د.حماد عبدالله يكتب: الغناء اليوم وزمان !!
تاريخ النشر: 7th, April 2024 GMT
يسوقنى الحظ دائمًا أن أحضر مناسبة من مناسبات الأفراح ويُفْرَضْ على أن أبقى فى مكانى ضمن المدعوين حينما يقف مغنى شاب مهما كان إسمه فكلهم أو جميعهم بالنسبة لى سواء!!.
فلا يمكن أن أفرق بين ما يؤديه "عمرو" عن "زيد" !! والمقصود هنا كل المؤديين وليس عمرو دياب أوغيره !!
وتحدثت مع زميلى المجاور لى على طاولة العشاء فى هذه الدعوة الكريمة وسألته هل تستطيع أن تحفظ إسم أغنية أو مقطع مما يؤدى الآن من أشهر مطربى هذا الزمن !!وكانت الإجابة قاطعة لا !!
ورغم أن زميلى هذا يصغرنى بأكثر من عشرون عامًا على ما يبدو، إلا أنه إستكمل حديثه قائلًا أخر الأغانى التى إهتممت بكلماتها وشبه حفظها أغنية "من غير ليه" للمرحوم الموسيقار "محمد عبد الوهاب".
ورأيت أن أقرأ قليلا وأكتب لكم اليوم عن أعظم مؤدية فى حقل الغناء المصرى والعربى سيدة هذا العالم السيد أم كلثوم (رحمها الله رحمة واسعة).
حيث كان يقف إلى جانب صوت أم كلثوم نطقها وإلقائها وإخراجها للأغنية حيث تميزت (الله يرحمها) بدقة النطق للحروف العربية حيث أكتسبت ذلك فى سن مبكرة حينما حفظت القرأن الكريم فجودت نطقها وقومت لسانها وسلمت مخارج الحروف
وأكسبتها خواصها من حيث الِشدَّة والرخاوة والإفتتاح والتكرير إلى أخر هذا الفن الرقيق، كما قالت عنها المرحومة الأستاذة الدكتورة نعمات أحمد فؤاد
ولن أبالغ حينما أقول بأن السيدة أم كلثوم كانت دائمًا مضيفة لشيىء من نفسها أو من ذاتها لأى أغنية لها كلماتها ولها ملحنها ولكن حينما كانت تؤديها فهى تخرجها من أعماقها بما أحسسته حينما إختارت الكلمات وتدربت على اللحن.
ولعل فى وصف أداء أم كلثوم لأغانيها لم أجد سوى رحمها الله الدكتورة نعمات أحمد فؤاد تحلل فى أداء أم كلثوم لأغنية (أنا فى إنتظارك).
عايزة أعرف لتكون غضبان... أو شاغل قلبك إنسان.
أرق ما يكون إستعطافها فى هذا البيت وحينما تزيد وتعيد فى ترتيبه ويحلو ويرق وتسمعه عشرات المرات بصور إبداعية إنسانية مختلفة ثم البيت الأخر.
توعدنى بسنين وأيام... وتجينى بحجج وكلام، وتعيد وتكرر ونحب وننتظر وتقول الله!!
رحم الله كل متقن فى عمله، وأطال الله فى عمر من هم على نسقه بيننا !!
ولا أشك لحظة بأن مصر (ولادة) وسوف يأتى فى زمن قادم أم كلثوم وعبد الحليم وعبد الوهاب وأفذاذ أخرين وإن لم يكن فى عمرنا فالغد لناظره قريب !!
أ.د/حمــاد عبد الله حمـــاد
المصدر: بوابة الفجر
إقرأ أيضاً:
الشيخ ياسر السيد مدين يكتب: في حديث جبريل
حدَثٌ غريبٌ يستحق منَّا النظرَ والتأمل.. إنه ذلك الحضور الحسىّ لأمين الوحى سيدنا جبريل عليه السلام، فى صورة رجل غريب رآه الصحابة كما يرى بعضُهم بعضاً، وسمعوه كما يسمع بعضُهم بعضاً.
وقد جاءت أحداث هذا الحدَث جاذبة لكل الجالسين، بحيث تلفت انتباههم لكل ما يُقال، فالحاضر رجلٌ غريب تتطلع لمعرفته الأنظار، له وجه حسَنٌ لا تلتفت عنه العيون، طيّبُ الريح بحيث تأنسُ له النفوس، ثيابه نظيفة لا يُرى عليها شىء من آثار السفر كالغبار والعرق! رغم أنه غريب غير معروف، فليس من أهل المكان وليس ضيفاً على بعض أهله! إنه شأن يجذب الحواسّ.
ثم هو يسلم على سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ويستأذنه فى الاقتراب منه مراراً، وقد جاء وصف هذا فى رواية الإمام النَّسَائىّ التى جاء فيها «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس بينَ ظَهْرانَى أصحابه [أى: بينَهم]، فيجىءُ الغريب فلا يَدرى أيُّهم هو حتى يسألَ، فطلبنا إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم [أى: استأذناه] أن نجعلَ له مجلساً يعرفُهُ الغريب إذا أتاه، فبَنيْنَا له دُكَّاناً مِن طين [أى: دَكَّةً يقعد عليها] كان يجلس عليه، وإنا لجلوس ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم فى مجلسِه إذ أقبل رجلٌ أحسنُ الناس وجهاً، وأطيب الناس ريحاً، كأنَّ ثيابه لم يمسّها دنَس، حتى سلَّمَ فى طرَفِ البساطِ، فقال: السلام عليك يا محمدُ. فردَّ عليه السلام، قال: أَدنُو يا محمد؟ قال: «ادنُهْ». فما زال يقول: أدنو؟ مِراراً، ويقول له: «ادنُ»، حتى وضع يده على ركبتى رسولِ الله، صلى الله عليه وسلم».
هذه الأمور كلها تتآزر لجذب انتباه الجالسين، بحيث تعى قلوبهم كل ما سوف يُقال، أليس فى هذا إرشادٌ للمعلمين وللدعاة وللآباء كيف يهيئون نفوس مَن يريدون توجيه الكلام والنّصح إليهم بحيث تكون قلوبهم أوعية واعية لما يوجّه إليهم من إرشاد؟!
ثم يبدأ الحوار الذى يرويه لنا سيدنا عمر الفاروق، رضى الله عنه وأرضاه، فيحكى قولَ الرجل الغريب الذى تمثَّلَ فى صورته سيدنا جبريل عليه السلام، إنه يبدأ الكلام، فيقول: يا محمدُ أخبرنى عن الإسلام.
البدءُ بالسؤال عن الإسلام أمر منتظرٌ من غريب جاء ليعرفَ الدين؛ فليس هذا غريباً أو عجيباً، ولكن الغريب حقّاً هو ما سوف يقولُه سيدُنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، كيف يستطيع صلى الله عليه وسلم أن يُلخّصَ شأن هذا الدين الذى هو رسالة الله تعالى للعالمين فى كلمات قلائل.. لو قيل لجمع كبير من العلماء الذين أفنَوْا أعمارَهم فى دراسة هذا الدين أن يلخّصوه فى كلمات ما استطاعوا، إنهم يحتاجون أن يُفرّغوا حتى يضعوا مؤلَّفاً لبيان هذا الدين، ثم هم كلما أعادوا النظر فيه زادوا فيه وبدّلوا وغيّروا.
وها هو سيدُ الخَلق، صلى الله عليه وسلم، يُلخصُّ الإسلام فى كلمات قليلات، فيقول، صلى الله عليه وسلم: «الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقيم الصلاة، وتُؤتى الزكاة، وتصومَ رمضان، وتحجَّ البيت إن استطعتَ إليه سبيلاً».
لقد بدأ صلى الله عليه وسلم تعريفه للإسلام بقوله: «الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم». إن الإسلام يبدأ من الشهادتين الكريمتين؛ الشهادة لله تعالى بالوجود والوحدانية، والشهادة بصدق سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فى دعواه النبوة والرسالة.
ولا بد من الانتباه إلى خصوصية كلمة (أشهد) التى أشار إليها السادة العلماء، فإنه صلى الله عليه وسلم لم يقل بدلاً منها: (أعترف)، أو: (أُقرّ)، أو غير ذلك... وإنما قال: (أشهد) تلك الكلمة التى لا بد من أن ينطقها مَن يريد أن يدخل فى هذا الدين، ويُردّدها المسلم فى كل أذان وصلاة.
والشهادة يُعرّفُها العلماء بأنها «قولٌ صادرٌ عن علمٍ حصَلَ بمشاهدةِ بصيرة أو بصر»، إذن الإسلام يبدأ من هذه النقطة، من نقطة إزاحة أىّ غشاوة عن البصر والبصيرة، حتى يشهد الإنسان شهادة ليس فيها أدنى لبس بوحدانية الله تعالى وصدق رسالة رسوله الكريم، صلى الله عليه وسلم.