أثار الهجوم الإرهابي الذي تعرض له مجمع "كروكوس" في العاصمة الروسية موسكو منتصف شهر رمضان، موجة غضب عارمة في صفوف المواطنين الروس، كما أحيا حرصاً مستجداً لدى السلطات الروسية من تكرار تلك الهجمات أو خلق ظروف قد تؤدي إلى ظهور الإرهاب مجدداً في البلاد.

بعض المسؤولين الحكوميين الروس لم يترددوا في المطالبة علناً بالحدّ من تدفّق المهاجرين، وبالأخصّ مهاجرو آسيا الوسطى، وكذلك بالإسراع في تنظيم وجود من يعملون في روسيا بشكل مخالف.



وعليه، تشن السلطات والأجهزة الأمنية الروسية عمليات مباغتة، من أجل القبض على المخالفين وترحيلهم، مُجبرة الكثير منهم حتى الآن على تسوية أوضاعهم، قبل أن تنال منهم الحملة الأمنية، التي باشرت بها السلطات الروسية منذ اليوم التالي للعمل الخبيث التي اعتبره كثيرون "خنجراً في الخاصرة" طُعنت به روسيا من أحد إخوتها على حين غرة.

انطلاق "قطار التدقيق" ببيانات المهاجرين

حتى الآن، قرّرت محاكم سانت بطرسبرغ طرد أكثر من 400 مهاجر بتُهم "انتهاك تشريعات الهجرة"، حيث تلقت محاكم المقاطعات في المدينة حتى اليوم، نحو 584 ملفاً في قضايا المخالفات الإدارية، بينما الملفات تبدو قابلة إلى مزيد من الارتفاع.

ومن بين 584 قضية، نظرت المحاكم بنحو 515 قضية، وقررت تغريم 418 مخالفاً، وحكمت بطردهم قسرياً من البلاد. كما نشرت على صفحة المحاكم في المدينة على "تلغرام" بياناً قالت فيه: "ثمة 48 شخصاً آخرين عليهم دفع غرامة ومغادرة الاتحاد الروسي بإرادتهم"، في حين تشهد العديد من الجمهوريات والمقاطعات الروسية إجراءات متشددة مشابهة بحق المهاجرين المخالفين، وتغص مواقع التواصل الاجتماعي بمقاطع الفيديو التي تظهر سوق المخالفين إلى مراكز الهجرة على يد رجال الشرطة.

نهاية المعاملة الخاصة لرعايا آسيا الوسطى

ولم يعد غائباً عن أحد أنّ المتهمين الرئيسيين بعملية مسرح "كروكوس" هم من الجنسية الطاجكستانية، وليس من الجنسية الروسية. إذ يبدو أن الثغرة التي استغلها المخططون للعمل الإرهابي هو "سياسة الانفتاح" الروسية تجاه جمهوريات السابقة للاتحاد السوفييتي.

وتقول مصادر أمنية روسية، إنّ الشكوك تحوم حول أوكرانيا التي ربما تكون قد لجأت لرعايا دولة يعانون من البطالة وتدني الأجور مثل طاجكستان، فاستغلت العوز وحاجات الفقراء المادية، حتى تتمكن من تجنيد "ضعفاء النفوس" مستغلة السياسة المتساهلة مع المهاجرين الطاجيك التي كانت وما تزال الهجرة إلى روسيا واحدة من الاتجاهات الرئيسية  لهم لأكثر من ثلاثة عقود.

وعكفت موسكو لسنوات على تبسيط قواعد الحصول على الجنسية الروسية لمواطني تلك البلدان، كما أعفتهم من شروط عديدة، مثل إتقانهم اللغة الروسية مسبقاً على مستوى التواصل الشفوي والكتابي، أو الاستغناء عن جنسيات بلدانهم الأصلية، كما تمّ إلغاء بعض تلك الشروط من أجل تسهيل عودتهم الى كنف روسيا.

ومن هذا المنطلق، كان المواطنون الطاجيك وغيرهم من الدول المذكورة، يتمتعون بحق الحصول على جنسية فقدمزدوجة، فتسمح لهم بالحفاظ على جميع الحقوق والالتزامات المتاحة لمواطني كلا البلدين، فتوسّع لهم بذلك الفرص، وتعطي لهم الحق في استخدام جميع امتيازات المواطن الروسي بما في ذلك الرعاية الطبية، والضمان الاجتماعي، والتعليم المجاني، والعمالة من دون أي عوائق.

لكن العملية الإرهابية الروسية قلبت هذا الواقع رأساً على عقب اليوم. وعكست موسكو وجهة المهاجرين من "الدخول إلى الأراضي الروسية" صوب "الخروج منها".

إنّ الشكوك تحوم حول أوكرانيا التي ربما تكون قد لجأت لرعايا دولة يعانون من البطالة وتدني الأجور مثل طاجكستان، فاستغلت العوز وحاجات الفقراء المادية، حتى تتمكن من تجنيد "ضعفاء النفوس" مستغلة السياسة المتساهلة مع المهاجرين الطاجيك التي كانت وما تزال الهجرة إلى روسيا واحدة من الاتجاهات الرئيسية لهم لأكثر من ثلاثة عقود.وفي هذا الصدد، اعتبر نائب وزير العمل في طاجيكستان شاهنوزا نوديري في مقابلة مع وكالة "تاس" الروسية قبل أيام، أنّ بعيد الهجوم الإرهابي في موسكو، بدأ تدفق العمال المهاجرين الطاجيك من روسيا عائدين إلى بلادهم.

عدد المهاجرين إلى انحسار

وفي نهاية العام الفائت، كشف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أنّ هناك نحو 10 ملايين مهاجر يعملون على الأراضي الروسية. لكن بحسب إحصائيات روسية داخلية، فقد دخل الأراضي الروسية خلال النصف الأول من عام 2023 نحو 3.5 ملايين شخص من أجل العمل.

وعلى سبيل المقارنة، فإنه خلال الفترة نفسها من عام 2022، قد وصل إلى روسيا نحو 5.8 مليون أجنبي، أي بانخفاض وصل إلى نسبة 40%، وهذا يشير إلى الجهود التي تبذلها السلطات الروسية من أجل خفض أعداد المهاجرين ومنع تدفقهم إلى البلاد.

الغدر خارجيّ.. وليس داخلياً

في ما مضى، كانت روسيا تعتبر أنّ دول القوقاز وجمهوريات آسيا الوسطى الإسلامية، هي خاصرتها الرخوة، أو الشباك الذي ممكن أن تدخل منه "رياح الغدر" والعناصر المزعزعة للأمن.. ولهذا لجأت على مدى السنوات العشر الماضية إلى "سياسة الانفتاح"، جاعلة من دول القوقاز حصناً وسداً منيعاً في وجه "الإرهاب"، وبيئة غير حاضنة له. وقد بدا هذا الأمر جلياً من خلال عدم وجود أيّ متهم من سكان تلك المنطقة من بين المعتدين على المدنيين الأبرياء في موسكو.

على مدى السنوات المنصرمة، ونتيجة لسياسات رصينة ومتوازنة انتهجها الكرملين، تحولت تلك الجمهوريات الإسلامية إلى "خزان بشري" كبير للدفاع عن روسيا ومصالحها القومية.

ومع الوقت، أصبح السكان المحليين أقلّ حساسية تجاه الدولة المركزية الروسية، وأكثر قابلية لممارسة حقوقهم كمواطنين روس من "الدرجة الأولى"، وهذا ما أظهرته نسب التصويت التاريخية التي صبّت أصواتها لصالح "خيار الدولة" والسير بسياسة حماية أمن روسيا القومية في تلك الجمهوريات الإسلامية مثل الشيشان، وداغستان، وإنغوشيتيا وغيرها.

ويبدو أنّ تلك السياسات الحكيمة التي انتهجها الكرملين تجاه المسلمين الروس، سدّت الثغرات أمام الدول الغربية و"الإرهاب المفترض"، وكانت السبب خلف تجنيد المرتزقة من خارج البلاد من أجل تنفيذ العمل الارهابي المشين.

وفي ما مضى، كانت روسيا تتهم الغرب بتحريض مسلمي القوقاز على الانفصال، يوم كان القوقاز مرتعاً لعناصر خارجية أتت وساهمت في إشعال نار الفتنة، لكنّ الرئيس الروسي الذي شكك في رواية الغرب ودفاعها المباشر عن أوكرانيا ومحاولة تبرئتها من التخطيط أو المشاركة في العمل الارهابي، كان يشير بشكل غير مباشر إلى الجهات التي تقف خلف هجوم موسكو على قاعدة "كاد المريب أن يقول خذوني".

وأظهرت موسكو، كما المواطنين الروس، حكمة شديدة في التعامل مع العمل الإرهابي منذ اللحظة الأولى، خصوصاً لناحية التأكيد على أنّ الإسلام لا علاقة له بما فعله هؤلاء المجرمون، وكذلك التذكير بأنّ مسلمين لا يقدمون على أي عمل عنفي خلال شهر رمضان الكريم.. وهو ما أرخى بظلال الطمأنينة في نفوس المسلمين وغير المسلمين في روسيا، وساعد الدولة المركزية على التعامل مع العمل الإرهابي بحزم في ظلّ لحمة بين المواطنين الروسي بكافة مشاربهم وإثنياتهم المتنوعة.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه روسيا تفجيرات روسيا امن رأي مقالات مقالات مقالات سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة آسیا الوسطى من أجل

إقرأ أيضاً:

أول مركز في المملكة والـ13 على مستوى آسيا.. الاتحاد الآسيوي لكرة القدم يمنح مركز موف للطب الرياضي الشامل شهادة الاعتماد

الرياض – هاني البشر
تسلّم مركز موف للطب الرياضي الشامل شهادة الاعتماد من الاتحاد الآسيوي لكرة القدم، في حفل أقيم في العاصمة الرياض بحضور رئيس اللجنة الطبية في الاتحاد الآسيوي لكرة القدم الدكتور غورشان سينغ، كأول مركز تميز في الطب الرياضي معتمد في المملكة، وسط حضور عدد من المهتمين والعاملين في القطاعين الرياضي والطبي.

يأتي هذا التكريم كجزء من التزام المركز بتقديم أعلى معايير الجودة في خدمات الطب الرياضي، بما يسهم في تعزيز صحة الرياضيين وتقديم القيمة المضافة في الجانب الطبي الذي يمثّل جزءاً مهماً في الرياضة.

عن ذلك قال عبدالمحسن الطويل المدير التنفيذي لمركز موف للطب الرياضي الشامل: “إن هذا التكريم ونيل الرخصة الآسيوية جاء بتوفيق الله أولاً، ثم بالجهود المتواصلة لفريق العمل في المركز، وثقة الشركاء في كل القطاعات والدعم الذي نجده من القطاعات الحكومية المختلفة”.


وأضاف: “إن الحصول على الاعتماد من الاتحاد الآسيوي كأول مركز في المملكة جاء بعد جهود كبيرة، قام بها فريق العمل على مدى ثمانية أشهر من العمل الدؤوب المستمر، وكان هذا المخرج هو نتاج هذا العمل وهو بمثابة تتويج لهذه الجهود الكبيرة”.

فيما شدد الدكتور غورشان سينغ رئيس اللجنة الطبية في الاتحاد الآسيوي لكرة القدم، أنه سعيد بأن يتم تسليم رخصة الاعتماد من الاتحاد الآسيوي لمركز موف للطب الرياضي الشامل كأول مركز في المملكة، وهو أحد ثلاثة عشر مركزاً معتمداً في آسيا وهذا يؤكد على أن المركز يملك أكبر الإمكانيات والقدرات البشرية.

وقال: “إن نيل المركز لرخصة الاعتماد الآسيوية جاء في توقيت مثالي، أعقب إعلان الاتحاد الدولي لكرة القدم استضافة المملكة لكأس العالم 2034 وهذا أمر إيجابي، يؤكد أن المملكة ستكون أكثر ازدهاراً في المجال الطبي خلال السنوات القادمة”.

يذكر أن موف للطب الرياضي الشامل تأسس عام 2020 تحت إشراف مستشارين عالميين في مجال الطب الرياضي، وفقاً لأعلى المعايير العالمية المعتمدة لخدمة المحترفين والرياضيين والمجتمع، يساهم بالوقاية من الإصابات الرياضية وعلاجها ورفع جودة الحياة للمجتمع الرياضي في المملكة.

مقالات مشابهة

  • مطلوب لأوكرانيا.. مقتل قائد قوات الحماية النووية الروسية بانفجار قنبلة في موسكو
  • اغتيال قائد قوات الدفاع الإشعاعي والكيميائي والبيولوجي الروسية بتفجير في موسكو
  • عاجل. مقتل الجنرال كيريلوف رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية في انفجار في موسكو
  • مقتل قائد قوات الحماية النووية الروسية في موسكو
  • روسيا.. مقتل شخصين في انفجار شرق موسكو
  • الخارجية الروسية: موسكو تراقب عن كثب تطور الوضع في سوريا
  • مقبرة المتوسط تكشف يوميات إنقاذ المهاجرين في أخطر طرق الهجرة
  • أول مركز في المملكة والـ13 على مستوى آسيا.. الاتحاد الآسيوي لكرة القدم يمنح مركز موف للطب الرياضي الشامل شهادة الاعتماد
  • اللحظات الأخيرة التي سبقت رحيل الأسد إلى موسكو
  • روسيا تعيد تموضع قواتها في سوريا دون مغادرة قاعدتيها