لجريدة عمان:
2025-02-19@01:03:53 GMT

قشر البرتقال

تاريخ النشر: 6th, April 2024 GMT

قشر البرتقال

1

شمس اليوم ساطعة وكأن لا مطر كان ينهمر البارحة.

يقال «رتب فراشك، يتغير يومك»، فرتبته، لكن غالبًا لا شيء يتغير، لا شيء على الفطور، لذلك سأنتظر حتى وقت الغداء، لكن لا شيء أيضا على الغداء.

في الأيام شديدة البرد، شديدة الجوع، لا مطبخ في بيتنا.

في الصفحة 125 من «نداء الملاك» لميسو، أقرأ عن أصناف طعام «لامبيرور» وبطني يقرقر.

2

مصابة بـ«كوفيد-19». أردت في البدء ألا يعرفَ أحد عن ذلك، لكن ما أن أصيبت شقيقتي حتى أصبح الأمر سيانا، لا أعرف لماذا شعرت بأنها غاضبة مني لأني نقلت إليها العدوى. آمل أن يكون شعوري هذا خاطئا، ومع أن كلتينا في حجر صحي معزولة إحدانا عن الأخرى إلا أنني شعرت بنظرتها الغاضبة تخترقني.

نتيجة الفحص الإيجابي بجوار رأسي على السرير طوال الوقت، ألتفت وأنا ممددة أعيد النظر بين الفينة والأخرى إلى الخانة التي كتب عليها «POSITIVE» ويزداد قلقي من أن أموت أو أختنق أو تطير روحي بسبب سعلة.

3

يتناوب من في البيت على إحضار الطعام لي، طرق الباب يتسق دائما مع الوجبة المقدمة. طرق سريع وعالٍ يعني أن شيئا ساخنا على الباب، طرق خافت وعابر يعني سلطة جرجير بدبس الرمان، لكن مع تأثر السمع لدي أصبحت أشرب الشاي باردا.

لا ألوم أحدا عندما لا يعجبني الطعام، فبيتنا بدون مطبخ منذ ما يزيد على أربعة أشهر، لكني لم أعد أتناول أيا من الأطباق الموضوعة أمام الباب، لأن الشطيرة التي دخلت إلى الغرفة توا كنت قد تناولتها على الإفطار يوم أمس وقبل أمس.

4

برتقالتان على المنضدة وسكينة بلاستيكية، غدا ستُحضَر لي برتقالة ثالثة وسكينة بلاستيكية، هكذا جمعت البرتقالات منذ أن مرضت على أمل أن تُحضَر لي سكينة حديدية، لكن ما دمت في اليوم الثالث من الحجر ولم تصل السكين الحديدية، فهذا يعني أنها لن تصل أبدا، كان الحرص شديدا حتى لا أتسبب بالعدوى لفرد آخر في البيت.

ماذا تفعل السكين البلاستيكية بقشر البرتقال؟! إنها تدغدغه فقط! وهكذا عندما رغبت بتناول برتقالة أزلت القشر بأظافري الطويلة حتى أفسدت شكلها المربع. أعتقد أنه حان الوقت للتوقف عن صناعة أدوات بلاستيكية يُفترض أن تكون حادة.

5

تتصل أمي -التي يفصل بيننا أكثر من ستين كيلومترا في هذه اللحظة- عشرات المرات حتى تطمئن، لكنها تسألني عن الأصحاء في البيت: أين يكونون؟ وماذا يفعلون؟ وكانت أسئلة غاية في الصعوبة ليجيب عليها شخص محبوس!

6

لم أعد أتصفح قصص الأصدقاء على الانستجرام حتى أتجنب صور الخطوات على البحر، وحفلات الشواء الليلية وفناجين القهوة في المقاهي... والطعام. قررت أن أطلب ما أشاء من وجباتي المفضلة من مطاعم قريبة ليتم إيصالها إلى البيت. لكن ما حدث أني اضطررت يومها إلى مغادرة غرفتي لاستقبال «الباستا» ورقائق البطاطا واستلامها بنفسي؛ لأن أحدًا لم يجب على اتصالاتي في البيت، مُخاطرة باحتمال إصابة المندوب بالعدوى أو أحد أفراد البيت أو جميعهم.

تشدد وزارة الصحة على عزل المصاب في غرفة خاصة بدورة مياه، لكن ماذا عن المطبخ؟

7

الظهيرة هادئة. الحي هادئ تمامًا إلا من بيت جارتنا التي تفسد السكون بصوت دقّها شيئا ما، وأجزم أنها تدق هذا الشيء بأداة معدنية. حسبت في البدء أنها تحضر العجين، لكن لم كل هذا الصوت؟! أغلق نافذتي المطلة على بيتها، فأرى فرشاة أسناني تهتز من أثر الصوت، لن أبالغ إن قلت إننا نبدو وكأننا نعيش في بيت واحد، فبيتنا وبيتها توأم سيامي.

أسمعها تصرخ على حفيدها «هااااااااااشم»، الشخص الوحيد الذي يصرخ الجميع بسببه في بيتهم. سمعتها تقول بصوت عالٍ: «ما يستوي تخليه؟؟؟»، يبدو أنه كان يعبث بذلك الشيء الذي كان يدق، فبعد جملتها تلك اختفى ذلك الصوت المزعج.

8

أفتح النافذة، بدا أن كل أطفال الحي قد ملوا الجلوس في البيت، أصوات البكاء والصراخ تصدر من كل الجهات. هذه هي المرة الأولى التي أسمع فيها بكاءً جماعيا متواصلا من بيوت مختلفة مذ سكنّا حي التضامن.

9

أحد الأشياء التي فعلتها اليوم أني هاتفت صديقتي صوتا وصورة، تحدثنا وضحكنا كما لا نفعل عادة عندما نلتقي، بل حتى أنها أرتني ما تحويه ثلاجتها، قالت لي تحتاجين ثلاجة لمثل هذه الأيام. ابنها الصغير كان نائما ولكنه استيقظ مستغربا عندما رأى صورتي تتحرك في هاتف أمه.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی البیت لکن ما

إقرأ أيضاً:

الشعر يستعيرُ الملابس!

هل تُكابد الملابس المخاوف الليلية من انفلات نسيجها، أو انجلاء حرارة ألوانها، هل تزورها كوابيس الثقوب فـي أحلامها؟ وهل تخفت أوجاعها المرعبة ما أن تعاود الإبر رتق مزقها اللامتناهية؟ هل تعتاد الملابس دورانها فـي المغسلة كما تدور بنا الحياة؟ هل تعتاد رغوة المسحوق ومواد التبييض؟ وكيف إذا ما نُقعت يتلون الماء بلون حسرتها؟ ثمّ تستسلم للعصر، وتتدلى طائعة من حبل الغسيل، تماما كما يخوض البشر صراعاتهم الأبدية مع توحشٍ لا مُتناهٍ، تتبدى أنيابه أكثر شراسة مما مضى؟

لم أكن لأنتبه - من قبل- لدرجة الشبه اللافتة بيننا كبشر وبين الثياب التي نرتديها، إذ لطالما نظرنا إليها من وجهة نظر قاصرة باعتبارها -أي الثياب- تُعبر عن وضع اجتماعي وتعكسُ البيئات التي انحدرنا منها، إلى أن وقعت بين يديّ المجموعة الشعرية «بالأمس فقدتُ زرا» للشاعر تامر فتحي، دار شرقيات، حيث يُعطي الشاعرُ الثيابَ صوتا، فـيخدش علاقتنا الصامتة بها، نافخا فوق رمادها، كاشفا عن جمرها المتقد.

استحوذت عليّ المجموعة المُكثفة والقصيرة منذ الغلاف الذي يظهر عليه مقصٌ حاد فوق قصاصات أقمشة، ومنذ الإرباك الأولي لكلمتيّ «قصّة الملابس»، فهل قصّة الملابس، هي قصّتنا المواربة، هل هي ما لا نقوله كبشر، ما لا نجرؤ عليه؟

الملابس هاهنا راغبة فـي التحرر من طياتها، راغبة فـي الخروج من متاجرها، فهي تحزن عندما تُصلب بالدبابيس وعندما تدخل حيز الكي، تحزن عندما توضع فوق المانيكانات أو تهمل فوق الشماعات، وهي تكره أن نتلصص عليها من وراء الزجاج!

لكن من كان يظن أنّ للملابس مُخيلة، وقصّة غير مرتبة، بدأت من مصنع قديم؟ وماذا يمكن لشاعر -يعملُ لمدّة عام كامل فـي متجر ثياب- أن يفعل وهو ينظر للملابس كل يوم، أكثر من إعادة إنتاج قصّتها عبر الشعر!

نمت الثياب وتبرعمت من القراءات التي قُرأت أثناء نسجها، فأول الأسرار تعرفها الأقمشة من خياطها، وأول سر تعرفه أنّها وُلدت من زواج تقليدي بين الخيوط. ثمّ تمر برودة المقص فوقها -كما تمر عجلات المصائر- لتصيرها شيئا آخر، يوجعها وخز الإبر لكنها تُكره عليه، لتغدو مقاس شخص ما.

فهل فكر أحدنا - من قبل- بالشماعات التي نُعلق عليها ثيابنا وهي تُعطي إحساسا كاذبا بالارتداء؟ وماذا عن المانيكانات التي لا تمتلك رائحة، لا تتصببُ عرقا، لا تتعطر، لا تمر فـي عروقها الدماء؟

كيف تنمو الغيرة وتتنازع الثياب الجديدة مع القديمة -فـي الدولاب- لامتلاك الجسد الواحد. ومن يختار الآخر.. ثيابنا تختارنا أم نختارها؟

وهل راقب أحدنا من قبل دهشتها وهي تمضي فـي الطريق عندما تُلبس لأول مرّة؟ هل راقب أحدنا شهقتها باندلاق القهوة فوقها؟

هل تعرفنا ثيابنا كما نعرفها؟ البنطال الذي ظل يركض.. هل كان متأكدا من وجود أمل ما فـي الجهة الأخرى من الطريق؟

كيف تبدو الثياب عندما تفقدُ زرا؟ كيف تبدو عندما تتشوه؟ ماذا تفعل بها أكياس النايلون عندما تستسلم للمخازن أو لإعادة التدوير؟ وعندما تغمرها الوحدة والعزلة فـي عتمة الدولاب، هل تتذكر حقا صوت ماكينات الخياطة؟!

وماذا عن المصير البائس بالتحول إلى خرقة بالية لمسح الأرفف فـي المطبخ؟ هل سيدفعها كل هذا العذاب، لأن تُغافل مشبك الغسيل، لتُلقي بنفسها لهوة بائسة؟

إنّها ببساطة هواجسنا البشرية، حياتنا المكثفة، بكل توتراتها وصخبها وبؤسها، يستعيرها الشعر ليلبسها ثيابا أخرى.

هدى حمد كاتبة عمانية ومديرة تحرير مجلة نزوى

مقالات مشابهة

  • أكبر فوائد حفلة نيروبي اليوم
  • مشاهد من الجلسة الحوارية مع اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني السوري التي جرت اليوم بمدينة إدلب
  • نورهان في دعوى خلع: اختار اسما لابنتنا باسم الإكس
  • فنانة مصرية تمزق فستان زفافها قبل يوم من الحفل .. صور
  • تعرف على فوائد قشر البرتقال التي تثير حماسة العلماء بسبب فائدتها
  • طريقة عمل مافن البرتقال بأسهل الخطوات
  • ماكرون يستضيف اليوم قمة أوروبية طارئة بشأن أوكرانيا
  • الشعر يستعيرُ الملابس!
  • نفاع ترأس قداسا في زغرتا في اليوم العالمي للمريض
  • لماذا يجب عليك تناول البرتقال يوميا؟