الثورة السورية وبناء التحالفات بعد 13 عامًا
تاريخ النشر: 6th, April 2024 GMT
مرّت الثورة السورية بمرحلة تبدّل بالحلفاء، فالمتغيرات في مواقف الدول "الصديقة للشعب السوري"، حيث تبنّت الدول، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية منذ بداية الثورة، دعمها السياسي والعسكري، ثم وصل الأمر بعد مرور 13 عامًا على الثورة إلى اقتصار الدول الداعمة لها على قطر وتركيا، اللتين بدورهما مرتا بتقلبات كثيرة أثرت في دورهما على الساحة السورية، ابتداءً من تراجع الدعم الدولي للمعارضة السورية والذي تجسّد بشكل واضح في إنهاء الولايات المتحدة الأميركية برنامجَ تسليح المعارضة عام 2016، مرورًا بالأزمات الداخلية التي انعكست على دور الدوحة وأنقرة الخارجي عمومًا، حيث عاشت الأولى أزمة المقاطعة الرباعية من دول الجوار ومصر بين 2017 و2021، أما تركيا فقد انشغلت لفترة طويلة بمعالجة تداعيات المحاولة الانقلابية الفاشلة في يوليو 2016.
لا يخفى على جمهور الثورة السورية الدور المهم الذي اضطلع به الفاعلون الإقليميون، تحديدًا في مساندة المعارضة السورية بشقّيها: السياسي والعسكري، وعلى سبيل المثال، قطر التي قدمت دعمًا ماليًا كبيرًا لقطاعات مختلفة، على رأسها القطاع الإنساني والإغاثي، بالإضافة إلى تركيا صاحبة أطول حدود مشتركة مع سوريا، والتي وفرت الدعم السياسي للمعارضة السورية بحكم ثقلها وعلاقاتها مع مختلف الفاعلين الدوليين.
على الرغم من المتغيرات السياسية التي أرخت ظلالها على مواقف قطر وتركيا في الملفات الخارجية، والتي دفعتهما لتخفيف حدة الخطاب في بعض الأحيان تجاه النظام السوري، وعدم استخدام مصطلحات "رحيل الأسد" و "إسقاط النظام"، لكن يمكن القول إنهما حافظتا على سقف مقبول بالنسبة للشعب السوري والمعارضة السياسية والعسكرية، أدناه الدعوة إلى تفعيل العملية السياسية بموجب القرارات الأممية، وما تقتضيه من تغيير الدستور، وإجراء انتخابات ينتج عنها سلطة جديدة، بالتوازي مع استمرار الدعم المالي والسياسي من الجانبين.
إن أهمية الدول الإقليمية – وخاصة دول الجوار في حل الأزمات – لا تقل عن أهمية مواقف الفاعلين الدوليين الكبار، بل قد تساهم في الكثير من الأحيان بعض الدول الإقليمية في تشكيل مواقف الدول الكبرى حيال قضية ما، لما تمتلكه دول الإقليم من دبلوماسية وأوراق تفاوضية مؤثرة.
وفي الحالة السورية نلاحظ مع مرور الزمن أن الملف يتراجع في الكثير من المراحل على قائمة أولويات الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة الأميركية، وروسيا؛ نظرًا لتعدد ملفات الصراع، وسيولة الأحداث على الساحة الدولية، وهذا ما حصل بعد اندلاع الحرب الروسيّة – الأوكرانيّة، حيث أصبحت ذات أولوية مرتفعة بالنسبة للغرب وروسيا على حدٍ سواء، وبالتالي أصاب الملف السوري حالة جمود، حيث تعمل الدول الإقليمية على تحريكه من خلال بعض الجهود والمبادرات.
تمتلك قطر قوة ناعمة ونهجًا دبلوماسيًا لا جدال فيه، وعلاقات إيجابية مع مختلف الأطراف الدوليين، وقد أظهرت الدوحة إمكاناتها الواضحة خلال وساطتها في أحداث غزة الأخيرة، بالمقابل تعتبر تركيا طرفًا مؤثرًا على السياسات الروسية والغربية في المنطقة، وقد برز هذا التأثير خلال الوساطة في الحرب الروسية الأوكرانية، ومن هنا يمكن تقدير مدى أهمية حفاظ المعارضة السورية على العلاقات الإستراتيجية مع الجانبين؛ من أجل ضمان دعمهما في تحقيق انتقال سياسي في سوريا، وإعادة بناء ما خرّبته الحرب التي خاضها النظام السوري وداعموه ضد شعبه.
إن الملف السوري دائمًا ما يشهد تقلبات؛ بسبب تأثره بالمتغيرات الدولية، وبالتالي قد نجد في مرحلة ما توسعًا لدور الفاعلين الإقليميين، وخاصة قطر وتركيا في سياق تبادل الأدوار مع أطراف دولية وازنة لحسابات التوازنات الدولية، ولذا من المهم بالنسبة للمعارضة وقوى الثورة السورية بكافة مكوناتها الاستعداد لهذه المرحلة، والعمل على بناء علاقة صحية مع الحلفاء الحاليين وتوسيع دائرة التحالفات.
المطلوب اليوم هو التوازن في التعاطي من جانب المعارضة السورية، وجمهور الثورة، وإدراك أن التمسك بالأهداف والمطالبة المحقة، لا يتعارض مع تفهم مصالح الأطراف الدولية المساندة للمعارضة والشعب السوري، فسلوك الدول عمومًا مدفوع إما بمعالجة المخاوف أو تحصيل المصالح السياسية والاقتصادية، وبالتالي يجب عدم التعامل على أساس أن غير السوريين هم أصحاب القضية، وبالمقابل هناك ضرورة لخلق مهارات سياسية للتعامل مع الحلفاء تستهدف المحافظة على الحاليين، وتوسيع مروحة التحالفات على قاعدة المصالح المشتركة، وليس خسارة الموجودين.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ ترجمات حريات الثورة السوریة
إقرأ أيضاً:
أخيرا... نطقت العدالة الدولية
بعد مرور أكثر من ١٨٠ يوماً على طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان فـي ٢٠ من مايو من العام الحالي ٢٠٢٤م، من الدائرة التمهيدية بالمحكمة الجنائية الدولية إصدار مذكرات اعتقال بحق رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه الُمقال يوآف جالانت، بتهمة إرتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية معضدا طلبه هذا بآلاف الوثائق والأدلة المرئية والمسموعة والمقروءة، التي تدين المتهمين، تعرض خلالها قضاة المحكمة لتهديد وضغوط غير مسبوقة من الولايات المتحدة والدول الغربية، أصدرت الدائرة التمهيدية الأولى بالمحكمة الجنائية الدولية بموجب المادة (٥٨) من نظام المحكمة، يوم الخميس الماضي ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤م مذكرات إعتقال بحق كل من نتنياهو وجالانت، وبينت المحكمة فـي قرارها الصادر، أن لديها أسباباً معقولة لاتهام نتنياهو وجالانت بارتكاب جرائم حرب، وأكدت أن المتهمين أشرفا على قتل مدنيين وأنهما استخدما سلاح التجويع كأداة للحرب فـي غزة، وأن قرارها ينصف الضحايا فـي غزة وعائلاتهم.
وكانت الدائرة التمهيدية قد أصدرت بالإجماع بتاريخ ٢٦ سبتمبر الماضي قرارين برفض طلبين قدمتهما دولة الكيان الصهيوني طعنت فـي الأول منهما دولة الكيان الصهيوني بإختصاص المحكمة بالنظر فـي مثل هكذا قضايا، وتقدمت فـي الطلب الثاني أن تأمر الادعاء العام فـي المحكمة بتقديم إخطار إلى سلطاتها بأن تبدأ فـي التحقيق، ووقف أي إجراءات أمام المحكمة. وبينت المحكمة فـي معرض ردها على هذه الطلبات، أن عدم توقيع دولة الكيان الصهيوني على ميثاق المحكمة الجنائية الدولية لا يعني عدم تنفـيذ قرارات المحكمة على قياداتها ومسؤوليها، خاصةً أن هذه الجرائم وقعت فـي أراضي دولة فلسطين، التي سبق للمحكمة أن بينت فـي دعوة سابقة اختصاصها فـي النظر على ما يقع من جرائم كالإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجريمة العدوان إذا وقعت على أرض فلسطين. وبعودة سريعة لخلفـية إنشاء المحكمة الجنائية الدولية، وافقت ١٢٠ دولة فـي ١٧ يوليو ١٩٩٨م فـي اجتماع للدول الأعضاء بالجمعية العامة للأمم المتحدة فـي روما بإيطاليا على ما يعرف بميثاق روما. واعتبرته قاعدة لإنشاء محكمة جنائية دولية دائمة. حيث عارض المشروع آنذاك ٧ دول وامتنعت عن التصويت ٢١ دولة. واعتبر الميثاق، أن ملايين الرجال والنساء والأطفال قد وقعوا ضحايا لفظائع هزت ضمير الإنسانية بقوة، خلال الحرب العالمية الأولى ١٩١٤- ١٩١٨م و الحرب العالمية الثانية ١٩٣٩- ١٩٤٥م، وأنه شهد جرائم خطيرة تهدد السلم والأمن الدوليين، وأن الدول الأطراف فـي هذا الميثاق قد عقدت العزم على وضع حد لإفلات مرتكبي هذه الجرائم من العقاب، وعلى الإسهام بالتالي فـي منع هذه الجرائم. وقد باشرت المحكمة عملها بصفة قانونية فـي الأول من يوليو عام ٢٠٠٢م بعد دخول ميثاق روما حيز التنفـيذ فـي ١١ أبريل من السنة نفسها، بعد تجاوز عدد الدول المصادقة عليه ٦٠ دولة، والتي بلغت حتى الآن ١١٤ دولة. وكان وما زال من أهداف إنشاء المحكمة فرض احترام حقوق الإنسان فـي مختلف دول العالم، وذلك عبر التحقيق فـي جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية. وخلال صياغة نظام روما الأساسي طالبت الولايات المتحدة الأمريكية أن يكون عمل المحكمة خاضعاً لسلطة مجلس الأمن، الذي تحظى فـيه بحق النقض «الفـيتو»، غير أن مؤتمر روما رفض ذلك وقرر إنشاء مؤسسة المدعي العام المستقلة، ومنح مجلس الأمن الحق فـي إحالة القضايا للمحكمة، بموجب المادة (١٣) فقرة ب، وكذلك حقه فـي إرجاء التحقيق أو المقاضاة لمدة ١٢ شهرا فـي الحالات التي تهدد السلم والأمن الدوليين، وذلك بموجب المادة (١٦) من نظام روما الأساسي. ويذكر أن الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون قد بادر إلى التوقيع على نظام روما فـي ٣١ ديسمبر من عام ٢٠٠٠م، غير أن خلفه جورج بوش الابن ألغى ذلك التوقيع فـي مايو من عام ٢٠٠١م، ودشن حملة عالمية لإسقاط المحكمة باءت بالفشل. وفـي هذا السياق، وفور صدور أوامر المحكمة بإلقاء القبض على المجرمين نتنياهو وجالانت، جن جنون الدوائر الرسمية فـي واشنطن، خاصةً أن مجلس النواب الأمريكي قد أقر فـي شهر يونيو الماضي مشروع قانون يسمح بفرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية، على خلفـية طلب المدعي العام للمحكمة من الدائرة التمهيدية إصدار مذكرات اعتقال بحق نتنياهو وجالانت. لدرجة قيام مرشح الرئيس المنتخب ترامب لمنصب مستشار الأمن القومي مايكل والتز بتهديد المحكمة بأن تتوقع ردا قويا فـي يناير القادم، عندما تتولى إدارة ترامب رسمياً زمام السلطة فـي الولايات المتحدة. ولتنفـيذ قرار المحكمة هذا وبموجب المادة (٥٩) من النظام، تقوم المحكمة بمخاطبة الدول الأعضاء فـي ميثاق روما لتنفـيذ أوامر الاعتقال بحق نتنياهو وجالانت. فكما هو معروف، فإن المحكمة الجنائية الدولية لا تمتلك جهاز شرطة خاص بها للقيام بهذه الإعتقالات، ولكنها تعتمد على الدول الأعضاء فـي تنفـيذ التزامها بموجب النظام. فـي حين يرى بعض خبراء القانون الدولي، أن تنفـيذ أوامر المحكمة هذه، واجب حتى على غير الدول الأطراف فـي ميثاق روما.
يذكر أن المحكمة الجنائية الدولية منذ بداية العمل بنظامها فـي الأول من يوليو ٢٠٠٢م قد أمرت باعتقال ٥٦ شخصاً. حيث تم بالفعل اعتقال ٢١ شخصاً و مثلوا أمام المحكمة، ولا يزال ٢٧ شخصا من المطلوب اعتقالهم طليقا، وتم إسقاط التهم الموجهة إلى ٧ أشخاص بسبب وفاتهم، وأن هذه المرة الأولى التي تصدر المحكمة فـيها قرار باعتقال شخصيات غربية - لو استثنينا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ـ، حيث، ومن واقع التطبيق، من تم إصدار أوامر القبض عليهم فـي السابق هم قادة و شخصيات إفريقية. حتى أصبح يطلق على المحكمة مصطلح محكمة إفريقيا. وهذا ما أكده المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، بأنه تلقى تهديدات من شخصيات غربية نافذة، مؤكدة أن هذه المحكمة لم تنشئ لمحاكمة القادة والشخصيات الغربية، بل أنشئت لمحاكمة الأفارقة ومن على شاكلتهم كالرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وهذا التهديد يبين مدى غطرسة وغرور الدول الغربية، التي أوقعها قرار المحكمة باعتقال مجرمي الحرب نتنياهو وجالانت فـي مأزق كبير بين التخلي صراحةً عما تدعيه علناً من حماية العدالة الجنائية الدولية، وبين ما تضمره فـي داخلها من غرور واستعلاء، ودعم صارخ وفاضح للكيان الصهيوني المجرم.
أعتقد الآن، بعد أن نطقت العدالة الدولية أخيراً، أن هذه فرصة قد لا تتكرر للدول العربية والدول المدافعة عن الحق والعدالة فـي العالم أجمع، لتتحرك بشكل واضح ومعلن، للضغط على الدول المترددة فـي وضع قرار المحكمة موضع التنفـيذ، وذلك إحتراماً للقانون الدولي الإنساني، ولوضع حدٍ لإفلات قادة الكيان الصهيوني المجرم من العدالة، عبر عقود من التنكيل والقتل فـي حق الشعب الفلسطيني الأعزل، واستخفافهم بالقانون الدولي والشرعية الدولية فوق هذا كله، استخفافهم بالشرائع الإلهية ومبادئ الإنسانية.