جريدة الرؤية العمانية:
2025-03-07@03:22:10 GMT

"وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ"

تاريخ النشر: 6th, April 2024 GMT

'وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ'

 

زكريا الحسني

 

الأخلاق هي مجموعة قيم ومبادئ تختلف من مكان إلى آخر فالأخلاق في أصلها باطنية وتترجمها الأفعال والأقوال على هيئة سلوك يمارسه الإنسان. والأخلاق هي نواة الأمم وثراؤها.

يقول أحمد شوقي أمير الشعراء: "إنما الأمم الأخلاق ما بقيت // فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا". فمن غير الأخلاق تكون العبثية والشتات والضياع والنفس البشرية في صراع دائم بين الخير والشر وإذا لم تشغل هذه النفس بالأعمال الحسنة ستشغلك بالأعمال السيئة.

والنفس البشرية جبلت على التمرد فلذلك جاءت القوانين والنظم لتنظيم حياة الإنسان ليعلم ما له وما عليه حتى لا يقع تحت نطاق العقوبة. وينبغي على الإنسان أن يراقب نفسه قبل أن يراقبه أحد فلذلك من احترم نفسه احترم الآخرين فهذه العبارة عميقة وصحيحة من حيث المبنى والمعنى.

إننا نجد اليوم كثيرين يتحدثون عن الأخلاق وقد يلقون برامج ومحاضرات ودورات ويكتبون كتبا لكن حين تنظر إلى الممارسات تجد بعدا عن هذا التنظير أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يكن هناك فجوة بين ما يدعو إليه وبين ما يفعله.

كم ينتابني شعور غريب ومحير في ذات الوقت كيف أرى ملتزمين دينيًا ولكن ما إن تأتي إلى التعامل ترى اختلافًا بين ما يقولون وبين ما يفعلون، فجعنا من الدين طقوسًا واحاديث نستأنس بها في المجالس، وكما يقول المتنبي: "أغاية الدّينِ أنْ تُحْفُوا شَوَارِبَكم يا أُمّةً ضَحكَتْ مِن جَهلِها الأُمَمُ"؛ فالأخلاق هي حاجة إنسانية لا يمكن الاستغناء عنها والغاية من بعثة الرسول المصطفى هي الدعوة إلى مكارم الأخلاق فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم "إنما بعثت لأتمم مكارم الاخلاق"، ويصف الله عزوجل الرسول: "وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ" (القلم: 4). ففي هذه الآية يقول الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم إنك يا محمد لعلى أدب عظيم، وذلك أدب القرآن الذي أدّبه الله به وهو الإسلام وشرائعه؛ لأن الاخلاق كانت موجودة قبل الإسلام، لكن جاء الرسول ليتممها.

وهان نستحضر قصة رائعة جدًا؛ حيث خرجت أم سلمة رضي الله عنها وحيدة حاملة رضيعها مهاجرة من مكة إلى المدينة، وفي الطريق لقیھا عثمان بن طلحة وكان من مشركي قريش. فأخذته مروءة العرب ونخوتھم فأبى أن يتركها وحدها دون حماية، فانطلق بھا يقودھا إلى المدينة وما رفع نظره إليها قط وكلما نزل منزلًا استأخر عنھا مروءة. فلما وصل قباء قال: زوجك في ھذه القرية فادخلیھا على بركة الله، ثم انصرف راجعًا إلى مكة.

الغريب موقف ذلك المُشرِك الذي صاحب ھذه المرأة المسلمة التي لیست على دينه لیوصلھا، وأحسن معاملتھا وغض بصره عنھا طیلة مئات الكیلومترات قطعھا في أيام، ثم عاد إلى مكة دون راحة، والأغرب بمقاييسنا اليوم أن الرجل لم يفكر أن (يسجّل) مأثرته ولم يرسل رسلًا إلى مضارب القبائل العربية يخبرها في تواضع أن من مآثره كذا وكذا! بل انصرف عائدًا مباشرة دون أن يراه أحد، ليواصل مسيرةً الطويلة رجوعًا الى مكة دون أن ينتظر من أحد ‏جزاءً ولا شكورًا ، هكذا كانت اخلاق العرب. فقارن هذا الكلام بأخلاق العرب اليوم؛ حيث ربما نحتاج مروءة كفار ومشركي قريش!!

البعض يتساءل لماذا نحن المسلمين نعبد الله ولكننا متأخرين في التقدم الحضاري من حيث الاختراعات والصناعات والاكتشافات وما على هذا النحو. هنا يجب النظر إلى ما هي الاخطاء وما هي نقاط الضعف حتى نصحح اخطاءنا وندرك مسارنا ونمضي قدما لإتخاذ الاسباب المناسبة والحلول الجذرية. يقول الله عزوجل: "إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ" (الرعد:11).

يجب أن نفرق بين الاخلاق الاجتماعية والاخلاق التعاملية، فنحن نمتاز بالاخلاق الاجتماعية مثل الضيافة والكرم والترحيب ولكن إذا جئنا من حيث الاخلاق التعاملية هنا تتجلى الفروقات؛ فأخلاق التعامل والتي تتمثل في الانضباط في العمل والمصادقية والالتزام واستحضار الضمير في سائر الاعمال ونجعل ذلك منهاجًا يقودنا نحو التقدم والنجاح والازدهار.

وهنا نذكر قصة بائعة اللبن، إذ في جوف الليل يمشي الفاروق مع خادمه أسلم بين أزقة المدينة المنورة.. يتفقّد أحوال رعيته.. ينهكهما التطواف، فيسندان ظهريهما على جدار بيت متواضع الحال؛ ليتناهى إلى سمعهما حوارٌ خلّده التاريخ:

"قومي إلى ذلك اللبن فامذقيه بالماء.

يا أُمَّاه، وما علمتِ ما كان من عَزْمَة أمير المؤمنين اليوم؟

وما كان من عزمته؟

إنه أمر مناديًا فنادى: لا يُشَابُ اللبن بالماء.

يا بُنيّتي، قومي إلى اللبن فامْذقيه بالماء فإنك في موضع لا يراك فيه عمر، ولا منادي عمر.

واللَّه ما كنت لأطيعه في الملأ وأعصيه في الخلاء، إن كان عمر لا يرانا، فربّ أمير المؤمنين يرانا".

كلّنا يعرف تلك القصة، لكن ليس كلّنا يتمثّل مقولة أم عمارة بنت سفيان بن ربيعة الثقفي التي تختزل مبدأ من مبادئ النزاهة "إن كان عمر لا يرانا، فربُّ عمر يرانا". ذلك المبدأ الذي وجدت أثره في الدنيا قبل الآخرة؛ فهذه القصة تعلمنا درسًا في الضمير الذي تحكمه المبادئ الراقيك والقيم المثلى والتي تتحلى في التعامل.

ومن أروع العبارات التي كتبت ونسجت عن روعة الأخلاق هي تلك الحكمة للخوارزمي:

يقال إن شخصا وجه سؤالا الى الخوارزمي عن قيمة الإنسان فأجاب:

‏إن كان الإنسان ذا أخلاق فهو = 1

‏وإن كان الإنسان ذا جمال أيضا فأضف الى الواحد صفرا أي = 10

‏وإذا كان ذا مال فأضف صفرا آخر = 100

‏وإذا كان ذا حسب ونسب فأضف صفرا آخر = 1000

فإذا ذهب العدد واحد وهو الأخلاق ذهبت قيمة الإنسان وبقيت الأصفار التي لا قيمة لها..

هذه المعادلة الرائعة تعرفنا أن الأخلاق هي الأصل وكل الإضافات ما هي إلّا تكاملية، فإذا ذهب الجوهر فلا قيمة تبقى ولا كيان يذكر.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

أستاذ الحديث بجامعة الأزهر: التنمر محرم شرعًا ومظهر من مظاهر الجاهلية

أكد الدكتور حسن القصبي، أستاذ الحديث بجامعة الأزهر، أن الإسلام نهى عن التنمر بجميع صوره، سواء كان باللفظ أو الفعل أو السخرية، مشيرًا إلى أن الله عز وجل اعتبره اعتداءً لا يحبه، حيث قال في كتابه الكريم: "ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين". 

وأوضح "القصبي"، خلال تصريحات تلفزيونية، اليوم الأربعاء، أن المتنمر في الحقيقة يعترض على خلق الله، وكأنه يسخر مما قدره الله للآخرين، وهو فعل نهى عنه القرآن الكريم، حيث قال الله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرًا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرًا منهن". 

خالد الجندي: مصر بلد محصنة لترابط شعبهاخالد الجندي يحذر من سوء الأدب مع الله ورسوله بهذه التصرفاتنائب رئيس جامعة الأزهر: النبي علّمنا الاعتدال بين مطالب الروح والجسدزكاة الفطر 2025 .. قيمتها ووقتها وشروطها ولمن تعطى..اثنان لا تجب عليهما

وأضاف أن الكلمة قد ترفع الإنسان إلى أعلى الدرجات أو تهوي به إلى أسفل المراتب، مستشهدًا بحديث النبي ﷺ عندما قال لأبي ذر بعدما عيَّر رجلًا بأمه: "إنك امرؤ فيك جاهلية"، مشددًا على أن الإسلام كرَّم الإنسان وسخر له الكون كله، فلا يجوز السخرية ممن كرمه الله. 

وفيما يتعلق بالحكم الشرعي للتنمر، أكد أنه إثم عظيم وحرام شرعًا، موضحًا أن الله عندما ينهى عن شيء دون ذكر العقوبة، فإن ذلك يدل على شدتها، تمامًا كما أن إبهام الأجر يدل على عظمته. 

وشدد على أن التنمر لا يقتصر على السخرية اللفظية فقط، بل يشمل صورًا متعددة مثل إيذاء الجار، وقطع الأرحام، وحرمان الآخرين من حقوقهم، مشيرًا إلى ضرورة الابتعاد عن هذه السلوكيات التي تتنافى مع تعاليم الإسلام.

مقالات مشابهة

  • عمر هاشم: أخلاق النبي ليست مستمدة من الشريعة قبل البعثة بل فطرية
  • متى يجب توزيع الميراث وما حكم احتكاره؟.. الدكتور إسلام النواوي يجيب (فيديو)
  • أحمد عمر هاشم: أخلاق النبي قبل البعثة كانت على الفطرة النقية
  • البابا تواضروس الثاني: "استثمر حياتك في السماء"
  • البابا تواضروس: "استثمر حياتك في السماء"
  • إشادات بدور الإمارات في حقوق الإنسان والرياضة
  • أستاذ الحديث بجامعة الأزهر: التنمر محرم شرعًا ومظهر من مظاهر الجاهلية
  • استثمر حياتك في السماء.. عظة الأربعاء للبابا تواضروس
  • أهمية مراقبة الله في رمضان وتأثيرها على المسلم الصائم.. واعظ يجيب
  • شهر رمضان: محطةٌ للتقوى والرحمة والنصر