مجتمع دولى آثم، تقمص دور المتفرج ولم يحرك ساكناً إزاء ما يحدث فى الساحة. وفى إطاره مضت إسرائيل تمارس جرائمها فى وضح النهار، غير عابئة بما قد تؤول إليه وقائع جرائمها ضد الفلسطينيين ليصل عدد قتلاهم نحو 33 ألفاً، ويبلغ عدد المصابين نحو ثمانين ألفاً، هذا فضلاً عن المفقودين ممن طمروا تحت الأنقاض. إسرائيل تمضى فى غيّها تحت الحماية الأمريكية لتطرح كل نوازع الشر والإجرام من خلال عمليات قتل ممنهج.
يكفى ما كشفت عنه الحرب الإسرائيلية ضد غزة، فلقد أكدت أن العالم يواجه نظاماً سوداوياً يستهدف الإنسانية بشكل مباشر، فنرى إسرائيل ومعها الولايات المتحدة يقدمان دروساً جديدة فى القسوة والجبن، وكسب الوقت لصالح تل أبيب. فى المقابل رأينا كيف أن الشعب الفلسطينى قدم نموذجاً فريداً من المقاومة المعبأة بالإنسانية، ولهذا يتعين فضح الإبادة الجماعية المستمرة التى تمارسها إسرائيل كرياضة مفضلة، كما يتعين على المجتمع الدولى العمل على إيجاد سبل للحفاظ على الإنسانية أثناء البحث عن حل عادل لواحدة من أكثر الجراح المكشوفة فى العالم.
لن ننسى اليوم «الفيتو» الذى اعترضت أمريكا بمقتضاه على قرار مجلس الأمن القاضى بوقف إطلاق النار الفورى فى غزة، حيث قالت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة خلال حديثها عن الدبلوماسية المباشرة على الأرض: (هذا حتى نصل إلى الحل النهائى وفحواه أنه لا يمكن أن يكون هناك وقف فورى لإطلاق النار لأن الدبلوماسية المباشرة قد تتأثر). وما قالته يعنى بعبارة أخرى إعطاء ضوء أخضر لاستمرار الفظائع الإسرائيلية، فهو مجرد إعلان موجه للعالم كى تكسب إسرائيل المزيد من الوقت لكى تتمكن من تحقيق أهدافها الشيطانية. وها هو الحصار الكامل الذى تفرضه إسرائيل على القطاع وقد انتقل بوضوح إلى مرحلة جديدة من الإجرام، فهناك تكتيك للمماطلة الذى اتبعته أمريكا باستخدام الفيتو ضد قرار وقف إطلاق النار، حيث عمدت إسرائيل من خلاله ببناء طريق يفصل شمال غزة عن جنوبها، وقامت بقصف مرافق «الأونروا»، ومأوى موظفى منظمة أطباء بلا حدود. وها هى قوات الاحتلال تستمر فى منع ووقف إمدادات الغذاء الموجهة للفلسطينيين، ولهذا تحول الوضع إلى قمة المأساة، فهناك عشرة آلاف رضيع معرضون لخطر الموت جوعاً بسبب سوء التغذية، ومن المرجح أن يتبعهم العديد من الأطفال وكبار السن.
يحدث هذا فى وقت يقترب فيه الوضع نحو مجاعة كارثية، حيث يعانى مليون شخص من المجاعة فى شمال غزة، وفى وقت يقوم فيه القناصة الإسرائيليون بمهاجمة الفلسطينيين الذين يحاولون يائسين الوصول إلى المساعدات القليلة التى تتدفق على قطاع غزة. فى الوقت نفسه جرى الحديث عن بناء منطقة يشار إليها بشكل غامض فى صحراء سيناء على الحدود مع رفح. بينما أصدر «نتنياهو» مؤخرًا خطة للسيطرة على قطاع غزة بعد الهجوم. واليوم أصبح الطرد الجماعى سائداً فى ضوء مواصلة الاحتلال والمستوطنين هجماتهم القاتلة فى مختلف أنحاء الضفة الغربية المحتلة والقدس المحتلة وسط المخاطر المتعددة المحدقة بالمسجد الأقصى.
ولا شك أنه من الصعب التغاضى عن إطالة أمد العذاب الذى يتعرض له الفلسطينيون. إنه عن حق اختبار حقيقى للإنسانية جمعاء، اختبار يسلط الضوء على مدى محدودية سلطاتنا الإنسانية حتى فى البلدان التى لديها ديمقراطية تمثيلية ظاهرية.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: قطاع غزة المسجد الأقصى الولايات المتحدة سناء السعيد
إقرأ أيضاً:
التحول الدبلوماسي لماركو روبيو.. التعامل مع التوترات الداخلية والسعي لوقف إطلاق النار في أوكرانيا أزمات تثير التساؤلات
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
بينما يشرع وزير الخارجية ماركو روبيو فى مفاوضات دولية حاسمة هذا الأسبوع، فإنه لا يواجه مشهدًا جيوسياسيًا معقدًا فحسب، بل يواجه أيضًا ضغوطًا داخلية داخل إدارة ترامب. ومع تحديد موعد المحادثات فى المملكة العربية السعودية وكندا، تأتى التحركات الدبلوماسية لروبيو بعد سلسلة من المواجهات الشخصية والسياسية التى أثارت تساؤلات حول منصبه داخل الإدارة.
مواجهة متوترة مع إيلون ماسكقبل التوجه إلى الشرق الأوسط لإجراء محادثات عالية المخاطر مع المسئولين الأوكرانيين، وجد روبيو نفسه فى قلب صدام معلن للغاية مع إيلون ماسك. وشهدت المواجهة، التى جرت خلال اجتماع لمجلس الوزراء فى البيت الأبيض، انتقاد ماسك لروبيو لعدم الضغط بقوة أكبر على التخفيضات العميقة فى وزارة الخارجية. دافع روبيو، المعروف بموقفه المتشدد بشأن المساعدات الخارجية، عن سجله، وحصل على دعم من الرئيس ترامب. وبعد هذا الجدل، هدأ الموقف مع عشاء بين روبيو وماسك وترامب فى مار إيه لاغو، مما يشير إلى وقف إطلاق نار مؤقت بين الرجال.
وفى أعقاب ذلك، بدا أن روبيو وماسك وجدا أرضية مشتركة، وخاصة فيما يتعلق بانتقادهما المشترك للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID). ونشر روبيو على منصة ماسك للتواصل الاجتماعي، X، مخططًا للتخفيضات فى عقود الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية التى لا تتوافق مع المصالح الوطنية الأمريكية، وهى الخطوة التى أشاد بها ماسك. ويُنظر إلى هذه الفترة القصيرة من المصالحة على أنها جهد من جانب روبيو لإعادة تأكيد نفوذه داخل الإدارة، والذى كان موضع تساؤل فى السابق بسبب تحوله الملحوظ فى قضايا السياسة الخارجية.
التحول فى السياسة الخارجية والضغوط على أوكرانيامع سفر روبيو إلى جدة، المملكة العربية السعودية، للقاء المسئولين الأوكرانيين، سيكون التركيز على إيجاد حل للحرب فى أوكرانيا. ومع ذلك، أصبحت التوترات بين موقف روبيو الدبلوماسى وموقف البيت الأبيض من الصراع أكثر وضوحًا. الآن، يواجه روبيو، الذى كان لفترة طويلة مدافعًا عن الدعم الأمريكى القوى لأوكرانيا، انتقادات بسبب الضغط المحتمل على أوكرانيا للدخول فى مفاوضات مع روسيا.
تسبب هذا التحول فى إثارة القلق بين الحلفاء السابقين والدبلوماسيين الأمريكيين الذين يرون أنه خروج عن موقف روبيو السابق كناقد صريح للعدوان الروسي. تعكس انتقادات روبيو العلنية الأخيرة للرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى مشاعر الرئيس ترامب، الذى أعرب عن رغبته فى وقف إطلاق النار السريع، حتى لو كان ذلك يعنى تقديم تنازلات لروسيا. يزعم البعض أن هذا النهج يقوض سيادة أوكرانيا ويشجع روسيا، مما يثير الشكوك حول التزام روبيو بالدفاع عن أوكرانيا.
الصراعات الدبلوماسية والتوترات الداخليةتميزت قيادة روبيو فى وزارة الخارجية بتدقيق متزايد من قبل حلفائه ومنتقديه. وبينما يواجه تحديات داخلية، بما فى ذلك مقاومة بعض الدبلوماسيين داخل الوزارة، لا تزال هناك تساؤلات حول سلطته على المناصب الرئيسية. لقد أدى تفكيك الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، بقيادة المعينين المتحالفين مع ماسك، إلى مخاوف من تهميش أجندة السياسة الخارجية لروبيو.
وعلاوة على ذلك، كانت وزارة الخارجية نفسها تخضع لتخفيضات كبيرة فى عدد الموظفين والميزانية والبعثات الخارجية فى ظل الإدارة الحالية. يجد روبيو، الذى كان ذات يوم مؤيدًا قويًا للمساعدات الدولية، نفسه الآن فى قلب هذه القرارات المثيرة للجدل، حيث يتساءل المنتقدون عما إذا كان يعطى الأولوية للولاء السياسى على القيم الدبلوماسية التقليدية.
دور جديد فى العلاقات بين الولايات المتحدة وروسياإن النهج المتطور لروبيو فى العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا يشير أيضًا إلى تحول فى استراتيجية الإدارة. فى حين يظل مؤيدًا للمواقف الصارمة ضد موسكو، أصبح خطابه أكثر انسجامًا مع دعوات ترامب لوقف إطلاق النار السريع، حتى لو كان ذلك يعنى المساومة على سلامة أراضى أوكرانيا. أثار هذا التحول مخاوف بين أولئك الذين يزعمون أن روسيا لم تُحاسب بشكل كافٍ على عدوانها، وأن أى اتفاق سلام لا ينطوى على تقديم روسيا تنازلات كبيرة لن يؤدى إلا إلى إطالة أمد الصراع.
وبالتوازى مع ذلك، واجه روبيو انتقادات متزايدة بسبب تكراره لتصريحات ترامب القاسية بشأن أوكرانيا، الأمر الذى أثار مخاوف بين حلفاء الولايات المتحدة، وخاصة فى أوروبا، بشأن مستقبل حلف شمال الأطلسى والوحدة الغربية. فقد تبنت الولايات المتحدة، فى عهد ترامب، موقفا أكثر انعزالية، حيث وجد روبيو نفسه محاصرا بين دعمه السابق لحلف شمال الأطلسى وسياسات الإدارة المتطورة التى تفضل المفاوضات المباشرة مع روسيا