ذكرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية أن تزايد النفوذ الروسي والصيني والإيراني في منطقة الساحل يشكل تحديا كبيرا لحجم النفوذ الأمريكي في قارة أفريقيا لاسيما في دولة النيجر ومنطقة الساحل التي تمثل أهمية استراتيجية متزايدة.

وأشارت المجلة إلى أنه عندما زار مسؤولون أمريكيون رفيعو المستوى نيامي (عاصمة النيجر) منتصف مارس الماضي، في محاولة أخيرة لإنقاذ العلاقة الأمنية بين الجانبين والتي تسمح لواشنطن بمواصلة تشغيل قاعدة للطائرات بدون طيار هناك، لم تكن لديهم أدنى فكرة عن أن "رمال الصحراء الكبرى تتحرك تحت أقدامهم"، حيث عقب الزيارة بيوم واحد فقط، أعلن المتحدث باسم المجلس العسكري الحاكم في النيجر، الكولونيل أمادو عبدالرحمن، في 16 مارس، انسحاب بلاده من اتفاقية التعاون العسكري المبرمة مع الولايات المتحدة، والتي سمحت للعسكريين الأمريكيين والموظفين المدنيين من البنتاجون بالوجود داخل النيجر.

وأوضحت المجلة أنه على مدى العقد الماضي، أنفقت الولايات المتحدة ما يقرب من مليار دولار في النيجر، للمساعدة في توفير مجموعة واسعة من المساعدات لتوفير المياه النظيفة والرعاية الصحية؛ ومكافحة الآثار الضارة لتغير المناخ؛ وتدريب وتجهيز جيش محاصر ضد أكبر تجمع لهجمات الجماعات الجهادية في العالم.

ومع ذلك، فقد تبين أنه في عالم يتسم بديناميكيات القوة المتغيرة بسرعة، لم يكن للمساعدات التنموية التي تقدمها واشنطن أهمية تذكر. ففي هذا العالم الجديد متعدد الأقطاب، يبدو أن الولايات المتحدة، التي لا تزال أغنى وأقوى دولة في العالم، تحتاج إلى النيجر، وهي واحدة من أفقر وأضعف دول العالم، وذلك أكثر من حاجة النيجر إليها.

الجدير بالذكر أن اهتمام واشنطن بالنيجر ودول الساحل الأخرى ظهر في الأشهر التي تلت هجمات 11 سبتمبر 2001، عندما رأت أن الصحراء الشاسعة ذات الكثافة السكانية المنخفضة والحدود التي يسهل اختراقها في المنطقة هي حاضنة مثالية للجماعات الإرهابية الجديدة. ومع إطلاق مبادرة عموم الساحل في عام 2002 (التي توسعت لتتحول إلى الشراكة عبر الصحراء لمكافحة الإرهاب في عام 2005، إلى قيادة أفريقيا 2007 ("أفريكوم" AFRICOM) ومقرها في شتوتجارت في ألمانيا)، وجدت واشنطن في النيجر شريكا راغبا في المساعدة في الكشف عن الحركة المشبوهة للأشخاص والبضائع عبر حدودها وداخلها والاستجابة لها.

وبحلول عام 2013، سمح الرئيس الأمريكي حينذاك باراك أوباما بإرسال أول 100 جندي أمريكي إلى النيجر لجمع المعلومات الاستخبارية. وبحلول عام 2016، وبينما كانت المنطقة لا تزال تعاني من انهيار نظام الزعيم الليبي معمر القذافي في ليبيا، ضاعفت الولايات المتحدة وجودها من خلال الإعلان عن بناء قاعدة للطائرات بدون طيار في مدينة أغاديز شمال النيجر، حيث تم نشر أكثر من 1000 جندي أمريكي هناك. 

ولفتت "فورين بوليسي" إلى أنه في البداية، كانت النيجر تشعر بالقلق من أن مثل هذا الوجود الأمريكي الكبير والعلني سيكون له تأثير عكسي على أمنها، وأنه بدلا من ذلك سيجذب المزيد من الجماعات الإرهابية. ولكن بعد خمس سنوات من العمليات، كانت النيجر تشهد عددا أقل من الهجمات الإرهابية مقارنة بجارتيها مالي وبوركينا فاسو، ما جعل قرار إنهاء أكثر من 20 عاما من التعاون في مكافحة الإرهاب أكثر إثارة للقلق.

ونوهت المجلة إلى أن جزءا من تفسير نيامي لإلغاء اتفاقها العسكري مع واشنطن، وفقا للمتحدث باسم المجلس العسكري، هو الموقف "المتعالي" للمسؤولين الأمريكيين، فضلا عن التأكيد على حق النيجر "السيادي" في تحديد شركائها. وبقدر ما قد تكون هذه الحجج صحيحة، فهي أيضا غطاء مناسبا للمجلس العسكري للتهرب من مطالب واشنطن الرئيسية المتمثلة في عودة النيجر إلى الحكم المدني والديمقراطي والإفراج عن الرئيس المخلوع محمد بازوم.

علاوة على ذلك، فإن قادة النيجر الجدد لم يعد لديهم الصبر على انتظار الوفاء بالوعود - مثل تعهد واشنطن باستئناف المساعدات العسكرية ومساعدات التنمية التي تبلغ قيمتها أكثر من 260 مليون دولار سنويا، والتي تم تعليقها في أعقاب انقلاب يوليو الماضي، وربط ذلك ببدء النيجر السير على طريق استعادة الحكم المدني.

وفي ظل مساعي البحث عن بدائل للمساعدات الأمنية والاستثمارات التي لا تصاحبها محاضرات عن الديمقراطية، استضافت نيامي -في غضون أسبوعين فقط منذ الإعلان عن إنهاء العلاقات الأمنية مع واشنطن- وفدا من المسؤولين التنفيذيين في قطاع النفط الصيني الذين يسعون إلى توسيع عمليات التعدين هناك؛ وتحدث الحاكم العسكري في النيجر عبد الرحمن تشياني مباشرة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حول تعزيز العلاقات الأمنية؛ واستقبل كذلك السفير الإيراني لوضع اللمسات الأخيرة على إقامة علاقات دبلوماسية رسمية مع طهران، التي يقال إنها تتطلع إلى استثمارات في قطاع اليورانيوم في البلاد.

وأكدت المجلة الأمريكية أن التوقع بأن النيجر، أو أي بلد آخر، سيسمح للولايات المتحدة بتشغيل منصة لجمع المعلومات الاستخباراتية على أراضيها لصالح واشنطن فقط دون مشاركة أي من هذه المعلومات مع جهات أخرى تحارب نفس المنظمات المتطرفة العنيفة، هو في الواقع أمر متعجرف. كما أن اعتقاد وفد كبار المسؤولين الأمريكيين –الذي زار نيامي مؤخرا- معقولية مطالب واشنطن من النظام العسكري في النيجر بينما ينتشر مستشارون عسكريون روس في جميع أنحاء المنطقة، ويتدافع آخرون للقيام باستثمارات طويلة الأجل هناك، يشير إلى نهج أمريكي بعيد كل البعد عن التطورات الجيوسياسية، والجهل بالسياق التاريخي، والافتقار إلى الوعي الذاتي.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن الولايات المتحدة تجد نفسها حاليا في موقف صعب، خاصة وأن العديد من الزعماء الأفارقة يرون أن بلدانهم ضحايا لنظام ما بعد الحرب العالمية الثانية، وأن واشنطن تستخدم المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لتعزيز مصالحها مع فرض شروط مؤلمة على الدول الأفريقية، وأن روسيا تعمل عبر مختلف وسائل الدعاية التابعة لها على تعزيز وترسيخ هذه المعتقدات لدى الزعماء الأفارقة.

وترى المجلة الأمريكية أن دعم واشنطن منذ فترة طويلة للقادة الأفارقة الأقوياء، واستعدادها للإطاحة بمن يعارضون مصالحها، كما حدث في حرب حلف شمال الأطلسي (ناتو) ضد القذافي عام 2011، قد أضر بمصداقية واشنطن مع الشركاء الأفارقة، لاسيما في ظل قناعات بسعي واشنطن الدؤوب لتحقيق مصالحها الخاصة فقط، ما ترك لها سمعة باعتبارها القوة الاستعمارية الجديدة الأولى في العالم.

والمفارقة هنا، أن العديد من المسؤولين الأمريكيين توقعوا أن هذه اللحظة قادمة منذ بعض الوقت، حيث أقر وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن نفسه بأنه "في كثير من الأحيان، تم التعامل مع بلدان أفريقيا كشركاء صغار - أو ما هو أسوأ من ذلك - وليس كشركاء متساوين". ورغم أن هذه المشاعر مهمة، إلا أنها لا تزال تفتقر إلى أي حل ملموس.

ونبهت "فورين بوليسي" إلى وجود تناقض في الخطاب الأمريكي تجاه دول القارة الأفريقية، حيث إنه في حين تؤكد الولايات المتحدة أنها لا تريد الحد من الشراكات الأفريقية مع الدول الأخرى، إلا أنها واصلت الضغط بشكل خاص على الدول الأفريقية مثل النيجر وجمهورية أفريقيا الوسطى للتخلي عن العلاقات الأمنية مع موسكو مقابل التزامات مشوبة بالحذر من واشنطن.

وشددت المجلة الأمريكية على أن هذه الفجوة بين الخطاب والواقع هو ما دفع المسؤولين الأمريكيين إلى مغادرة نيامي دون تحقيق النتيجة المأمولة، وأن واشنطن ستواصل خسارة الأرض أمام القادمين الجدد إلى أفريقيا من الباحثين عن تعاون عسكري، أو معادن استراتيجية، أو شراكات سياسية.

ودعت المجلة واشنطن إلى عدم الاكتفاء بإعطاء الدول خيارات وشعارات مثل "القيم المشتركة"، والتركيز عوضا عن ذلك على تقديم عروض أكثر جاذبية من منافسيها، وتعزيز المصالح المشتركة إذا كانت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تبحث بالفعل عما تسميه الآن "شراكات القرن الحادي والعشرين"، القائمة على أساس العلاقات المتساوية.

ويجب على واشنطن تقبل فكرة أن بعض هذه الشراكات قد تتجاوز الخطوط الحمراء لكل من القيم والمصالح الأمريكية، خاصة وأن الأخيرة تقف في موقف دفاعي وأشبه بـ "الأعمى" حيال التعامل مع منطقة تعرف الآن بأنها مركز الإرهاب العالمي، ما يعرض مصالح واشنطن الاستراتيجية الحيوية للخطر.

لذا، ففي عصر يتسم بالمنافسة الجيوسياسية، أصبحت الدول الأفريقية لديها أفضلية حاليا بفضل خياراتها الوفيرة (بين الدول الراغبة في شراكتها)، ما يتطلب من واشنطن تقبل هذا الواقع الجديد وإيجاد طريقة للشراكة مع هذه البلدان بشكل حقيقي وعلى قدم المساواة، وإلا فإن البديل سيكون مواصلة الولايات المتحدة رؤية قيمها ومصالحها تتضاءل في قارة ذات أهمية استراتيجية متزايدة.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: صندوق النقد الدولي النيجر الولايات المتحدة الولایات المتحدة فورین بولیسی فی النیجر أکثر من إلى أن

إقرأ أيضاً:

الإسلاميون والجيش واستراتيجية المليشيات: أدوات السيطرة التي تهدد مستقبل السودان

في الأسابيع الأخيرة، ظهرت على وسائل التواصل الاجتماعي أخبار عن تأسيس مليشيات جديدة للقتال بجانب الجيش مثل الأورطة الشرقية، حركة تحرير الجزيرة، تيار شباب البجا، وغيرها. قبل الحرب أيضاً وبذرائع مختلفة كالمطالبة بالحقوق والتمثيل في السلطة، وعدم حصول مناطق على إمتيازات أو تجاهلها في إتفاق جوبا وغيرها، تم تأسيس مليشيات مثل قوات درع البطانة، درع الوطن، وقوات كيان الوطن، تحت بصر وسمع الأجهزة العسكرية والأمنية، وفي الغالب هذه الأجهزة هي من أسست هذه المليشيات، مما يدل على أن استراتيجية الجيش والإسلاميين الرئيسية هي تأسيس واستخدام المليشيات، سواء التي أسسها الجيش أو التي تحالفت معه، بما في ذلك تلك المرتبطة بالإسلاميين كالبراء بن مالك. هذه المليشيات استخدمت قبل الحرب لإشاعة الفوضى ولتهديد قوى الثورة المدنية بالحرب، ولإشاعة حالة من الضعف الأمني. بعد إندلاع الحرب تستخدم هذه التشكيلات للقتال ضد مليشيا الدعم السريع. وللمفارقة العجيبة، فإن قوات درع الوطن بقيادة كيكل كانت قد إنضمت للدعم السريع وتسببت في إجتياح مدني وسنجة وغيرها وسقوطها في قبضة مليشيا الدعم السريع، ثم قبل أسابيع عاد كيكل بعدد قليل من هذه القوات وإنضم للجيش كمليشيا شبه مستقلة تحت اسم درع البطانة وليست تحت سيطرة الجيش بالكامل وإن تم الإدعاء بغير ذلك.
في بعض الأحيان، تُستخدم هذه المليشيات كأداة ضغط سياسي، وربما لاحقاً عسكري، كما يحدث حالياً في مطالبة ما يسمى تيار شباب البجا بإخراج مليشيات العدل والمساواة وتحرير السودان من ولايات الشرق. تُستخدم هذه المليشيات الآن لإنهاء الحرب والإنتصار على مليشيا الدعم السريع، على حساب استقرار الدولة ومستقبلها.
يناقش هذا المقال لماذا يرفض الجيش والإسلاميون دمج أو ضم، ولو مؤقتاً، كل التشكيلات والأفراد الراغبين في القتال ضد مليشيا الدعم السريع في الجيش، وماهي أسباب استخدامهم لاستراتيجية المليشيات وتأثيرها على مستقبل السودان.

أسباب استخدام المليشيات

إحدى الأسباب الرئيسية وراء الاعتماد على هذه المليشيات، وربما السبب الرئيسي، هو الخشية من صعود تيار داخل الجيش بعد إنضمام فئات مختلفة من الشعب للقتال معه، قد ينحاز إلى مطالب الشعب السوداني التي عبرت عنها ثورة ديسمبر. هذه الخشية تُفسر رفض الجيش والإسلاميين لانضمام الكثير من العسكريين المفصولين أو المعاشيين إلى صفوف الجيش في الحرب الحالية، حيث يرون أن هؤلاء قد يشكلون تياراً مناهضاً لهم وقد يصبح لهم صوت ووزن داخل الجيش، وربما أصبحوا أداة للتغيير السياسي خارج سيطرتهم. كذلك قتال هذه التشكيلات هذه بجانب الجيش بشكل شبه مستقل بعيداً عن سيطرة الجيش الكاملة عليها، يطرح تساؤلاً بشأن دور هذه المليشيات بعد الحرب وقابلية استخدامها للتمكن من السلطة، أو للحصول على إمتيازات سياسية، أو لقمع الشعب والقوى السياسية.
وفي الوضع الإقتصادي الحالي، فإن تشكيل المليشيات يُعتبر أقل تعقيداً وأقل تكلفة من تدريب الجنود وفق المعايير النظامية. هذه التشكيلات المسلحة تعتمد غالباً على دعم مالي ولوجستي من قنوات غير رسمية كالدعم الشعبي، ولكن مثلاً يتحدث العديد من المواطنين عن كثرة الإرتكازات الأمنية والمطالبة بالرسوم من المركبات العابرة وغيرها من الظواهر. هذا الشكل من التمويل يقلل من الأعباء المباشرة والإلتزامات المالية على القيادة العسكرية والسياسية. كما أن الإرث التاريخي للمليشيات، الذي يعود إلى نزاعات السودان الطويلة، جعلها أداة مفضلة لتحقيق السيطرة وتقسيم القوى داخل الدولة.

التحديات الناجمة عن المليشيات

هذا النهج يمثل خطراً كبيراً على مستقبل السودان. وجود المليشيات يضعف المؤسسات الوطنية ويؤدي إلى ازدواجية السلطة، ويعيق الإلتزام بالقوانين وتطبيقها. كما أن الغالب في تكوين هذه المليشيات أنه على أسس قبلية وإثنية أو مناطقية مما يزيد من التوترات الاجتماعية ويخلق صراعات محلية طويلة الأمد، تهدد الوحدة الوطنية. تزايد هذه التوترات يؤدي إلى إضعاف التماسك المجتمعي ويعيق إنتصار الجيش نفسه، ويزيد من تعقيد أي جهود للوصول إلى تسوية سياسية.
الاعتماد على المليشيات يؤدي إلى إضعاف الجيش النظامي، حيث تصبح هذه التشكيلات بديلاً غير منضبط للقوة الرسمية، مما يقوض فعالية الجيش ويهدد تماسكه. بالإضافة إلى ذلك، التمويل المالي لهذه المليشيات لاحقاً سيعتمد غالباً على السيطرة على الموارد وربما النهب، مما يؤدي إلى استنزاف الاقتصاد وتعطيل التنمية كما حدث في حالة مليشيا الدعم السريع. كما أن انعدام الأمن الناتج عن نشاطها يفتح الباب لممارسات كالتهريب والأنشطة غير المشروعة، ويعوق الاقتصاد ويزيد من الأزمات المعيشية.

الدور الخارجي والتدخلات الإقليمية

تدخل القوى الخارجية لدعم هذه المليشيات يضيف حلقة أخرى من التعقيد، ويحول السودان إلى ساحة صراعات إقليمية ودولية. وفي تناقض غريب، ورد أن الأورطة الشرقية ومليشيات أخرى قد تم تدريبها في إريتريا، حيث بدأت مليشيا الدعم السريع كقوة محلية ثم طورت علاقات خارجية لتصبح مستقلة عن الدولة، ما يعكس إمكانية تحول هذه المليشيات إلى كيانات ذات علاقات خارجية معقدة وربما تصبح تحت سيطرة خارجية. هذه العلاقات تُعقد أي محاولة لفرض السيادة الوطنية وقد تؤدي إلى فقدان القدرة على التحكم في الأراضي والموارد الوطنية.
على المدى الطويل، تُعرف المليشيات باستخدامها للعنف المفرط وغير المنضبط، مما يؤدي إلى تصاعد الانتهاكات وزيادة الفوضى. هذا الوضع يجعل الإنتصار الشامل أو تحقيق السلام أمراً صعباً، حيث تصبح هذه التشكيلات المسلحة عقبة رئيسية أمام أي حل. حتى في حال الإنتصار الكامل للجيش، فقد تتغير أهداف المليشيات مع مرور الزمن وقد تستخدمها أطراف خارحية كما حدث مع الدعم السريع، مما يهدد استقرار الوضع حتى بعد انتهاء الصراع العسكري.

التحديات في المستقبل: تفكيك المليشيات ودمجها في الجيش

حتى إذا تحقق إنتصار كامل للجيش على مليشيا الدعم السريع وهو أمر مستبعد في الظرف الحالي، أو تم التوصل إلى اتفاق سلام، فإن تفكيك المليشيات أو دمجها في الجيش يمثل تحدياً كبيراً، كما أظهرت تجارب دول أخرى في المنطقة مثل الصومال وليبيا. منذ بداية التسعينات، واجهت الصومال صراعاً طويل الأمد بسبب وجود المليشيات المسلحة التي دعمتها قوى خارجية مختلفة، مما أدى إلى انهيار الدولة وتفككها إلى مناطق سيطرة متعددة. وبعد أكثر من ٣٥ عام على إندلاع الحرب في الصومال لا تزال المليشيات تستخدَم في صراعات محلية ودولية، مما أدى إلى حالة من عدم الاستقرار المستمر والتدخلات العسكرية الإقليمية والدولية. في ليبيا، تسببت المليشيات المدعومة خارجياً في تمزيق الدولة إلى كيانات متناحرة على السلطة. فإن كان قرار الجيش والإسلاميين أنهم لن يذهبوا لإتفاق مطلقاً، فالأفضل لمستقبل السودان أن يكون كل المقاتلين تحت القوات المسلحة فعلياً والإبتعاد عن استراتيجية المليشيات هذه.

في النهاية، الاعتماد على استراتيجية المليشيات يعكس ضعف الفكر وعدم قدرة قادة النظام السياسي والعسكري الحالي في السودان على التعلم من التجارب الذاتية والخارجية، وعدم الاكتراث لأرواح السودانيين. إن تحقيق السيطرة الآنية باستخدام المليشيات، وإن حدثت وهي مستبعدة في الظرف الحالي، على حساب الاستقرار الوطني لن يحقق الأمن المستدام، بل يقود السودان نحو التفتت والانقسام، مع تداعيات كارثية على الشعب السوداني لعقود قادمة. الحلول الحقيقية تكمن في بناء مؤسسات قوية، والبدء بإصلاح الجيش إلى مؤسسة مهنية ذات عقيدة وطنية تمثل كل السودانيين الآن وأثناء هذه الحرب.

mkaawadalla@yahoo.com

محمد خالد  

مقالات مشابهة

  • التلغراف: سياسة ترامب بالضغط الأقصى على إيران تواجه تحدياً كبيراً
  • الإسلاميون والجيش واستراتيجية المليشيات: أدوات السيطرة التي تهدد مستقبل السودان
  • واشنطن بوست: الولايات المتحدة قد تواجه قريبا تهديدا أقوى من الأسلحة النووية
  • الرئيس الصيني لنظيره الأمريكي: رغبتنا في العمل مع واشنطن لم تتغير
  • قوة اليمن: كيف تبرز العمليات العسكرية للجيش اليمني نقاط ضعف الأسطول البحري الأمريكي؟
  • زيلينسكي: أوكرانيا لم تتلق نصف المساعدات التي وعدت بها واشنطن
  • بعد تصدره التريند.. من هو الممثل الأمريكي دنزل واشنطن «Denzel Washington»؟
  • الولايات المتحدة تعتزم تعزيز تعاونها مع كوريا الجنوبية واليابان في مجال الردع النووي
  • الولايات المتحدة تعتزم تعزيز تعاونها مع كوريا الجنوبية واليابان بمجال الردع النووي
  • اليمن تقلب الطاولة على واشنطن في الشرق الأوسط.. تحليل للبيان العسكري الأخير