تأملات في صراع المجتمعات والحضارات
تاريخ النشر: 6th, April 2024 GMT
يكتسب هذا المقال دافعيته من جذوة الشغف الذي يشتعل مع مظاهر الحياة وتجاربها؛ فيقترب حينا من محاولة فهم العقل البشري وماهيته الغامضة، ويقترب حينا أخرى من فهم سلوك الإنسان على مستوياته الفردية والجمعية التي تسعف في فهم حركته الحضارية واستشفاف مستقبلها. سبق أن سردت حديثا -في كتب سابقة- عن العقل والوعي والروح ومعضلة الجدلية الفلسفية والعلمية، وكذلك عن تطور الإنسان من الناحية البيولوجية والفكرية والحضارية، والحديث هنا يتجدد في هذا الشق المبهم الذي يعتبر مكونا رئيسا في حياتنا؛ إذ نلمح ديناميكيته في كل شيء؛ فنراه في سلوك الإنسان ومجتمعاته بما في ذلك صراعاته الساعية إلى تحقيق الأنا الفردية والجمعية، وتحقيق التطور في كل زوايا الحياة وأجزائها.
يشهد التاريخ وفقا لحركته الاعتياديّة المتماشية مع قوانين الحياة، ولنمط الإنسان المندفع لفرض وجوده وسبل بقائه أنّ الصراعَ حتميٌ لا محالة منه، وأن معطيات التاريخ تشير إلى ضرورة هذا الصراع، وفي الوقت نفسه تؤكد على خطره الجاثم على المجتمعات الإنسانية ومستقبلها؛ ولا غرو أن نجد لهذا الصراع أشكاله المتعددة التي تبدأ بصراع الإنسان مع ذاته وفق ظاهرة صراع الأفكار والتناقض في أنماط التفكير التي تحاول أن تستجيبَ لتوجهات دافع البقاء، ويشمل هذا الصراع مع الذات صياح الضمير حيث تقبع الذات الأخلاقية المتصلة بعالم الوعي، وهذا ما استدعى علم النفس أن يشخّصَ بعضَ حالاته أمراضا نفسية لا تقف عند تفسير محدد بل تتعدد وتتغاير نظرا لخلفيات كثيرة منها غياب الإيمان الذي يشمل الدين وظروف الحياة الكثيرة. تتنامى تطورات صراع الذات إلى صراع المجتمعات والحضارات، وجميعها ترتبط بالمحركات نفسها التي تحرك الصراع الفردي وأهمها محرك الدفع إلى البقاء وإقرار مبدأ الوجود، وهذا ما يفسّر حركة التاريخ التي تعجّ بالصراعات المتمثلة في الحروب وصعود الحضارات وسقوطها، ومهما تحرك الشعور الكاره لحركة التاريخ وضرورته الحضارية فإن قانون الحياة يحتّم وجود هذا الصراع الذي لا يمكن أن نجد له أداة تنظّم حركته أقوى من أداة الوعي الأخلاقي، ولا يمكن لهذا الوعي أن يترسّخ ويعمل دون منهج فكري صُلب، وهنا تتحرك كثير من الآراء نحو ضرورة وجود الإيمان الذي يمكنه أن يُثبتَ بُوصلةَ الأخلاق، ويحدد معنى الحياة وفلسفتها الكبرى دون أن يضعضع المنهجَ الفكري أيٌّ من تناقضات العقل وتنازعاته الداخلية؛ فينطلق السؤال: أيُّ صبغةٍ يمكن أن تحتوي الإيمان؟ أمنطلقات دينية أم مادية؟ تتعدد الصبغات التي يمكن أن تسكّن مفهوم الإيمان وتمنحه المعنى؛ فيمكن للصبغة العلمية الخالصة التي نعرفها بالمادية أن تُغلّفَ بغلاف إيماني يتمثل في تولّد المبادئ المادية مثل العلمانية والإلحاد والفلسفات ذات الطابع المادي المحض، وهناك الصبغة الدينية التي تتنوع أيضا في مشاربها المانحة في توصيف الإيمان إلا أن الإيمان المقصود يكمن في تسكين العقل في منطقة التوازن التي ترى ضرورة للتفاعل مع الجزء المادي «العلمي» بجانب التفاعل الروحي الذي يعكسه الإقرار بمسلمات الإيمان التي تبدأ بوجود الخالق «الله» وتكتمل بالممارسات الدينية. تتفاعل كل هذه الأدوات -المادية والدينية- في صناعة الوعي وتوليد الطاقة المعززة لحركة الأفراد والمجتمعات إلا أن التباين في قدرة كل من هذه الأدوات في التأثير السلوكي ملحوظ عبر مظاهر المجتمعات والحضارات الذي لا يمكن قياسها في المظاهر الحضارية مثل التطور المدني والصناعي والثقافي بل تمتد إلى المشاعر الإنسانية التي تترجمها ممارسات أخلاقية سامية. تكمن الإشارة في السياق السابق إلى مجتمعات تستأثر بالمنهجية المادية دون الدينية؛ فتتبنى العلم إيمانا ونظاما، ومجتمعات تتفرد بالمنهج الديني المتعصّب للتراث الكاره لأيّ تحديث علمي، ومجتمعات استطاعت أن تجد ملاذها في العلم والدين معا دون أن يطغى أحدهما على الآخر فيركسه. تُطْلِعُنَا قراءةُ التاريخ بنسبيتها أن كلا من هذه المجتمعات بأيديولوجياتها المتغايرة تشق طريقها في البناء الحضاري مع تفاوت الدرجات، ولا يمكن لهذا البناء الحضاري أن يتشكّل دون وجود غريزة الصراع المحكومة بالأطر العقلانية أو غير العقلانية، وهذه الأطر تحددها المنهجية التي لا يستقيم شأنها دون تحقق التوازن بين العلم والإيمان، ومن اليسير عبر أدوات رقمية متقدمة مثل الذكاء الاصطناعي أن نعيد فهمنا بهذه العلاقة بين العلم والإيمان ونحللها؛ فيتجلى تأثيرها في البناء الحضاري مع تكامل العناصر الإنسانية المتمثلة في المُثُل الأخلاقية التي تضبط مبدأ صراع المجتمعات والحضارات وفق ضوابط عقلانية متزنة. من السهل كذلك عبر الذكاء الاصطناعي أن نقيس مستويات الوعي للمجتمعات والحضارات وفق القاعدة الشمولية الكلية التي تعتمد على عناصر جزئية مثل قياس ترددات «Frequencies» النشاط العقلي والوعي والدماغ للأفراد داخل المجتمعات، هذه أداة تتعلق بتحليل مفاهيم الوعي والطاقة عند العقل الإنساني ومستوياتها، ولعلّ مقالا قادما -بإذن اللّه- يتناول هذا المبحث العلمي-الفلسفي العميق.
د. معمر بن علي التوبي أكاديمي وباحث عُماني
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: هذا الصراع لا یمکن یمکن أن إلا أن
إقرأ أيضاً:
حزب «الوعي» يطلق «وثيقة سند مصر» لدعم الوطن في مواجهة التحديات ورفض مخطط التهجير
أطلق حزب «الوعي» «وثيقة سند مصر» لتكون صوتًا موحدًا لكل من يؤمن بأن الوطن فوق الجميع والتعبير عن الصوت والإرادة الشعبية المصرية في دعم الوطن في مواجهة تحديات وتحركات دولية تهدد العدالة الإنسانية والأمن والسلام في المنطقة والعالم.
وقال الحزب، في بيان اليوم الإثنين، إن «مصر، بتاريخها العظيم وصمود شعبها، تقف دائمًا في مواجهة كل من يحاول النيل من كرامتها أو توجيه إرادتها والسيطرة علي مقدراتها، ونحن في «وثيقة سند مصر»، وباسم جموع المنضمين للوثيقة من كيانات مجتمع مدني، وأحزاب مصرية، ونقابات وأفراد الشعب وفئات الشباب، وبلا تردد، ندعم القيادة السياسية في مساعيها للحفاظ على أمن الوطن واستقراره، ونعمل على تعزيز الوحدة الوطنية ضد أي تهديد ونضع أنفسنا تحت إمرة الوطن كجبهة داخلية صامدة، قوية، وثابتة، ومدركة لما يحيط بها من الخارج من أعداء وداعميهم. وإنها لجبهة وطنية داخلية واعية وفاعلة، تقف في ظهر الدولة ضد كل خطر».
وأوضح أن «وثيقة سند مصر» تتخذ موقفًا حازمًا ضد كل أشكال التهجير القسري أو حتى الطوعي الذي تسبقه استحالة سبل العيش، والتي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، معربا عن رفضه، بحزم، أي محاولات لاقتلاع شعب من أرضه.. مؤكدا أن قضية فلسطين هي قضية كل مصري، «ورفضنا للظلم الذي يتعرض له شعبها ليس مجرد موقف، بل عقيدة ثابتة، ونرفض التهجير سواء للشعب الفلسطيني أو لأي شعب في العالم، ونرفض أن تكون وجهة التهجير لمصر أو لأي مكان آخر».
وشدد حزب «الوعي» على أن قوة مصر تكمن في شعبها، الذي كان دائمًا السيف الذي يذود عن الوطن والدرع الذي يتصدى لكل معتدٍ. وليس للوطن فقط درع وسيف، بل الشعب في ذاته هو درع الدروع وسيف السيوف.
وأكد الحزب أن الشعب المصري كله يقف في خندق واحد للدفاع عن الوطن، «وأن اختلافاتنا السياسية لا تعني أبدًا اختلافنا على حب مصر».. داعيا كل مصري، وكل كيان سياسي أو مدني، وكل نقابة مهنية أو عمالية، «للانضمام إلى «وثيقة سند مصر» ليكن صوتنا واحدًا، قويًا ومسموعًا، في وجه التحديات».
وأوضح حزب «الوعي» أن هذه الوثيقة ليست ملكًا لحزب أو شخص، بل هي نداء للوطن الواحد.. مشيرا إلى أنه سيفتح باب التواصل مع كافة الجهات الراغبة في الانضمام، وسيكون مقر حزب الوعي بيتًا لكل من يريد أن يشارك في دعم هذه الوثيقة بروح وطنية خالصة.. منوها بأنه خلال أيام سيعلن عن عقد مؤتمر «وثيقة سند مصر» التأسيسي، داعيين الجميع إلى المشاركة.
اقرأ أيضاًلمواجهة المخططات الإسرائيلية.. حزب الوعي يصدر ورقة سياسية للقمة العربية بالقاهرة
تناولت التصدي للتصعيد بغزة.. حزب الوعي يصدر ورقة سياسات ويوجهها إلى القمة العربية بالقاهرة
«أهمية الوعي المجتمعي في الحفاظ على الأمن القومي».. ندوة نظمها حزب مصر الحديثة بالشرقية