OPPO تطلق سلسلة هواتف Reno11 5G في مصر
تاريخ النشر: 6th, April 2024 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
أعلنت شركة OPPO مصر عن إطلاق سلسلة هواتفها الجديدة Reno11 5G في السوق المصرية، والتي تتضمن هاتفي OPPO Reno11 F 5G و OPPO Reno11 5G، مُعززين بتقنيات متطورة وتصميمات أنيقة تلبي تطلعات المستخدمين الباحثين عن الجودة والأداء العالي. تم تصميم هذه السلسلة لتقديم تجارب ترفيهية مميزة مع بطارية تدوم طويلاً وأداء قوي غير مسبوق في فئتها.
هاتف OPPO Reno11 F 5G يأتي بتصميم مُلفت ونظام كاميرا ثلاثي بدقة 64 ميجابكسل وشاشة AMOLED بمعدل تحديث 120 هرتز، مما يجعله مثاليًا للمستخدمين الباحثين عن تجارب مشاهدة وتصوير استثنائية. من ناحية أخرى، يتميز هاتف OPPO Reno11 5G بتصميم أنيق يجذب الأنظار ونظام تصوير البورتريه فائق الوضوح بكاميرا رئيسية بدقة 50 ميجابكسل ونظام OIS لتثبيت الصورة، إضافة إلى سماعات رياضية مزدوجة.
تعكس سلسلة Reno11 الجديدة كليًا التزام OPPO بدمج التصميمات الأنيقة مع التقنيات الذكية التي توفر تجربة استخدام ممتعة للجميع. الهواتف الجديدة تأتي بوزن خفيف وتصميم رفيع، مع خصائص مقاومة للماء ودرجات تحمل عالية تضمن الاعتمادية في مختلف الظروف. بالإضافة إلى ذلك، تقدم شاشات AMOLED المتطورة تجربة مشاهدة غامرة بألوان نابضة بالحياة ودرجات سطوع عالية، مع تحديثات سلسة تثري تجارب التواصل الاجتماعي والترفيه.
كلا الهاتفين يُبرزان مهارات OPPO في التصوير، حيث يقدمان تجارب تصوير استثنائية سواء في الضوء الطبيعي أو البيئات المنخفضة الإضاءة، مع قدرات تصوير البورتريه المتقدمة والفيديوهات 4K الواضحة.
OPPO توفر أيضًا تجربة استخدام متكاملة مع واجهة ColorOS 14، التي تجمع بين الجمال، الأمان، والإنتاجية العالية. تم تحسين الأداء والتخزين بشكل كبير، مع التركيز على توفير تجربة مستخدم.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: شركة OPPO OPPO Reno11
إقرأ أيضاً:
الخاص والمشترك في تجارب وأحوال الأمم
هناك دائمًا سمات ومبادئ وحقائق مشتركة وأزلية بين المجتمعات الإنسانية في كل مكان في العالَم وعبر كل العصور، غير أن الفروق والاختلافات المحلية الدقيقة تؤثر تأثيرًا لا يستهان به على النتائج التي تميّز في النهاية خبرة كل مجتمع عن الآخر.
يُثير هذا المقال مشكلة تتمثّل في وضع ظواهر وحوادث مختلفة بالنوع والزمان والمكان في لائحة تفسيرية واحدة، والتعامل معها معرفيًا وكأنها الشيء نفسه وجودًا وعدما، كمًّا وكيفًا.
لهذه المشكلة وجهان: وجه عملي تجريبي وآخر نظري منهجي؛ فالوجه المنهجي يتعلّق بالأخطاء المعرفية التي قد تنتج عن قياس بلد بآخر والمطابقة بينهما في الحكم والمصير، كما يتعلق بتلك الأخطاء التي تنتج عن المماثلة غير المشروطة بين تجربتين وظاهرتين حدثتنا في مكانين وزمنين مختلفين.
أما الوجه العملي فيتعلق بالمخاطر والمفاسد العامة التي قد تنتج عن استعارة مذهبٍ سياسيٍّ، أو اجتماعي، أو فكرةٍ أو نظامٍ أو شرعٍ، ونقله من بلد لتطبيقه بتعسف في بلد آخر دون حسابٍ للفارق في الظروف والقوى بين البيئتين والسياقين والزمانين، ودون حساب للمنافع والمضار.
غرامشي والهندسة المعمارية
صاغ الفيلسوف الماركسي الإيطالي أنطونيو غرامشي (توفي 1937م) قاعدة نظرية منطقية تنصّ على أنه إذا تشابهت بُنيتان في الأساس (أي في الأساس المادي الاقتصادي والجغرافي، الموارد ونمط الإنتاج)، ينتج عن ذلك بنيتان فوقيتان (بُنى الفكر والنظر والعقل) متعادلتان بحيث يمكن أن تترجَم كلٌّ منهما إلى الأخرى أيًّا كانت اللغة القومية الخاصة.
“البنية الفوقية”و”البنية التحتية” تعبيران استعارهما ماركس من عالَم الهندسة المعمارية إلى حقل الدراسات الاجتماعية والتاريخية، فالبنية الفوقية تشير إلى الإيديولوجيا والدين والثقافة والشرائع والمعاني والمُثل النظرية وما يرتبط بها من أدب وفكر، أما البنية التحتية فتشير عمومًا إلى الاقتصاد ونِحَل المعاش والموارد والصنائع ووسائل الإنتاج وعلاقات الإنتاج.
في الفلسفة القديمة، نجد لهذا التصوّر نظائر تتألف من ثنائيات مشهورة مثل الروح والمادة، الفكر والعمل، اللفظ والمعنى، الجواهر والأعراض، العقل والحسّ. وكان ماركس يرى أن البنية الفوقية تعبيرٌ وانعكاس عن البنية التحتية، ثم يربط “فهم قانون أو فلسفة أو أخلاق حقبة معينة بالكشف عن شكل النظام الإنتاجي في تلك الحقبة”.
وإذا كان هيغل يبحث عن روح العصر في الفلسفة، في تصور رجال العصر المدروس للإنسان، ثم يربط ذلك التصور بالتصورات اللاحقة، فإن ماركس يقول إن روح العصر هو بالضبط علاقة الإنتاج في ذلك العصر، وقد استند محمد عابد الجابري إلى قاعدة غرامشي في تعقيبه على آراء خصمه عبد الله العروي الواردة في كتاب “الإيديولوجيا العربية المعاصرة”.
بين العروي والجابري
ما يقوله الجابري باختصار، هو أن أوجه الشبه السطحية الملحوظة بين البُنية الفوقية الألمانية في القرن الثامن عشر والتاسع عشر والبُنية الفوقية السائدة في العالم العربي (سبعينات القرن الماضي)، قد أغرت العروي فسارع في كتابه إلى ترجمة هذه إلى تلك “ناسيًا الاختلاف الكبير بين الأسس المادية التي قامت أو تقوم عليها كلتا البنيتين”.
بحسب الجابري، واستنادًا إلى قول غرامشي نفسه، فإن ما قام به العروي “هو مقارنة ومقابلة كيفيةٍ معينة، بكيفية معينة أخرى، أي فكرٍ بفكر، مع إغفال أن للكيفية الأولى كمًّا خاصا (اقتصاد خاص)، وأن للكيفية الثانية كمًّا خاصًّا أيضا (اقتصاد ومعطيات اجتماعية خاصة). هنا يكمن في نظرنا، خطأ العروي.. خطأه الكبير!”.
ويوجز الجابري نقطة خلافه “مع الأخ العروي بخصوص المنهج”، في أن العروي يعتمد “طريقة المقايسة اعتمادًا كليًا الشيء الذي يجعله يفكر في قضايا الأمة العربية من أرضية غير الأرضية العربية مسقطًا من حسابه معطيات اجتماعية واقتصادية وسياسية وثقافية ينفرد بها المجتمع العربي، وعلى رأسها عامل الهيمنة الإمبريالية والتبعية بمختلف أشكالها وأنواعها”.
لا ننوي التفصيل في سجال العروي والجابري، لا يهمنا موضوعه ولا ما انتهى إليه. ما يهم هو الاستفادة من القاعدة في الاعتراض على الشيء الذي أراد الجابري الاعتراض عليه في كتاب العروي، سواءًا كان محقًا في فهمه لأطروحة العروي أم مبطلًا, إذ يمكن صياغة القضية التي نحن معنيون بها في المقال على هذا النحو:
إذا كان من السهل الاستنساخ النظري لمذهب سياسي، أو شعار، أو فكرة أو عقيدة سادت وتمكنت في بلاد بعيدة، فإن استزراعها وتوطينها عمليًا في بلد آخر، أملًا في تحصيل نتائج مطابقة هو هدف صعبُ المنال لاختلاف “البُنية المادية التحية” للبلدين، وهذا يشمل البيئة والخواص الطبيعية والاجتماعية والمقدمات التاريخية ومجموع الظروف والمؤثرات المحيطة، وهذا هو الوجه العملي في المشكلة محل البحث.
ومن المنطلق نفسه نقول إن اليمن -أو أي بلد آخر- لا ينبغي أن يُفهم ويُستَشرَف مستقبلُه إلا في ضوء تاريخه وخصائصه وإمكاناته لا في ضوء تواريخ وخصائص وإمكانات الآخرين. وهذا الوجه المنهجي النظري من المشكلة.
تستطيع –فردًا كنت أو جماعة- أن تبني لنفسك فكرًا واتجاهًا على نموذج مستوردٍ من بلد أجنبي، لكن ما لا تستطيعه هو أن تجعل من اليمن -وضعًا وموقعا وتركيبًا وتاريخًا ومناخًا وموارد ومصيرًا وطنيًا – صورة مطابقة لذلك البلد: مثلًا يمكن أن تكون خمينيًا، بالفكر والسلوك والهيئة، لكن يستحيل أن تجعل اليمن -كل اليمن- صورة من إيران، يمكن أن تكون طالبانيًا، بالفكر والسلوك والهيئة، لكن يستحيل أن تجعل اليمن -كل اليمن- صورة من أفغانستان، يمكن أن تكون مثل حزب الله لكن يستحيل أن تجعل اليمن صورة من لبنان.
مذاكرة الأمم
وفي القرن الماضي، كان من الممكن أن تكون صينيًا على مذهب ماو تسي تونغ أو روسيًا سوفيتيا على مذهب لينين لكن مع استحالة أن تجعل اليمن صورة من الصين أو الاتحاد السوفيتي!
والسبب أنك إذا وفّقت في مطابقة الكيف، فلن توفَّق في مطابقة الكمّ. تنسخ الفكر وتمسخك المادة، إن صحّ التعبير، فقد كان الشاعر اليمني عبد الله البردوني (توفي 1999م) يُنكر قياس حكام اليمن على فراعنة مصر، لأن الفرق بين اليمن ومصر، كما يقول، كالفرق بين سد مأرب ونهر النيل، وأن هذا الفارق هو مصدر الاختلاف بين الحميريين والفراعنة مثلًا.
والمعنى أن التفاوت الهائل بين طبيعة اليمن ومصر يشير لزومًا إلى تفاوت في إمكانية أن تكون فرعونًا، أي أن تكون حاكمًا قويا مسيطرًا معبودًا، فـ “الفرْعنة” – ونعني بها الحكم الشمولي، أو الطغيان – هي بالدرجة الأولى إمكانية طبيعية (جغرافية وبيئية). وهذا صحيح إلى حد كبير.
مع ذلك، لسنا هنا أبدًا ضد التعلّم من الآخرين وتقليدهم، ولا ضد الأخذ بما لديهم من أفكار وتجارب وحِكم؛ بل على العكس تمامًا، فإذا كان العرب قديمًا يقولون إن “مذاكرة الرجال تلقيح لألبابها”، فنحن نقول إن مذاكرة الأمم والمجتمعات لبعضها تلقيح لألبابها وتكثير لعلومها وإخصاب لمحصولها من أسباب السعادة والرقي، وأردد مع رائد الفكر المصري الحديث أحمد لطفي السيد أن تقليد الشعوب والحضارات لبعضها أصل من أصول التطور، مع التنبيه إلى أن “الاعتدال فيه فضيلة لازمة للرقي والإفراط في تناوله ضرر وسخرية”.
من المهم النقل من الغير لكن بمقدار معيّن، ومن المهم القياس والمقارنة العملية مع الغير، ولكن أيضًا بمقدار. وأما النقل، فالقصد نقل النافع والصالح والجليل من الفكر والقول والصناعة والعمل، لا الضّار والفاسد منها، مع مراعاة الفارق الدقيق بين المنقول عنه والمنقول إليه في الكيف والكم، في النفس والبدن، المادة والروح.
للتوضيح أكثر، سأعرض في السطور التالية مثالًا حيًّا من تاريخ اليمن المعاصر على المسألة محلّ البحث نستخلصه من مذكرات رئيس اليمن الجنوبي الأسبق علي ناصر محمد في تفسيره لصعوبات بناء الدولة في الجنوب بعد الاستقلال، حيث يلقي باللوم على ما يصفها بـ “التنظيرات الخاطئة والأطروحات القادمة من بيروت بتدمير الدولة القديمة وبناء جهاز إداري جديد”.
والرجل يقصد هنا تلك الموجة القويّة من العقائد والمُثل التقدمية الثورية التي كان يحمل لواء التبشير بها مثقفون وقادة حركيون عرب عبر لافتات تنظيمية قومية عروبية ومبادىء اشتراكية ماركسية عالمية.
كان هؤلاء المبشرون والدُعاة المفعمون بالحماسة، الذين ربما لم يصلهم صوت غرامشي عن “البراكسيس” أو فلسفة الممارسة أو أنه وصلهم فأعرضوا عنه، يتمتعون بنفوذ معنوي طاغٍ على الدولة الناشئة حينئذ في عدن، فقاموا بفرض وصفات ورؤًى ثورية تأسيسية رومانسية منفصلة عن الواقع المادي في جنوب اليمن.
كان غرامشي يوصي بالملاءمة بين النظرية والممارسة ويعتبره عملًا نقديا يثبت عقلانية الممارسة، وضرورتها، كما يثبت عقلانية النظرية وواقعيتها، وتبرز مسألة الملاءمة هذه بوضوح، وفقًا لـ غرامشي “في حقبات التاريخ التي نُطلق عليها عادة تسمية مراحل “الانتقال”عندما تتسارع حركة التغير، وتكون القوى العملية التي أطلقتها هذه الحركة بحاجة إلى أن تبرر نفسها، من أجل اكتساب المزيد من الفاعلية والشمول، أو عندما تظهر عدة برامج نظرية، تحتاج -هي أيضًا- إلى أن تبرّر نفسها، على نحو واقعي، بإثبات مقدرتها على الالتحام بحركات عملية، وإنّ تبنّي الحركات العملية لهذه البرامج النظرية هو السبيل الوحيد؛ لكي تصبح أكثر عملية، وأكثر واقعية” (غرامشي، قضايا المادية التاريخية، ص67).
كل هذا كان غائبًا في وعي القائمين على التجربة الماركسية العربية اليتيمة التي احتضنتها عدن وجنوب اليمن من لحظة الاستقلال 1967م إلى لحظة إعلان وحدة شطريْ اليمن عام 1990م، إذ يتحدث علي ناصر محمد ـ متهكمًا ـ عن السهولة العجيبة التي انتشرت بها -بُعيد إعلان استقلال الجنوب- صيغٌ جاهزة للتصنيف والاستقطاب السياسي في صفوف الجبهة القومية الظافرة، صيغ لم تكن مألوفة بكثرة في البيئة المحلية “يمين”، “يسار”، “تقدمي”، “رجعي”، “برجوازي”، “ثوري”: “مصطلحات لا يفهمها حتى الذين كانوا يرددونها، فقد جاءت جاهزة معلبة من لبنان، بعد أن نقلها إلينا بعض متخرجي الجامعة الأمريكية”، يعلق ناصر.
وفي أكثر من موضع، وخاصّة عندما يستعيد -كشاهد ومشارك- وقائع تأسيس الدولة اليمنية المستقلة في الجنوب، يفصح الرجل، بأثر رجعي، عن موقف يتسم بالاعتدال والتعقل، على النقيض من النزعة الانقلابية الثورية الجذرية القديمة، يبدو فيه أكثر ميلًا إلى منهج تأسيسي واقعي محلي يستوعب كل ما هو صالح من الكوادر والبنى الدولتية القديمة الموروثة من الاستعمار ومن هياكل السلطنات، عوضًا من هدم كل شيء.
وإذ يسْخر علي ناصر من برنامج التأميم، ومن حملات التطهير الثوري للكادر القديم، ومن الوصفة الثورية المعلبة التي كان يُشرف على تنفيذها الداعية نايف حواتمة، فإنه نادرًا ما يقول أين كان موقعه منها لحظة حدوثها؟ وهو ما يشجع على الظن بأن هذا المزاج “المحافظ”، “اليميني”، “الإصلاحي”، بلغة تلك الأيام، كان مقموعًا وحبيسًا في صدر علي ناصر، خوفًا من أن يعرِّض نفسه للتخوين والتشكيك من جانب الجوقة الكبيرة من الناعقين والمتاجرين بالشعارات “والأفكار المعلبة”.
في المجلد الثاني من المذكرات، يحظى حواتمه بالنصيب الوافر من اللوم والسخرية، والسبب، كما نفهم من السياق، أنه كان رجلًا ثرثارًا غارقًا في البلاغة الثورية الاشتراكية مع الغفلة التامة عن المشهد الحقيقي التاريخي للجمهورية الناشئة، “حتى لكأنه يتحدث عن الكومونة العمالية لشغيلة باريس.. جاعلًا من حضرموت باريس المنتفضة وهي لم تكن كذلك بالضبط، ومن عدن حكومة فرساي وليس في ذلك أي شبه أو صواب”، (ذاكرة وطن، المجلد الثاني، ص119).
قبل ذلك، كان علي ناصر قد أشار إلى قيام حواتمة بنقل “وثائق جاهزة لتدمير جهاز الدولة القديم وبناء الميليشيات الشعبية والمجالس الشعبية، وتدمير الإمبريالية وبناء الاشتراكية في حضرموت. الآخرون يردّدون كلمات ومصطلحات لا يفهمونها عن الثورة الروسية والصينية، بل يقلدون الملابس على الطريقة الصينية. والرئيس قحطان الشعبي في حيرة وهو يشاهد المنظرين والمزايدين، وتحت تأثير هذه الضغوط أصدر القرار الجمهوري (رقم 10 لعام 1968م)، إضافة إلى قرارات أخرى قضت بتسريح مدنيين وعسكريين وخسرت الدولة الفتية خيرة الكفاءات التي كان من الممكن أن يُستفاد منها في بناء الدولة الجديدة، بسبب المزايدات والتطرف”.
ثم يتابع قائلًا: “وفيصل عبد اللطيف الشعبي، العقل المفكّر للثورة والدولة، عاش ممزّقًا حائرا، وسط موجات التطرف والمزايدة والمطالبة بأن يتحمل الآخرون السلطة لإحراقهم بمشاكلها، حتى يأتوا فيما بعد بديلًا أفضل، كما كان ينظر إلى ذلك حواتمة” (ذاكرة وطن، المجلد الثاني، ص116)
وطوال الوقت يريد الرئيس الأسبق من القارئ أن يفهم أن الأمور في الجنوب المستقل سارت منذ البداية على غير ما يشتهي، وأنه -أي علي ناصر محمد- رغم مسايرته لها بالظاهر وترقّيه إلى أعلى المناصب، لم يكن يشعر بالرضا والاستحسان.
فهو لا يقول مثلًا إنه لم يكن يعرف ما الصواب، فأخطأ مع الخاطئين عن جهل أو عن نقص في الخبرة، وإنما يحاول الإيحاء من بعيد بأنه كان يعرف ما يجب، ولكنه كان بلا حيلة، فلم يجد غير الامتثال العاجز وتسليم نفسه لإرادة التيار الجارف للأحداث التي يحركها “آخرون”.
وأحيانًا يكتفي بإنشاء عبارات أنيقة موجزة يستعيد فيها بشيء من الحسرة والألم كمًّا كبيرًا من الأخطاء تكفلت بتحويل الفرح العظيم بالنصر على الاستعمار إلى كابوس، فإن “نشوة النصر والاستقلال تتحطم على جبال عدن السوداء، وعلى صخرة الأفكار المستوردة”، كما يقول علي ناصر.
وبالعودة إلى ما بدأنا به المقال، فإننا لو بحثنا عن نظيرٍ مشابه للقاعدة الغرامشية في التراث العربي، فلن يسعفنا غير ابن خلدون الذي يقول في المقدمة محذّرًا الساسة العمليين من القياس الخاطئ الذي يقع فيه العلماء: “ولا يقاس شيء من أحوال العمران على الآخر؛ إذ كما اشتبها في أمرٍ، فلعلهما اختلفا في أمور”.
ذلك أن العلماء (أو المثقفين بلغة زماننا) حين ينظرون السياسة يعممون الأحكام ويقيسون الأمور بعضها على بعض “فيقعون في الغلط كثيرًا ولا يؤمن عليهم”، هذا واضح في المثال الذي عرضناه قبل قليل من مذكرات علي ناصر محمد، ورأينا عواقب القياس والمشابهة الذهنية السطحية بين عدن وفرساي وبين حضرموت وكومونة باريس وبين جنوب اليمن والاتحاد السوفييتي والصين الشعبية.
ولهذا السبب كان ابن خلدون يُعتبر الرجال الأقل انشغالًا بالعلوم النظرية أكثر الناس جدارة بالسياسة والحكم من “المثقفين”أهل العلم والتجريد، إذ نجد للتحذير الخلدوني من قياس عُمرانٍ بآخر أصداءً في عبارة لـ عبدالله العروي قالها في أحد الحوارات التي أُجريت معه ومفادها أن “كل بلد عليه أن يلتزم بجدليته الخاصة”.
تصريح كهذا يعزّز الشعور بأن الجابري أخطأ في الفهم حين ألمح -كما ذكرنا أول المقال- إلى أن العروي قد أغفل -عن عمد أو جهل- الفارق المادي بين المجتمعات العربية والمجتمع الألماني، ومع ذلك، فإن “الإصرار على ما هو محلّي وخاص لا يحول دون تدبُّر النطاقات الأكبر للزمان والمكان”، كما كتبتْ إلين ميكسنز وود.
فمما لا شك فيه أن هناك دائمًا سمات ومبادئ وحقائق مشتركة وأزلية بين المجتمعات الإنسانية في كل مكان في العالَم وعبر كل العصور، غير أن الفروق والاختلافات المحلية الدقيقة تؤثر تأثيرًا لا يستهان به على النتائج التي تميّز في النهاية خبرة كل مجتمع عن الآخر.
وكان طه حسين في مقالة سجالية عن النقد التاريخي قد وفِّق على أكمل وجه في تلخيص عنصرٍ أساسيٍّ من عناصر مذهب ابن خلدون الخاصِ بالتعامل النظري والعملي مع أخبار وتجارب وأحوال الجماعات والشعوب، فقال: “خليقٌ بنا أن نفهم قانونين وضعهما ابن خلدون، ولكن أن نفهمهما أحسن مما فهمهما ابن خلدون، وهما: أن الناس جميعًا متشابهون مهما تختلف أزمنتهم وأمكنتهم (قانون التشابه -الوحدة العقلية للجنس البشري)، وأن الناس جميعًا مختلفون مهما تشتد بينهم وجوه الشبه (قانون التباين، التباين الناجم عن اختلاف الزمان والمكان، اختلاف التجارب والأحوال وأنماط المعاش واختلاف البيئات الطبيعية والمناخ والتضاريس)”.
هذا المقال نقلاً عن موقع ميغازين