قال الأستاذ الدكتور شوقي علَّام -مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم: إن معاني الرحمة من نقاء المعدن وسمو الروح ونبل الطبع قد بلغت نسقها الأعلى في رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث اكتملت شمائله ونضجت فضائله، فكان مظهرَ رحمة الله تعالى للخلق كافة، قال الله تعالى: ﴿وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين﴾ [الأنبياء: 107].

جاء ذلك خلال لقائه الرمضاني اليومي في برنامج "اسأل المفتي" مع الإعلامي حمدي رزق، الذي عُرض على فضائية صدى البلد، مضيفًا فضيلته أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان مصدرًا للرحمة، وباعثًا لها، ومتخلِّقًا بها في جميع أحواله، خاصة مع المخالف، حيث أمر بحسن معاملته ومنع من انتقاصه ولو بكلمة، بل يأتي ذكر مفردة الرحمة في كثير من الأوقات سواء في الصلاة أو عند إلقاء السلام، وهذا من شأنه أن يعمل على سريان معنى الرحمة في الأوصال وعلى اللسان.

وأشار مفتي الجمهورية إلى أن أول حديث يتعلَّمه طالبُ العلم الشرعي هو قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا مَن في الأرض يرحمكم مَن في السماء".

وأوضح مفتي الجمهورية أن هذه المعاني تُظهر أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الرحمة العظمى لجميع الخلق، فهي رحمة غير مسبوقة في شمولها كل الخلق واتساع نطاقها، وهي تستوجب من أهل الإسلام التحليَ بها وبمظاهرها والابتعاد عن أضدادها كالغلظة والتسلط والعنف وجفاف المشاعر، امتثالًا لقول رسول الرحمة صلى الله عليه وسلم: «الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ في الأَرْضِ يَرْحَمكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ».

كما تحدَّث المفتي عن ترجمة المسلمين العملية لقيمة الرحمة، وكيف حوَّلوها إلى منظومة متكاملة طبَّقوها في شتى مناحي الحياة: في الأسرة والمجتمع، وفي المستشفيات، وكذلك في إنشاء الأوقاف للإنسان والحيوان.

وشدَّد مفتي الجمهورية على أن الشرع الشريف لم يكتفِ بفرض الزكاة، وإنما وسَّع وجوه الإنفاق ونوَّع أبواب التكافل والتعاون على الخير والبر، فحثَّ على التبرعات ورغَّب في الهدايا والصلات والصدقات.

وأكد مفتي الجمهورية على أن الوقف في الإسلام قُربة لله تعالى، وهو مشروع وتأتي مشروعيته لأجل أن تنفق هذه الأصول والأموال الموقوفة بصورة فردية أو جماعية على المشروعات الخيرية كما أن التجربة المصرية في "الوقف" كانت تجربة رائدة وملهمة للغرب، حيث استفاد منها الغرب في وقف بعض الأموال والأصول على الجامعات ورعاية البحث العلمي للنهوض بالمجتمع.

وردًّا على سؤال عن حكم انحياز الزوج لزوجته على حساب شقيقته شدد فضيلة المفتي على ضرورة التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم في تعامله مع الجميع مؤكدًا أننا في حاجة ماسة وشديدة إلى إدارة حضارية للخلاف العائلية.

وفي معرض رده على سؤال يستفسر عن حكم حرمان المرأة من ميراثها مضيفًا فضيلته أن الإسلام ضَمِن للمرأة حقَّها في الميراث وحرَّم أكله بالباطل، مشيرًا إلى أن العادات والتقاليد الفاسدة هي التي رسَّخت لمفهوم حرمان المرأة من الميراث، وينبغي أن نصحِّح ذلك لأن القرآن عندما نزل حدَّد للمرأة ميراثها وحقوقها.

واختتم المفتي حواره بالتأكيد على أن حرمان المرأة من الميراث فيه عدَّة محاذير شرعية، منها: أنه يعدُّ من قبيل منع حقوق العباد التي أعطاها الله تعالى لهم، فضلًا عن أن تقسيم الميراث بحسب الشرع فيه الخير كله، لأن الله تعالى برحمته وعدله وحكمته هو الذي قسمه، وقد بدأ آيات الميراث بالوصية بالأبناء، لأنه أرحم بنا من أنفسنا.

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: الإعلامي حمدي رزق التجربة المصرية الزكاة الشرع الشريف العادات والتقاليد الميراث فرض الزكاة مفتي الجمهورية صلى الله علیه وسلم مفتی الجمهوریة الله تعالى

إقرأ أيضاً:

علي جمعة: التفكر في ذات الله تعالى منهي عنه

قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن قارئ القرآن الكريم والسنة النبوية يجد أن فيهما نصوصًا ظاهرها إثبات الجهة أو الجسمية أو الصورة أو الجوارح لله تعالى. 

وأضاف جمعة، فى منشور له عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الإجتماعي “فيسبوك”، أن هذه النصوص من المتشابه الذي استأثر الله تعالى بعلمه، ويجب على المسلم ألا يخوض في معانيها، بل يفوض علمها إلى الله تعالى، امتثالًا لقوله سبحانه:  (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ) [آل عمران: 7]، وقد أرشدنا الله تعالى عقب ذلك إلى الدعاء بالثبات بقوله: (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) [آل عمران: 8].

دعاء شهر ذي القعدة.. ردده تغفر ذنوبك وتوفق للخيرعلي جمعة: المفتي الماجن أخطر من الجاهل الصريح لأنه يدعو إلى فتنة تفسد المجتمع كله

وأشار إلى أن التفكر في ذات الله تعالى منهي عنه، لقوله ﷺ: (تفكروا في خلق الله, ولا تفكروا في الله فتهلكوا)  [رواه أبو الشيخ الأصبهاني في "العظمة"].

وقد استقر منهج السلف الصالح في التعامل مع هذه النصوص على التفويض أو التأويل مع قصد التنزيه، وهو ما نقله علماء الأمة جيلاً بعد جيل. ومن أمثلة ذلك قولهم في قوله تعالى: (يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) [الفتح: 10]، أن المراد بها القدرة لا الجارحة. والتأويل هنا ليس بعيدًا؛ فمن جهل ذاته كيف يصف خالقه بجهة أو كيفية؟ 

فالله تعالى منزَّه عن الكيفية والكمية والأينية، إذ لا مثل له ولا شبيه (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الشورى: 11]، ولا تحيط به العقول، لإنها لا تدرك إلا ما شاركها في الحدوث، وهو سبحانه منزه عن ذلك. 

وقد قرر أئمة أهل السنة والجماعة، من الأشاعرة والماتريدية، الناقلون والمدافعون عن منهج السلف على مر القرون، أن هذا المنهج هو الحق. ويرحم الله الإمام الغزالي حيث قال: (من أخذ علمه من العبارات والألفاظ ضل ضلالا بعيدا, ومن رجع إلى العقل استقام أمره, وصلح دينه, ومن أشكل عليه أمر فعليه الرجوع إلى أهله; ليستبين له الحق).

وعلى المسلم أن يعمل عقله ولسانه فيما ينفعه؛ فيتفكر في آلاء الله تعالى وآياته، ويشغل لسانه بذكره، سائلًا ربه أن يوفقه للفهم الصحيح، الموروث عن أشياخ الأمة، الموافق لمراد الله ورسوله.

طباعة شارك القرآن الكريم السنة النبوية علي جمعة التفكر في ذات الله تعالى

مقالات مشابهة

  • أمين الإفتاء: الشرع الشريف ليس محل تفاوض أو تعديل
  • تسجيل صوتي مسيء لمقام النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) يُفجّر اشتباكات مسلحة بـ”جرمانا” السورية
  • علي جمعة: التفكر في ذات الله تعالى منهي عنه
  • هل تكرار الذنب يحرم الإنسان من استجابة الدعاء؟.. اعرف رأي الشرع
  • أمير حائل: تعزيز التكافل ونشر ثقافة العطاء
  • محافظ جدة: تبرع سمو ولي العهد لجود الإسكان يجسد اهتمامه بالعمل الخيري وتعزيز قيم التكافل
  • رستم أطلع مفتي الجمهورية على الأجواء الانتخابية في عكار
  • رد أحمد كريمة على سعد الدين الهلالي بشأن الميراث
  • محافظ مطروح يبحث مع مفتي الجمهورية دعم العمل الدعوى والمجتمعى
  • علي جمعة: كل ما في الكون يسبح لله