مأزق العدو في غزة (2- 2)
تاريخ النشر: 7th, April 2024 GMT
محمد بن سالم البطاشي
نواصل في الجزء الثاني من المقال، تلخيص أبرز نقاط المأزق الذي تلبس الاحتلال الإسرائيلي وقادته:
9- إدانة كيان الاحتلال في منابر دولية هامة مثل الجمعية العامة للأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية ومجلس حقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني ووقوف ممثلي الكيان عاجزين عن رد سيل الاتهامات والانتقادات لأفعالهم الهمجية والتي فاقت كل خيال.
10- انكشاف جرائم إسرائيل أمام القاصي والداني وانهيار الصورة النمطية التي حرصت إسرائيل على تثبيتها في عقول الجمهور الغربي، وبات واضحًا حجم هذا التحول الكبير في الرأي العام العالمي بحيث أصبح يقض مضاجع الساسة الغربيين المؤيدين للصهيونية وربيبتها إسرائيل، ويهدد كراسيهم في أية انتخابات قادمة والانتخابات المحلية التركية الأخيرة خير مثال لما سيحدث للأحزاب والشخصيات الموالية لإسرائيل.
11- اتساع نطاق المقاطعة داخل المجتمع الغربي للبضائع الصهيونية والشركات والمؤسسات الغربية التي تدعم إسرائيل وجيشها (إيرلندا مثالا).
12- تصاعد وتيرة المقاومة في كل من اليمن، لبنان والعراق، حيث يتصدر اليمن السعيد المشهد بهجماته البطولية على السفن الإسرائيلية والأمريكية والبريطانية التي تحمل البضائع للعدو وضد تحالف ما يُسمى بحامي الازدهار التي تحاول دولة يائسة تأمين قوافل الإمداد اللوجستي للعدو، وكذلك ضربهم المتكرر والموجع لمدينة أم الرشراش وتعطيل مينائها.
13- حملة المقاطعة الشعبية الناجحة في العديد من الدول العربية لمنتجات الشركات والمؤسسات الداعمة للعدوان أياً كانت جنسيتها.
14- ذهاب نتنياهو وحكومته إلى شخصنة الحرب واعتبار استمرارها هو الضمانة الوحيدة لبقائهم في الحكم، دون مُراعاة للصالح العام، دفع بالكثير من الساسة إلى الانضمام إلى الشارع المشتعل المصمم على إسقاط نتنياهو وحكومته وانتخاب حكومة تستطيع التفاوض على إنهاء الحرب وعودة الأسرى.
هذا غيض من فيض المأزق الذي وجدت فيه حكومة العدو نفسها. وعلى الجانب المقابل نجد أن مرور الوقت يعمل لصالح المقاومة ويُمكن للمراقب رصد ذلك من خلال: تزايد أعداد القتلى وذوي العاهات المستديمة في صفوف العدو، حيث ترهقه عمليات الرعاية الطبية وإعادة التأهيل. وعجز العدو عن السيطرة على الأحياء والمدن التي يتوغل فيها ويضطر إلى نقل وسحب جنوده من حي لآخر لمُواجهة النقص الحاد في صفوفه. واستمرار إطلاق الصواريخ على عمق الكيان وغلاف غزة، الأمر الذي أصاب قادة العدو العسكريين والسياسيين بالحيرة والذهول وأضاف لهم عارا آخر.
كما تتزايد حالات الانتحار والحالات النفسية بشكل حاد وغير مسبوق في صفوف مجندي الجيش الذين يدخلون القتال وكأنهم يجرون إلى الموت جرا. علاوة على التكتيات والأساليب المبتكرة التي تتبعها المقاومة والتي أربكت جيش العدو وتركته عاجزا عن مجاراتها فضلاً عن التغلب عليها، وكذلك جرأة المجاهدين في مواجهة آليات وجنود العدو ومهاجمتهم له من المسافة صفر بكل ثقة واقتدار، وجبن وانهزامية جنود العدو في مواجهة المجاهدين المدربين تدريبًا عالياً والمتميزين بعقيدة راسخة وإيمان كالجبال بعدالة قضيتهم وحتمية انتصار الحق على الباطل. فضلًا عن الصمود الأسطوري للمواطنين في غزة في مواجهة جرائم الاحتلال التي لم يشهد لها التاريخ مثيلًا.
وأيضًا السيطرة الميدانية للمقاومة وخوضها معارك شرسة مع العدو وإيقاعها الخسائر المتتالية في صفوفه، وتماسك القيادة والسيطرة على المجاهدين من كل الفصائل من قبل قيادة المقاومة والذي حيَّر العدو.
من كل ما سبق، يتبيّن بوضوح أن العدو يعيش مأزقًا حقيقيًا ليس باستطاعته الخروج منه في ظل هذه الحكومة الفاشية الفاشلة، التي أصبحت مشلولة تمامًا بفعل الخلافات المستحكمة بين أعضائها؛ سواء في الحكومة الموسعة أو في مجلس الحرب، وما التأجيل المتتالي لاجتماعات مجلس الحرب إلّا إحدى تجليات هذه الأزمة ودليل فشلها المتفاقم يومًا بعد يوم.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
نتنياهو يعترف : محور الجهاد والمقاومة هاجس إسرائيل الوجودي وليس غزة
الحرب الأمريكية على اليمن لا تنفصل عن هدف تفكيك وحدة الساحات الذي تحدث عنه نتنياهو
تقرير / إبراهيم الوادعي
في خطاب المواقف الساخن الذي ألقاه رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو مساء الاثنين الماضي بعد عام من الحرب على قطاع غزة وفتح جبهة أخرى من الحرب على لبنان، كشف نتنياهو عن استراتيجية الكيان الأساسية وأهدافه من الحرب .
وقال إن هدف الحرب المستمرة في غزة هو تفكيك محور الجهاد والمقاومة، معترفا بأن هذا المحور عمل ويعمل على تطويق الكيان بحلقة من نار تمتد من غزة إلى لبنان إلى سوريا وأماكن أخرى ..
يتحدث نتنياهو عن أن الكيان يسعى لتحقيق هذا الهدف، بينما تجاهل الحديث عن الجبهة اليمنية، مع إيراده إياها في خطابه كتهديد جديد، وفي ذلك إشارة إلى أن الطرف الأمريكي هو من سيتولى التعامل مع هذه الجبهة ..
خلال الأسبوع المنصرم أكدت صنعاء إحباطها هجوما أمريكيا كبيرا كاد يستهدف العاصمة صنعاء بنحو 185 غارة- وفق مصدر عسكري محلي- وأجبرت المواجهة التي امتدت ثماني ساعات حاملة الطائرات إبراهام لنكولن على الابتعاد عن بحر العرب، ومن ثم اعلن الأمريكيون بالأمس مغادرتها منطقة القيادة المركزية الأمريكية في الشرق الأوسط متوجهة نحو شرق المحيط الهادئ.
وأشار المصدر إلى أن الولايات المتحدة كانت تنوي بدء عمل عسكري ضد صنعاء على خلفية الموقف المساند لغزة ورفضها الإغراءات الأمريكية والسعودية لتسوية ملف العدوان الممتد منذ مارس 2015م مقابل التخلي عن غزة، وربط توقيت الهجوم أيضا بالصدام الحاصل بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري على خلفية فوز ترامب بالانتخابات، ومحاولة الديمقراطيين كسب ورقة على حساب ترامب الذي سيدخل البيت الأبيض في 12 يناير المقبل .
وأيا يكن، فالهجوم الأمريكي على اليمن حصل قبلا أو بعد أسابيع كما هو متوقع ما لم تحصل متغيرات أخرى فهو يرتبط بالهدف الأمريكي الإسرائيلي وهو تفكيك ساحات المحور وإنهاء ما عرف بوحدة الساحات التي يعمل في إطارها المحور من اليمن إلى العراق، فلبنان وغزة.
المواجهة القائمة في المنطقة هي مواجهة أمريكية بامتياز، « إسرائيل « ذاتها احدى أدواتها، وبالعودة إلى خطاب نتنياهو يمكن تلمس تلك الحقيقة بوضوح ، وإن كان الرجل يتهكم على العلاقة معها ويحاول أن يظهر كيانه بشكل مستقل في أجزاء من الحرب عند الحديث عن اغتيال سماحة الأمين العام لحزب الله السابق السيد القائد حسن نصر الله، أو الدخول إلى غزة بريا ، لكن نتنياهو يعترف بأن كل الجوانب الأخرى يحضر الأمريكي فيها بالتفاصيل ..
وفي الجبهة اللبنانية أقر رئيس حكومة العدو بأن حزب الله كان على وشك كشف مخططات « إسرائيل» ما أضطر حكومة العدو ومجلس حربه المصغر إلى تقديم موعد العملية من أكتوبر إلى سبتمبر .
وهنا تصدق المعطيات التي تحدثت أن الحزب كان على بعد خطوة واحدة من كشف اختراق أجهزة البيجر واللا سلكي، فعمدت إسرائيل إلى تفجيرها قبل ساعة الصفر التي كانت تخطط لها ، وهي تفجيرها عقب اغتيال الأمين العام لحزب الله السيد نصر الله وسلسلة القيادة ، ما كان سيحدث تأثيراً اعظم مما حدث في ظل وجود السيد نصر الله الذي نجح بحكمته وخبرته وقيادته والثقة التي يوليها المجتمع له في احتواء ضربة كتلك التي بإمكانها أن تقصم ظهر جيوش وليس مقاومة .
وفي هذه النقطة تتجلى رعاية الله للمجاهدين الصادقين، وتؤكد حقيقة أن دخول الحزب معركة طوفان الأقصى كان بمثابة وقاية له من التدمير الشامل، وينافي القول إن المقاومة ورطت لبنان في حرب ليست حربه، كما روجت لذلك اطراف لبنانية للأسف ثبت ارتباطها بالسفارة الأمريكي في عوكر والمشروع الأمريكي في المنطقة للتطبيع .
ونتيجة لهذا الإرباك في الخطة الصهيونية «ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين» استطاع حزب الله امتصاص الضربة الإسرائيلية وفي اقل وقت مما كان الوضع عليه لو جرت عقب اغتيالات القادة ، وهو اليوم يمتلك عزيمة اقوى مما كانت، ويعكس ذلك تنامي عملياته في الميدان وعجز الجيش الإسرائيلي عن تحقيق هدف الاجتياح البري، رغم مرور ما يقرب من 4 أسابيع على بدء ما سماها العدو المناورة البرية .
في المفاوضات التي يجريها الأمريكي، وصل مبعوثه أموس هوكشتاين الى لبنان بالأمس لإجراء جولة جديدة من التفاوض، وبالمناسبة فـ «هوكشتاين» ضابط سابق في الجيش الإسرائيلي وشارك في اجتياح لبنان عام 1982م، يضغط الأمريكيون لوقف اطلاق نار منفصل عن غزة وتصر المقاومة على مواصلة عمليات الإسناد، ما يجعل نجاح الأمريكان في الضغط صفرياً ..
وفي هذا الشأن فإن ثبات حزب الله الذي فاجأ الصديق قبل العدو أجبر الأمريكيين على تعديل مسودة خطتهم اكثر من مرة مقارنة بالمسودة الأولى والتي قدمت لرئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري ، وتضمنت حرية العمل للجيش الصهيوني داخل لبنان.
خلال إلقاء الخطاب وجلسة الكنيست العاصفة التي شهدت طرد ما يقرب من ثلث أعضاء الكنيست، جرى تبادل الشتائم، وحذرت المعارضة من أن نتنياهو يقود الكيان الإسرائيلي نحو النهاية بإشعال المنطقة من حول الكيان ظنا منه انه يستطيع إخمادها، ووصفه زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد بزعيم الخراب وليس زعيم النهضة كما يروّج لحربه التي يخوضها منذ أكثر من عام وفق توصيفه.
في خطابه يعترف بنيامين نتنياهو- رئيس حكومة العدو ضمنياً بأن الكيان الإسرائيلي كان يعد للحرب الشاملة في المنطقة وتصفية القضية الفلسطينية على اعتبار أن ذلك هو المسار الوحيد أمام المضي في مسار التطبيع والسلام مع جيران « إسرائيل « وفق زعمه.
لم تنجح إدارة ترامب الأولى في تمرير صفقة القرن بالوسائل الناعمة، فكان لا بد من استخدام الوسائل الخشنة، وهذه الحرب هي أبرز تجلياتها، وفي هذه النقطة فإن تحميل طوفان الأقصى وحركة خماس المسؤولية عن فتح معركة بهذا الحجم خطأ جسيم وتجاهل للحقائق والمعطيات، ناهيك عن معاناة الحصار على قطاع غزة منذ 27 عاما.
يتحدث نتنياهو في خطابه أيضاً عن هدف أعلى وهو تدمير ايران، وهو يضع 3 ركائر للقوة الإيرانية في المنطقة، أولاها المحور وثانيها ترسانة الصواريخ لدى المحور، والأمر الثالث البرنامج النووي، وتحدث نتنياهو إن المواجهة الحالية التي يديرها ضباط أمريكيون يتواجدون في قواعد بفلسطين المحتلة تتولي مهمة ضرب هاتين الركيزتين .
كما حذر نتنياهو من عدم التعامل مع الركيزة الثالثة البرنامج النووي الإيراني ويقول: التعامل مع هذا البرنامج يأتي لاحقا، وإذا لم نفعل تجاهه شيئا فهذا الأمر سيعيدنا إلى نقطة الصفر، ويتحدث نتنياهو قائلاً: إن هناك عمليات نفذت بغرض عرقلة البرنامج النووي الإيراني، وفي ذلك إشارة إلى اغتيال العلماء النوويين الإيرانيين والهجمات الإلكترونية ضد المواقع النووية الإيرانية .
هناك ثمة حقائق ودلالات ظهرت من وراء خطاب المواقف هذا والذي أجبر نتنياهو على تقديمه تحت ضغط المعارضة والانقسام الذي يتسع يوما بعد آخر داخل الكيان، تتمثل في الآتي.
أولاً : لو لم يكن طوفان الأقصى لكانت حرب السيوف الحديدة وهي المسمى الذي أطقته إسرائيل على حربها على قطاع غزة قد وقعت، ولولم يساند حزب الله غزة ، لم يكن الصمت على الحدود ليمنع عن لبنان العدوان الإسرائيلي وبشكل مفاجئ، ولو لم يساند اليمن قطاع غزة لكان الهجوم الأمريكي واقعا تحت أي مبرر، جميع من سبق يعيشون خارج الفلك الأمريكي الإسرائيلي ويعارضون صفقة القرن وتصفية القضية الفلسطينية وذلك غير مقبول في عرف أمريكا وإن صمتت عنه برهة من الزمن لترتب أوراقها ، وهي خاضت في سبيل ذلك تجارب مريرة كانت على المنطقة بدءا من حرب تموز 2006م والحرب الطائفية المدمرة على سوريا والعراق ، والعدوان السعودي الأمريكي على اليمن.
ثانيا: رغم الإنجازات التكتيكية التي حققها العدو في السنة الأولى للمواجهة، فإن الانقسام الحاد مؤشر على أزمة وجودية تتعاظم بوجه العدو وتوشك أن تنفجر آثارها داخليا، لا يمكن التصديق أو التفكير أن المعارضة الإسرائيلية تهتم لأمر الدم العربي، ذلك أخر ما يفكر به الإسرائيليون والصهاينة حول العالم.
ثالثا: في لحظات مفصلية من المواجهة، ظهرت أنظمة عربية مصطفة بشكل كامل إلى جانب العدو الإسرائيلي، ولعل مشهد العلمين المصري والإسرائيلي على المدمرة الإسرائيلية وهي تعبر قناة السويس أوضح صورة لهذا التحالف الذي بدأت مؤشراته من إغلاق بوابة رفح ومد الكيان بجسر بري عبر الأراضي الأردنية، تحالف ليس جديدا تحدث عنه الهالك جون ماكين السيناتور الأمريكي- مهندس ما عرف بالناتو العربي قبيل بدء «الحرب العربية» على سوريا في 2011م
ثالثا: محور الجهاد والمقاومة يمثل اليوم خط الدفاع عن فلسطين والأمة، وهو شكل منذ نشأته خطرا وجوديا على كيان العدو الإسرائيلي، وهو مطالب اليوم بالارتقاء إلى مستوى المعركة التي يخوضها ضد الكيان وهي الحرب الوجودية، ومستوى المواجهة المعلنة ضده بالأساس وقالها نتنياهو بوضوح « الحرب الوجودية لا تنتهي إلا ببقاء طرف واحد هو المنتصر، وحتى الآن لا تزال أوجه حرب الإسناد هي السائدة في مشهد المحور، ولا نعرف ما «إذا كان المحور يرتب أوراقه لجولة أخرى ويريد للجولة الحالية أن تهدأ، لكن المؤكد أنها حرب متصلة ستنتهي بزوال الطرف المهزوم « إسرائيل « وذلك وعد الله.