جنين – لأول مرة منذ 21 عاما، يجتمع عبد الفتاح الشلبي (51 عاما)، من مدينة جنين شمال الضفة الغربية، مع عائلته على مائدة الإفطار الرمضاني بعد خروجه من سجون الاحتلال الإسرائيلي.

ووسط عدد كبير من أفراد العائلة، يقول الشلبي إنه يحس بأجواء رمضان أخيرا بعد عقدين من الزمن، في وقت يمد إليه كل واحد من العائلة صنفا مختلفا من الطعام، وهم يقولون "جرب ورق العنب يا عبد"، "ما رأيك بكأس من الخروب؟"، "تفضل هذا الأرز سيعجبك جدا".

عن الصيام في السجن

أفرج عن الشلبي قبل حوالي 10 أيام من سجن النقب الصحراوي بعد قضاء محكوميته، حيث عاش قبل خروجه معاناة الأسرى الفلسطينيين بصيام شهر رمضان هذا العام، في ظل الإجراءات التعسفية التي تنتهجها إدارة السجون الإسرائيلية منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي ضد الأسرى.

وكان من ضمن هذه السياسات عدم معرفتهم بثبوت هلال شهر رمضان، حيث صام الأسرى بناء على خبر من محامٍ زارهم قبل دخول الشهر الفضيل بيومين، وقال لهم إن رمضان فلكيا يصادف يوم الاثنين، وبناء على كلامه بدؤوا صيامهم.

وبينما يتناول الشلبي طعامه رفقة أشقائه الخمسة وعائلاتهم، يتذكر اليوم الأول من رمضان، وكيف اقتصرت وجبة الإفطار حينها على صحن أرز واحد لسبعة أشخاص في الغرفة وعلبة لبن صغيرة لكل واحد منهم.

يقول الشلبي "نظام السجن لا يتغير سواء في رمضان أو في الأيام العادية، يوزع الطعام 3 مرات خلال اليوم، في الصباح يكون الفطور وهو علبة لبن زبادي صغيرة لكل فرد بالغرفة، وعدد من شرائح خبز التوست، في حين يقتصر الغداء على صحن من الأرز لسبعة أشخاص، والعشاء هو قطع من النقانق الجاهزة، بالطبع في رمضان كنا نجمع هذه الأطعمة ونأكلها على موعد الفطور".

ويضيف "إدارة السجون تحارب الأسرى بقلة الطعام، كيف لشخص أن يصوم كل هذه الساعات ويفطر على 4 أو 5 ملاعق من الأرز، أو قطعة توست، حتى نوعية الطعام تتعمد مصلحة السجون أن تكون سيئة، لا تحتوي على عناصر نحتاجها نحن الصائمين، مع العلم أن كميات الطعام ونوعيته أصبحا هكذا منذ بداية الحرب على قطاع غزة".

قبل موعد الإفطار، كان الشلبي يجري عددا من التحاليل الطبية في أحد مشافي مدينة جنين بسبب آلام شعر بها قبل خروجه من الأسر، وأظهرت التحاليل إصابته بضعف في الدم، ونقص في بعض الفيتامينات المهمة في الجسم كفيتامين "دي" و"بي12″.

يقول الشلبي "كانت نسبة دمي 15، أما اليوم وبعد إجراء التحليل فقد انخفضت حتى 10، وهي نسبة منخفضة جدا لأي شخص بالغ، فخلال أيام رمضان التي قضيتها في السجن هذا العام وهي 15 يوما، أحسست بضعف عام في جسدي، وكانت تصيبني آلام شديدة في معدتي بشكل شبه مستمر، طبعا لست الوحيد الذي عانى من هذه الآلام، غالبية الأسرى كانوا يشتكون من الألم، ولم يسمح لأي منّا بالذهاب إلى عيادة السجن".

أصعب رمضان على الأسرى

يصف الشلبي حال الأسرى الفلسطينيين داخل سجون الاحتلال بـ"الصعب"، فالزيارات العائلية ممنوعة، والأخبار حول الوضع في قطاع غزة ومدن الضفة الغربية شحيحة جدا، وتعامل السجانين قاسٍ، والتعذيب مستمر منذ 6 شهور.

ويوضح "أكثر ما يؤلمنا نحن الأسرى هو التفتيش العاري، خلال أقل من شهر قاموا بعملية التفتيش العاري لأسرى النقب قرابة 6 مرات، وكل هذه العمليات كانت تحدث ليلا، كما أن الضرب والشتم كان بشكل شبه يومي، ولا يوجد أي تواصل بين الأسرى وعائلاتهم، إضافة لمنعنا من الخروج لساحة السجن، أو ما يسمى بالفورة".

وكانت إسرائيل قد فرضت إجراءات عقابية جماعية على الأسرى الفلسطينيين بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تمثلت في قطع الكهرباء ومصادرة ممتلكات الأسرى، ومنعهم من الشراء من دكان السجن "الكنتينا"، وسحب الأجهزة الكهربائية وأجهزة المذياع، وقطع الماء عن غرف الأسرى.

ومع دخول شهر رمضان، زادت معاناة الأسرى بشكل مضاعف بسبب قلة الطعام وشح المياه ومنع رفع الأذان وإقامة الصلاة وقراءة القرآن، ويتحدث الشلبي عن هذه المعاناة بكثير من الحزن فيقول "طوال السنوات السابقة التي عشتها في السجن، كان هذا أصعب شهر رمضان يمر علينا، هل يتخيل أحد أن لا نجد الماء للوضوء طوال اليوم إلا ساعة واحدة خلال النهار، حتى حمامات الغرف لا تتوفر فيها النظافة والطهارة الكافية بسبب شح المياه".

ويضيف "بعد الأسبوع الأول من رمضان سمحوا لكل غرفة بأن يدخل إليها مصحف واحد، مع بقاء المنع على أداء الصلاة بشكل جماعي ولو داخل الغرفة، وطبعا الأذان ممنوع تماما، كانوا يضربون من يمسكونه يؤدي الصلاة جماعة".

وكان المحامي خالد محاجنة الناشط في الدفاع عن الأسرى في الداخل الفلسطيني قد كتب على صفحته على تطبيق إنستغرام أن "الأسرى يفطرون بعد موعد الإفطار بنصف ساعة أو أكثر، وذلك لعدم توفر الإضاءة في الأقسام المختلفة في السجون الإسرائيلية، التي تتعمد إضاءة الأقسام عند الساعة السادسة والربع مساءً".

وقال محاجنة "كل الصائمين في العالم يفطرون مع أذان المغرب إلا أسرى سجون الاحتلال الذين تمنع إدارة السجون عنهم إنارة الأقسام، مما يضطر بعضهم لتأخير إفطارهم لعدم تمكنهم من الإفطار في الأقسام المعتمة"، وأكد أن كلامه هذا شهادة لبعض أسرى سجن مجدو خلال زيارته لهم خلال الأسبوع الماضي.

عبد الله جبجي لم يتمكن من سماع صوت ابنه الأسير منذ بداية الحرب على غزة إلا باتصال واحد لمدة دقيقة (الجزيرة) قلق الأهالي

ويعيش أهالي الأسرى حالة قلق دائم على أبنائهم في ظل عدم تمكنهم من زيارتهم أو الاتصال بهم. ويحاول عبد الله جبجي من مخيم عسكر منذ بداية شهر رمضان الحصول على خبر عن ابنه سائد، الذي يقضي حكما بالمؤبد في سجن النقب الصحراوي، ويقول "اتصلت بالصليب الأحمر، قلت لهم إذا كانت الزيارات ممنوعة على الأقل انقلوا لنا أخبار أولادنا في الأسر".

ويتساءل جبجي "نريد أن نعرف إن كانوا بخير أم لا؟ كيف يصومون؟ وكيف يفطرون؟ هل يعرفون مواعيد الصلاة وموعد أذان المغرب؟ إذا كان الصليب الأحمر لا يستطيع أن ينقل لي أخبار ابني فلمن ألجأ؟".

ويؤكد جبجي أنه منذ بداية الحرب على قطاع غزة لم يتمكن من سماع صوت ابنه الأسير سوى مرة واحدة من خلال اتصال كان لمدة دقيقة، أخبرهم فيها أنه بخير ومشتاق لهم، قبل أن ينقطع بعدها الاتصال.

ويقول إنه يحاول معرفة أخباره من خلال الأسرى الذين تم الإفراج عنهم، رغم أن الأخبار التي ترد من السجون لا تطمئن بشكل عام، "هذا أصعب رمضان يمر علينا نحن أهالي الأسرى، ولا أبالغ إن قلت إننا لم نشعر قط بأجواء رمضان من شدة قلقنا على حالة أولادنا في الأسر".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ ترجمات حريات سجون الاحتلال شهر رمضان منذ بدایة

إقرأ أيضاً:

كوري ميلز للجزيرة نت: لقاء الشرع مهم ويساعد في معرفة الشركاء والأعداء

دمشق- أُجريت مباحثات خلال الجمعة والسبت بين وفد من الكونغرس الأميركي والرئيس السوري أحمد الشرع في العاصمة دمشق تركزت حول الأمن القومي، والعلاقة مع إسرائيل، والعقوبات الاقتصادية، بالإضافة للمقاتلين الأجانب، وحقوق الأقليات والمرأة.

وحل نائبا الكونغرس الأميركي في دمشق بالتزامن مع تصريحات من الخارجة الأميركية تحذر فيها من الوضع الأمني في سوريا.

وزار النائبان برفقة وفد من منظمة التحالف السوري الأميركي للسلام والازدهار حي جوبر الدمشقي والكنائس في دمشق، وسجن صيدنايا قبل مغادرتهما دمشق صباح الأحد.

لقاء الشرع

وفي حديث خاص للجزيرة نت، قال عضو الكونغرس الأميركي كوري ميلز "ناقشنا مع الرئيس السوري أحمد الشرع العديد من القضايا: الأمن القومي، ومن هم حلفاء سوريا؟ وكيف سيكون وضع الحدود مع الجيران؟ بالإضافة لنقاش العلاقة بين سوريا وإسرائيل، وقضية المقاتلين الأجانب وموضوع الاندماج".

وأضاف أن الحوار مع الرئيس تضمن نقاشا حول التعددية ومشاركة الرجال والنساء في العمل داخل الوزارات وضمن الحكومة.

ولفت أن المباحثات تطرقت إلى حق كل فرد في حماية معتقده سوءا كان درزيا أو علويا أو مسيحيا أو مسلما أو من طوائف أخرى.

إعلان

وأشار إلى أن العقوبات الاقتصادية كانت أيضا حاضرة ضمن النقاش وكيف سيساعد رفعها في حل الكثير من الأمور لدى الشعب السوري بعد سنوات الحرب، بالإضافة للحديث عن هيكلة التجارة والاقتصاد.

ووصف الحوار بين الوفد والرئيس السوري بـ"الإلهام" ويساعد على فهم أوسع للأعداء المشتركين بين الطرفين، ومن سيكون الشريك الأفضل.

وأشار إلى أن الولايات المتحدة الأميركية بالوقت الحالي في مرحلة التقييم، وأنه سيطلع فور عودته مجلس النواب وأعضاء المجلس والإدارة والرئيس ترامب على تفاصيل هذه الزيارة.

رئيس سوريا أحمد الشرع خلال استقبال وفد الكونغرس الأميركي في دمشق (سانا) تحذير أميركي

ومن جهة أخرى قال ميلز إن وزارة الخارجية في الإدارة الأميركية تصدر تحذيرات بمستويات مختلفة من التهديدات والمخاطر بناء على التوقعات والتنبؤات، وهذه التحذيرات تكون على مستوى الدولة بأكملها، وليست بالضرورة مخصصة لمدينة معينة.

ويوضح أن المخاطر قد تنطبق على مناطق أخرى وترتبط بالسفر إليها، و"نحن أخذنا موضوع التحذيرات من وزارة الخارجية على مستوى من الالتزام، فمثلا هنا في دمشق لم نلاحظ أي مستوى من الخطر أو التهديد المشار إليه".

وأضاف أن الناس هنا في دمشق سعداء، وهم في الأسواق يتسوقون، والأطفال يلعبون، وأن هذا ما شاهدوه خلال التنقل في زيارتهم بين مناطق مختلفة، وقال "لم ألاحظ هذا الخطر الذي تمت الإشارة إليه، ولكن ربما يكون هناك خطر في مناطق أخرى من البلاد لم نذهب إليها".

خلال زيارة وفد من الكونغرس الأميركي إلى دمشق (الجزيرة) جهود سورية

من جهتها قالت علياء نطفجي مديرة منظمة التحالف السوري الأميركي للسلام والازدهار المرافقة لوفد الكونغرس، للجزيرة نت، إن عملنا خلال الفترة الماضية كان بالضغط السياسي لمناصرة القضية السورية بعد سقوط النظام السابق.

وأضافت أن من أهم الخطوات التي تم إنجازها هي لقاءات مع الكونغرس الأميركي توجت بمرافقة عضوين من الكونغرس الأميركي في زيارة إلى سوريا ولقائهما مع الرئيس السوري أحمد الشرع لفتح مجال التواصل بعد ذلك لمستويات أعلى.

إعلان

وأشارت إلى أن الزيارات التي قاموا بها برفقة العضوين إلى الأحياء المدمرة وصيدنايا وغيرها من الأماكن، شكلت لديهم حالة من الصدمة لما شاهدوه من حجم الدمار الكبير والحالة الاقتصادية في البلد.

ولفتت إلى أن الانطباع الذي لديهم قبل قدومهم إلى سوريا كان سيئا من الناحية الأمنية ولكن بعد الزيارة حدث تغير بهذا الاعتقاد، و"اليوم يحملون رسائل مهمة من هنا إلى أميركا نأمل أن تكون إيجابية، وأن تكون نقطة تحول في الملف السوري، وتساعد في حل الوضع بسوريا من عدة جوانب".

وأشارت إلى أن موضوع رفع العقوبات هو موضوع شائك وربما يأخذ وقتا طويلا، مستطردة أن "جهودنا مستمرة ومكثفة وهدفنا الوصول إلى الرئيس الأميركي ولقائه ونقل الواقع في سوريا لتسريع الوقت أكثر لأجل رفع العقبات، وفتح جسر تواصل بين سوريا وأميركا".

مقالات مشابهة

  • من داخل أنفاق غزة.. أسير إسرائيلي يدعو إلى تظاهرات ضخمة أمام منزل نتنياهو
  • الكابينيت الإسرائيلي يناقش ملف غزة في ظل مقترح جديد هذه تفاصيله
  • كوري ميلز للجزيرة نت: لقاء الشرع مهم ويساعد في معرفة الشركاء والأعداء
  • 141 ألف إسرائيلي يوقعون على عرائض مطالبة بوقف الحرب وإجراء صفقة تبادل أسرى
  • غزة:وصول عشرة أسرى مفرج عنهم من سجون العدو لمستشفى شهداء الأقصى
  • ارتفاع عدد الشهداء الأسرى داخل سجون الاحتلال منذ بدء حرب "الإبادة"
  • ارتفاع عدد الشهداء بين الأسرى الفلسطينيين داخل سجون الاحتلال إلى 65
  • الاحتلال يُفرج عن 10 أسرى من قطاع غزة عبر بوابة "كيسوفيم"
  • استشهاد الأسير ناصر ردايدة في سجون الاحتلال يرفع حصيلة الشهداء إلى 65 شهيدًا
  • أهالي أسرى إسرائيليين ينظمون وقفة على حدود غزة.. طالبوا بصفقة شاملة