"فورين بوليسي": مستقبل التواجد الأمريكي في النيجر ومنطقة الساحل يواجه تحديا كبيرا
تاريخ النشر: 6th, April 2024 GMT
ذكرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية أن تزايد النفوذ الروسي والصيني والإيراني في منطقة الساحل يشكل تحديا كبيرا لحجم النفوذ الأمريكي في قارة أفريقيا لاسيما في دولة النيجر ومنطقة الساحل التي تمثل أهمية استراتيجية متزايدة.
وأشارت المجلة إلى أنه عندما زار مسؤولون أمريكيون رفيعو المستوى نيامي (عاصمة النيجر) منتصف مارس الماضي، في محاولة أخيرة لإنقاذ العلاقة الأمنية بين الجانبين والتي تسمح لواشنطن بمواصلة تشغيل قاعدة للطائرات بدون طيار هناك، لم تكن لديهم أدنى فكرة عن أن "رمال الصحراء الكبرى تتحرك تحت أقدامهم"، حيث عقب الزيارة بيوم واحد فقط، أعلن المتحدث باسم المجلس العسكري الحاكم في النيجر، الكولونيل أمادو عبدالرحمن، في 16 مارس، انسحاب بلاده من اتفاقية التعاون العسكري المبرمة مع الولايات المتحدة، والتي سمحت للعسكريين الأمريكيين والموظفين المدنيين من البنتاجون بالوجود داخل النيجر.
وأوضحت المجلة أنه على مدى العقد الماضي، أنفقت الولايات المتحدة ما يقرب من مليار دولار في النيجر، للمساعدة في توفير مجموعة واسعة من المساعدات لتوفير المياه النظيفة والرعاية الصحية؛ ومكافحة الآثار الضارة لتغير المناخ؛ وتدريب وتجهيز جيش محاصر ضد أكبر تجمع لهجمات الجماعات الجهادية في العالم.
ومع ذلك، فقد تبين أنه في عالم يتسم بديناميكيات القوة المتغيرة بسرعة، لم يكن للمساعدات التنموية التي تقدمها واشنطن أهمية تذكر. ففي هذا العالم الجديد متعدد الأقطاب، يبدو أن الولايات المتحدة، التي لا تزال أغنى وأقوى دولة في العالم، تحتاج إلى النيجر، وهي واحدة من أفقر وأضعف دول العالم، وذلك أكثر من حاجة النيجر إليها.
الجدير بالذكر أن اهتمام واشنطن بالنيجر ودول الساحل الأخرى ظهر في الأشهر التي تلت هجمات 11 سبتمبر 2001، عندما رأت أن الصحراء الشاسعة ذات الكثافة السكانية المنخفضة والحدود التي يسهل اختراقها في المنطقة هي حاضنة مثالية للجماعات الإرهابية الجديدة. ومع إطلاق مبادرة عموم الساحل في عام 2002 (التي توسعت لتتحول إلى الشراكة عبر الصحراء لمكافحة الإرهاب في عام 2005، إلى قيادة أفريقيا 2007 ("أفريكوم" AFRICOM) ومقرها في شتوتجارت في ألمانيا)، وجدت واشنطن في النيجر شريكا راغبا في المساعدة في الكشف عن الحركة المشبوهة للأشخاص والبضائع عبر حدودها وداخلها والاستجابة لها.
وبحلول عام 2013، سمح الرئيس الأمريكي حينذاك باراك أوباما بإرسال أول 100 جندي أمريكي إلى النيجر لجمع المعلومات الاستخبارية. وبحلول عام 2016، وبينما كانت المنطقة لا تزال تعاني من انهيار نظام الزعيم الليبي معمر القذافي في ليبيا، ضاعفت الولايات المتحدة وجودها من خلال الإعلان عن بناء قاعدة للطائرات بدون طيار في مدينة أغاديز شمال النيجر، حيث تم نشر أكثر من 1000 جندي أمريكي هناك.
ولفتت "فورين بوليسي" إلى أنه في البداية، كانت النيجر تشعر بالقلق من أن مثل هذا الوجود الأمريكي الكبير والعلني سيكون له تأثير عكسي على أمنها، وأنه بدلا من ذلك سيجذب المزيد من الجماعات الإرهابية. ولكن بعد خمس سنوات من العمليات، كانت النيجر تشهد عددا أقل من الهجمات الإرهابية مقارنة بجارتيها مالي وبوركينا فاسو، ما جعل قرار إنهاء أكثر من 20 عاما من التعاون في مكافحة الإرهاب أكثر إثارة للقلق.
ونوهت المجلة إلى أن جزءا من تفسير نيامي لإلغاء اتفاقها العسكري مع واشنطن، وفقا للمتحدث باسم المجلس العسكري، هو الموقف "المتعالي" للمسؤولين الأمريكيين، فضلا عن التأكيد على حق النيجر "السيادي" في تحديد شركائها. وبقدر ما قد تكون هذه الحجج صحيحة، فهي أيضا غطاء مناسبا للمجلس العسكري للتهرب من مطالب واشنطن الرئيسية المتمثلة في عودة النيجر إلى الحكم المدني والديمقراطي والإفراج عن الرئيس المخلوع محمد بازوم.
علاوة على ذلك، فإن قادة النيجر الجدد لم يعد لديهم الصبر على انتظار الوفاء بالوعود - مثل تعهد واشنطن باستئناف المساعدات العسكرية ومساعدات التنمية التي تبلغ قيمتها أكثر من 260 مليون دولار سنويا، والتي تم تعليقها في أعقاب انقلاب يوليو الماضي، وربط ذلك ببدء النيجر السير على طريق استعادة الحكم المدني.
وفي ظل مساعي البحث عن بدائل للمساعدات الأمنية والاستثمارات التي لا تصاحبها محاضرات عن الديمقراطية، استضافت نيامي -في غضون أسبوعين فقط منذ الإعلان عن إنهاء العلاقات الأمنية مع واشنطن- وفدا من المسؤولين التنفيذيين في قطاع النفط الصيني الذين يسعون إلى توسيع عمليات التعدين هناك؛ وتحدث الحاكم العسكري في النيجر عبد الرحمن تشياني مباشرة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حول تعزيز العلاقات الأمنية؛ واستقبل كذلك السفير الإيراني لوضع اللمسات الأخيرة على إقامة علاقات دبلوماسية رسمية مع طهران، التي يقال إنها تتطلع إلى استثمارات في قطاع اليورانيوم في البلاد.
وأكدت المجلة الأمريكية أن التوقع بأن النيجر، أو أي بلد آخر، سيسمح للولايات المتحدة بتشغيل منصة لجمع المعلومات الاستخباراتية على أراضيها لصالح واشنطن فقط دون مشاركة أي من هذه المعلومات مع جهات أخرى تحارب نفس المنظمات المتطرفة العنيفة، هو في الواقع أمر متعجرف. كما أن اعتقاد وفد كبار المسؤولين الأمريكيين –الذي زار نيامي مؤخرا- معقولية مطالب واشنطن من النظام العسكري في النيجر بينما ينتشر مستشارون عسكريون روس في جميع أنحاء المنطقة، ويتدافع آخرون للقيام باستثمارات طويلة الأجل هناك، يشير إلى نهج أمريكي بعيد كل البعد عن التطورات الجيوسياسية، والجهل بالسياق التاريخي، والافتقار إلى الوعي الذاتي.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن الولايات المتحدة تجد نفسها حاليا في موقف صعب، خاصة وأن العديد من الزعماء الأفارقة يرون أن بلدانهم ضحايا لنظام ما بعد الحرب العالمية الثانية، وأن واشنطن تستخدم المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لتعزيز مصالحها مع فرض شروط مؤلمة على الدول الأفريقية، وأن روسيا تعمل عبر مختلف وسائل الدعاية التابعة لها على تعزيز وترسيخ هذه المعتقدات لدى الزعماء الأفارقة.
وترى المجلة الأمريكية أن دعم واشنطن منذ فترة طويلة للقادة الأفارقة الأقوياء، واستعدادها للإطاحة بمن يعارضون مصالحها، كما حدث في حرب حلف شمال الأطلسي (ناتو) ضد القذافي عام 2011، قد أضر بمصداقية واشنطن مع الشركاء الأفارقة، لاسيما في ظل قناعات بسعي واشنطن الدؤوب لتحقيق مصالحها الخاصة فقط، ما ترك لها سمعة باعتبارها القوة الاستعمارية الجديدة الأولى في العالم.
والمفارقة هنا، أن العديد من المسؤولين الأمريكيين توقعوا أن هذه اللحظة قادمة منذ بعض الوقت، حيث أقر وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن نفسه بأنه "في كثير من الأحيان، تم التعامل مع بلدان أفريقيا كشركاء صغار - أو ما هو أسوأ من ذلك - وليس كشركاء متساوين". ورغم أن هذه المشاعر مهمة، إلا أنها لا تزال تفتقر إلى أي حل ملموس.
ونبهت "فورين بوليسي" إلى وجود تناقض في الخطاب الأمريكي تجاه دول القارة الأفريقية، حيث إنه في حين تؤكد الولايات المتحدة أنها لا تريد الحد من الشراكات الأفريقية مع الدول الأخرى، إلا أنها واصلت الضغط بشكل خاص على الدول الأفريقية مثل النيجر وجمهورية أفريقيا الوسطى للتخلي عن العلاقات الأمنية مع موسكو مقابل التزامات مشوبة بالحذر من واشنطن.
وشددت المجلة الأمريكية على أن هذه الفجوة بين الخطاب والواقع هو ما دفع المسؤولين الأمريكيين إلى مغادرة نيامي دون تحقيق النتيجة المأمولة، وأن واشنطن ستواصل خسارة الأرض أمام القادمين الجدد إلى أفريقيا من الباحثين عن تعاون عسكري، أو معادن استراتيجية، أو شراكات سياسية.
ودعت المجلة واشنطن إلى عدم الاكتفاء بإعطاء الدول خيارات وشعارات مثل "القيم المشتركة"، والتركيز عوضا عن ذلك على تقديم عروض أكثر جاذبية من منافسيها، وتعزيز المصالح المشتركة إذا كانت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تبحث بالفعل عما تسميه الآن "شراكات القرن الحادي والعشرين"، القائمة على أساس العلاقات المتساوية.
ويجب على واشنطن تقبل فكرة أن بعض هذه الشراكات قد تتجاوز الخطوط الحمراء لكل من القيم والمصالح الأمريكية، خاصة وأن الأخيرة تقف في موقف دفاعي وأشبه بـ "الأعمى" حيال التعامل مع منطقة تعرف الآن بأنها مركز الإرهاب العالمي، ما يعرض مصالح واشنطن الاستراتيجية الحيوية للخطر.
لذا، ففي عصر يتسم بالمنافسة الجيوسياسية، أصبحت الدول الأفريقية لديها أفضلية حاليا بفضل خياراتها الوفيرة (بين الدول الراغبة في شراكتها)، ما يتطلب من واشنطن تقبل هذا الواقع الجديد وإيجاد طريقة للشراكة مع هذه البلدان بشكل حقيقي وعلى قدم المساواة، وإلا فإن البديل سيكون مواصلة الولايات المتحدة رؤية قيمها ومصالحها تتضاءل في قارة ذات أهمية استراتيجية متزايدة.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: صندوق النقد الدولي النيجر الولايات المتحدة الولایات المتحدة فورین بولیسی فی النیجر أکثر من إلى أن
إقرأ أيضاً:
بلومبيرغ: رسوم ترامب الجمركية ستحدث ألما كبيرا لشركات السيارات الأميركية
وسط تهديدات الرئيس المنتخب دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية على الواردات من كندا والمكسيك، أظهرت تحليلات جديدة أن صناعة السيارات في أميركا قد تكون أولى ضحايا هذه السياسات التجارية.
ووفقا لما نقلته وكالة بلومبيرغ تشير التوقعات إلى أن الضرائب الجمركية المقترحة ستُحدث "ألمًا كبيرًا" لشركات السيارات الأميركية التي تعتمد بشكل كبير على سلسلة الإمدادات عبر أميركا الشمالية.
واردات كبيرة من كندا والمكسيكوبحسب التحليل الذي أجرته الخبيرة الاقتصادية نيكول غورتون-كاراتيلي من بلومبيرغ إيكونوميكس، فإن نصف واردات الولايات المتحدة من السيارات المجمّعة تأتي من كندا والمكسيك.
أما بالنسبة لقطع الغيار، فإن حوالي 80% من مكونات حيوية مثل أحزمة الأمان والوسائد الهوائية تعتمد على الموردين في هاتين الدولتين.
هذا الاعتماد المتبادل -وفق بلومبيرغ- يهدد بتقويض الطلب على مكونات السيارات الأميركية، حيث سيتم فرض ضرائب على السيارات المجمّعة القادمة من كندا والمكسيك، مما يضر بمشاركة الأجزاء الأميركية الصنع المدمجة في هذه السيارات.
وتشير غورتون-كاراتيلي إلى أنه: "بتهديد كندا والمكسيك بالرسوم الجمركية، فإن ترامب يهدد بشكل مباشر القطاع الصناعي للسيارات في الولايات المتحدة".
نصف واردات الولايات المتحدة من السيارات المجمّعة تأتي من كندا والمكسيك (الفرنسية) تأثير على الشركات المحلية والدوليةوترى بلومبيرغ أن المفارقة هنا أن هذه الرسوم قد تؤثر على الشركات الأميركية التي تنتج سياراتها داخل الولايات المتحدة أكثر من منافساتها الأجنبية التي تعتمد على سلاسل توريد عالمية.
إعلانشركات مثل فولكس فاغن وبورشه، التي تعاني بالفعل في السوق الصيني، ستواجه تحديًا مضاعفًا إذا تم فرض رسوم إضافية على وارداتها إلى السوق الأميركي، وفق بلومبيرغ.
بالإضافة إلى ذلك، أبدت شركات أخرى مثل مازدا في المكسيك قلقها من التوجهات المقبلة، وصرّح مديرها الإقليمي أن الشركة ستعيد النظر في إستراتيجيات الاستثمار إذا استمرت التهديدات الجمركية دون وضوح.
تداعيات محتملةوإلى جانب الولايات المتحدة، بدأت الشركات العالمية بالفعل بالاستعداد لمواجهة حرب تجارية جديدة.
ووفقًا لتقارير بلومبيرغ، قامت بعض المصانع الصينية بتحويل الإنتاج إلى فيتنام أو الأسواق الأوروبية لتجنب الرسوم الجمركية الأميركية.
من ناحية أخرى، تشكّل هذه التهديدات قلقًا إضافيًا وسط تباطؤ الإنتاج الصناعي العالمي وتزايد المنافسة الصينية في قطاعات رئيسية.
ومع استمرار هذه التطورات، يواجه قطاع السيارات الأميركي مستقبلًا مضطربًا تحت سياسات ترامب التجارية.