"هبطة العيد".. موروث عُماني أصيل يُعزز الأنشطة الاقتصادية ويعكس مظاهر الفرحة
تاريخ النشر: 6th, April 2024 GMT
مسقط- الرؤية
تمثل هبطة العيد واحدة من الموروثات والعادات الاجتماعية العمانية الأصيلة، التي يحرص العمانيون على إقامتها قبل أيام العيد، باعتبارها سوقًا تجاريًا يُنعش حركة البيع والشراء، إضافة إلى استعراض المنتجات العمانية المحلية؛ إذ يفد إلى هذه الهبطات المستهلكون من مختلف الولايات، من أجل التسوق وشراء مستلزمات العيد، مثل الأضاحي والمنتجات الغذائية والألعاب وغير ذلك.
ولا يقتصر دور هبطة العيد على البيع والتجارة فحسب؛ بل تشكل فرصةً للتواصل والتلاقي بين الأهالي والأصدقاء والأقارب لتبادل التهاني والتحايا، الأمر الذي يزيد من المودة بين الناس، كما أن هبطة العيد جزء من التراث العماني وتعكس روح المجتمع وترابطه، وهي فرصةٌ للاستمتاع بتجربة فريدة من نوعها وتوفير احتياجات العيد بأسعار مناسبة. ويتنقل الكثيرون من هبطة إلى أخرى في الولايات القريبة للبحث في أسواقها عن الأفضل خاصة من اللحوم الحية أو الاستمتاع بالأجواء المصاحبة للهبطات مثل (المناداة) وهي عملية يتم فيها بيع الأغنام والأبقار والإبل في المزاد العلني. وتمثل هبطة العيد أول أفراح العمانيين بعيد الفطر المبارك خاصة الأطفال الذين يحرصون على حضورها وهم يرتدون أجمل ما عندهم من الملابس وشهدت هبطات العيد إقبالًا كبيرًا منذ ساعات الصباح الأولى، وتوافد إليها الناس من مختلف القرى التابعة للولاية ومن الولايات القريبة والمجاورة.
وفي هذه الهبطات يجد كل متسوق ضالته كبيرة كانت أم صغيرة، ولذا يترقب الجميع في مختلف الولايات إقامة الهبطة في أقرب ولاية له، من أجل شراء احتياجات العيد. والهبطة موروث عماني يمزج بين الثقافة والاقتصاد، إذ يبدأ التجار في عرض مستلزمات العيد في الهبطات قبل هذه المناسبة بأيام، ومن المتعارف أنها تبدأ اعتبارًا من الرابع والعشرين من شهر رمضان ولعدة أيام متواصلة حتى نهاية الشهر.
وعادة ما تشهد هبطات العيد إقبالا كبيرًا خاصة في الفترات الصباحية؛ حيث تضم الهبطة سوقًا للأغنام والأبقار إلى جانب باعة متجولين أو يفترشون الأرض يعرضون لعب الأطفال وأغراض المنزل وكذلك الملابس والحُلي، وتظل الهبطة مظهرًا اقتصاديًا يسهم في إنعاش الحركة التجارية بالولايات، ومصدر رزق للكثير من صغار التجار. وقد شهدت الهبطات خلال السنوات القليلة الماضية تطورًا في السلع المعروضة.
ولا شك أن الحفاظ على هذه التقاليد الأصيلة يُعزز في النفس الشعور بالفخر بما يزخر به الوطن من مميزات ثقافية وحضارية ضاربة في عمق التاريخ، يتوارثها الأبناء عن الآباء والأجداد بكل زهو وافتخار.
من جهة أخرى، أعلنت جهات الدولة عن استعدادها؛ حيث أعلنت بلدية مسقط عن تبدأ فترة العمل في السوق المركزي للخضراوات والفواكه بالموالح الجنوبية بولاية السيب حيث تبدأ خلال الفترة (7 - 9 من أبريل الجاري) من الساعة الـ4 صباحا حتى الـ5 مساء على أن يتم إغلاق السوق يومي الأول والثاني من أيام عيد الفطر المبارك. وذكرت بلدية مسقط التابعة لمحافظة مسقط أن القرار حدد فترة العمل بالسوق المركزي للخضراوات والفواكه بالموالح ودخول الشاحنات (البرادات)، القادمة من عدد من الدول العربية الشقيقة والدول الصديقة إلى السوق عبر المنافذ البرية، المحمّلة بمختلف أصناف الخضروات والفواكه.
كما أعلنت بلدية مسقط جاهزية المسالخ لاستقبال ذبائح عيد الفطر، مؤكدة اكتمال الكادر الطبي البيطري وتسخير كافة الإجراءات الصحية لضمان بيئة صحية وخلو الذبائح من أية أمراض، إضافةً إلى توفير العدد الكافي من القصابين والعاملين وعمال النظافة، وكافة المستلزمات والمعدات والتي تؤهل المسالخ لتقديم أرقى الخدمات.
كما وجهت وزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه نصيحة على اتباع سلسلة من الإرشادات الهامة، وتهدف هذه الإرشادات إلى توعية المواطنين والمقيمين بأهمية السلامة والنظافة عند شراء ذبائح العيد، وضمان حصولهم على منتج ذو جودة عالية وخالٍ من المخاطر الصحية. وتدعو الوزارة عند شراء الحيوانات التأكد من خلوها من الأمراض. فالماشية التي تحمل الأمراض قد تسبب العديد من المشاكل الصحية للإنسان، كما تنصح بذبح الماشية بمسالخ البلدية الذي من شأنه الحفاظ على الصحة العامة.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
يوم المعلم العُماني.. استثمار مُستدام
غنية الحكمانية
"سنعلّم أبناءنا ولو تحت ظل الشّجرة" كلمات بليغة خالدة من لدن المعلّم الأول السّلطان الراحل قابوس بن سعيد -طيّب الله ثراه- سُطّرت حروف مدادها من ذهب، جال صِيتها الأرجاء وتردد صداها عنان السّماء، وعكست إيمان القائد الراحل بأهمية العلم والتعلم، وتحطيم أصفاد الجهل والظلام، وحرصه على مواصلة المسيرة التعليمية دون الالتفات إلى العراقيل المثبّطة، من ماضٍ تليدٍ وبإمكانات بسيطة لا تُذكر قبل النهضة إلى نقلة نوعية وكمية سبّاقة متسارعة تجاوزت الزمن في اللحاق إلى مصافّ الدول الصاعدة.
لقد أدرك السلطان قابوس -طيب الله ثراه- أنّ التعليمَ هو مشروع الاستثمار الأكبر في بناء الأمم والمجتمعات وتقدم الشعوب والحضارات، والمعلم بذلك هو أساس شعلة هذه النهضة التعليمية الرائدة، وأداة تحريك تنميتها المستدامة، ووسيلة تقدم المجتمع ورفعته، حيث إن "الاستثمار في المستقبل، الاستثمار في المعلمين".
إنه يوم رسول العلم.. الذي خطّ أولى حروف النّور في صفحات بياض النّشء، وأنار له بالكلمات معالمَ عقله ومستقبله، ورسم جملا وعباراتٍ تقوّي من عزيمته وإرادته، وأضاء بقنديل نوره دياجير الظلام وطوى صفحته، ظلّ وسيظلّ نهلَه يمخر عباب الأجيال، فهو الركيزة الأساسية التي تقيم المدرسة دعائمها عليه، والقوة الدافعة لنهضة التعليم والداعمة لاستشراف مستقبلها. أخلص صدقا للمهنة وأقسم شرفا ببرّها، وسخّر لأجلها طاقته وجهده، قيادة زمام النجاح والإجادة بيده، وتكوين شخصية الطالب وغرس القيم والاتجاهات والمبادئ من نُبل غايته؛ فهو مرآة طلبته، ويُمثِّل ما ينعكس في واجهتها، فيصقل مرآته بما يحب أن يتّصف به ويكون شاهدا على نقاوة سيرته وسريرته.
فكما لليونسكو احتفال بيوم المعلم العالمي في الخامس من أكتوبر، تفرّدت السّلطنة بيومٍ خاص للاحتفاء السّنوي بالمعلم العُماني الجدير وتخصيص يوم إجازة وطنية للكادر التدريسي والإداري وللطلبة في المدارس الخاصة والحكومية. يوم الـ24 من فبراير يستشعر فيه الطلبة والمجتمع بأطيافه مكانة المعلم العظيمة، وتقوى فيه أواصر التبجيل والتقدير، فتتوطد بذلك صلة الترابط بين المعلم والطالب وبين المعلم والمجتمع المحلي، وتسمو بين جنبات رقعته روح التكاتف والتعاون والازدهار مصلحةً للطالب ورُقيّا للمجتمع.
ولا يقتصر دور المعلم على خدمة توليد المعلومة وتلقينها واستحضارها جاهزة للطلبة، بل بتعزيز مهارات التعلم النشط كالتفكير النقدي والتحليلي والإبداعي والابتكاري ومهارات التعلم الذاتي من خلال منصات التعلم المتعددة عبر الإنترنت وتقنيات التعليم الحديثة والاستراتيجيات التدريسية المتنوعة، وتلبية الاحتياجات التعليمية للطلبة؛ زيادة في التفاعلية والاستمرارية، وتحقيقا لجودة التعليم وخدمة لأهدافها التعليمية المرسومة.
وفي ظل الطفرة التكنولوجية والتطبيقات التقنية الحديثة أصبحت الإحاطة بكل مستجداتها ضرورة حتمية وتوظيفها بشكل فعال ومؤثر في الساحة التعليمية. فمصير استمرارية الأمم وقفزتها التنموية الشاملة مرهون بمدى توطين تلك التقانة، تشدّ من أزرها المستقبلي وتزيد من فعالية وتحسين نوعية التعليم، فهي متجذرة في تفاصيل وجوانب مناحي الحياة. ما تمنحه تطبيقات تلك المساعِدات الذكية من توفيرٍ في الوقت والجهد والتكلفة، وفرصةٍ للتعليم التفاعلي والابتكاري، واحترافيةٍ في إنشاء وتنفيذ الأوامر وسرعة توفير حلول واستجابات تفصيلية فائقة ومرنة بشتّى طرق تحصيل الإجابة.
وممّا لا شك فيه أنّ التعليمَ ذا الجودة العالية يكون بمقابل التنمية المهنية والفنية المتواصلة، بإشراك المعلم في الدورات التدريبية وورش العمل التطويرية والندوات التربوية؛ لإحاطته بالمستجدات على الساحة الإقليمية والدولية، وتأهيل قدراته وتحسين مهاراته، إلى جانب منحه استحقاقاته من الحوافز والمكافآت والترقيات، لأجل مزيد من الدافعية والإنجاز والعطاء. والتخفيف من عبء تكدّس المهام والمتطلبات الجمّة التي تزيد من حجم ضغط العمل وتُقلّص من الأداء المثمر. وتوظيف الخريجين الجدد الذين ينتظرون فرصة التوظيف من سنوات قد خلَت بأوجّ توقد طاقتهم قبل الخفوت والتأكسد، مقابل فتح باب التقاعد المبكّر للمعلمين القدامى، بمنحهم فرصة الإحلال للخريجين الذين طال انتظارهم.
وإنّ فكرة إنشاء نقابة أو جمعية للمعلمين ضرورية تجمع تحت كنَفها كل معلمي السّلطنة، يتم فيها استقراء أفكارهم وتطلعاتهم، وتبادل الخبرات في المجالات التعليمية المختلفة، وتقديم الاستشارات والتوجيهات، وتسليط الضوء على آخر مستجدات وتحديثات الشؤون التعليمية في ظل التطورات والتغيرات المتسارعة، ومناقشة المهام والمتطلبات الوظيفية، وتذليل الصعوبات والتحديات التي يواجهونها، وحماية حقوق المعلمين والنظر في استحقاقاتهم، والمشاركة في تطوير المناهج التي تؤثر على جودة التعليم وارتقاء العملية التربوية.
ختاما.. أسمى رسالة شكر وامتنان وتحية إجلال وعرفان نقدمها لمقام المعلم في يومه العظيم الذي يُصنع ذكرى حفاوته كل عام، مجددا بصْمته وعهده وانطلاقته الفولاذية، مستلهما من الفكر الحصيف لجلالته السّلطان قابوس -طيّب الله ثراه- كل معاني العزّة والرفعة والمجد والإرادة القوية، فقد وضع جلالته جُلّ أمله في التعليم الذي انتشل عُمان من الظلام الدامس إلى إشراقة سطعت بنورها الأصقاع، فأولى التعليم والمعلم نُصب رؤيته وعمق اهتمامه. مجدّدون بذلك المعلمون العهد والولاء والسّمع والطاعة، وملبّون نداء عُمان العصر الزاهر ومعلموها الوعد الباهر.