العظمة هى المكانة التقديرية الكبيرة والمرتبة الرفيعة التى يُصَنَّف فيها أعلام البشر جزاء ما قدَّموا لأممهم خاصة أو للإنسانية عامة.
ويأتى النبى محمد صلى الله عليه وسلم على رأس المائة من عظماء التاريخ الإنسانى الذين رتبهم الأمريكى مايكل هارت.
وحقيقة هذه العَظَمة المحمدية بحيثياتها قد قرَّرها القرآن الكريم وأرشدت إليها السنة النبوية قبل أن يشهد بها علماء الغرب والشرق من غير المسلمين.
ولا يمكن الوفاء بحصر تلك الحيثيات فى مقامنا هذا إذْ ليس فى المتاح سوى مرور الكرام على جانب منها:
أولا: المهمة الثقيلة التى أُلقيتْ على كاهله: (إنا سنلقى عليك قولا ثقيلا) ببعثه فى هذه البيئة الخاملة الجاهلة القاسية من جوالة الأعراب الأجلاف غلاظ القلوب، فكان لهم كما قال توماس كارليل: كالشهاب من السماء وسائر الناس كالحطب الذى تأجج حضارة وتمديناً من غرناطة إلى دلهى.
ثانيا: محيط رسالته الواسع: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)، والذى يشمل الإنسانية جميعها مستهدفا رحمتها وصلاحها، وما أصعب وأشقَّ أن يُكَلَّف شخص واحد بتغيير مسار العالم الدينى وتعديل مركزية حركة التاريخ البشرى لتنتقل إلى شبه الجزيرة العربية وليس يملك سوى إيمان يفوق الخيال وبيده كتاب: (أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور).
ثالثاً: المثالية الشخصية التى جعلت منه أُسوة وقدوة ونموذجا يحتذى: (لقد كان لكم فى رسول الله أُسوة حسنة)،
بما كان عليه من رحمة: (فبما رحمة من الله لنتَ لهم ولو كنتَ فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك)، وبما كان عليه من رفعةٍ وكمال أخلاقى فى القول والفعل والسلوك الخارجى والباطنى، مما استحق عليه شهادة إلهية وتزكية ربانية بأنه الرسول الأعظم أخلاقيا: (وإنك لعلى خلق عظيم).
رابعا: خاتم الأنبياء والمرسلين: (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين).
وذلك من أبرز جوانب عظمته صلى الله عليه وسلم التى عيّنها بنفسه: (فُضِّلتُ على النبيين بستٍ: أُعطيتُ جوامع الكلم، ونُصرتُ بالرعب، وأُحلتْ لى الغنائم، وجُعلت لى الأرض مسجدا وطهورا، وأُرسلت إلى الناس كافةً، وخُتم بى النبيون ).
فذلك الختم الذى يعنى ضرورةً انقطاع وحى السماء إلى الأرض يستلزم أن تكون الرسالة الخاتمة صالحة لكل زمان ومكان إلى أن تقوم الساعة، وأن يكون الرسول الأعظم مصدقا لمن قبله من الرسل وأن يكون كتابه: (وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه).
خامساً: صاحب الشفاعة الكبرى لكل الخلائق بتعجيل الحساب للتخفيف عنهم يوم القيامة: (أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع، وأول مُشفَّع).
سادسا: شهادته على العالمين يوم الحساب: (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا).
سابعا: ذو مقام القرب الإلهى الفريد مقام: (فكان قاب قوسين أو أدنى)، الذى لا يدانيه فيه أحد فى درجة القرب أثناء رحلة المعراج ولا فى كيفيته، إذ أنه فى هذا القرب الإلهى: (ما زاغ البصر وما طغى).
بينما موسى عليه السلام عندما: (وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجيا)، وسأل اللهَ الرؤية: (فلما تجلَّى ربه للجبل جعله دكا وخرَّ موسى صَعِقاً).
ثامناً: رِفْعة ذِكْره صلى الله عليه وسلم التى تكفل بها الله تعالى: (ورفعنا لك ذِكْرك) بحيث بات الشخص والاسم الأكثر تداولا وذِكْرا فى العالم من جهة الأشخاص التى تحمل اسمه (محمد) هويةً لها، ومن جهة الذين يلهجون باسمه على مدار الساعة فى الآذان خمس مراتٍ فى اليوم والليلة، فقدْ قُرِن اسمه باسم الله:
وضمَّ الإله اسم النبى إلى اسمه
إذا قال فى الخمس المؤذن أشهدُ
وشقَّ له من اسمه ليُجِلَّه فذو العرش محمودٌ وهذا محمدُ
وكذلك الذين يتعبدون بالصلاة عليه فى فروضهم الخمسة وفى نوافلهم استجابة لأمر الله: (إن الله وملائكته يصلون على النبى يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما).
المصدر: بوابة الوفد
إقرأ أيضاً:
الرواق فى القبائل المصرية
كنت وأنا صغير أحب الجلوس إلى جوار أبى وأعمامى لأستمع لأحاديثهم مع الضيوف، وكانت أحاديثهم شيقة وممتعة فى التاريخ والأنساب والشعر البدوى والشعر القديم كالمعلقات وحكايات عنترة وطرفة بن العبد والسجال الشعرى بين الفرزدق وجرير والأخطل وحرب البسوس وخلاف كليب وجساس وحيرة جليلة زوجة كليب وأخت جساس وانتقام الزير سالم، وكانوا يقولون سد كليب فى الناقة وهو مثل تتداوله الأجيال ولاحظت أن أحد الأعمام يخاطب الضيوف قأئلا: إن هناك رواق، فيصمت الضيوف برهة ويتم تغيير مسار الحديث إلى موضوعات أخرى تميل إلى الجدية والوقار، فبدأت اسأل عن معنى الرواق، فقيل لى إنه ثوب الحياء، وهذه مسألة جعلتنى ألاحظ هذا المسلك الاجتماعى الذى تتوارثه الأجيال، فرايت الأعمام لا يدخنون أمام من هم أكبر منهم تقديرا واحتراما وحياء ولا يجلسون وأعمامهم وقوفا وإذا جلسوا تكون هناك مسافة بينهم وبين الكبار ولا يتحدثون إلا إذا طلب منهم ذلك والأبناء لا يتحدثون فى مسائل الزواج او الحديث عن محاسن النساء أو أى موضوعات تتعلق بالعرى والابتذال والإسفاف أمام الأب والأعمام والأخوة الكبار، وكانوا لا يحملون أبنائهم أمامهم حياء منهم وهذه السمة السائدة فى المجتمع القبلى من أهم الخصائص المميزة والفريدة والتى تساهم فى الترابط الاجتماعى بين أفراد القبيلة وتحض على الاحترام المتبادل وتدل على النبل الإنسانى، فالحياء طريق الخير كله والمكانة العالية والرفعة المجيدة والسمو الأخلاقى وتجعل الفرد محبوبا ومحترما من الآخرين، وما كان الحياء فى أحد إلا علا شأنه بين الناس، وهو زينة للمرء، فالحياء مفتاح الخير ومن لا حياء له لاخير فيه، وكان النبى صلى الله عليه وسلم شديد الحياء، وجرأة الناس وفحشهم دليل فقدان الحياء، وعن أبى مسعود رضى الله عنه عن رسول الله أنه قال: «إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت» وعن أبى هريرة رضى الله عنه عن رسول الله «الحياء من الإيمان والايمان من الجنة والحياء خلق كريم ومسلك الرسل والأنبياء»، فعن أبوهريرة عن رسول الله أنه قال: إن موسى عليه السلام كان رجلا حييا ستيرا لا يرى من جلده شئ استحياء منه، والحياء لا شك فضيلة عظيمة إن وجدت فى مجتمع اتسم بالرقى الإنسانى والقيم السامية، وكانت قبائلنا المصرية ومازالت تحمل تلك المثل العليا المتمثلة فى الرواق ثوب الحياء وهو منهج الآباء يتناقله الابناء ويحرصون عليه برغم كل التحديات وعصر العولمة والميديا والشبكة العنكبوتية وغيرها من مؤثرات على سلوك الأبناء وتغيير نمط حياتهم وتفكيرهم ومجموعة القيم المجتمعية الدخيلة وتبقى الأسر المصرية تواجه وتتصدى لتلك الهجمات البربرية على مجتمعاتنا المحلية وتظل القيم التى توارثناها من الأجداد هى الميراث الحقيقى لنا للحفاظ على هويتنا وترابطنا وقوتنا واخلاقنا التى نتميز بها عن غيرنا ومن لطف أجدادنا أن جعلوا للحياء ثوب فأرادوا لها الحشمة والوقار فهى كلمة ليس ككل الكلمات ألبسوها ثوب ولباس التقوى ذلك خير وصارت رواق فبئس من لا رواق له الأم هى أعظم نعمة من الله تعالى.