إخراج زكاة الفطر من الحبوب فرض أم سنة؟.. الجواب المختصر لـ كبار العلماء
تاريخ النشر: 7th, April 2024 GMT
استعرض الدكتور فتحي عثمان الفقي عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، القول المختصر في حكم إخراج النقود أو القيمة في زكاة الفطر، حيث سؤال: إذا احتاج الفقير للنقود , أو تعذر على المزكي أن يشتري الحبوب المنصوص عليها لإخراج زكاة الفطر , فهل يجزئ إخراج القيمة في هذه الحالة تيسيرًا على الجانبين , المزكي والفقراء ؟
زكاة الفطر 2024 مالًا أم طعامًا؟اتفق الفقهاء على مشروعية إخراج زكاة الفطر من الأصناف المنصوص عليها ( ما عدا الشعير في الوقت الحاضر ) , ولكنهم اختلفوا في حكم إخراج القيمة في زكاة الفطر إلى ثلاثة أقوال:
القول الأول : عدم جواز إخراج القيمة في زكاة الفطر , وهذا قول الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة ( يراجع في ذلك : الإجماع لابن المنذر ص 56 , المدونة 1 / 392 , المجموع 6 / 112 المغني 4 / 295 )
واستدلوا على ما ذهبوا إليه بالاتي :
1 – ما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما , أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فرض صدقة الفطر صاعا من تمر وصاعا من شعير " ( متفق عليه , البخاري 1432 مسلم 984 ) ** ووجه الدلالة منه : أن النبي صلى الله عليه وسلم فرض الصدقة من تلك الأنواع , فمن عدل إلى القيمة فقد ترك المفروض .
2 – استدلوا كذلك بحديث أبي سعيد رضي الله عنه قال " كنا نخرجها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعا من طعام , وكان طعامنا البر والشعير والزبيب والأقط " ( صحيح البخاري 1435 وصحيح مسلم 985 )، والأقط : يستخرج الإقط الذي يعرف بـ “المضير” و” البقل” و”العفيق” و”الصريب” من حليب الأغنام الذي يزيد من طعمه وبياضه وهشاشته وكذلك من حليب الأبقار الذي يصبغه باللون الأصفر ومن حليب الناقة أحيانًا ويشتهر بصلابته.
وطريقة إعداده تتمثل في وضع الحليب المستخرج من الأغنام على نار هادئة في قدر ذي فتحة متسعة ، كالطشت ثم يحرّك الحليب بشكل مستمر حتى لا يحترق إلى أن يصل لمرحلة تبخر الماء وما يسمى بالتحثرب ، فيتم عمل أقراص الإقط.
ووجه الاستدلال من الحديث : أن الصحابة رضوان الله عليهم لم يكونوا يخرجونها من غير الطعام وتتابعهم على ذلك دليل على أن المشروع إخراجها طعامًا.
3 – واستدلوا كذلك بحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال : " فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين " ( سنن أبي داوود 1609
ووجه الاستدلال منه: أن الطعمة تكون بما يطعم ولا تكون بالدراهم , أو الدنانير , أو أوراق البنكنوت المتعامل بها الآن , التي تقضى بها الحاجات , مما يدل على أن إخراج زكاة الفطر طعاما هو مقتضى الشرع .
وقالوا : إن زكاة الفطر عبادة مفروضة من جنس معين فلا يجوز إخراجها من غير الجنس المعين , كما لو أخرجها في غير وقتها المعين , ولأن مخرج القيمة قد عدل عن المنصوص , فلم يجزئه , كما لو أخرج الردئ مكان الجيد , ولأن إخراج زكاة الفطر من الشعائر , فاستبدال المنصوص بالقيمة يؤدي إلى إخفائها وعدم ظهورها , وقد صدر بذلك قرارات وفتاوى من هيئات عدة في الدول الإسلامية.
لماذا إخراج زكاة الفطر نقدًا أولى من الحبوب؟.. علي جمعة يحسم الجدل زكاة الفطر «طعام ولا فلوس».. مفتي السعودية: لا تجوز نقدا.. ودار الإفتاء تحسمالقول الثاني : يجوز إخراج القيمة في زكاة الفطر مطلقا , وهو مذهب الحنفية , والثوري , واختاره البخاري , وعطاء والحسن البصري , وعمر بن عبد العزيز ( يراجع في ذلك : المبسوط , للسرخسي ج 2 / 207 , والهداية , وعليها شرح العناية ج 1 / 112 )
واستدلوا على ذلك :
1 - بأن الواجب إغناء الفقير لقوله صلى الله عليه وسلم : " أغنوهم عن المسألة في مثل هذا اليوم " ( رواه الدارقطني 67 , وضعفه الزيلعي في نصب الراية 2 /522 ) والإغناء يحصل بالقيمة ؛ لأنها اقرب إلى دفع الحاجة .
2 – واستدلوا كذلك : بأن الأصل في الصدقة المال ؛ قال الله تعالى : " خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها " 103 التوبة . *** ووجه الاستدلال منها : أن المال في الأصل ما يملك من الذهب والفضة , وبيان الرسول صلى الله عليه وسلم للمنصوص عليه إنما هو للتيسير, ورفع الحرج لا لحصر الواجب .
وقالوا إذا ثبت جواز أخذ وإعطاء الفقير القيمة في الزكاة المفروضة في الأعيان فجوازها في الزكاة المفروضة على الرقاب – زكاة الفطر – أولى ؛ لأن الشرع أوجب الزكاة في غير الحب والتمر والماشية والنقدين , كما في حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه لما بعثه إلى اليمن , حيث قال : " خذ الحب من الحب والشاة من الغنم , والبعير من الإبل , والبقر من البقر" ولما كان الحال كذلك اقتضت حكمة الشرع البالغة أمر الناس في عهد النبوة بإخراج الطعام ليتمكن جميعهم من أداء ما فرض عليهم , ولا يحصل لهم فيه عسر ولا مشقة , وذلك لأن النقود كانت نادرة الوجود في تلك الأزمنة ببلاد العرب , لا سيما البوادي منها , وخصوصا الفقراء , فلو أمر بإعطاء النقود في الزكاة المفروضة على الرؤوس لتعذر إخراجها على الفقراء بالكلية , ولتعسر على كثير من الأغنياء الذين كان غناهم بالمواشي والرقيق والطعام , أما الطعام فإنه متيسر للجميع , ولا يخلو منه منزل , إلا من بلغ به الفقر منتهاه , فكان من أعظم المصالح , وأبلغ الحكم العدول عن المال النادر العسر إخراجه إلى الطعام المتيسر وجوده وإخراجه لكل الناس .
وقالوا كذلك : إن النبي صلى الله عليه وسلم غاير بين القدر الواجب من الأعيان المنصوص عليها مع تساويها في كفاية الحاجة , وسد الخلة , فأوجب من التمر صاعا , ومن البر نصف صاع ؛ وذلك لكونه أغلى ثمنا لقلته بالمدينة في عصره , فدل على أنه اعتبر القيمة , ولم يعتبر الأعيان إذ لو اعتبرها لسوى بينها في المقدار ,
وقد أخذ بهذا الرأي مجمع الفقه الإسلامي بالسودان والمجلس الأوربي للإفتاء والبحوث , وتاخذ به أيضا دار الإفتاء المصرية ؛ حيث نص في بعض فتاويها " ... فنرى أن هذا المذهب - مذهب أبي حنيفة – هو الأوقع والأرجح , بل نزعم أن من خالف من العلماء قديما لو أدرك زماننا لقال بقول أبي حنيفة , ويظهر لنا هذا من فقههم , وقوة نظرم " ورجح كذلك العلامة / احمد بن الصديق الغماري في كتابه " تحقيق الآمال في إخراج زكاة الفطر بالمال " حيث رجح فيه مذهب الحنفية ؛ مؤيدا ترجيحه بأدلة عديدة وصلت إلى اثنين وثلاثين وجها.
القول الثالث : التفصيل حسب مصلحة الفقير فيجوز إخراج القيمة عند الحاجة , أو المصلحة الراجحة , ونصوص الإمام أحمد تدل على ذلك , وهو رأي فضيلة الشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر الأسبق عليه رحمة الله ؛ حيث مضمون رأيه أنه يمكن العمل بالقولين حسب مصلحة الفقير , وحسب البيئة , ففي القرى في الغالب يكون الحب أنفع للفقير , وفي المدن الكبرى يكون الأنفع النفود أو القيمة .
ومن أجوبة الدكتور محمد أحمد لوح من دولة السنغال حيث أجاب على سؤال مفاده : ما حكم إخراج زكاة الفطر نقدا ؟ مؤيدا أصحاب القول الثالث بقوله : واستدلوا لذلك بما رواه البخاري معلقا بصيغة الجزم من أن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال لأهل اليمن حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم : ائتوني بعرض الثياب قميص أو لبيس في الصدقة مكان الشعير والذرة أهون عليكم ، وخير لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة ” ومما يلحق بالمصلحة والحاجة المجيزة لإخراج النقد مكان الأصناف المذكورة في زكاة الفطر إذا كان يترتب على إخراجها طعاماً مشقة ، فلا حرج فيه شرعاً لهذا من أدرك روح هذه الشريعة ومقاصدها علم أن إخراج زكاة الفطر نقداً في هذه العصور أقرب هذه الأقوال إلى الصواب ؛ لما فيه من المصلحة المحققة ودفع المشقة الواقعة ومما يؤكــــــــد ذلك :
1- أن إخراج زكاة الفطر بالقيمة قد شاع قبل انقراض جيل الصحابة حتى قال أبو إسحاق السبيعي – أحد أئمة التابعين – : ” أدركتهم وهم يؤدون في صدقة رمضان الدراهم بقيمة الطعام “ ( رواه ابن أبي شيبة في المصنف بإسناد جيد) .
2 - أنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة نص في تحريم دفع القيمة .
3 - الأحاديث الواردة في النص على أصناف معينة من الطعام لا تفيد تحريم ما عداها بدليل أن الصحابة رضي الله عنهم أجازوا إخراج القمح – وهو غير منصوص عليه – عن الشعير والتمر ونحو ذلك من الأصناف الواردة في الأحاديث الصحيحة , وذكر ابن المنذر في كتابه (الأوسط) : أن الصحابة أجازوا إخراج نصف صاع من القمح ؛ لأنهم رأوه معادلاً في القيمة للصاع من التمر ، أو الشـــــــــــــعير والمانعون المعاصرون قالوا بجواز إخراجها من الأرز – وهو غير مذكور في الأحاديث – إذا كان غالب قوت البلد ، مع العلم أن الشارع لم يقل أبدا : أخرجوه من غالب قوت البلد ، وإنما هو اجتهاد نظر فيه إلى المصلحة ، والمصلحة هي التي تقتضي إخراجها نقدا.
4 - ذهب كثير من الصحابة بل أكثرهم في عهد معاوية إلى جواز إخراج نصف صاع من سمراء الشام بدلاً من صاع من تمر ، فهذا دليل على أنهم يرون نصف الصاع معادلاً في القيمة للصاع من التمر أو الشعير ونحــو ذلك .
۵ - أن المقصود من الزكاة : إغناء الفقراء ، والمال أنفع لهم في هذا العصر بلاشـك
6 - أن كثيرا من الفقراء يأخذ الطعام ويبيعه بأقل من ثمنه ، فلا هو الذي انتفع بالطعام ولا هو الذي أخذ قيمة هذا الصاع بثمن المثــل .
7 - أن العلة في تعيين الأصناف المذكورة في الحديث هي: الحاجة إلى الطعام والشراب وندرة النقود في ذلك العصر ،حيث كانت أغلب مبايعاتهم بالمقايضة ، فكان في توجيه الشارع تحقيق المصلحة ودفع المشقة ، وإذا كان الأمر كذلك فإن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً ، فيجوز إخراج النقود في زكاة الفطر للحاجة القائمة والملموسة للفقير اليوم>
وقال أ , د / عباس شومان وكيل الأزهر السابق مؤيدا هذا الاتجاه : " العبرة بما هو أنفع للفقير , ولا يخفى على أحد أن الأنفع للفقير هو النقد , فبه يتمكن الفقير من شراء الملابس أو غيرها مما هو في أشد الحاجة إليه بخلاف الطعام فمثلا إذا أخذ أهل القاهرة حبوب القمح فماذا يصنعون بها ؟ وإذا أخذ من لا يأكل أرزا الأرز , فغالبا سوف يبيعه لنفس البائع الذي اشتراه منه المزكي وطبعا بسعر أقل من سعره الذي باعه به للمزكي انتهى – وقد حدث هذا مع كاتب المقال في مكة أم القرى كثيرا –.
وشدد عضو هيئة كبار العلماء: لا تعطوا هذا الأمر أكثر مما يستحق , فمن أراد أن يخرج طعاما من الأصناف المذكورة في النصوص فليفعل ما دام أن فيه مصلحة , ونفعا للفقير , ومن أراد أن يخرج نقدا , فليخرج نقدا ما دام أنه أيسر له وأنفع للفقير , فالأصناف المذكورة في الروايات لم يتقيد بها فقهاء السلف , بل قالوا : المقصود طعام أهل البلد , وليس خصوص التمر , أو الزبيب , وحيث جاز الخروج على المنطوق به وإخراج غيره كالقمح والذرة فإنه يجوز إخراج القيمة نقدا لنفس السبب , فما أجاز الفقهاء الانتقال من التمر إلى الأرز , أو الذرة مثلا إلا لكونهما الأنفع للفقير " ولا داعي إطلاقا لهذه الزوبعة الموسمية كل عام فالقواعد تقول : " لا ينكر المختلف فيه ".
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: زكاة الفطر القيمة في زكاة الفطر اخراج زكاة الفطر هيئة كبار العلماء زكاة الفطر 2024 قيمة زكاة الفطر 2024 وقت إخراج زكاة الفطر 2024 رسول الله صلى الله علیه وسلم النبی صلى الله علیه وسلم من التمر رضی الله على أن
إقرأ أيضاً:
فهم القيمة القانونية الكبرى لاتفاق الهدنة في غزة
تعدُّ الهدنة في غزة خطوة قانونية وإنسانية طال انتظارها، لكن مسار الوصول إليها لم يكن سلسًا. فبينما تلكأت إدارة جو بايدن في ممارسة الضغط اللازم على إسرائيل لوقف التصعيد، جاء الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب بموقف مختلف تمامًا، حيث فرض الهدنة بقوة ودون تأخير.
في تحول لافت، دفعت إدارته نحو التهدئة، حتى إن أحد مبعوثيها فرض على الجانب الإسرائيلي الاستمرار في العمل يوم السبت، وهو ما يعد خرقًا للعادات الإسرائيلية التقليدية، مما يعكس أن الإرادة الأميركية فيما لو توفرت فإنها تستطيع إنهاء المعاناة الإنسانية للفلسطينيين.
لقد جاء هذا التحرك بعد رفض إسرائيل عروضَ هدنة سابقة، مما أدى إلى تفاقم الكارثة الإنسانية في غزة، حيث تجاوزت التكلفة البشرية والمادية حدود المخاوف، مخلفة عشرات آلاف الضحايا المدنيين، ودمارًا هائلًا في البنية التحتية.
يستعرض هذا المقال التعريف القانوني للهدنة، كما يناقش تأثير هذه الخطوة على الوضع الإنساني في غزة، وآليات ضمان استمرارها من قبل الأطراف الدولية. ويطرح تساؤلات حول قدرة هذه الهدنة على الصمود، وهل تمثل تغييرًا جوهريًا في التعامل مع الصراع أم مجرد استراحة مؤقتة في ظل معاناة إنسانية متفاقمة؟
إعلان تعريف الهدنة قانونيًاالهدنة، في القانون الدولي، تُعرف بأنها اتفاقٌ بين الأطراف المتحاربة لوقف الأعمال العدائية مؤقتًا. وفقًا لاتفاقيات جنيف وخاصة البروتوكول الأول (1977) – الذي يوسّع نطاق الحماية للضحايا في الحروب الدولية – الهدنة هي توقف القتال الفعلي لفترةٍ محددة تتفق عليها الأطراف المتحاربة، مما يسمح بإجلاء الجرحى، وتبادل الأسرى، وتوفير المساعدات الإنسانية.
كما تنص المادة 15 من البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977 على أن أي اتفاق هدنةٍ يجب أن يضمن اتخاذ تدابير لحماية الجرحى، وتأمين المساعدة الإنسانية لهم، مما يجعل الالتزام بالهدنة واجبًا قانونيًا وفق القانون الدولي الإنساني.
هذا الاتفاق لا يعني نهاية الحرب بل هو مجرد وقفٍ مؤقت للعمليات القتالية، ويمكن أن يتضمن أيضًا إجراءاتٍ لإعادة الأسرى لديارهم أو لمواصلة المفاوضات السلمية. يُعتبر تنفيذ الهدنة جزءًا من القانون الإنساني الدولي، حيث تحدد الاتفاقيات والبروتوكولات الدولية الملحقة الطريقة التي يجب أن تتبعها الأطراف لتجنب انتهاكات حقوق الإنسان.
الظروف الواقعية والقانونية لغزة تحت الاحتلالقطاع غزة، بمساحته الضيقة والكثافة السكانية العالية، محاط بإسرائيل ومصر، وتحت حصار دام لسنوات. من الناحية القانونية، يعتبر الوضع في غزة معقدًا؛ بسبب تأثير الاحتلال الإسرائيلي المستمر منذ عام 1967، على الرغم من انسحاب إسرائيل من القطاع عام 2005.
الحصار وتحكم إسرائيل في الحدود البحرية والجوية والبرية يعني أن غزة لا تزال تحت السيطرة الإسرائيلية من الناحية القانونية الدولية كمنطقة محتلة. وفقًا للمادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، يحظر على الدولة المحتلة القيام بأي أعمال تؤدي إلى تغييرات دائمة في الأراضي المحتلة، إلا إذا كانت هذه الأعمال تقتضيها ضرورة عسكرية أو تستهدف تحسين حال السكّان المحليين.
الظروف الاقتصادية والإنسانية في غزة تعاني من تدهور شديد نتيجة للحصار، مما يقلل من إمكانية الوصول إلى الموارد والخدمات الأساسية. تأثير الحصار يمتد ليشمل تدهور البنية التحتية، مثل؛ الطاقة، والمياه، والرعاية الصحية، مما يجعل الحياة اليومية في غزة صعبة للغاية.
إعلانبموجب القانون الإنساني الدولي، تكون قوة الاحتلال مسؤولة عن توفير الضروريات الأساسية للسكان المدنيين. المادة 47 من اتفاقية جنيف الرابعة تُلزم القوة المحتلة بضمان الغذاء والماء والرعاية الصحية، واحترام حقوق المدنيين.
في ضوء هذه الالتزامات القانونية، فإن استمرار الحصار والعمليات العسكرية، يثير تساؤلات حول مدى التزام إسرائيل، كقوة احتلال، بمسؤولياتها القانونية، وهو ما تسعى منظمات حقوق الإنسان إلى تقييمه باستمرار.
في 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، أعرب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، عن موقفه بأن عملية السابع من أكتوبر/ تشرين الأول لم تأتِ من فراغ، مشيرًا إلى أن هذه العملية ليست منعزلة عن السياق السياسي والإنساني المعقد الذي تعيشه غزة والضفة الغربية والقدس، ما يعني أن الاحتلال هو سبب كل الكوارث الإنسانية، بما فيها رد فعل الاحتلال المفرط على عملية السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، والآثار الإنسانية الكارثية بعد مرور أكثر من 467 يومًا من الحرب على غزة.
هذا الوضع أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية، حيث شهدت غزة كارثة إنسانية غير مسبوقة، مما يجعل التدخل الدولي وضرورة وقف الحرب أكثر أهمية من أي وقت مضى.
وكما أن مصداقية العالم المتحضر ومقاصد الأمم المتحدة باتت على المحك، فقد أصبحت الهدنة مطلبًا حضاريًا أكثر منها مطلبًا سياسيًا أو إستراتيجيًا. فالهدنة الآن ليست مجرد وقف للقتال، بل هي استجابة لنداءات الإنسانية، واختبار للقيم الحضارية التي يدعي العالم التمسك بها.
كيف جرى التوصل لوقف إطلاق النار الآن؟إن وقف إطلاق النار في غزة تطلّب مفاوضاتٍ معقدة وشاملة بين الأطراف المتحاربة، حيث تكون هناك حاجة دائمة لوساطةٍ دولية لتسهيل الاتفاق. الوقف الذي جرى في نوفمبر/ تشرين الثاني 2023 بين إسرائيل وحركة حماس بوساطةٍ قطرية ومصرية، يُعتبر مثالًا على ذلك، حيث شمل تبادل الأسرى والمحتجزين، وإدخال مساعداتٍ إنسانية إلى غزة، معتمدًا على توافق الأطراف على شروطٍ محددة وضماناتٍ لتنفيذ الهدنة.
إعلانتشمل هذه الضمانات تحديد الفترة الزمنية للهدنة ومراقبةً دولية تستخدم تكنولوجيا متقدمة مثل الأقمار الصناعية وكاميرات المراقبة؛ لضمان عدم الانتهاكات. هذا الوقف أصبح ممكنًا بعد أن كان عسيرًا في الماضي؛ بسبب عدة عوامل، منها زيادةُ الضغط الدولي بسبب الأزمة الإنسانية المتفاقمة، وتدهور الوضع الإنساني في غزة، وتغييرٌ في الإرادة السياسية، وتطوراتٌ إقليمية ودولية.
كما لعب تهديد الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب بتحويل المنطقة إلى "جحيم" إذا لم يتم التوصل إلى اتفاقٍ دورًا كبيرًا في دفع الأطراف نحو الهدنة، مما جعل من الوقف الآن أمرًا ضروريًا ومقبولًا من جميع الجوانب.
القيمة القانونية لإيداع اتفاق الهدنة لدى الأمم المتحدةيمكن للأطراف المتفقة على هدنةٍ، بما فيها حركة حماس كحركةِ تحررٍ وطنيٍ بحسب تقييم القانون الدولي، أن تودع الوثائق لدى الأمم المتحدة، مما يمنحها طابعًا دوليًا رسميًا ويضفي عليها قوةً قانونيةً إضافية. وفقًا للمادة 102 من ميثاق الأمم المتحدة، يتعين تسجيل أي اتفاقٍ دولي يتم إبرامه بين الدول الأعضاء لدى الأمم المتحدة، وبمجرد تسجيله، يصبح الاتفاق جزءًا من السجل الدولي الذي يمكن الرجوع إليه قانونيًا في حالة النزاعات أو الانتهاكات.
مثالٌ على ذلك، قرار مجلس الأمن رقم 1701 الصادر في عام 2006، الذي أعقب الحرب بين إسرائيل وحزب الله في لبنان، حيث تم إيداعه لدى الأمم المتحدة، مما أدى إلى إنشاء قوةِ الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (UNIFIL) لمراقبة التزامِ الهدنة والانسحابِ الإسرائيلي من جنوب لبنان، واستمرار الهدنة حتى سبتمبر/ أيلول 2024.
إيداع الاتفاق يضمن الشفافية ويزيد من الزخم الدولي لدعمه، حيث يصبح خاضعًا للإجراءات القانونية التي تنظم العلاقات بين الدول. بالإضافة إلى ذلك، يعزز الإيداع من إمكانية مراقبة الالتزام بالاتفاق عبر الأمم المتحدة، ما يمنح الأطراف الضامنة والوسطاء الدوليين أدواتٍ قويةً لضمان تنفيذ بنود الاتفاق.
في حالة حركة حماس، يمكن أن يساعد هذا الإطار القانوني في تعزيز الالتزام بالهدنة وحماية حقوق المدنيين، معتمدًا على الالتزام بمبادئ القانون الإنساني الدولي، كما حدث في محاولات الوحدة الفلسطينية بعد انتخابات 2006.
ومن الناحية العملية، فإن إيداع الاتفاق يمنح الأمم المتحدة الحق في متابعة تنفيذ الاتفاق وإعداد تقاريرَ دوريةٍ حول مدى الالتزام به. كما يمكن أن تستخدم الأمم المتحدة هذا الإطار القانوني للضغط على الأطراف للامتثال من خلال اللجان المتخصصة أو من خلال قرارات مجلس الأمن، مما يجعل الاتفاق أكثرَ استقرارًا وفاعلية.
ومع ذلك، فإن نجاح هذا الإجراء يعتمد على عدة عوامل، منها إرادةُ الأطراف المتنازعة، وفاعليةُ الدور الأممي في المراقبة، والتزامُ المجتمع الدولي بدعم الاتفاق. ليس كل اتفاقٍ يصل إلى هذه المرحلة بسهولة، حيث تتطلب العملية أحيانًا مفاوضاتٍ مطولةً وتوافقًا شاملًا لضمان القبول الدولي. وفي سياق غزة، يمكن أن يكون هناك تحدياتٌ إضافية؛ بسبب عدم الاعتراف الدولي بحركة حماس كدولة، لكن تسجيل الاتفاقات يمكن أن يكون خطوةً نحو تعزيز التزامهما بالمبادئ القانونية الدولية.
إن الوحدة الوطنية الفلسطينية، وإنشاء حكومة وحدةٍ وطنيةٍ فلسطينية قد يعالج مشكلة إيداع الاتفاق لدى الأمم المتحدة، ولكن حتى ذلك الوقت، يمكن لحركات التحرر الوطني أن تودع الاتفاقات لتعزيز التزامها بالمبادئ القانونية الدولية.
الهدنة في إطار الصراع العربي الإسرائيليالهدنة، من الناحية القانونية، لا تؤسس بذاتها لوقف إطلاق نار مستدام، خصوصًا في سياق الصراع العربي الإسرائيلي الذي يتسم بتعقيداته التاريخية والسياسية المرتبطة بالاحتلال الإسرائيلي.
تُعد الهدنة إجراءً مؤقتًا يهدف إلى وقف الأعمال العدائية وتهيئة بيئة تفاوضية لمعالجة القضايا الجوهرية، مثل؛ إنهاء الاحتلال، وضمان السيادة الفلسطينية في إطار حدود الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس كعاصمة لدولة فلسطين، واحترام حقوق المدنيين. ورغم أن الهدنة قد تمثل خطوة أولى نحو تحقيق الاستقرار، فإن نجاحها يعتمد بشكل كبير على وجود إرادة سياسية قوية ودعم دولي حاسم.
إعلانوعلى سبيل المثال، أثبتت التجارب السابقة، كما في حالة اتفاق دايتون الذي أنهى حرب البوسنة والهرسك، أن الهدنة قد تكون نقطة انطلاق نحو سلام دائم. ومع ذلك، يواجه الصراع العربي الإسرائيلي تحديات إضافية؛ بسبب تعقيداته المرتبطة بالحدود، والسيادة، وحقوق اللاجئين.
كما تتيح الهدنة فرصة لتحليل الأسباب الجذرية للصراع، مثل؛ السيطرة على الموارد، وانتهاك حقوق الفلسطينيين، وقضية اللاجئين، وهو ما يحتاج إلى معالجة شاملة لضمان إدراجها في أي مفاوضات مستقبلية.
يبقى دور المجتمع الدولي محوريًا في ضمان تنفيذ الهدنة، ومراقبة التزام الأطراف المعنية، لا سيما إسرائيل كدولة احتلال، بالقوانين الدولية ذات الصلة.
في هذا السياق، يمكن أن تمثل الهدنة أساسًا لإجراء محادثات أعمق واستكشاف حلول دائمة لأسباب الصراع، لكنها تظل مجرد خطوة مبدئية ما لم تصاحبها جهود حقيقية لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وضمان حقوق الشعب الفلسطيني بما يتماشى مع القانون الدولي.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية