صحيفة التغيير السودانية:
2025-04-24@07:55:12 GMT

السودان وفيدرالية الحرب

تاريخ النشر: 7th, April 2024 GMT

السودان وفيدرالية الحرب

 

ناصر السيد النور

إن ما تفرضه الحرب الجارية في السودان من وقائع، كنتائج تتصل ببداياتها وطبيعتها، وحرب شنت لأجل أهدافٍ غير محددة، أو معروفة لدى أطرافها، ولو كانت صراعاً على السلطة، فقد تجاوزت كل ما يبرر قيامها، مثلها مثل أنماط الحروب الأخرى بمختلف صورها الكارثية، التي تعبر عن حدوثها، بما تتسبب به من دمار وقتل، في دائرة تتسع يوماً بعد آخر.


وتدفع هذه الحالة إلى التساؤل حول مدى استمرارية هذه الحرب، في وقت تتداعي فيه فظائعها المرتكبة بحق المدنيين؟ فالوسائل المتاحة الآن أمام كل الأطراف المتصارعة، ليس البحث عن حل فوري لإيقاف الحرب، كما يفرضه منطق مجريات الأحداث، وما يبدو أن كلا من الطرفين يسعى لتعزيز موقفه عسكرياً، عبر المزيد من استخدام وسائل الحرب، وما يمكن أن يشكله ذلك التمدد العسكري على أرض المعارك، بالمعنى التفاوضي والسياسي.

بعد إكمالها عامها الأول لا جديد في حريق السودان، سوى ما يطفو على سطح أحداثها الدامية، وما يتعقد منها على صعيد الموقف العسكري بتصاعد وتيرة الهجمات هذا الأسبوع على نطاق الانتهاكات ضد المدنيين، خاصة في ولاية الجزيرة وسط السودان، حيث تسيطر قوات الدعم السريع منذ ديسمبر الماضي، والقصف الجوي الذي ينفذه طيران الجيش في مدن دارفور والخرطوم، والمناطق الواقعة تحت سيطرة الدعم السريع، التي يكون ضحاياها من المدنيين. ومؤخراً الهجوم الأبرز بطائرة مسيرة على أحد التنظيمات الإسلامية الشعبية «قوات البراء» في مدينة عطبرة شمالي السودان، الذي يعد المرة الأولى التي تصل فيها نيران الحرب إلى مناطق بعيدة عن مناطق النزاع، وهو ما يرشح لتصاعد موجات من العنف الجهوي لما تمثله هذه الولاية ومناطقها وسكانها في الخطاب الجمعي، وحالات الاستعداد الشعبي والتهييج العرقي، بطرد المقيمين فيها من الولايات الأخرى، خاصة من دارفور، أو ما بات يعرف مؤخراً بالحواضن الاجتماعية لقوات الدعم السريع.

ومن المثير التطورات المفاجئة التي أعقبت هذا الهجوم على المستوى السياسي والقضائي، حيث أصدرت النيابة العامة أوامر بالقبض على رئيس الوزراء السابق الدكتور عبد الله حمدوك، الذي يترأس «تنسيقية تقدم»، التي تضم عدداً من السياسيين المدنيين وقيادات حزبية، تحت دعاوى تقويض الدستور وإثارة الحرب ضد الدولة. على الرغم من فداحة هذه التطورات على الصعيد العسكري، ومجاعة تهدد حياة الملايين، تقترب حسب الأمم المتحدة من تهديد حياة نصف السكان بالبلاد، تتصاعد على الجانب العسكري حدة الخلافات بين قادته في خضم صراعاتهم، والشاهد أن ما حملته تصريحات قادة الجيش المتضاربة، في حملة تعبر عن تعدد مواقع اتخاذ القرار، وبالتالي المؤثرات والتدخلات المدنية الكثيفة للجهات المتهمة بإدارتها للجيش وظهور جماعات تصنف بالإرهابية، لها امتدادات إقليمية تتلاقى أيديولوجياً مع تيار الإسلام السياسي في السودان. الأمر الذي يرشح الموقف السياسي الرسمي للدولة لمزيد من الضغط الدولي والإقليمي، ويصعد بالتالي من مستوى المواجهة بين التنظيمات العابرة للحدود، وتلك التي أسفرت عن وجهها في المأزق السوداني.

الفيدرالية كصيغة حكم يقتضي تطبيقها، دولة قائمة بكل مؤسساتها، إلا أن الحالة السودانية الناتجة عن الحرب أفسحت المجال بانقساماتها المتعددة لتكوين ما يشبه الكيانات الفيدرالية المتقاتلة

أدت المواجهات العسكرية في حرب الجنرالين، وما اتبع فيها من سياسات وخطط عسكرية في التحشيد الاجتماعي والتداخل بين ما هو مناطقي وما هو قومي، بناء على أسس جهوية وعرقية، إلى التسيب السياسي والأمني، وإلى تقوية الجماعات المسلحة خارج الدولة من كل طيف، وبات الفصل متعذراً بين شرعية القوات المسلحة، وأولوية التنظيمات الشعبية، في توظيفها للجيش وتوجيهها للحرب. ولعل ما جاء في خطاب نائب القائد العام للجيش السوداني الفريق الكباشي، ما يفهم منه أنه تحول في الموقف المتشدد الذي اتخذته القيادات العسكرية. فقد حذّر مما يسمى بالمقاومة الشعبية والاستنفار، وما تمثله من خطر مقبل، مطالبا بتقنين وضعها. وقد أثارت هذه التصريحات موجات من الغضب والاستنكار، من داعمي الحرب المحسوبين على الإسلاميين، ومن ثم ووجهت تصريحاته بتصريحات مضادة من داخل قيادة الجيش، بما يشبه الرد، وجاءت من الفريق ياسر العطا، منتقدة بشكل مبطن تصريحات الكباشي المناوئة للتصعيد الشعبي للحرب.

كشفت هذه التجاذبات بين قادة الجيش، مستوى آخر وصلت فيه إدارة الحرب إلى نقطة لم يعد معها إخفاء الصراع بين قيادات الجيش ممكنا، وهذا الوجود الكثيف للتمثيل العسكري في إدارة الدولة والحرب، ينبئ بحدوث اهتزازات سياسية في جسد الدولة المتصدع على الطريقة العسكرية في تداول شأن الحكم في السودان.

يرجح العديد من المراقبين تصاعد الخلاف بين قيادات المؤسسة العسكرية، بما يأخذ الأمور إلى تطورات خطيرة، في ظل وجود انقسام حاد بين استمرار الحرب، والتفاوض على إنهائها سلميا. وإذا كانت الحرب قد قسمت وفق جغرافيا الحزم الأمنية، ولايات السودان بين أطراف الصراع، بين ولايات آمنة تحت سيطرة الجيش والأخرى بيد الدعم السريع، بما فيها مواقع استراتيجية في عاصمة البلاد، ويكون بذلك التقسيم الفيدرالي قد تحقق، لا بالمعنى الإداري في علاقات الحكم بين المركز والأطراف، ولكن على الأقل بالمعنى العسكري. وهو تحقق ينقصه الاعتراف والإعلان، إلا أنه فعلياً تم تطبيقه بالممارسة العسكرية وشرعية الأمر الواقع.

السودان الذي يقسمه النظام الفيدرالي إداريا وجغرافيا ولو شكلياً، يخفي وراءه تقسيمات مجتمعية وقبلية حادة، فجّرتها الحرب وساعدت في ظل تنامي خطاب العنصرية والكراهية على تقبلها كحقائق أكثر منها حدودا جغرافية إدارية افتراضية. فكل ما جرى ويجري في مناطق النزاع يعبر عن هذا التقسيم الشائه، فمنذ تطبيق الحكم الفيدرالي الذي حوَّل أقاليم السودان السابقة إلى ولايات بكامل وطأتها الإدارية والدستورية والتشريعية على مستوى الوزراء، وأعضاء المجالس وجيوش جرارة من زعامات وساسة، أنهكت ما شحّ من موارد ودمر البنية التنموية؛ وتعود هذه الولايات في ظل الحرب الدائرة مرة أخرى إلى الدفع بمكونات عسكرية وشبه عسكرية جديدة، انطلاقا من دوائرها الفيدرالية المناطقية. فيدرالية الحرب ليست بديلاً عن التقسيم الذي تحددت قسماته في خطابات الكيانات القبلية الهوجاء، ولكن أن تتخذ الحرب وجهاً وموقعاً جديداً يعرف على أسسها الناتج عن كثافة نيران الحرب. وقد زاد نظام الحكم الفيدرالي المطبق مسبقا من اتساع التقسيم الجغرافي والإداري من حدة صراعات حدود مناطق القبائل، ما يجعل الاعتراف والتعامل مع أي سلطة أمرا مشكوكا فيه، خاصة بعد هذا التنازع السياسي والعسكري.

وبما أن الفيدرالية كصيغة حكم يقتضي تطبيقها دولة قائمة بكل مؤسساتها، إلا أن الحالة السودانية الناتجة عن الحرب أفسحت المجال بانقساماتها المتعددة لتكوين ما يشبه الكيانات الفيدرالية المتقاتلة. فغياب الدولة بسلطة مركزيتها القابضة، وخروج عدد من الولايات من سيطرتها بهزيمة الجيش، وإقامة تشكلات للقوة المسيطرة في بعض المواقع، مثلما حدث في بعض الولايات بإقامة سلطة مدنية تحت سيطرة قوات الدعم السريع. فتكوين إدارة مدنية، كما حدث في ولاية الجزيرة بهذه الطريقة من قبل قوات الدعم السريع يشير إلى سيطرة مطلقة لهذه القوات، وهي عسكرية بالأساس، وهذا يعني أنه لا يمكن لأي إدارة مدنية أن تتمكن من تنفيذ مهامها تحت ظل واقع عسكري غير محسوم. فهي سلطات تعد أقل من الدولة وأكبر من السلطات المحلية لكنها لا تنتزع اعترافاً دستوريا، أو وضعا إداريا واضحا. فهي تكوينات إدارية تفتقر أول ما تفتقر إلى مرتكزات بنية السلطة، وهي غير الولاء القبلي والعنصري والصراع الدموي. فما انتهت إليه التقسيمات التي أفرزتها الحرب قد تضطر أي حكومة مقبلة على إعادة توحيد السودان على طريقة الحرب الأهلية الأمريكية في القرن التاسع عشر، فإن استعادة خريطة الجيوسياسية للسودان لم تعد قائمة.

 

الوسومالحكم الفيدرالي السودان انهاء الحرب حرب السودان ناصر السيد النور

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الحكم الفيدرالي السودان انهاء الحرب حرب السودان

إقرأ أيضاً:

الجيش السوداني يعلن مقتل 47 مدنيا في قصف للدعم السريع استهدف الفاشر‎

 

أعلن الجيش السوداني، اليوم الثلاثاء، مقتل 47 مدنياً وإصابة عشرات في قصف مدفعي نفذته قوات الدعم السريع استهدف مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور غرب البلاد.

الخرطوم ـــ التغيير

وقالت الفرقة السادسة مشاة التابعة للجيش السوداني بالفاشر في بيان، إن قوات الدعم السريع “مستمرة في استهداف المدنيين بشكل ممنهج، حيث استخدمت حوالي 250 قذيفة مدفعية خلال قصفها على أحياء الفاشر أمس الاثنين”، بحسب وكالة السودان للأنباء.

وأضافت: “أسفر هذا القصف المدفعي المكثف عن مقتل 47 مدنياً، بينهم 10 نساء، وإصابة عشرات من المدنيين تم نقلهم إلى المستشفيات والمراكز الصحية”.

وأشارت إلى أن قوات الجيش دمرت منصة لإطلاق المدافع للدعم السريع شمال مدينة الفاشر.

ومنذ أيام تواصل قوات الدعم السريع قصفها المدفعي على مدينة الفاشر، الأمر الذي أوقع عشرات القتلى والجرحى، بحسب السلطات السودانية.

و الأسبوع الماضي  هاجمت قوات الدعم السريع مخيم زمزم للنازحين شمال دارفور وأعلنت سيطرتها عليه، بعد اشتباكات مع الجيش والقوات المساندة له، ما أدى لمقتل 400 شخص ونزوح عشرات الآلاف، وفق الأمم المتحدة.
وتشهد الفاشر منذ 10 مايو  2024، اشتباكات بين الجيش وقوات الدعم السريع، رغم تحذيرات دولية من المعارك في المدينة، التي تعد مركز العمليات الإنسانية لولايات دارفور الخمس.

ومنذ أبريل  2023، يخوض الجيش وقوات الدعم السريع حرباً خلّفت أكثر من 20 ألف قتيل ونحو 15 مليون نازح ولاجئ، وفق الأمم المتحدة والسلطات المحلية، بينما قدر بحث لجامعات أميركية عدد القتلى بنحو 130 ألفاً.

وبدأت في الفترة الأخيرة تتناقص مساحات سيطرة قوات الدعم السريع في ولايات السودان لصالح الجيش، وتسارعت انتصارات الأخير في ولاية الخرطوم، بما شمل السيطرة على القصر الرئاسي ومقار رسمية أخرى.

وفي الولايات الـ17 الأخرى، لم تعد قوات الدعم السريع تسيطر سوى على أجزاء من ولايتي شمال كردفان وغرب كردفان وجيوب في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، بجانب 4 من ولايات في إقليم دارفور غربي السودان.

الوسومالجيش الدعم السريع الفاشر ضحايا مدنيين

مقالات مشابهة

  • دارفور التي سيحررها أبناء الشعب السوداني من الجيش والبراءون والدراعة ستكون (..)
  • ناجى الشهابي: نصر أكتوبر أسقط أسطورة الجيش الذي لا يقهر
  • التشكيك: سلاح خفي في الحرب النفسية التي تشنها المليشيات
  • الجيش السوداني يعلن مقتل 47 مدنيا في قصف للدعم السريع استهدف الفاشر‎
  • الجيش الأمريكي يكشف عن المستقبل المظلم الذي ينتظر مليشيا الحوثي في ظل فاعلية ترومان و فينسون
  • حقيقة الحرب في السودان
  • الجيش السوداني يوجه ضربة حاسمة ضد ميليشيا الدعم شمال الفاشر
  • أسعار البيض تحلّق في أوروبا... من هي الدولة التي تدفع أكثر من غيرها؟
  • عادل الباز يكتب: الشمول المالي: لماذا؟ وكيف؟ وبأي اتجاه؟ (1)
  • جيش جنوب السودان يستعيد بلدة رئيسية من الجيش الأبيض