جمِّلوا خواتيم أعمالكم
تاريخ النشر: 6th, April 2024 GMT
حمد الحضرمي
تقبل الله طاعتكم وخواتيم أعمالكم، عبارة تتردد بين الناس في أواخر أيام شهر رمضان وأيام عيد الفطر السعيد، والمقصود منها أن يتقبل الله من الصائم صيامه وقيامه وأعماله الصالحة طوال الشهر خاصة العشر الأواخر من رمضان، لأن الأعمال بخواتيمها، وهي دعوة للناس وحثهم على مداومة الاستعداد للقاء الله تعالى على أحسن حال، إذ الإنسان لا يعلم موعد أجله، فيكون مستعدًا للقاء الله تعالى وهو على الإيمان والعمل الصالح والإخلاص والصدق مع الله وحسن الظن به، وعلى الإنسان المسارعة بالتوبة وتجديدها، ولا ييأس مهما بلغت ذنوبه، لأن الله غفور رحيم، ورحمته وسعت كل شيء.
والأعمال بالخواتيم والعبرة بكمال النهايات، فجملوا خواتيم أعمالكم بالأعمال الصالحات وبحسن الصيام والقيام وتلاوة القرآن وبر الآباء والأمهات وصلة الأرحام، والخاتمة المباركة لمن ختم الله له رمضان بمغفرة الذنب، فمن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر الله له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر والتي تلتمس في العشر الأواخر من رمضان، غفر الله له ما تقدم من ذنبه، وهي ليلة واحدة ولكن ليست كسائر الليالي، فلا تفرطوا في هذه الليلة، لأنها ليلة خير من ألف شهر تتنزل فيها الرحمات والخيرات، فيجب أن نغتنم الليالي المتبقيات لعل إحدى لياليها تكون ليلة القدر.
وعلينا الحرص على الليلة الأخيرة التي هي قبل ليلة العيد، وهذه الليلة يعتق الله فيها مثلما أعتق من أول الشهر إلى آخره. وكذلك الحرص على ليلة العيد فهي ليلة الجائزة التي يغفل عنها كثير من الناس، وهذه الأيام والليالي المتبقية يجب ألا نفوتها أو نضيعها في الأسواق ومتابعة المسلسلات والمسابقات والمباريات والدورات الرياضية، لأن هذه الأيام والليالي مباركات والأجور فيها مضاعفات، وإذا ذهبت لا تعود.
وعلينا الجد والاجتهاد والمثابرة لتعويض ما فاتنا من الخيرات والبركات، وإحياء الأيام والليالي المتبقية بالعبادة والإنابة والتوبة والدعاء والإحسان إلى الفقراء والمساكين. ومن أفضل الأعمال الصالحة وأعظم القربات عند الله قضاء حوائج المُحتاجين والسعي في مساعدة المساكين بالصدقات وجبر خواطرهم وصنع المعروف وكل معروف صدقة، فيا من تبحث عن رضا الله وعن العتق من النيران، ستجد ما تبحث عنه في بيوت المساكين والمحتاجين والأرامل والأيتام وفي قضاء حوائجهم.
وكذلك من الأعمال الصالحة في هذه الأيام والليالي المباركات إصلاح ذات البين بين المتخاصمين والمتشاحنين، قال الله تعالى "وأصلحوا ذات بينكم" (الأنفال: 1) وهذا توجيه رباني للمؤمنين بأن يصلحوا أحوالهم، ويبتعدوا عن الفرقة والنزاع، ويتمسكوا بالوحدة والألفة فيما بينهم، ومنهجية الإصلاح قائمة على فكرة إزالة الشحناء بين الناس. والخلافات تحدث بين الناس فهم ليسوا ملائكة أو معصومين، ويتوجب عند حدوث الخلاف على العقلاء والمصلحين أصحاب الحكمة والبصيرة التدخل والإصلاح بين المتخاصمين والمتشاحنين من أجل استئصال الفتنة وتنقية القلوب من الأحقاد والضغائن، وهذا يؤدي إلى رجوع العلاقات الأخوية لسابق عهدها من المحبة والألفة والود والوئام.
وعلى المتخاصمين والمتشاحنين من الأخوة والأخوات والأصدقاء ستر عيوبهم ونشر فضائلهم وعدم ملاحقة سقطات وأخطاء إخوانهم ولا تصيد عثراتهم، بل يلتمسوا لهم الأعذار ويدافعوا عنهم ويذكروا محاسنهم، والأفعال الجميلة والمواقف النبيلة التي قاموا بها، وكم هو عظيم هذا الإنسان الذي يسعى للإصلاح بين الناس خاصة في العشر الأواخر من رمضان وأيام العيد.
وصدق الشاعر إذ يقول:
من يفعل الخير لا يعدم جوازيهُ // لا يذهب العرف بين الله والناسِ
فتسامحوا واصفحوا عن بعضكم البعض وتصالحوا والصلح خير وطهورا قلوبكم من الكراهية والبغضاء، لتعيشوا في سعادة وطمأنينة وسكنية وراحة بال.
وأخيرًا .. يبقى رمضان شفيعًا يوم الأكفان، وفي القبر أمان، والهادي للجنان، وطارق باب الريان، رمضان سحابة المغفرة في صحراء المعاصي والذنوب. فيا أيها الإنسان اعمل الخير لإنقاذ نفسك من أهوال يوم الحساب، ولا تنسى من انقطع عمله وأنت أمله، فلدينا أحباب كرام كانوا أصحاب فضل وكرم علينا من الآباء والأمهات والأصحاب، وهم الآن في قبورهم تحت التراب، رحلوا عنا ولم ننسى أفضالهم علينا، وهم الآن أحوج لدعائنا من حنيننا إليهم.
فاللهم ارحم كل عزيزًا فقدناه، وسامح كل من هجرنا وظلمنا وبالسوء هجانا، واجعلنا من عتقاء هذا الشهر الفضيل، اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا، وتقبل منا الصيام والقيام وصالح الأعمال، وادخلنا الجنة مع الأخيار والصالحين والأبرار، واجمعنا بالأهل والأحباب في جنات النعيم. رمضان اقترب رحيلك وتسارعت أيامك ونشعر بالحزن على فراقك، رمضان سيرحل عنا بعد أيام وسيعود، ولكن نحن إذا رحلنا لن نعود، فعلينا الاستعداد ليوم الرحيل لنلقى الله بقلب سليم. تقبل الله طاعتكم وأسعد الله أيامكم وأتم بالعيد فرحتكم مع الأهل والأحباب والأصحاب، وكل عام وأنتم جميعًا بخير وفي صحة وعافية وسعادة وسرور.
** محامٍ ومستشار قانوني
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
لماذا يبتلينا الله؟.. الشيخ رمضان عبدالمعز يجيب
أكد الشيخ رمضان عبد المعز، الداعية الإسلامي، أن المؤمن في كل صغيرة وكبيرة من حياته، يعرض أموره على كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، ويستنير بنورهما في كافة شؤون حياته، مشيرا إلى أن المؤمن دائمًا يقف مع نفسه ليعرض كل ما يمر به من شدة أو رخاء على القرآن والسنة، ويلجأ إلى الله في كل أمر، يعلم أن كل شيء بيد الله عز وجل.
وأضاف الشيخ رمضان عبد المعز، خلال حلقة برنامج "لعلهم يفقهون"، المذاع على فضائية "dmc"، اليوم الأحد، أن القرآن الكريم يوضح كيف أن الله سبحانه وتعالى قد ابتلى الأمم السابقة بالفقر والمرض ليجعلهم يتضرعون إليه ويخضعون له، كما في سورة الأنعام، الله سبحانه وتعالى يخبر عن الأمم السابقة قائلاً: 'ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون'، فالله ابتلى بعض الأمم ليجعلهم يلجأون إليه ويتضرعون، لكن الكثير منهم لم يستجيبوا، بل قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون.
وتابع أن هذا المشهد يُظهر الفرق بين المؤمن وغير المؤمن في التعامل مع البلاء، بينما المؤمن في شدائده يتوجه إلى الله بالدعاء والرجاء، يزداد غير المؤمن قسوة وابتعادًا عن الله، كما قال الله عن غير المؤمنين: 'ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر لجوا في طغيانهم يعمهون'، بينما المؤمن حين يبتلى يعلم أن الله هو القادر على أن يفرج همّه، فيلجأ إليه ويكثر من الدعاء والتضرع.
واستشهد الشيخ رمضان عبد المعز بقصة الصحابي الجليل عوف بن مالك الأشجعي، الذي عانى من ابتلاء شديد عندما أسر أعداؤه ابنه مالك، في الحرب، "عوف بن مالك ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم يبكي من أجل ابنه الذي كان أسيرًا لدى الأعداء، وطلب منه المساعدة، فرد النبي صلى الله عليه وسلم عليه قائلاً: 'أوصيك أنت وزوجك بتقوى الله، وأكثروا من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله'".
وأضاف: "النبي صلى الله عليه وسلم علمه أن يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، وهذه الكلمات تعني أن لا قدرة لنا على تغيير أوضاعنا إلا بتوفيق الله ورحمته، فإذا أردنا التحول من الشدة إلى اليسر، ومن المرض إلى الصحة، ومن الفقر إلى الغنى، فذلك لا يكون إلا بقدرة الله سبحانه وتعالى".
واستعرض كيف استجاب الله لدعاء عوف وزوجته، إذ قضوا الليل كله في التضرع والصلاة والدعاء، وفي صباح اليوم التالي فوجئوا بعودة ابنهم مالك إليهم وهو يحمل رؤوس الأغنام من غنائم العدو.