لجريدة عمان:
2025-04-26@11:02:21 GMT

فلج «الفرسخي» والعودة للحياة بقصائد الماء

تاريخ النشر: 6th, April 2024 GMT

فلج «الفرسخي» والعودة للحياة بقصائد الماء

قبل أيام، تبادل الناس في ولاية منح عبر الهواتف النقالة، صورًا ضوئية لأنفاق مجهولة ومهجورة لفلج مندثر يسمى: «الفرسخي»، التُقِطت من أعماق مجراه الذي كان مغطى بالتراب ردحًا من الزمن، وواضح من الصور المنشورة عمق الفلج الذي يبلغ ثلاثة عشر مترًا، وارتفاع مجراه إلى ثلاثة أمتار، بحيث يشعر السائر بداخله أنه يكتشف عالمًا مذهلًا من الحفر وشق الصُّخور.

تلك الصور المنشورة حفزتني هذا الأسبوع أن أكتب عن تجربة إحياء الأفلاج المندثرة أو الميتة، التي لم يبق منها سوى أطلال، وأكداس من التراب تعرف باسم «هجيج»، تتناثر في سطح الأرض، وفتحات جوفية تعرف كل واحدة منها باسم «فُرْضَة»، تغوص في عمق يصل إلى مجرى الفلج، وترتبط مع بعضها بنفق يسمى «سَلْ»، وكأنما للمفردة دلالة استلال الماء من العيون الجوفية، يسير في سلسلة طويلة بدءًا من النبع وحتى المصب، ويبلغ عدد تلك الفتحات في معظم الأفلاج بالمئات، بعض الأفلاج تبلغ أطوال أنفاقها عدة كيلومترات.

تمثلتْ هذه التجربة في محاولة مجموعة من الشباب في ولاية منح، يخضر العطاء في أياديهم، لإحياء فلج «الفرسخي» العريق، الذي ينبع من وادي «المعيدن»، المتدفق من هضاب الجبل الأخضر، وينتهي الفلج بقرية «معمد»، حيث يغذي الجزء الجنوبي منها، لكن الفلج اندثر، ولم يتبق منه سوى أطلال تذكِّر به، وبعضها كان متماسكًا بسبب الأحجار المضفورة في جوانب الفتحات الجوفية، ورغم صعوبة إعماره بسبب التهالك الكبير فيه، إلا أن همة الشباب في إحياء الفلج، وجهودهم من أجل تحقيق ذلك، جعلتهم يغامرون في اكتشاف تلك الأنفاق العميقة، فكانت النتيجة أن تلك المجاري مغمورة بنهر محتبس في جوف الأرض، في حين أن هذا الفلج كان لعقود من السنين مجرد ذكرى وأثرًا بعد عين، وقبل ذلك كان نهرًا خصيبًا لقرون من الزمان، أما الأراضي التي يغذيها فتحولت بعد جفاف الفلج إلى صحراء، تنمو فيها أشجار الغاف والسمر والسرح، و«شريعة» الفلج أو «المِشْراب»، حيث يشرب منها الماء، صارت ذكرى في مكان ما، يروي الأهالي مكانها ولم يروها بأعينهم، والمفاجأة أن الفلج المطمور لا يزال ينبض بالحياة، والعيون فيه تسيل بقصائد الماء.

إن هندسة حفر الأفلاج المذهلة، تمثل إحدى خصوصيات الاستقرار في عُمان، ناهيكم أن بعضها يحتفظ بأكثر من ذاكرة، ذاكرة ثقافية، تتمثل في «النسخة» الورقية المتوارثة من جيل إلى جيل، توثق أصول الفلج وملكيات الناس له، ولفلج «الفرسخي» وثائق بيع وشراء تعود إلى قرنين ونصف القرن من الزمان، وكتب الشعراء في مديحها قصائد شعرية بالغة الرقة، وكأن حروفها صيغت من تلك القطرات العذبة السائلة في السَّواقي.

وليس «الفرسخي» الفلج الوحيد المندثر في ولاية منح، هناك أفلاج أخرى كثيرة أصبحت مجهولة المجرى، وبعضها باقية، مدفونة في عمق الأرض كفلج «السليماني»، وفلج «الشَّرْجة»، وفي جانب آخر من منح، لا تزال أطلال «فلج مالك» واضحة المعالم في بلدة الفيقين، وكان فلج «المطيب» يسقي مع فلج «الصليب» ضواحي بلدة «المعرى»، وأفلاج أخرى تغذي بقية قرى الولاية، تبدو أشبه بكائن يزحف في عمق الأرض، ويترك وراءه أكداسًا من التراب، هناك في أعماق الأرض شق الأجداد مجاري لهذه الأفلاج، فغذت القرى زمنًا طويلًا، وجاء زمن آخر، تغيرت فيه الحياة، وقلبت عليها ظهر المجن، فجف بعضها، بسبب موجات الجدب، وانتقال الناس إلى مناطق قروية أخرى، ولكن ما لا يحتاجه البشر فالطبيعة تتكفل به، إذ ستواريه في رحمها الحنون، وباطن الأرض مخبأ آمن لمفاتيح الحياة الضائعة، هناك تختبئ بعيدًا عن الأنظار، حتى يأتي جيل آخر، يتعطش إلى جرعات الماء العذبة، وتبدأ قصة جديدة في اكتشاف فلج مجهول، ليتحرك ببطء وخجل في سواقيه، وكأنه يكتشفها من جديد، وقد ينبع من بئر في مكان آخر، فالمياه لا تحب الرُّكود، إلا أن تكون في حالة رَيٍ دائمة، وتدفقٍ يفيض من الجداول.

خلال الأيام الماضية، ترددت على فلج «الفرسخي»، بصحبة وكيل الفلج: حامد بن سليمان الفيلاني، وبلغت معه موضع المنبع، وهو ما يعرف بالأم، «أم الفلج»، التي تغذيه من صفو نميرها، وشرح لي عن أمله ورغبته أن يرى الفلج يجري كما كان، وبحسب قوله: دورنا الآن أن نعيد الفلج للحياة، فقد بذل الأجداد في حفره وشقه جهدا كبيرًا، يؤكد ذلك طول مجراه الذي يزيد على ثلاثة كيلومترات، وهذا ما يقوله مسعود بن مبارك السليماني، الوكيل الثاني للفلج: إنه بتكاتف الجهود، ودعم أهل الخير، سوف تعود المياه إلى سواقيها.

كان المكان الذي تسير فيه ساقية فلج «الفرسخي» ميدانًا لملتقى خمسة أفلاج أخرى، تسير باتجاه منح، وتغذي القرى المتجاورة، والمتراصة في بعض أطرافها كالعناقيد، خمسة أفلاج تجري في أنفاق مخبوءة تحت الأرض، وكأنها أنفاق قطارات سرية، تتفاوت في الأعماق، ولمحت في بعض المواضع وجود ضفور قديمة، وأسس لبيوت أو أبراج أو خزانات مياه، ونحن لا نعرف شكل الحياة قبل قرون من السنين كيف كانت، إنما نرسم بأذهاننا نسخة تقريبية لصورتها الأولى، بحسب ما نراه من آثار وأطلال، تعود إلى تلك الأزمنة الغابرة.

الوثائق تتكلم: لسان فصيح عن حياة من تتحدث عنهم، وتقدم كشفًا بأسمائهم والعملات المتداولة بينهم، وقد أبقى الزمان مجموعة من الوثائق الخاصة بملكيات فلج «الفرسخي»، بما يشكل دفترًا صغيرًا من نسخة الفلج، احتفظ بها الباحث خلفان بن سالم البوسعيدي، في أرشيفه الكبير المكون من آلاف الوثائق، شغف بجمعها زمنًا طويلًا، وهنا تظهر أهمية الاحتفاظ بالوثائق، لأنها تكشف عن حياة الناس في بيعهم وشرائهم ومشاركاتهم ومسمى عملاتهم، وهذا نص إحدى الوثائق: أقر جمعة بن مسعود بن حجي الساكن «فليج بو نخيلة»، من ناحية منح، بأنه قد باع لمحمد بن عبدالله بن حجي المعروي المنحي، أثر ماء من «رَدَّة سابع الأولى»، ومن «رَدَّة سابع الأخرى»، من فلج «الفرسخي»، يدور على مداره بما يستحق، بمائة فضة محمدية، بيع القطع، وقد بري المشتري إليه من ثمن المبيع، براءة قبض واستيفاء، بتاريخ عشية الاثنين لست ليالٍ خلون من شهر رجب، من شهور سنة ثلاث وثمانين ومائة سنة وألف سنة، من الهجرة النبوية: (1183هـ)، وواضح من العقد أنه كتب قبل 262 سنة هجرية.

وفي وثيقة أخرى ورد هذا النص: أقر سالم بن حبيب الحسيني المنحي بأنه قد باع لازوردة بنت جمعة بن علي المعروية المنحية، مال خميس بن سالم الشامسي المعمدي المنحي، من سقي فلج الفرسخي، من قرية منح، بحدوده وحقوقه وطرقه وسواقيه، بستمائة محمدية فضة، بيع القطع، وذلك بتاريخ ظهر الخميس لعشر ليالٍ خلون من شهر شوال، من سنة ثلاث وتسعين ومائة سنة وألف سنة: (1193هـ). ومن قراءتنا لعقد البيع، الذي مضى عليه 252 سنة هجرية، تظهر أسماء قبائل كانت تعيش في منح، والعملة المتداولة وهي الفضة المحمدية.

بقية الوثائق المتوفرة عن هذا الفلج كتبت باللغة ذاتها، كاشفة عن أدبيات البيع والشراء قبل قرنين ونصف قرن من الزمان، ولكن أبلغ هذه الوثائق هو ما لم يكتب بعد، وما طوته الأيام وضاع من يد الناس، فما ضاع يفوق الوصف والتوثيق، تعيد كتابة التاريخ الحضاري للإنسان العماني، وهذا فيض من غيض، وقطرة انسلت من نهر طويل، يجري في ساقية تمتد جداولها بامتداد الزمان العماني الخصيب.

أوصاف هذا الفلج يصدق عليه قول الشاعر الكبير محمد بن عبدالله المعولي المعروي، (حي: 1114هـ/ 1702م)، الذي حتمًا عاش في فترة ازدهار «الفرسخي»، ولعله شرب من مائه، ولكن لم يبلغنا وصفه الشعري فيه، إنما بلغتنا من ديوانه المنشور قصيدته البديعة، التي كتبها في فلج «الأصغرين»، المجاور لفلج «الفرسخي»، وهو وصف ينطبق على كليهما:

يا سَيِّدَ الأنهارِ مِنْ دارِنا

مَنْ كانَ جَارًا لَكَ لَمْ يَعْسُرِ

وَمَنْ شَرَى ما أنْتَ تسْقيهِ مِنْ

نَخلٍ وَمِنْ أرْضٍ فلمْ يَخسَرِ

قُدِّسْتَ مِنْ نهْرٍ وَمِنْ جَدْوَلٍ

قَدْ فازَ مَنْ يَشْرِي وَمَنْ يَشْتَري.

محمد الحضرمي كاتب وصحفي عماني

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

تعرف على فوائد القرفة مع العسل لجسمك

تعد القرفة القرفة تُشكل مصدرًا ممتازًا للألياف الغذائية والحديد والكالسيوم إضافةً للعناصر الغذائية الأخرى الهامة، وبسبب هذه المكونات للقرفة فإن فوائدها جدًا عديدة للصحة.الفوائد في ما يأتي:


 

ووفقًا لما جاء في موقع tuasaude نقدم لك فى هذا التقرير فوائد القرفة..

1. العسل والقرفة لعلاج التهاب المفاصل

يخلط العسل مع الماء الدافيء , وتضاف اليه ملعقة صغيرة من مسحوق القرفة , ويستخدم صباحا ومساءا بواسطة تدليك الجسم في مكان الألم , وقد تظهر نتائجه في معظم الحالات في غضون خمس عشرة دقيقة.

2. العسل والقرفة لمنع تساقط الشعر

لتساقط الشعر أو الصلع ، يحضر زيت زيتون ساخن ، وملعقة واحدة من العسل وملعقة من مسحوق القرفة , وتفرك على الرأس , وينتظر لمدة 15 دقيقة تقريبا قبل غسله بالماء الدافيء.

3. العسل والقرفة لوجع الأسنان

عجينة مصنوعة من مقدار ملعقة من مسحوق القرفة، ومقدار خمس ملاعق صغيرة من العسل عند وضعها على السن المؤلم (3 مرات يوميا) يقلل من الألم في غضون 15 دقيقة

4. العسل والقرفة يمكن أن تساعد في الحد من الكولسترول

ملعقتين من العسل وثلاث ملاعق من مسحوق القرفة , تمزج في 16 أوقية من الشاي، وتعطى لمريض الكوليسترول ، حيث يفترض ان يقلل من مستوى الكوليسترول في الدم بنسبة 10٪ في غضون 2 ساعة.كما يستخدم العسل النقي مع الطعام أحيانا للتحقق من نسبة الكولسترول.

5. العسل والقرفة لعلاج نزلات البرد

بالنسبة لأولئك الذين يعانون من نزلات البرد المعتادة أو الشديدة ، ينبغي أن تأخذ ملعقة واحدة من العسل الدافئ مع 1/4 ملعقة صغيرة من مسحوق القرفة يوميا لمدة 3 أيام.هذه العملية ستخلصهم من السعلة المزمنة والرشح، وتنظف الجيوب الأنفية.

6. العسل ومسحوق القرفة يشفي من العقم

تم استخدام العسل لسنوات عديدة في الطب لتعزيز السائل المنوي للرجال. وتؤخذ ملعقتين من العسل بالقرفة قبل الذهاب للنوم.

7. العسل والقرفة لعلاج اضطراب المعدة

تناول العسل مع مسحوق القرفة يساعد في علاج آلام المعدة. وبالنسبة للأشخاص الذين يعانون من مشاكل الغازات ، فينبغي تناول العسل مع مسحوق القرفة بكميات متساوية، وبذلك يخفف من الغازات وآلام المعدة.

8. العسل والقرفة لتحسين الجهاز المناعي

الاستهلاك اليومي من العسل ومسحوق القرفة يقوي جهاز المناعة، ويحمي الجسم من النوبات البكتيرية والفيروسية. وقد وجد الباحثون أن العسل يوجد به عدة فيتامينات ونسبة من الحديد بكميات كبيرة واستخدامها يقوي الكريات البيضاء.

9. العسل والقرفة لتأخير الشيخوخة

يستخدم الشاي المصنوع من العسل ومسحوق القرفة لتآخير الشيخوخة. بحيث تخلط 4 ملاعق من العسل، وملعقة من مسحوق القرفة ، و 3 أكواب من الماء المغلي ويستخدم كبديل للشاي.

ويوصى بشرب 1/4 كوب ، 3 مرات في اليوم.الاستمرار عليه يحافظ على الجلد أملسا وناعما، ويبطئ الشيخوخة.

10. العسل والقرفة لتخفيف الوزن

تناول العسل ومسحوق القرفة في كوب واحد من الماء المغلي في الصباح(على معدة فارغة) فهو يخفظ الوزن , ويحول دون تجمع الدهون حتى مع تناول الأطعمة ذات السعرات الحرارية العالية بشرط استخدامه بانتظام.

11. العسل والقرفة والزنجبيل لعلاج أمراض الحساسية

عادة يخلط مقدار 2 ملعقة شاي من العسل والزنجبيل و القرفة لمساعدة الذين يعانون من الحساسية العامة.

12. العسل والشاي والقرفه لعلاج السعال

يوصف للأطفال والصغار لعلاج اعراض السعال مقدار ملعقة شاي من العسل الممزوج بالماء الدافئ والقرفة ويستخدم كغرغرة مع القليل من الملح،وللبالغين ملعقتين شاى...

مقالات مشابهة

  • جيوش من الفيضانات والأعاصير والزوابع
  • صلاح الدين.. طفل نزل الماء لغرض السباحة فخرج جثة (تحديث)
  • مَـوْسِـم الْهِجْـرَة من القَــرْيَة للمَدِينَــة ( إقليم شفشاون نموذجا)
  • صندوق النقد: سنعمل على مساعدة سوريا في إعادة بناء المؤسسات والعودة للاقتصاد العالمي
  • بن غفير يُرشق بزجاجات الماء أمام جامعة ييل ويردّ برفع شارة النصر في وجه المحتجين
  • أدلة جديدة تتحدى النظريات حول أصل الماء على الكرة الأرضية
  • أفضل المشروبات التي تحافظ على ترطيب الجسم
  • طريقة عمل القهوة المظبوط بكل تكاتها
  • تعرف على فوائد القرفة مع العسل لجسمك
  • مع ارتفاع الحرارة .. 3 مشروبات لترطيب الجسم