لجريدة عمان:
2024-11-08@06:42:53 GMT

جوهر النظام.. غُرَّة الأراجيز العمانية

تاريخ النشر: 6th, April 2024 GMT

جوهر النظام.. غُرَّة الأراجيز العمانية

كان النَّظْم العلمي من طرائق التأليف القديمة التي استعملها العمانيون لما يزيد عن ألف سنة، إذا علمنا أن أقدم شواهده ترجع إلى القرن الثالث الهجري. ولعل شهرة المنظومات العلمية وانتشارها وتداولها متفاوت من زمان إلى آخر، كما أن شهرة بعضها ظلت ردحًا طويلًا من الزمن، وولجت إلى عالم الطباعة في العصر الحديث مثل كتاب (الدعائم) لأحمد بن النظر السمائلي (ق5هـ)، وهو أبرز الآثار من النظم العلمي في عمان خلال العصر الإسلامي.

وفي القرن الرابع عشر الهجري برز كتاب (جوهر النظام في الأديان والأحكام) لنور الدين عبدالله بن حميد السالمي (ت:1332هـ)، وقد قُدِّر له أن يلقى قبولًا وانتشارًا بين الخاصة والعامة في كثير من بلدان وقرى عمان، ولعل مكانة مؤلفه من بين أسباب ذلكم القبول والانتشار. ونوجز التعريف بالكتاب بأنه أرجوزة في الأديان والأحكام تتألف من نحو أربعة عشر ألف بيت، في أربعة أجزاء مرتبة على كُتُب تتفرع منها أبواب في أصول الدين والفقه والسنن والآداب. وقد شرع المؤلف في تأليفه بمكة المكرمة في رحلته إلى الحج سنة 1323هـ كما يقول في مقدمته:

شرعتُ فيه ببلاد اللهِ ** فكان هذا من عظيم الجاهِ

ومن الطريف في قصة التأليف أن نور الدين السالمي جدَّد بالكتاب رسوم أرجوزة فقهية أخرى أُلِّفت في القرن الذي سبقه وهي المسماة (دلالة الحيران)، من نظم العالم الفقيه سالم بن سعيد الصايغي المنحي (ق 12-13هـ) وقد صنفها الصايغي على مراحل حتى بلغت نحو 12 ألف بيت، ثم رتبها جُمَيِّل بن خميس السعدي (ت:1278هـ) صاحب كتاب (قاموس الشريعة) وجعلها في 63 بابًا. ومع أن أرجوزة الصايغي لم تحظَ حتى اليوم بالتحقيق والنشر غير أنه يدلُّ تعدد نُسَخها المخطوطة على انتشارها وتداولها بين أهل عُمان منذ زمان مؤلفها حتى جاء نور الدين السالمي فجعلها أصلًا لكتابه (جوهر النظام)، وذكر ذلك مع الثناء على الصايغي:

وبعدُ إن خير نظمٍ بالغِ ** في الفهم مبلغًا نظامُ الصايغي

فإنه حوى بيان الشرعِ ** من واجبٍ وجائزٍ ومنعِ

وانصبَّ في سهولة الألفاظِ ** وطاب حفظه لدى الحُفّاظِ

ثم فصَّل عن عمله في أرجوزة الصايغي من إصلاح العبارة وحذف التكرار والزيادة. وبعد أن ظهر الكتاب وانتشر على أيدي النُّساخ حينذاك احتفى به أهل عمان، ثم زاد الاحتفاء به إثر ظهور أول طبعة له بعناية أبي إسحاق إبراهيم اطفيش وتقريظ العلامة إبراهيم بن سعيد العبري، وهي نشرة المطبعة السلفية بالقاهرة سنة 1346هـ. ومنذ ذلك الحين توالت طبعات الكتاب حتى بلغت العشرين، وقاربت الخمسين بحساب المعاد تصويره مرارًا كما يذكر أستاذنا الباحث سلطان بن مبارك الشيباني في كلمته للطبعة الأخيرة التي صدرت هذه السنة عن مكتبة خزائن الآثار، وهي نشرة علمية متقنة في ثوب قشيب فاقت كل الطبعات الفائتة وأبقت على تعليقات العلّامتين أبي إسحاق أطفيش وإبراهيم بن سعيد العبري. ومما أود ذكره في شأن الاحتفاء بجوهر النظام والشغف به ما حكاه لنا المعلم سعيد بن عبدالله بن غابش (ت:1423هـ) أنه كان بنزوى أناسٌ يُسَمَّونَ (الجوهريين) وكانوا يجتمعون في حلقات لقراءة جوهر النظام وإنشاده غيبًا. ونحن قد أدركنا في أيام الصبا بعض الآباء يجلسون بين العشاءين لقراءة جوهر النظام بطريقة الإنشاد، ويتوقف القارئ بين حين وآخر كي يناقش الحضور بعض المسائل أو لشرح معنى كلمة، وتارة يأتون بشيء من الأخبار مما له صلة بالنص. وكانوا كثيرًا ما يستشهدون بأبيات من جوهر النظام في مجالسهم وفي شؤون حياتهم، ومن المواقف التي أذكرها في صباي أننا كنا نتبع طناء النخل في بلدنا فاختلف أحد رجال البلد مع الدلّال في طناء بعض النخل، وحجة الدلّال أنها لم تدرك بعد، فرد عليه ذلك الرجل بما معناه: هذه النخلة بدأت تصبغ (أي تزهو ويَصفَرّ لون الثمر)، ثم أردف: يقول الشيخ السالمي:

والزهو فيها وهو الاحمرارُ ** وهو الدَّراك وهو الاصفرارُ

وفي أيام تعلُّمنا في مدرسة القرآن قبل سن التعليم النظامي حَفَّظنا المعلم جملة من أبيات جوهر النظام، ومنها من باب العلم في أول الكتاب:

لا يورَثُ العلم من الأعمامِ ** ولا يُرى بالليل في المنامِ

لكنه يحصل بالتكرار ** والدرس في الليل وفي النهارِ

مثاله شجرة في النفسِ ** وسقيها بالدرسِ بعد الغرسِ

ولعل من أكثر أبواب الكتاب التي عُني بحفظها الخاصة والعامة، وترددت في المجالس والحلقات وحتى الكتاتيب أبواب الجزء الرابع في السنن والآداب، ومن بينها أبياتٌ من «باب الضوابط» في الكتاب، وهو بابٌ لغويٌ ضبط فيه المؤلف جملة من الألفاظ والمفردات، وذكر في أوله أن «الأصل» أي الصايغي صاحب الأرجوزة ذكر بعضها، ومنها كذلك «باب جامع الآداب» الذي صار حفظه في بعض المدارس القديمة من التقاليد، وهو بِحقّ نص شعري فريد في الحِكَم والأخلاق والآداب.

محمد بن عامر العيسري: باحث في التراث العماني

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

ندوة لقط الآثار المؤلف بصحار تناقش أهمية الكتاب وأهم المسائل التي تناولها

افتتحت اليوم الندوة العلمية لكتاب "لقط الآثار المؤلف بصحار"، والتي تقام ضمن البرامج والفعاليات الثقافية لوزارة الثقافة والرياضة والشباب، بالتعاون مع كلية العلوم الشرعية، برعاية سعادة محمد بن سليمان بن حمود الكندي، محافظ شمال الباطنة، وبحضور سعادة السيد سعيد بن سلطان، وكيل الوزارة للثقافة، وعدد من المهتمين. وأدار الندوة سند بن حمد المحرزي، باحث بدائرة المخطوطات في وزارة الثقافة والرياضة والشباب.

وفي كلمة وزارة الثقافة والرياضة والشباب، أشار محمد بن عبيد المسكري، مدير دائرة المخطوطات بوزارة الثقافة والرياضة والشباب، إلى أن هذه الندوة تأتي احتفاءً بتحقيق ونشر كتاب "لقط الآثار المؤلف بصحار" ضمن مشروع الوزارة لتحقيق ونشر المخطوطات العمانية. وترجع أهمية الكتاب باعتباره مدونة فقهية تعكس واقع المجتمع وتفاعله مع مختلف الجوانب الشرعية والاجتماعية والاقتصادية والزراعية خلال القرن الحادي عشر الهجري. كما يكتسب أهميته مما يحتويه من توثيق تاريخي لنشأة دولة اليعاربة على يد الإمام ناصر بن مرشد اليعربي، وما رافقها من أحداث في سبيل طرد البرتغاليين وتوحيد البلاد. ويضم الكتاب كذلك إشارات تاريخية لمدن الساحل الشمالي لعمان وما وقع فيها من أحداث خلال فترة تأسيس دولة اليعاربة، إضافة إلى ذكر العديد من أسماء الأعلام المؤثرة في تلك الفترة ومسميات المواقع الجغرافية والأفلاج.

وقدم إدريس باحامد ورقة بعنوان: "لقط الآثار المؤلف بصحار - الموضوع والنسبة"، أشار فيها إلى أن "لقط الآثار" مخطوطٌ قَيِّمٌ من المخطوطات العمانية التي لم تر النور منذ أمد. ولا يختلف اثنان في قيمته العلمية والتاريخية؛ ذلك أنه من خلال عنوانه يؤكد ما فيه من جواهر، فهو مؤلف في صحار كما جاء في العنوان، وصحار كانت ولا تزال من قامات عمان الحضارية والثقافية. كما تطرق باحامد إلى مؤلف المخطوط القَيِّم من الكتب العمانية، والنسخ التي جاء فيها، بالإضافة إلى أهم مواضيعه، وكيف تناول المحقق الكتاب، وكيف اهتدى للمؤلف، موضحًا أن المؤلف غير معروف لدى الكثيرين.

وأوضح الشيخ سعيد بن ناصر الناعبي، في ورقته التي حملت عنوان "المسائل الفقهية في كتاب لقط الآثار المؤلف بصحار"، أن كتاب "لقط الآثار" من الكتب المهمة الحاوية لآثار علمائنا، ولم يكتفِ المؤلف فقط بأقوال العلماء المتأخرين، بل دوّن أقوال العلماء المتقدمين، مبينًا أنه ذكر أقوال المشايخ موسى بن علي الإزكوي، ومحمد بن محبوب، ومحمد بن جعفر الإزكوي، وأبو سعيد محمد بن سعيد الكدمي، وعبد الله بن محمد ابن بركة.

وذكر الناعبي العلماء الذين دون أقوالهم مؤلف الكتاب، وقد وضعت تراجم مختصرة في الحاشية. كما تطرق إلى التأصيل الفقهي للمسائل الفقهية المدونة في الكتاب وربطها بالأدلة الشرعية، وأخيرًا قام باستنباط القواعد الفقهية من الكتاب، وبناء الفروع عليها.

من جانبه، تناول الدكتور موسى البراشدي في ورقته الأهمية التاريخية لكتاب "لقط الآثار المؤلف بصحار"، وأشار إلى أن المصادر الفقهية تقدم مادة تاريخية نادرًا ما تشير إليها المصادر التاريخية، لا سيما تلك المرتبطة بما يسمى فقه النوازل، ولذا أطلق عليها المصادر الدفينة لكونها تتضمن كنوزًا بحاجة إلى البحث والتنقيب. ومن هنا، يتوجب على الباحثين في التاريخ العماني استفراغ الجهد للتنقيب عن الإشارات التاريخية في كتب الفقه العمانية، بغية سد الكثير من الفجوات والثغرات في التاريخ العماني. كما أبرز البراشدي الجوانب التاريخية في كتاب "لقط الآثار المؤلف بصحار" لمؤلفه ناصر بن ثاني بجمعة الرحيلي الصحاري، حيث تكمن أهمية الكتاب في كون مؤلفه معاصرًا للفترة الأولى من عهد اليعاربة، وكان له دور سياسي وإداري فيها، ولذا كان قريبًا من كثير من الأحداث التاريخية التي أشار إليها في كتابه، سواء أكان ذلك على هيئة مسألة فقهية بناءً على موضوع الكتاب، أو ضمن الأحداث التاريخية التي تمت الإشارة إليها في ملاحق الكتاب، والتي وردت في الجزء الخامس منه. مبينًا الاهتمامات التاريخية للمؤلف، والجوانب السياسية والإدارية في فترة المؤلف، كما تطرق إلى الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، وأبرز الأعلام المغمورين في كتاب "لقط الآثار المؤلف بصحار".

وفي ورقته التي ناقشت "الأفلاج العمانية وكتاب لقط الآثار المؤلف بصحار"، أشار هلال بن عامر بن علي القاسمي إلى الإرث الحضاري ذي العمق في التاريخ البشري، الذي شغل الباحثين وعلماء الآثار والتاريخ والفقه لما له من ارتباطات مختلفة في جوانب عديدة، وتحوم حوله الكثير من التساؤلات ذات الأبعاد العلمية. وتكمن ألغازه في عدم وجود مؤرخات قديمة تعنى بنشأته وتطوره، بيد أن المؤلفات الفقهية ثرية ببعض المسائل الفقهية التي قدمت بعض المفاهيم والأحكام والتساؤلات؛ التي من خلالها نستشف ونستخرج بعض الأدلة والأبعاد الفكرية والهندسية والعملية، ومنها نضع الرؤى والتصورات لهذا النظام القديم. موضحًا أن كتاب "لقط الآثار المؤلف بصحار" انفرد ببعض الأخبار والتعريفات والأحكام والمسميات والمناطق التي وصلت إليها الأفلاج، وكُتب في مرحلة انتقالية من فترة مرت بغموض تاريخي، لذا فإن ما يحتويه من مسائل وتعريفات وأخبار يعد من أهم الروافد العلمية لنظام الري بالأفلاج وما تشتمل عليه من أبعاد في مجالات أخرى مرتبطة بالفلج مباشرة. مسلطًا الضوء على الارتباط بين نظام الأفلاج منذ نشأتها وما احتوى كتاب "لقط الآثار" من معلومات ذات صلة بالأفلاج، كما تطرق إلى مضامين الفلج ذات الصلة من حيث النشأة والعمر والسبب والنوع والتطور.

وصاحب الندوة معرض للمخطوطات تجول فيه الحضور، للتعرف على أهم ما يحويه الكتاب من كنوز تخلد الحضارة العمانية.

مقالات مشابهة

  • منصور بن زايد: الاستثمار في الإنسان جوهر استراتيجيتنا للتنمية المستدامة
  • تكريم ريهام عبد الحكيم بعد مشاركتها في الليلة العمانية بمهرجان الموسيقى العربية
  • كان راجع من الكتاب.. ضبط السائق المتهم بدهس طفل في البدرشين
  • ندوة لقط الآثار المؤلف بصحار تناقش أهمية الكتاب وأهم المسائل التي تناولها
  • العمانية لنقل الكهرباء تنفذ حملة يوم الشجرة العماني
  • تعاون بين سلطنة عمان وماليزيا لإنشاء مركز البحوث والدراسات العمانية
  • سلطنةُ عُمان توقّع مذكرة تعاون لإنشاء مركز البحوث والدراسات العمانية بماليزيا
  • عمار النعيمي: بناء منظومة تضع الإنسان في جوهر اهتمامها
  • وفد إمارتي يطلع على التجربة القضائية العمانية
  • البنك الوطني العماني ينظم "فعالية الشباب" لتمكين المواهب العمانية