نص كلمة شيخ الأزهر في احتفالية ليلة القدر
تاريخ النشر: 6th, April 2024 GMT
أهدى فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، الرئيس عبد الفتاح السيسي، الإصدار الثاني لمجلة الأزهر، وهي أهم حدث علمي وثقافي في عام 2024 خلال احتفالية ليلة القدر في السابع والعشرين من شهر رمضان، التي تنظمها وزارة الأوقاف لتكريم حفظة القرآن الكريم من مصر ومختلف دول العالم،
ودعا شيخ الأزهر خلال كلمته اليوم، إلى ضرورة التنبه إلى مستوى التعامل العربي تجاه ما يحدث في فلسطين، وقال إن "تعاملنا مع قضية فلسطين والقدس الشريف لا يعكس حجم ما أنعم الله به علينا من ثروات بشرية وطبيعية هائلة، ومن طاقات جبارة لا تنفذ، ومن عقول خلاقة في كل ميادين الحياة المعاصرة: العلمية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وقبل كل ذلك: من إيمان راسخ بالله تعالى وثقة لا تهتز في رحمته بالضعفاء والمستضعفين.
وإلى نص الكلمة الرئيسية لشيخ الأزهر خلال احتفالية ليلة القدر التي نظمتها وزارة الأوقاف، بحضور الرئيس عبد الفتاح السيسي.
كلمـــة فضيلــة الإمــام الأكبـــر
أ.د/ أحــمَد الطَّـيِّــب
شَـيْخُ الأزْهَــر الشَّــريف
رئيس مَجْلِس حُكَمَــاء المسلِمين
بمُناسَـبَةِ:
الاحتِفَـــال بِلَيْلَـــةِ القَـــدْر
بمركز المَنارة للمُؤتَمرات.. التَّجمُّعِ الخامس. بالقاهرة الجَديدة
أُلْقِيَتْ في:
27 مـن رمضـــان ســـنة 1445ﻫ
المـــوافـق: 6 من أبــريــل سـنة 2024 م
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ لله، وصلَّى الله وسلَّم وبارك على سِيِّدِنا محمَّد، وعلى آلِه وصَحبِه.
سيادة الرئيس/ عبد الفتاح السيسي - رئيس جمهورية مصر العربية حفظه الله.
الحَفْــلُ الكَــريم!
السَّلامُ عَليكُم ورحمةُ اللهِ وبركَاته.. وبعد:
فيَطيبُ لي في بدايةِ كلمتي أنْ أتقدَّمَ إليكُم -سيادَة الرَّئيس!- ولشعب مِصْرَ الأبيِّ الكريم، ولعالَمِنا العربيِّ والإسلاميِّ: شُعُوبًا وقادَةً - بأجملِ التَّهاني وأخلَص الأماني بمناسبةِ الاحتِفال بليلةِ القَدْر؛ الليلة التي بدأ فيها نزولُ القُرآن على قلبِ نَبيِّه مُحمَّد ﷺ، نورًا يَهدي به الله مَن يَشاءُ من عبادِه، ويُخرجُهم به من الظلُماتِ إلى النُّورِ، ويَهديهم إلى صِراطٍ مُستقيمٍ..
وَصَفَ الله تعالى هذا القُرآنَ بأنَّه: «الكتابُ الحكيم»، وأنَّه: «الكتابُ المبين»، وأنَّه: «الحقُّ»، وأنَّه: «تبيانٌ لكلِّ شيء»، وأنَّه: «هُدًى ورحمة»، وأنَّه: «لا ريبَ فيه»، وأنَّه: الكتاب الذي: ﴿لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ﴾ [فُصِّلَتْ: 42]، أنزله الله «بالحقِّ والميزان ليَحكُمَ بين النَّاس»، إلى صفاتٍ أخرى كثيرةٍ من صفاتِ الجلالِ والجمالِ والكمال التي قدَّمَتْ هذا الكتابَ الكريم للنَّاسِ، وأغرَتْهم بتلاوةِ ألفاظِه وتَدبُّر مَعانيه، وكيف لا! والمتكلِّمُ به هو الله -سُبحانه وتعالى- ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا﴾ [النِّساء: 87]، ▬وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً♂ [النِّساء: 122].. ومُبلِّغُه هو أفصَحُ النَّاس وأَبْلَغَهُم، وأعلمُهم بمَرامِي كلامِه، وأسرارِ فصاحته وبيانه..
الحَفْلُ الكَــريم!
لَعَلَّ الأحداثَ القاسية التي نعيشُها صباحَ مساءَ، تُثبت -دون أدنى ريب- أنَّ الإنسانيَّة لم تكُن في عصرٍ من عصورِها بحاجةٍ إلى هَدْي القُرآن الكريم، وهَدْي أمثاله، من الكُتُبِ المنزَّلة - بمِثل ما هي عليه اليوم، فقد أصبح واضِحًا أنَّ عالمنا المعاصر فَقَدَ القيادةَ الرَّشيدة الحكيمة، وراح يَخبِطُ خبطَ عشواء، بلا عقلٍ ولا حِكْمَة ولا قانون دولي، وباتَ يَندفعُ -بلا كوابحَ- نحوَ هاويةٍ لا يَعرِف التَّاريخ لها مَثيلًا من قَبلُ.
وأنَّنا، بعدَ عُقودٍ من علاقاتِ الحوار الحضاريِّ بين الأُمَم والشُّعُوب، استبدلنا بها -وعلى نحوٍ مُتسارعٍ غريب- علاقاتِ الصِّدام والصِّراع، وسُرعانَ ما تحوَّل هذا الوضع البائس إلى علاقاتِ حروبٍ جائرةٍ وظالمة، ثم ما لبثت هذه الحروب أنِ اتَّخذت صورة بالغة الغرابة والشُّذوذ في تاريخ الحروب.. أبطالُ هذه الصورة قادَةٌ سياسيِّون وعسكريِّون، مِن ذوي القُلُوب الغليظة التي نَزَعَ اللهُ الرَّحمة من جميع أقطارها، يقودونَ فيها جيشًا مُدجَّجًا بأحدثِ ما تقذفُ به مصانعُ أوروبا وأمريكا من أسلحةِ القتل والدَّمار الشَّامل، ويُواجِهونَ به شعبًا مَدنيًّا أعزل، لا عهدَ له بقتالٍ، ولا بسَفْكِ دماءٍ بريئة، ولا بمرأى جُثَثِ الأطفال والنِّساء والرِّجال والمرضى، وهي مُلقاةٌ على قَوارعِ الطُّرقات أو مُغيَّبةٌ تحتَ أنقاضٍ ومَبانٍ مهدَّمة في الأزقَّةِ والحواري.. وكلُّ ما يَعرِفُه شعبُ غزَّةَ البريءُ البسيط، هو أنَّ أقدارَه شاءت أنْ يَلْقَى رَبَّه شهيدًا، وشاهِدًا على جرائمِ الإبادة والمحرقة الجماعيَّة، مِن طُغاةِ القرنِ الواحد والعشرين بعد الميلاد، والذي بشَّرونا بأنه: قرنُ العلم والتقدُّم والرُّقي، وقرنُ الأخلاقِ الإنسانية والحريَّة والديموقراطيَّة وحقوق الإنسان، وغير ذلك من الأكاذيبِ والأباطيل التي انطلَتْ على كثيرين مِنَّا، وحسِبوها حقائقَ ثابتةً مِن حقائق الأذهان والأعيان؛ فإذا هي اليوم، وكما يقولُ القرآنُ الكريم: ▬كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا♂ [النور: 39].
وثالثةُ الأثافي: أنَّ المؤسَّساتِ الدوليَّةَ والمواثيقَ العالميَّةَ، وفي مُقدِّمتِها: مؤسَّسةُ الأُمم المتَّحِدَة، والإعلانُ العالمي لحقوقِ الإنسان، وغيرُهما من المنَظَّمات التي تتَعهَّد موادها الأولى بحفظ السَّلام والأمن الدوليِّين، ومبدأ المساواة بين الدول الأعضاء، وتحريم استخدام القُوَّة، بل تحريم مُجرَّدِ التَّهديد بها في العلاقاتِ الدوليَّة، والامتناعِ التَّام عن التَّدخُّل في الشؤون الداخليَّة للدول.. هذه المؤسَّساتُ تَقِفُ اليوم عاجِزةً، بل مشلولةً شللًا رباعيًّا أقعدَها عن تنفيذِ بندٍ واحدٍ مِمَّا تتعهَّد بتنفيذِه، ولطالما غُلِبَتْ على أمرِها، وعلى إرادتِها وقَراراتِها التي تَحْظَى بأغلبيَّةٍ ساحِقةٍ مِن الدولِ الأعضاء، بعدما تُجهضها تدخُّلاتٌ سافرةٌ من قُوًى مُستَبِدَّةٍ، مُدرَّبةٍ على كتمانِ الحقِّ حينًا، وإلباسِه ثوبَ الباطل حينًا آخَر، والغَطرسَةِ والجفوةِ والعجرفةِ أحيانًا كثيرة..
والأَدْهَى من ذلك والأشدُّ مرارةً أنَّ تَدْخل القُوى الكُبرى شريكًا داعمًا بمالِه الوفير وأسلحتِه الفَتَّاكة لقُوَّةٍ غاشِمَةٍ، وهي تَعْلَمُ علمَ اليَقين أنَّها ستَسحَقُ به الضُّعفاء والمستَضْعَفِين من الرِّجالِ والنِّساءِ والأطفال والمرضى، وتُجيعهم، وتُحيطهم بضغوطٍ لا قبلَ لهم بها، حتى إذا ما خرجوا من ديارِهم وأموالهم، وهاموا على وجوهِهم في الطُّرقات صَبُّوا فوق رؤوسهم من عذاب الجحيم ما سيكتبه التاريخ بالدَّمِ وبالدمع في أسود صفحاته وأحلكها ظلمًا وظلامًا.
الحَفْلُ الكَــريم!
إنَّ حالة التَّنازُع والتَّفرُّق التي درجَ عليها أبناءُ أُمَّتنا العربيَّة منذُ أمدٍ بعيد، قد أصابَتْ الجميع بما يُشْبِه حالةَ «فُقدانِ التَّوازن» وهو يَتصدَّى لعظائم الأُمور، وأَعجَزته عن مُواجَهةِ أزماتهم المتلاحقة مُواجَهةً دقيقةً، ومَن يُدقِّقِ النَّظَرَ في خارطة وطَنِنا العربي والإسلامي؛ يَأسَى كثيرًا وطويلًا، لما آلَ إليه الحالُ في فلسطينَ، وغيرِها من دولٍ عزيزةٍ على قلوبِنا، وسرعانَ ما يخلصُ إلى يقينٍ لا يقبل النقيضَ، هو: أنَّنا لن نستعيدَ قُدرتَنا على النُّهوضِ والتقدُّم ومُواجَهة أزماتنا مواجهةً مسؤولةً، وتجاوزِها إلَّا بتحقيقِ وَحْدةِ العرب، وتطبيقِ سياسة التكامُل الاقتصادي، وتغليبِ المصالح العامَّة، والاتِّفاقِ على رُؤًى مُستقبليَّة، وخططٍ مُشتركةٍ مدروسة وقابلةٍ للتنفيذ.
ويَنبَغي أنْ نتنبَّه إلى أنَّ تعامُلَنا مع قضية فلسطين والقُدْس الشَّريف لا يَعكِس حجمَ ما أَنعمَ اللهُ به علينا من ثَرواتٍ بَشريَّةٍ وطبيعيةٍ هائلةٍ، ومِن طاقاتٍ جَبَّارة لا تَنفَذ، ومن عقولٍ خلَّاقة في كلِّ ميادين الحياة المعاصرة: العِلميَّةِ والاجتماعيَّةِ والسِّياسيَّةِ والاقتصاديَّةِ، وقبل كل ذلك: مِن إيمانٍ راسخٍ باللهِ تعالى وثقةٍ لا تهتزُّ في رحمتِه بالضُّعفاءِ والمستَضعَفِين.. وأنَّه بالمرصاد للجباَّرينَ والمتكبِّرين، وأنَّه ليس بغافلٍ عنهم، وأنَّه يُمهلهم ويُمِدُّ لهم حتى إذا ما أخذهم فإنه لا يُفلتهم..
ويَقيني -أيُّها السَّادةُ الأفاضل!- إنَّ ما تَعجُّ به مَنطقتُنا اليوم من مآسٍ وآلام وأحزانٍ ومشاعر سوداءَ -يجب أنْ يُمثِّلَ نُقطةَ تحوُّلٍ حاسم بين عهدٍ عربيٍّ مَضى، وعهدٍ جديد تأخذ فيه الأُمَّةُ العربيَّة والإسلاميَّة بأسباب القُوَّة والمنعة المدعومة بالإيمانِ باللهِ تعالى، وبقِيَم الإسلام والأديان الإلهيَّة؛ وذلك كيما تستحقَّ مكانتَها اللائقة بتاريخِها وحضارتِها..
ولا أسأَمُ من تكرار ما سمعتموهـ كثيرًا، مِن أنَّ الخُطوة الأولى الصحيحة على هذا الطَّريق هي قوله تعالى: ﴿وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [الأنفال: 46]، ومعنى: (فَتَفْشَلُوا) أي: «تَجْبُنوا»، ومعنى: (وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) أي: «تخورَ قُواكم وتَذْهبَ دُولكم، وتَبيدَ حضاراتكم».
وأختمُ برجاءٍ، أتوجَّهُ به إلى سادتِنا عُلماءِ الأُمَّة، هو: أنْ يَنْهَضُوا -في غير إبطاءٍ- لتحقيق وحدةٍ عُلمائيَّة تجمعُ رموز الإسلام من سُنَّةٍ وشيعةٍ وإباضيَّة وغيرهم مِمَّن هُم مِن أهلِ القِبْلَة، يجتمعونَ بقلوبِهم ومَشاعرهم -قبلَ عقولِهم وعلومهم- على مائدةٍ واحدةٍ؛ لوضعِ حدودٍ فاصلةٍ بين ما يجبُ الاتِّفاق عليه وما يصحُّ الاختلاف فيه، وأنْ نقتديَ في اختلافاتِنا باختلافِ الصَّحابة والتَّابعينَ، ذلكم الاختلافُ الذي أَثْرى العلومَ الإسلاميَّة، وحوَّلها إلى معينٍ لا ينضب من اليسر واللطف والرحمة، وأن نُوصدَ البابَ في وجهِ اختلافاتنا المعاصرة، التي أورثَتْنا الكثيرَ من الشِّقاقِ والنِّزاعِ والضَّغائن والأحقاد، وقدَّمَتْنا لُقمةً سائغة للأعداءِ والمتربِّصين.
وإنِّي لعَلَى ثقةٍ مِن أنَّ اتِّفاقَ عُلماء الأُمَّة سوف يُثْمِرُ بالضَّرورةِ اتِّفاقَ قادتها، وسوف يدفعُهم إلى تحقيقِ المصالح القُطْرِيَّة في إطارِ المصلحة العربيَّة والإسلاميَّة، وهُم قادرون على ذلك بفضلِ الله تعالى وعَوْنِه..
شُكْرًا -سيادةَ الرَّئيس!- وتهنئةً من الأزهر الشَّريف بتوليكم المسؤوليَّة لفترةٍ رئاسيَّةٍ جديدةٍ، ودُعاءً من الأعماقِ بالتَّوفيقِ والسَّدادِ والرَّشاد في كُلِّ جُهدٍ تَبذُلونَه من أجلِ رِفعةِ شعب مصر الطَّيِّب الأصيل.
شُكرًا لِحُسنِ استماعكم، وكُــلُّ¬ عامٍ وأنتُم بِخَير.
والسَّلامُ عليكُم ورَحمـة الله وبركاته؛
تحريرًا بمَشيخَةِ الأزهَر الشَّريف في:
26 من رمضان سـنة 1445هـ شـــيخُ الأزهــــر
المــــــوافـق: 5 من أبريــل ســـنة 2024 م أحمــــد الطــيب
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: شيخ الأزهر الرئيس عبد الفتاح السيسي ليلة القدر الأوقاف القرآن شیخ الأزهر
إقرأ أيضاً:
الرد على من زعم أن الإمام البخاري ليس فقيهًا
الإمام البخاري .. قالت دار الإفتاء المصرية إن الإمام البخاري رحمه الله تعالى من فقهاء الأمة المعتبرين وأئمتها المجتهدين، وهو من العلماء الذين جمعوا بدقةٍ بالغة بين العلوم المختلفة، وقد شهد بإمامته في علم الفقه الفقهاءُ أنفسُهم، وهذا ما عليه السابقون واللاحقون من علماء المسلمين وأئمتهم من غير نكير.
صحيح الإمام البخاري
وأكدت الإفتاء أنه يجب على المسلمين أن يتكاتفوا للدفاع عن أئمتهم وعلمائهم ضد هؤلاء المفسدين، مشيرة إلى أن هذا الطعن الأثيم في الإمام البخاري جهلًا وسفاهةً وقلة حياء وضعف دين.
من هو الإمام البخاري
هو الإمام الفقيه اللغويُّ المجتهد أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري [ت256هـ] صاحب "الصحيح"، رحمه الله تعالى ورضي عنه هو زَيْنُ هذه الأمة، وكان إمامًا حافظًا فقيهًا واعيًا.
وقد أجمع علماء المسلمين وأئمتهم وفقهاؤهم عبر القرون على إمامته وتقدمه.
وكما كان البخاري إمامًا في الحديث، فقد كان إمامًا في الفقه واللغة والتاريخ، وكان موصوفًا بالموسوعية التي لم تتأتَّ لغيره من المحدثين، حتى نُعِتَ بأنه كان آيةً من آيات الله وأمةً وحدَه، وأنه لم يكن في الدنيا مثله:
الإمام البخاري
فوصفه شيخُه محمد بن بشار بُندَار بالسيادة على الفقهاء وأنه أفقه خلق الله في عصره؛ فلَمَّا قدم الإمام البخاري البصرة قال محمد بن بشار: دخل اليوم سيد الفقهاء.
وقال محمد بن يوسف: كنا مع أبي عبد الله عند محمد بن بشار، فسأله محمد بن بشار عن حديث، فأجابه، فقال: هذا أفقه خلق الله في زماننا، وأشار إلى محمد بن إسماعيل.
قالت دار الإفتاء المصرية إن "صحيح الإمام البخاري" هو أصحُّ كتاب بعد كتاب الله تعالى، ولذلك اعتنى به المسلمون أعظم عناية؛ حتى صار علامةً على المنهج العلمي الدقيق وعلى التوثيق في النقل عند المسلمين.
صحيح الإمام البخاري رحمه الله تعالى
وأوضحت الإفتاء أن الاعتناء بـ"صحيح البخاري" باب من أبواب رضا الله تعالى، وقراءتُه باب جليل من أبواب تعلم العلم النافع، وقراءتُه في النوازل والمهمات والملمات هو ما فعله علماء الأمة ومُحَدِّثوها عبر القرون سانِّين بذلك سُنة حسنة، ونصُّوا على أن قراءته وكتب الحديث سببٌ من أسباب تفريج الكرب ودفع البلاء؛ إذ لا شكَّ أن قراءةَ سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ودراسَتَها والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند القراءة من أعظم الأعمال الصالحة.
وقد نصَّ العلماء والعارفون على أن قراءة "صحيح الإمام البخاري" رحمه الله تعالى سببٌ من أسباب تفريج الكرب ودفع البلاء:
صحيح الإمام البخاري
قال الإمام القدوة الحافظ أبو محمد بن أبي جمرة (ت: 699هـ) في "شرحه على مختصر صحيح البخاري" (1/ 6، ط. مطبعة الصدق الخيرية): [كان الإمام البخاري رحمه الله تعالى من الصالحين، وكان مجابَ الدعوة، ودعا لقارئه، وقد قال لي من لَقِيتُه من القُضَاة الذين كانت لهم المعرفة والرحلة، عمن لَقِيَ من السادة المُقَرِّ لهم بالفضل: إن كتابَه ما قُرِئَ في وقت شدَّة إلا فُرِّجَتْ، ولا رُكِبَ به في مركب فغرقت قط] اهـ بتصرف يسير.
ونقل الحافظ ابن حجر العسقلاني قولَه هذا في مقدمة "فتح الباري" (1/ 13، ط. دار المعرفة) مرتضيًا له، وعدَّه من وجوه تفضيل "صحيح البخاري" على غيره من كتب السُّنة، وهذا يبين سِرَّ مواظبة العلماء على قراءة "صحيح البخاري" دون غيره لدفْع الملمَّات.
وقال الإمام الحافظ تاج الدين السبكي (ت: 771هـ) في "طبقات الشافعية الكبرى" (2/ 234، ط. هجر): [وأمَّا "الجامع الصحيح" وكونه ملجأً للمعضلات، ومجرَّبًا لقضاء الحوائجِ فأمرٌ مشهورٌ. ولو اندفعنا في ذكر تفصيل ذلك وما اتفق فيه لطال الشرح] اهـ.
قال الإمام الصفدي في "أعيان العصر وأعوان النصر" (4/ 582، ط. دار الفكر): [ولما جاءت التتار ورد مرسوم السلطان إلى مصر بجمع العلماء وقراءة "البخاري"، فقرأوا "البخاري" إلى أن بقي ميعاد أخروه ليختم يوم الجمعة، فلما كان يوم الجمعة رُئي الشيخ تقي الدين في الجامع فقال: ما فعلتم ببخاريكم؟ فقالوا: بقي ميعاد ليكمل اليوم، فقال: انفصل الحال من أمس العصر وبات المسلمون على كذا، فقالوا: نخبر عنك؟ قال: نعم، فجاء الخبر بعد أيام بذلك، وذلك في سنة ثمانين وستمئة على حمص، ومقدم التتار منكوتمر] اهـ.