرين أن الحياة حرث فى الماء، طيف منام، ودخان فى الهواء، لا تجزعين، ولا تهربين.. كل ميلاد، وأنتِ فى استغناء عن مضادات الاكتئاب، ومضادات اليأس، ومضادات الندم… أنتِ كما أنتِ، بلا تجميل.. تهزمين الضجر، تروضين المستحيل… وعند مدخل البيت، لافتة “شكرًا لعدم الدخول”.. على الجسد، لافتة “شكرًا لعدم الاقتراب”.. وعلى قطارالأحزان، لافتة “كامل العدد”. عدت يا يوم ميلادى. لا شىء.. لا شىء واحد فيك تغير. عدت لامرأة وكاتبة، تغيرت فيها كل الأشياء. ولست أدرى: أهذا يدعو إلى الفرح، أم إلى البكاء؟. أرتب للاحتفاء، أو أرتب للاختفاء؟
لا شىء معى.. إلا حقيقة الحياة، التى لا أتقبلها. و”فريد” كعادته يواسينى بحنان صوته، ودفء موسيقاه: “أحبابنا يا عين ما هم معانا”.
من بستان قصائدى
كل يوم
أمارس تمرينات الاستغناء
كل يوم أزهد فى الأشياء
أقتل كل يوم الرغبات
لا أريد أحدًا
فى السراء والضراء.
د. منى حلمي – جريدة الدستور
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: کل میلاد
إقرأ أيضاً:
في ذكر ميلاد الشرير الظريف.. لغز حضور إستيفان روستي لجنازته على قيد الحياة
لُقب بـ«الشرير الظريف» في الوسط الفني، ,برع في تأدية دور الشر بنكهة كوميدية على الشاشة، وتمكن بهذه الأدوار من خلق مكانة خاصة في قلب الجمهور، إنّه الفنان إستيفان روستي، الذي حضر جنازته وهو على قيد الحياة، وفي ذكرى ميلاده الـ133 عامًا، إذ ولد في مثل هذا اليوم عام 1891، نستعرض تفاصيل القصة.
ذكرى ميلاد إستيفان روستيلم يكن يوم 16 نوفمبر هو ميلاد إستيفان روستي فقط، بل كان ميلاده الفني أيضًا، إذ قام في عشرينيات القرن الماضي بإخراج أول فيلم مصري صنع بأيد مصرية تمامًا وهو فيلم «ليلى» الذي عُرض للمرة الاولى في يوم 16 نوفمبر عام 1927، ومن إنتاج عزيزة عيد ومن بطولتها أيضًا، وشاركها «إستيفان» التمثيل به.
على مدار سنوات طويلة، أثرى الفنان الراحل إستيفان روستي، الحياة الفنية بما يقرب من 40 عملًا فنيًا، سواء كانت تمثيل أو إخراج، وفي عام 1964 جاء رحيله كمشهد سينمائي في أحد الأفلام، إذ انطلقت شائعة وفاته، بعدما اختفى عن القاهرة مدة زمنية، كان يزور خلالها أحد أقاربه في الإسكندرية.
إستيفان روستي حضر جنازته على قيد الحياةوحينما نظّمت نقابة الممثلين وقتها، حفل تأبين لـ«روستي» بعد انتشار شائعة وفاته، وأذيع الخبر عبر الإذاعة والتلفزيون، وجاء إستيفان روستي إلى مقر النقابة في منتصف حفل التأبين، وسيطرت حالة من الذعر بين الحضور، ومن ثم تحول في غضون دقائق إلى فرحة كبيرة، وانطلقت الزغاريد المهللة بالفرحة من قبل ماري منيب ولحقتها نجوى سالم وسعاد حسين.
لم تدم تلك الفرحة طويلًا، لتتحقق شائعة وفاة إستيفان روستي، ورحل بالفعل بعد أسابيع قليلة في 26 مايو من العام نفسه، بشكل مفاجئ وهو يبلغ من العمر 73 عامًا، إذ كان يجلس مع أصدقائه، وشعر بتعب فجأة، لتفيض روحه إلى بارئها بعدها بساعات، وكان آخر أفلامه «حكاية نص الليل» مع عماد حمدي وزيزي البدراوي.