ترامب يشبّه نفسه بـمانديلا العصر الحديث
تاريخ النشر: 7th, April 2024 GMT
شبّه الرئيس الأميركي السابق ومرشح الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية المقبلة دونالد ترامب السبت نفسه بـ"مانديلا العصر الحديث"، في خطوة انتقدها بشدّة معسكر منافسه الرئيس الديمقراطي جو بايدن.
وجاء تشبيه دونالد لنفسه بنيلسون مانديلا في خضم مهاجمته المتواصلة للقاضي خوان ميرشان الذي ينظر في إحدى التهم الموجهة لترامب والمتعلقة بدفع أموال بطريقة مخالفة للقانون إلى نجمة أفلام إباحية للتكتم على علاقة تقول إنها جمعتهما سويا.
وتمثل تلك القضية واحدة من 4 دعاوى جنائية وجهها القضاء العام الماضي للرئيس السابق، والتي تصل العقوبة في كل منها إلى السجن.
وحسب وكالة الصحافة الفرنسية، ينشر ترامب بانتظام على شبكات التواصل الاجتماعي رسائل تحريضية ضد القاضي المكلف بترؤس تلك المحاكمة، في حين فرض القاضي قيودا على التصريحات الصادرة عن المتهم والمتعلقة بهذه الدعوى.
وفي منشور طويل جدا نشره على شبكته "تروث سوشال" للتواصل الاجتماعي، فصّل ترامب بإسهاب هذه القيود المفروضة عليه، متهما القاضي بـ"انتهاك القانون والدستور في الوقت نفسه".
وقال ترامب "إذا كان هذا الدجّال المنحاز يريد أن يزجّ بي في السجن لقولي الحقيقة الواضحة والجلية، فسأصبح بكل سرور نيلسون مانديلا العصر الحديث، سيكون ذلك شرفا عظيما".
ترامب ومانديلا والمسيحوهذه ليست المرة الأولى التي يقارن فيها ترامب نفسه بالزعيم التحرري الجنوب أفريقي الذي أنهى نظام الفصل العنصري في بلاده في تسعينيات القرن الماضي بعدما أمضى 27 عاما في السجن.
وفي تجمّع انتخابي في 2023 قارن ترامب نفسه بالرئيس الجنوب أفريقي الذي رحل في 2013.
وقبل أيام قليلة وصل الأمر بترامب لأن ينشر على حساباته في مواقع التواصل الاجتماعي رسما يظهر فيه ما يمثل صورة المسيح عيسى عليه السلام جالسا بجانبه في قاعة المحكمة كما لو أنّ الاثنين يحاكمان سويا.
وسارعت حملة الرئيس الديمقراطي جو بايدن المرشح لولاية ثانية في انتخابات الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل إلى انتقاد ترامب على هذه المقارنات.
وبنبرة ملؤها السخرية، قالت المتحدثة باسم الحملة ياسمين هاريس في بيان "تخيّل أن تكون أنانيا لدرجة أنك تقارن نفسك بالسيد يسوع المسيح وبنيلسون مانديلا في غضون أسبوع ونيف".
يذكر أن محاكمة ترامب في قضية نجمة الأفلام الإباحية ستبدأ اعتبارا من 15 أبريل/نيسان الجاري.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ ترجمات حريات
إقرأ أيضاً:
لماذا يزداد الحديث عن الاستبداد وآثاره السلبية؟
بعد الأحداث المتسارعة مؤخرًا في سوريا، وسقوط النظام السابق، دون مقاومة تذكر، وسيطرة المعارضة المسلحة خلال أيام قليلة على البلاد بتلك السهولة والسرعة غير المتوقعة، والتي فاجأت الكثير من المحللين والسياسيين والمتابعين للأزمة السورية، وليس من هذه الفترة الأخيرة كما أشرنا، لكن منذ الأحداث الماضية في 2011، وما بعدها، وبدأ الحديث يتوسع في قضية الاستبداد والفكر الشمولي من العديد من الكتاب والباحثين، وغياب الأفق السياسي المنفتح على الداخل السوري، منذ العقود الماضية، خاصة غياب الحرية المسؤولة التي تسهم في إبعاد الاحتقان الفكري والسياسي، لبلد له تاريخ عريق في التعددية السياسية والحزبية في الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي، وعزا بعض هؤلاء الباحثين والكتاب إلى مسألة الاستبداد وآثره في انسداد هذا الأفق السياسي في عدم الاستقرار، ما يزيد على نصف قرن منذ القرن الماضي، والبعض الآخر من الباحثين والكتاب الذين تأثروا بالفكر الغربي وأطروحاته الفكرية والفلسفية والسياسية، بدون مناقشة أو مراجعة، من أن الاستبداد بنية كامنة في الفكر العربي الإسلامي، وهذه ما سنناقشه في هذه المقالة بصفة مختصرة لتوضيح مفهوم الاستبداد بين رؤيته في التراث الإسلامي وعته في الفكر الغربي المعاصر.
فقد نسب بعض هؤلاء إلى بعض الدراسات والكتابات حول الاستبداد.. ماذا يعني؟ ومن أين جاءت التسمية؟ وما هي الرؤية الأخرى حول فكرة المستبد العادل التي طرحها كل من الشيخ محمد عبده، وكذلك جمال الدين الأفغاني، وربط البعض أن هذه المقولة التي قالها الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، والتي اعتبرت أن الاستبداد كامنة في التراث العربي الإسلامي من خلال مفهوم هذا المصطلح، أو كما هي تعود من خلال مقولات مفكرين معاصرين، ثم أصبحت تطبق تطبيقا واقعيًا كما جاءت في هذا التراث حسب مقولاتهم، من خلال بعض الأنظمة التقليدية في عالمنا العربي التي أقيمت بعد خروج الاستعمار، أو التي تعاني من الاضطراب والنزاعات قبل استقرارها السياسي في القرن الماضي.. والحقيقة أن هذه الفكرة أو المقولة التي قيلت عن الاستبداد في التراث العربي/ الإسلامي، جاءت محرّفة عن معناها الصحيح في التراث، بحيث لا تعبر عن المفهوم المتعارف عليه في هذا التراث العربي الإسلامي، وهو «الحزم» و«عدم التردد في اتخاذ القرار»، وليس بمعنى الاستبداد وفق المفهوم الغربي وهو الانفراد بالرأي والسلطة، دون أن تكون هذه السلطة، خاضعة للقانون ودون النظر إلى رأي المحكومين من خلال المجالس النيابية.. إلخ. أما مفهوم الاستبداد في القاموس العربي الإسلامي فلم يكن له ذلك المضمون السلبي الذي أشرنا إليه آنفا في المرجعية الغربية ولا يتقارب معه بشكل من الأشكال فقد كان «الاستبداد» كمضمون في القاموس العربي الإسلامي يعني «الحزم وعدم التردد في اتخاذ القرار وتنفيذه». ومن هنا جاءت تلك العبارة الشهيرة كما يرى محمد عابد الجابري: «إنما العاجز من لا يستبد». وهذا هو معنى الاستبداد في المرجعية العربية خصوصا عندما يقرن بـ«العدل». فالعدل يفقد مضمونه مع العجز عن تطبيقه. أما الاستبداد من دون عدل فكان له اسم آخر في المرجعية العربية وهو «الطغيان».
فكيف انتقل هذا المفهوم «الاستبداد» بمضامينه وحمولته الفكرية الغربية إلى المفهوم العربي الإسلامي؟ ومن هو قائل هذه العبارة؟ وهل قصدت عبارة المستبد العادل بمعناها الغربي بتلك المضامين السلبية؟ كما أنها جاءت أيضا غير دقيقة من خلال بعض كتابات ومقالات بعض المصلحين، ومن هؤلاء عبد الرحمن الكواكبي في كتابه (طبائع الاستبداد)، وجمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبده من خلال مجلتهما (العروة الوثقى)، ويورد د. إمام عبد الله الفتاح إمام أن مقولة «المستبد العادل» انتقلت من أوروبا إلى الشرق.. فالحل الذي ارتآه جمال الدين الأفغاني لمشكلات الشرق إنما هو: «المستبد العادل» الذي يحكم بالشورى وقال ما نصه: «لن تحيا مصر، ولا الشرق بدوله، وإماراته، إلا إذا أتاح الله لكل منهما رجلًا قويًا عادلًا يحكمه بأهله على غير تفرد بالقوة والسلطان». وهذه المقولة التي قالها الإمام جمال الدين الأفغاني لا تعني أنه أيد الاستبداد بمضامينه المعروفة، إنما تعني الحزم والقوة والعدل في ظل الظروف التي يعيشها العالم الإسلامي في فترة تكالب الدول الاستعمارية للسيطرة عليه. فهذا القول لا يؤكد أنه يؤيد الاستبداد السلبي بمفهومه الديكتاتوري المتسلط». كما أورد الدكتور محمد عابد الجابري في كتابه «المشروع النهضوي العربي.. مراجعة نقدية»، أن الشيخ محمد عبده تحدث عن نموذج «المستبد العادل» وقال ما نصه: «إنما ينهض بالشرق مستبد عادل»، مستبد «يتمكن به العدل أن يصنع في خمس عشرة سنة ما لا يصنع العقل وحده في خمسة عشر قرنًا».
والواقع أن مقولة «المستبد العادل» التي قالها الشيخ محمد عبده، أو الحاكم القوي العادل عند جمال الدين الأفغاني في مناسبة واحدة فقط لا تعبر عن موقف ثابت من مسألة الاستبداد من هؤلاء الإصلاحيين المسلمين، حتى وإن كان مفهوم الاستبداد الذي قصداه يتوافق مع مفهومه في الغرب أو ربما جاء الطرح قبل أن يتكشفا الآثار الوخيمة للاستبداد، أما إذا كان مقصدهما الاستبداد بمعناها العربي الإسلامي كما أشرنا فإن المسألة واضحة وتتقارب مع كتاباتهما ومقالاتهما الإصلاحية.
وهذا أيضًا لا يستقيم ـ إن كانت الإشارة ـ المستبد العادل ـ قصد بها سياسة اتبعها الخليفة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) وهذا ما يعد مخالفًا لسياساته ومواقفه وأعماله العظيمة في الشورى والعدل والمواقف الإنسانية الأخرى التي تخالف مفاهيم الاستبداد وتطبيقاته العملية. ففي كتابات الإصلاحيين الإمام جمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبده الكثير من الآراء الناقدة للاستبداد ومخاطره على الأمة والنهضة والتقدم. فقد كتب جمال الدين الأفغاني في مجلة «العروة الوثقى» العديد من المقالات هاجم فيها الاستبداد هجومًا عنيفًا، واعتبر أن الاستبداد أساس بلاء الأمة وشقائها ومما قاله «أن الأمة التي ليس في شؤونها حل ولا عقد، و لا تستشار في مصالحها، ولا أثر لإرادتها في منافعها العمومية، وإنما هي خاضعة لحكم واحد إرادته قانون، ومشيئته نظام، يحكم ما يشاء، ويفعل ما يريد، تلك أمة لا تثبت على حال واحد، ولا ينضبط لها سير». ويعلق د. عبد الإله بلقزيز على طرح الأفغاني بقوله إن: «نقد الاستبداد في الفكر الإصلاحي الإسلامي الحديث.. جرى الاعتناء ـ في الأولى ـ بالكشف عن جذور هذا الاستبداد في أزعومة الحق الإلهي، التي قامت عليها فكرة السلطة الدينية في الإسلام، وكان الاستزراع بها من قبل الحكام طريقًا لهم إلى إطلاق يدهم في الدولة وحقوق الرعية. أما في الثانية، فجرى الانصراف إلى تعيين أشكال الاستبداد السياسي المختلفة، والكشف عن نظامه أو عن نمط اشتغال آلياته (بلغة عصرنا)».
وفي مقالة الأفغاني حملت عنوان «الحكومة الاستبدادية» نشرت في جريدة «مصر» عام 1879 قال فيها جمال الدين: «إن من يساسون بالحكومة الدستورية تستيقظ فيهم الفطرة الإنسانية السليمة التي تحفزهم للخروج من حياتهم البهيمية الوضيعة لبلوغ أقصى درجات الكمال والتخلص من نير الحكومة الاستبدادية التي تثقل كواهلهم». كما أن جمال الدين الأفغاني ـ عند المنصف الأمين كما يشير د. محمد عمارة لا يدع مجالًا للشك في انحيازه إلى مبدأ «الأمة هي مصدر السلطات» في سياسة المجتمع «بما يعنيه ذلك من ضرورة استمداد السلطة الزمنية قوتها من الأمة»، والتزامها بتحقيق مصالح الأمة وحقوقها، وخاصة «في الأمن.. والعدل».. وذلك بالمبدأ القائل ـ وفق ألفاظ الأفغاني: «أن الإرادة الحرة للشعب الحر هي القانون»!.. وفي هذه المعاني المحددة والواضحة يقول جمال الدين الأفغاني: «إن السلطة الزمنية، بمليكها أو سلطانها، إنما استمدت قوتها من الأمة لأجل قمع أهل الشر، وصيانة حقوق العامة والخاصة، وتوفير الراحة للمجموع بالسهر على الأمن، وتوزيع العدالة المطلقة، إلى آخر ما في الوازع والسلطان من المنافع العامة».
ومن هذه المنطلقات حارب الإسلام الاستبداد - بمفهومه الحديث المعاصر- وعمل على التحذير منه ومن مخاطره على التقدم والنهوض، وإذا كانت بذرة الاستبداد ومصادرة حرية الإنسان هي بداية الطريق الذي أدى إلى الانحطاط الحضاري في الإسلام، فإن النهوض الحضاري الجديد لا بد أن يبدأ من العودة إلى تحرير الإنسان المسلم من كل الأغلال والقيود بناء على صحة قول القائل بأن آخر هذه الأمة لا يصلح إلا بما صلح به أولها. وكان صلاح أول هذه الأمة قد تم عبر إرساء مفهوم الحرية بمعناها الواسع حين جاء القرآن إلى الناس بمفهوم (ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم) الأعراف:( 157). فمقولة «المستبد العادل» التي قيل إن لها أصلا في التراث العربي الإسلامي، ونقلت عن بعض المفكرين المصلحين المسلمين في العصر الحديث، تحتاج إلى مراجعة عادلة وبحث عميق في هذا التراث الكبير، تبحث في حقيقة هذه المقولة ومفهومها الذي يتناقض مع التراث الإسلامي السياسي نفسه، ومع كتابات هؤلاء المصلحين والمفكرين قديما وحديثا. وإذا رجعنا إلى التراث الإسلامي وما قيل أن الخليفة عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ تنطبق على فترة خلافته فكرة «المستبد العادل» كما أشار البعض، فإن الآثار عن مواقفه وسياساته التي اختطها هذا الخليفة ـ الملقب بالعادل ـ تخالف وتناقض هذه الفكرة ـ وإن صح أنها قيلت عن خلافته ـ فهذا الخليفة ـ رضي الله عنه ـ عُرف عنه الحزم والإقدام والعدل والشورى والديمقراطية بمقاييس عصرنا، لكنه لم يعرف عنه التعسف والاستبداد والظلم وفق المضامين المعاصرة، ونعتقد أن هذه المقولة «المستبد العادل» جاءت في سياقات غير دقيقة وفهمت في غير مرادها، فإذا كان المقصود بعبارة الخليفة عمر ابن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ فإن تاريخ هذا الرجل يتنافر مع هذه السياسة، ويتناقض معها، كما أن العبارة نفسها «المستبد العادل» تتناقض مع نفسها، إذ نعتقد أنه لا يجتمع العدل مع الاستبداد، كما أن الحزم وعدم التردد في اتخاذ القرار، لا يعني الاستبداد والظلم والتعسف.