ما حكم ترك العمل في رمضان أو حتى اقتطاع جزء من وقت العمل لأداء الصلاة (خاصة صلاة التراويح) أو الانشغال بقراءة القرآن بحجة أن رمضان هو شهر العبادة؟ وهل هناك وزر على الإنسان الذي لا يستطيع أداء صلاة التراويح لتعارض وقتها مع أوقات عمله؟

حكم ترك العمل والتفرغ لـ العبادة

فضيلة الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، قال في تصريحات خاصة لـ «الأسبوع»: إنه لم يَرِد أن سيدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أو المسلمين كانوا يتركون أعمالهم وأمور معاشهم في شهر رمضان ويتفرغون للعبادة، سواء كانت الصيام أو القيام، بل يجمعون بين ذلك كله في توازن وانسجام وفق نظام مُحكم يضمن أداء العبد ما افترضه الله تعالى من عبادات، مع استقرار العمل واستمرار الإنتاج وسلامته، بطريقة وسطى لا إفراط فيها ولا تفريط.

وتابع فضيلة المفتي: كما أن الصوم يرتقي بطبع الصائم -الذي قد يكون عاملًا أو صاحب جهة عمل- إلى جماع الكمالات المحمودة كمراقبة الله تعالى، وانضباط الباطن كما هو في الظاهر، والحلم، والعدل، والعفو والصفح، وحسن المعاملة، وجميل العِشرة، والوقار، والأمانة، بل استجابة الدعوة فضلًا عن تحقيق مظاهر احترام الآخر، والمحافظة على الوقت، مما يفيد إنجاز الأعمال وشيوع الحب والاحترام بين جميع العاملين، لأن الصوم الحقيقي هو الـمُـحَلَّى بالأخلاق الفاضلة والقيم النبيلة التي تحمل المسلم على مجانبة اللغو والكلام فيما لا يفيد والفحش من القول ومنكر العمل.

حكم جمع الصلوات

وأكد مفتي الجمهورية، في تصريحاته لـ «الأسبوع»، أنه إذا تعارض فرض كالعمل مع فرض كالصلاة فيجوز جمع الصلوات في بداية الوقت، أو جمعها جمع تأخير، وإذا كان العمل لا يجوز تأخيره لأنَّ أداءه مطلوب على الفور، والصلاة وقتها متَّسع فعليه المواءمة بين الأمرين، حيث إن إتقان العمل المكلَّف به الموظف وأداءه فرض، والتقصير فيه يجعل الموظف آثمًا عند الله حتى لو كان في حال طاعة، وعلى المسلم الموازنة بين النوافل والفروض.

وأوضح مفتي الديار المصرية: أما بالنسبة للانشغال بقراءة القرآن خلال وقت العمل، فيجب أن يكون هذا ضمن حدود المعقول بحيث لا يؤثر على الإنتاجية والمسؤوليات الوظيفية. ويُفضل تخصيص أوقات الفراغ أو الاستراحات لمثل هذه العبادات، بما يحقق التوازن بين العبادات والواجبات الدنيوية.

عدم أداء صلاة التراويح لتعارض وقتها مع أوقات عمله

وفي إجابته على سؤال: هل هناك وزر على الإنسان الذي لا يستطيع أداء صلاة التراويح لتعارض وقتها مع أوقات عمله؟ أكد فضيلة الدكتور شوقي علام، في تصريحات خاصة لـ «الأسبوع»، أن الإسلام دين يسر وليس عسر، ويأخذ بعين الاعتبار ظروف الناس المختلفة، وصلاة التراويح تُعتبر من السنن المؤكدة في شهر رمضان وليست فرضًا، وهي تُعدّ من النوافل التي يُثاب فاعلها ولا يُعاقب تاركها إذا كان لديه عذر شرعي.

وأشار فضيلة المفتي، إلى أنه إذا كان الشخص يعمل في أوقات تتعارض مع صلاة التراويح ولا يستطيع أداءها في وقتها، فلا يُعد ذلك وزرًا عليه، بل يُنظر إليه على أنه عذر شرعي يمنعه من أداء هذه النافلة. والأهم في الإسلام هو النية والمحافظة على الفرائض، والله تعالى يعلم ما في القلوب ويجزي على النيات، بل يمكن للمسلم أن يصلي التراويح في منزله بعد انتهاء عمله.

حوار المفتي مع «الأسبوع»

تأتي هذه التصريحات الخاصة، ضمن حوار أجراه «الأسبوع» مع فضيلة الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، يُنشر بعد عيد الفطر المبارك.

تناولنا في هذا الحوار العديد من القضايا الدينية التي تشغل الرأي العام في مصر والعالمين العربي والإسلامي، مثل: حكم تأجير الأرحام، وهل يحق للمرأة تولي منصب الإفتاء؟ وحكم فوائد البنوك وجميع المعاملات المصرفية، ومدى إمكانية تعاون علماء الدين الإسلامي المعاصرين لإنتاج مذهب فقهي خامس يجيبون فيه على كل القضايا المستحدثة، وحكم هدم المقابر ونقل رفات الموتى إلى مقابر أخرى للتوسعة على الأحياء.. .وغيرها من القضايا الهامة التي تطالعونها بالتفصيل في نص حوارنا مع فضيلة مفتي الديار المصرية.

اقرأ أيضاًمفتي الجمهورية لـ «الأسبوع»: إخراج زكاة الفطر نقودا أوفق لمصالح الناس

مفتي الجمهورية يروي لـ «الأسبوع» كيف كان يقضي رمضان في مسقط رأسه بـ البحيرة (خاص)

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: الأسبوع الدكتور شوقي علام حكم جمع الصلوات مفتي الجمهورية مفتی الجمهوریة صلاة التراویح

إقرأ أيضاً:

مفتي الجمهورية يوضح حكم الشريعة في تعطيل العقل عن الفكر والتأمُّل

استضاف صالون الحداد الثقافي عددًا من المفكرين، وعلى رأسهم ضيف الشرف الدكتور نظير محمد عيَّاد مفتي الجمهورية ورئيسُ الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم، وألقى كلمةً عن الفتاوى وتحصين الأفكار.

وفي كلمته عن الفتاوى وتحصين الأفكار تناول المفتي عددًا من المحاور كان من أبرزها، الحديث عن قيمة العقل في الإسلام، وأبرز من خلال هذا المحور حديث الأستاذ عباس محمود العقاد في كتابه التفكير فريضة إسلامية، تميُّز الخطاب القرآني في تعامله مع العقل؛ مقارنةً بغيره من النصوص الدينية الكبرى، وذكره في سياقات تُعلِي من قدره وقيمته، وتُوجب العمل به، دون أن تكون الإشارة إليه عابرةً أو مُقتضبة، ثم استشهد بعدد من الآيات التي توضح إبرازَ المنهج الإسلامي في تشريعاته الارتباطَ الجوهريَّ بين العقل والتكليف.

كما تحدث عن وظائف العقل في الشريعة الإسلامية مبينًا أن الإسلام قد حدَّد للعقلِ مساراتٍ جوهريةً تُعززُ مناعتَه ضدَّ الانحراف، بدءًا من التفكُّر في الكون، مرورًا بفقه النصوص، ووصولًا إلى تحرير النفس من التبعيات غير العقلانية، وتَبرزُ هنا أهميةُ الفتوى الواعية في ترسيخ هذه الوظائف، عبر منهجيةٍ تجمع بين النص الشرعي وواقع العصر، لتحصين العقل من إفراط التشديد أو تفريط التساهل، وتوجيهه نحو فهمٍ رشيدٍ يحقق مقاصدَ الشريعة.

وفي المحور الثالث أبرز المفتي، حكم الشريعة في تعطيل العقل عن الفكر والتأمُّل في الشرع أو العالم مبينًا أن الحواس تعدُّ أدواتٍ رئيسيةً للإدراك، وقد أودعها الله في الإنسان لحكمةٍ عظيمة، وهي مساعدته على فهم العالم من حوله، واستيعاب الحقائق التي توصله إلى الإيمان واليقين.

 ومن هنا، فإن تعطيل أي حاسة من الحواس -كالسمع أو البصر- يُعدُّ إفسادًا للحكمة التي خلقها الله من أجلها؛ لأن ذلك يؤدي إلى نقصٍ في الإدراك وتشويهٍ للوعي.

واشار إلى أنه إذا كان تعطيل الحواس البدنية أمرًا مرفوضًا عقلًا وشرعًا، فإن تعطيل العقل -وهو أرقى أدوات الفهم والإدراك- يكون أشد خطورةً وأعظم ضررًا. فالعقل هو الميزان الذي وهبه الله للإنسان ليفكر به، ويميِّز بين الحق والباطل، ويستدل به على وجود الخالق وقدرته. ومن يُعطل عقله أو يُعرض عن التفكير السليم، فقد أخلَّ بأمانة الله فيه، وضيَّعَ أعظمَ وسيلة للعلم والهداية.

ثم انتقل في المحور الرابع إلى ذكر نماذج تاريخية، توضِّح كيفية ومدى تأثير الفتوى على العقل والفكر.

وبيَّن في المحور الخامس تأثير الفتوى في الفكر والعقل الفردي والجماعي وذلك من خلال (فقه) الخوارج كنموذج على ذلك، موضحًا أن الفتوى الدينية تعد جسرًا بين النص الشرعي والواقع الإنساني، لكنها قد تتحول أحيانًا إلى سلاح ذي حدَّيْن: تُرشد إن استندت إلى العقل والعدل، أو تُضلَّ إن خضعت للعاطفة والظن. وقصة الخوارج مع عبيدة بن هلال تقدم نموذجًا حيًّا لتداخُل الفتوى بالعقل الجمعي، وكيف يمكن لرد فعل عاطفي أن يُحدث تحولًا جذريًّا في الفكر والسلوك دون مساءلةٍ عقلانية.

ثم انتقل أخيرًا إلى بيان كيف يمكن للفتوى الدينية أن تُحصِّن الأفكار من الإفراط والتفريط، من التسيُّب والتشدُّد؟ لافتًا إلى أن ذلك يتحقق بعدة أمور من أهمها: التأسيس على مقاصد الشريعة وتجنُّب النظرة التجزيئية، وتوظيف القواعد الفقهية الكلية كضابط منهجي، واعتماد مبدأ سدِّ الذرائع وفتحها، وتفعيل الاجتهاد الجماعي المؤسسي، واشتراط الورع والأهلية في المفتي، ومراعاة العرف واختلاف الزمان والمكان. 

مقالات مشابهة

  • مفتي الجمهورية ضيف شرف صالون الحداد الثقافي "حول دور الفتوى في تحصين الأفكار"
  • مفتي الجمهورية ضيف شرف صالون الحداد الثقافي
  • مفتي الجمهورية يوضح حكم الشريعة في تعطيل العقل عن الفكر والتأمُّل
  • هل توجد علاقة بين زيادة المشاكل وكثرة العبادة؟.. الإفتاء توضح
  • مفتي الجمهورية: لا بد من مراعاة الأعراف والعادات عند إصدار الفتاوى
  • لماذا أوصى النبي بذكر الله في كل وقت وحال؟.. بسبب 10 جوائز ربانية
  • أمين الفتوى: 3 أوقات مكروه الصلاة فيها
  • أمين الفتوى يشرح كيفية التقرب إلى الله في أوقات كراهة الصلاة
  • أمين الفتوى بـ«الإفتاء»: 3 أوقات مكروه الصلاة فيها (فيديو)
  • دار الإفتاء: لا يجوز الصلاة قبل رفع الأذان لانشغال الفرد (فيديو)