صديق الزيلعي
أواصل مقالات دروس الانتفاضة. هذه الحلقة تكملة للمقال السابق حول طرح المعارضة العقلاني البعيد عن الشعارات والهتافية. الطرح الذي ينقد ثم يقدم بدايل عملية.

الى المقال الخامس

احتفاءا بذكرى انتفاضة مارس أبريل 1985، سأحاول أن استعرض بعض الدروس الذي تعلمناها من تلك الملحمة الجماهيرية العظيمة.

ليس في إطار النظر النوستالجي للماضي، وانما في إطار النظر للماضي لتشكيل المستقبل. لذلك وسأناقش تباعا بعض أهم دروس انتفاضة مارس أبريل، قصدا لمواجهة قضايا وتعقيدات وتحديات المرحلة الانتقالية الراهنة. وهي أخطر مراحل التحول الديمقراطي، التي مرت على بلادتا، لأنها ذات معادلة صفرية: اما تحقيق تحول مدني حقيقي، أو السقوط في قاع هاوية الحروب الاهلية والتشطي والدكتاتورية. الدرس الرابع الذي تعلمناه هو استخدام أسلوب النقد الباني لمناقشة اطروحات بعضنا البعض. وسأواصل عرض نقد لميزانية حكومة ما بعد الانتفاضة والطرح الواقعي الذي قدمه من مقاعد المعارضة.
عرضت في الحلقة الرابعة بعضا من اراء نقد حول الميزانية وقلت ان جوهر طرحه كانت يرتكز على: " هناك حقا، أساس موضوعي لبرنامج حد أدنى تتفق وتتوحد حوله قوى اجتماعية، طبقات، فئات متباينة المصالح تعبر عن تلك المصالح في برامجها السياسية. ولكن – على الأقل – لديها وحدة مشتركة ومصلحة مشتركة في برنامج حد أدني تتوحد حوله". وهذا فهم عميق لمتطلبات المرحلة ولتحدياتها. وواصل نقاشه للميزانية بتقديمه ثلاث بدائل ليختار منها وزير المالية ما يساعد على تخفيف الضائقة المعيشية.
قال حول قضية الديون: " برنامج سداد الديون متمشي مع الميثاق الذي اجازه المؤتمر الاقتصادي، فإعفاء الديون مطلب لكل بلدان العالم الثالث. والتجميد وفترة السماح أو جزء من الصادرات. وهي تعني كما قال أحد النواب، أن تلك الدول يجب ان تساعد في تسويق الصادرات بحيث نوفر العملة التي نستطيع أن نسدد بها جزءا من تلك الديون. آخذ على وزير المالية إعلانه أنه سيدفع 25 %. كان يمكن أن يترك ذلك للتفاوض ويبدأ بنسبة أقل حتى يقف عند ال 25 %. هذه مسألة تكنيكية لا أظن انها غابت عليه. وأعتقد ان هذا الجانب من الميزانية، وهو مرتبط بميثاق المؤتمر القومي، يجب ان يكون برنامج قومي تتفق عليه كل القوي السياسية داخل الجمعية وخارجها. لأنه تترتب عليه خطوات عملية داخل البلاد في السياسة الاقتصادية الداخلية. فهذا قرار مهما كان الاعتراض على الميزانية محل قبول قومي لتخفيف مشاكل البلد والخروج ببرنامج الإنقاذ للتنفيذ. "
ثم تحدث نقد عن قضية هامة، لا تزال تراوح مكانها في بلادنا، وهي قضية المرتبات: " لا يمكن ان نذهب خطوة للأمام وحجم الفصل الأول من الميزانية للحكومة المركزية يصل 290.7 و1003.3 يذهب لدعم الحكم الإقليمي. ورغم انف وزارة المالية ومصطلحاتها، هذا البليون يذهب للمرتبات. الفصل الثاني والثالث في الحكم الإقليمي تفتح به وظائف جديدة والا لما كانت الأقاليم قد تدهورت هذا التدهور برغم ما صرف على الحكم الإقليمي. إذا أردنا ان نقيم تنمية حقيقية يجب ان تقف هذه المسألة. إذا كنا مقتنعين بأننا لن نخرج من الخراب المايوي الا بزيادة الإنتاج، وزيادة الإنتاج بدون استثمار لن تتم، والاستثمار بدون اصلاح علاقات الإنتاج البالية لن تزيد الإنتاجية والإنتاج. لكن الفصل الأول يبتلع كالغول كل الفائض الاقتصادي او الجزء الأكبر منه، كل إيرادات الميزانية او الجزء الأكبر منها لن نذهب للأمام. الحل ليس التشريد ولا تصفية جهاز الدولة ولا حلول فوضوية من هذا القبيل. الحل يمشي مع خطة التنمية التي تجعل الفائض الاقتصادي يتجه للتنمية ويتجه الناس للإنتاج. بدون هذا، سيكون العجز هو الحصيلة، وسيظل الشغل الشاغل للحكومة هو تغطية العجز. طيلة السنة المالية تظل مشغولة بتغطية العجز الداخلي والخارجي".
قصدت من انتقاء هذه المقتطفات ان أوضح راهنيتها الآن، رغم وجود العديد من القضايا الهامة الأخرى في الخطاب، التي لا يتسع لها المجال هنا. وما أريد التركيز عليه، بكل وضوح، ان المراحل الانتقالية هي مراحل توافق على برنامج الحد الأدنى. فالمعروف لكل الاطراف برامجها ومصالحها واولوياتها، وهو ما تسعي لتحقيقه عندما تنال ثقة الجماهير. كما ان الاولوية عند اسقاط الدولة الشمولية هي التوافق لإنجاز التحول الديمقراطي، وهو ما يحتاج لجهود الجميع. وأدعو الجميع للاقتداء بالروح المسئولة التي ابداها نقد في خطاب تنقد الميزانية، وان نعمل على صياغة برنامج سوداني يمثل الحد الادنى الذي يجمعنا معا. كما ان وجود ديون تفوق الستين مليار دولار تجعلنا مكبلين بها، لا نستطيع الاستدانة، ولن ننال التسهيلات المعروفة، ويستحيل ان ننال منجزات التكنولوجيا لتطوير اقتصادنا. لذلك اعطاء الاولوية للتعامل وعلاج قضايا الديون هي أول وأهم خطوة في سبيل اصلاح اقتصادنا. وقد مررنا بتجربة مريرة من الصراع حول السياسة الاقتصادية، وكان الطاغي في الصراع هو فرض رأي على الآخر، وليس التوافق على ما هو عملي ومنطقي وضروري.
العالم تغير كثيرا، وجرت مياه كثيرة تحت جسره، فعلينا استيعاب تلك المتغيرات الكبيرة وتحديد كيف نتعامل معها لمصلحة شعبنا وتقدمه. 5فالموسسات المالية الدولية ليست ما كانت عليه، رغم ملاحظاتنا على اسلوب عملها وشروطها التي تفرضها.
فهل نتعلم كل تلك الدروس المبنية على العقلانية والواقعية والروح الوطنية.
حقا في الليلة الظلماء يفتقد البدر.

siddigelzailaee@gmail.com  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

«المالية» تستقبل وفد حكومة أوزبكستان ضمن برنامج «القيادات المالية»


أبوظبي (الاتحاد)
استقبلت وزارة المالية وفداً من حكومة جمهورية أوزبكستان ضمن برنامج «القيادات المالية»، الذي يأتي في إطار التعاون المستمر بين دولة الإمارات وجمهورية أوزبكستان لتبادل الخبرات والمعرفة في المجالات المالية والمصرفية والاستثمارية. 
وتهدف هذه الزيارة إلى الاطلاع عن كثب على أفضل الممارسات الإماراتية وتعزيز أواصر التعاون بين البلدين بما يسهم في تحقيق التميز المالي والنمو الاقتصادي.
وفي بداية اللقاء رحب يونس حاجي الخوري وكيل وزارة المالية بوفد حكومة جمهورية أوزبكستان، مشيراً إلى أهمية العلاقات الوثيقة التي تجمع البلدين الصديقين، وأكد أن هذه الزيارة تمثل فرصة مهمة لتعزيز التعاون وتبادل التجارب بين البلدين في المجال المالي.
وأضاف: «تولي وزارة المالية أهمية كبيرة لتطوير منظومة مالية متكاملة ومبتكرة، تتماشى مع أهداف التنمية المستدامة وتحقق التميز الحكومي في جميع المجالات المالية والاقتصادية، وقد قمنا في هذا الإطار باعتماد عدد من أفضل الممارسات العالمية التي تتناول مختلف جوانب العمل المالي، بدءاً من الاستدامة المالية، مروراً بالحوكمة المالية الشفافة، ووصولاً إلى تطوير الأنظمة الذكية التي تسهم في تسهيل الخدمات المالية بكفاءة عالية».

أخبار ذات صلة «المالية» تطلق مشروع بناء قدرات الاستدامة لموظفي الحكومة تعديلات على قانون الإجراءات الضريبية لدعم نظام الفوترة الإلكترونية

وأشار يونس حاجي الخوري إلى حرص وزارة المالية على تطوير وتبادل الخبرات بين الجانبين، منوهاً بأن الشراكة الحقيقية تنبع من التواصل المباشر والحوار البنّاء، وقال: «نتطلع لأن يكون هذا البرنامج جسراً نحو تعزيز التعاون المشترك بما يحقق الفائدة لكل من دولة الإمارات وجمهورية أوزبكستان».
وتعرّف الوفد الأوزبكي خلال اللقاء على استراتيجيات وزارة المالية في إدارة الموارد المالية للحكومة الاتحادية وتنميتها من خلال سياسات مالية مستدامة واستشرافية، ونظم إعداد وتنفيذ الميزانية العامة ومراقبتها وحوكمة إجراءات الإيرادات الحكومية الاتحادية، وتطوير الأنظمة المالية الإلكترونية التي تسهم في تعزيز الكفاءة التشغيلية والاستدامة المالية. 
وتم كذلك استعراض الأنظمة الحديثة التي تعتمدها الوزارة، مثل نظام التنبؤ بالإيرادات ونظام تحصيلها، إلى جانب المبادرات الرقمية التي تدعم الإجراءات المالية الحكومية وتواكب أحدث التطورات التكنولوجية في مجال البيانات وتوفير إحصائيات دقيقة وشاملة.كما شمل برنامج اللقاء الاطلاع على تجربة الوزارة في إدارة وتطوير الأصول الحكومية وتوسيع الشراكات بين القطاعين العام والخاص، وكذلك الاطلاع على تجربة منصة المشتريات الرقمية للحكومة الاتحادية، ودورها في تسريع عمليات الشراء الحكومية وتعزيز كفاءة الإنفاق الحكومي، وأسس تطبيق ضريبة القيمة المضافة وضريبة الشركات والأعمال، إلى جانب استعراض نظام إدارة معلومات الإدارة المالية.
وعبر الوفد الأوزبكي، الذي يضم 21 شخصاً من المتخصصين في المجال المالي لحكومة جمهورية أوزبكستان، عن تقديره لجهود وزارة المالية في تنظيم هذا اللقاء الغني بالمعلومات والتجارب المتميزة، مؤكدين على تطلعهم لتبني أفضل الممارسات الإماراتية بما يواكب تطلعات بلدهم في التطوير المالي والاقتصادي.
وتعد هذه الزيارة جزءاً من برنامج «القيادات المالية لحكومة جمهورية أوزبكستان» الذي ينظمه مكتب التبادل المعرفي الحكومي التابع لوزارة شؤون مجلس الوزراء، في إطار رؤية دولة الإمارات لتعزيز دورها كوجهة عالمية لتبادل الخبرات الحكومية ودعم مسيرة التنمية المستدامة.

مقالات مشابهة

  • البنك المركزي في صنعاء يصدر قراراً جديداً
  • ديانا حداد: أستحق شهادة تقدير على تخطي دروس الحياة
  • الليلة.. حلقة أنس بوخش ووالدته في برنامج معكم مني الشاذلي
  • مصطفى قمر ضيف عمرو الليثي في برنامج "سهرة خاصة".. الليلة
  • بسبب خلاف حول الميزانية.. المستشار الألماني يقيل وزير المالية
  • المستشار الألماني يقيل وزير المالية بسبب خلاف حول الميزانية
  • «المالية» تستقبل وفد حكومة أوزبكستان ضمن برنامج «القيادات المالية»
  • ظهور نادر لنرمين الفقي مع والدها الذي تعرفت عليه وهي شابة!
  • ثري مزيف يغرق خطيبته في الديون
  • عن إدانة المقاومة.. من الأجدر باتهام البلادة الأخلاقية؟!