موقع النيلين:
2025-01-18@10:53:19 GMT

الليبرالي المحلي: ساذج ممتلئ بالكراهية

تاريخ النشر: 6th, April 2024 GMT


“في هذا السياق سيفشل الليبرالي عن فهم ما يحدث حقا، يحول رغائبه وانطباعاته الساذجة لقوانين وقواعد، ويظن أن الصراع هو صراع (محلي/محلي) بين المحافظين والليبراليين الإسلاميين والعلمانيين، لكن الصراع في جوهره هو صراع حول الواجب التاريخي اللازم، هل ننهض بثقافتنا وتراثنا ونُفعل ديناميكيات التطور فيهما؟ أم ننهض بالتقليد الأعمى للغرب؟ هل ذلك الطريق ممكن أصلا؟ من هنا تنشأ التصورات المتعارضة.

تكتسب هذه المرحلة التاريخية توترها في ظل شروط حداثية تشمل الجميع، ومن هنا تحديدا تنبعث فاعلية الفكر الإسلامي وحاملوه عبر الأجيال والمراحل، وهذه الفاعلية التاريخية هي المحرك العميق للمجتمع المسلم ككل، وليست لتنظيم محدد أو لتمظهر سياسي تاريخي لها.

إن سبر أغوار هذا التوتر التاريخي في شخصية الأفراد لا يكشفه علم النفس فقط، بل قد تكشفه الرواية والفن، وقد كشفته شخصية (مصطفى سعيد) في رواية الطيب صالح موسم الهجرة للشمال. شخصية مصطفى سعيد تعبر عن حقبة أقدم قليلا عما نعيشه اليوم، فإذا كان مصطفى سعيد ممتلئا بهواجس وجودية نابعة عن اللقاء والصدام بين الغرب والشرق في مرحلته المبكرة، إلا أننا نشهد مرحلة (أبناء مصطفى سعيد) أولئك الذين يتحركون من هواجس وجودية مغايرة، فالاستغراب بمعنى الانغماس في الغرب لم يعد ممكنا، بل صار مُعمما عولميا على الجميع، لكنه مصحوب كذلك بالحرمان كالثمرة المحرمة، ومن يخرجون في الشوارع اليوم هم ضحايا هذه (الثمرة المحرمة) وهم الراغبون في حياة لا تُنال، تلك الحياة التي تكون دومًا في مكان آخر هو مخيالهم عن الغرب. إن هذه الحالة كافية ليستيقظ جيل أبناء مصطفى سعيد، لا من أجل الانتقام المعذب كما فعل أبوهم بل من أجل التغيير.

رياحُ التغيير تبدأ حين يخرج جيل (أبناء مصطفى سعيد) فيجد نفسه في مدينة سودانية بائسة في العاصمة أو الولايات. يركب المواصلات شاعرا بغربة رهيبة مِن هؤلاء البشر حوله ومن مجتمعه. ابن مصطفى سعيد قد يكون (راستا مان) يحسب نفسه (فنانا معذبا) وسط عالم لا يقدر الفن، أو يحسب نفسه (ثائرا متمردا) مقابل مجتمع لا يعرف الثورة، في الحقيقة ابن مصطفى سعيد يبدأ كضحية، صورة كليشيه عن أبيه وعن عصره، ابن ستملأ روحه بداية التفاهة، ويكون عقله على درجة كبيرة من السذاجة ونفسه محطمة وشخصيته على درجة كبيرة من الهشاشة. وهذه الحالة قد يشرحها علم الاجتماع لكن مستواها الوجودي العميق يكشفه أيضا الروائي والفنان الحقيقي، لكن ابن مصطفى سعيد سيستيقظ ويدرك ويفهم واجبه وفاعليته التاريخية وسيمتلئ قلبه بروح جديدة وهذا تحديدا ما يزعج الليبرالي المحلي.
الفاعلية التاريخية لجيل (أبناء مصطفى سعيد) لها ارتباط عميق بالإسلام، وهي استجابة إيجابية للحالة الثقافية والنفسية والحضارية، هي (العودة المُظفرة للذات). وهذه العودة ستمنح الذات طموحها وأفقها وشجاعتها وتماسكها، وهي الشرط الأساس لبدء تعاطي إيجابي مع الغرب والحضارة، إن الفاعلية الإسلامية هنا انفتاح نحو أفق حضاري وتاريخي جديد وهي تعلم مستمر وتطور جدلي مع الواقع المعقد والأشد تعقيدا من البدايات. هي تطلع وتبصر وإلهام بالغد والمستقبل لكنها لن تُترجم واقعيا إلا بإكمال العلم والعمل بالإدارك العميق للواقع الملموس وبهياكل الاقتصاد والرأسمالية ومؤثرات العصر، هذه الفاعلية بنت للتاريخ وتتحرك بخط مستمر عبر الأجيال لتكشف نفسها على مستوى السودان القطر وما بعده. وإذا انحطت فهي تنحط مع المجتمع، وإذا نهضت فإنها تنهض به ومعه.

الليبرالي المحلي دوما يكتفي بالانطباعات السخيفة الفوقية من خلال فكرة خاطئة عن التغيير. السياسي العادي لا يفهم هذه الأمور أبدا، أشخاص مثل القحاتة مثلا لا يشغلون أنفسهم بهذه الأفكار والهموم أصلا، الليبرالي المحلي ساذج والسياسي العادي سلطوي محدود الأفق، وكل تلك الظواهر انعكاس لأزمة المجتمع وانحطاطه وبطريقة ما هي تجلي لحالة الهزيمة الحضارية والركود الفكري تلك التي وصفها المفكر مالك نبي وسماها القابلية للاستعمار”

هشام عثمان الشواني

المصدر: موقع النيلين

إقرأ أيضاً:

الدراما التاريخية من الفن إلى التثقيف.. في العدد الجديد من مجلة «تراث»

صدر حديثا، العدد 3030 من مجلة "تراث" الشهرية، التي تصدر عن هيئة أبوظبي للتراث، وتُعني بملفات التراث وقضاياه.

حمل العدد بين صفحاته ملفاً خاصاً بعنوان "التراث الاماراتي في الدراما: حكاية تتجدد عبر الزمن"، تضمن إحدى عشر مشاركة ما بين دراسة ومقال باقلام نخبة من الباحثين والكتاب الإماراتيين والعرب.

وفي افتتاحية العدد أكدت رئيسة التحرير شمسة الظاهري، على الدور المحوري الذي يلعبه التراث الاماراتي في تشكيل هوية الدراما المحلية وأشارت إلى أن صناع المسلسلات والأفلام يستلهمون قصصهم من الموروث الثقافي الإماراتي، معبرين عن القيم والعادات الأصيلة.

ولفتت الظاهري إلى أن الدراما الإماراتية تركز على استلهام القصص الشعبية والأساطير المحلية، بالإضافة إلى السرديات التاريخية.

وأوضحت أن هذه الأعمال تسهم في تعزيز الهوية الثقافية ونقل التقاليد بين الأجيال، وتعريف الآخرين بتاريخ الدولة وتراثها، وأشارت إلى التحديات التي تواجه صُنّاع الدراما في تحقيق التوازن بين الحفاظ على عناصر التراث وتقديمها بأسلوب عصري يجذب الشباب، ورغم هذه التحديات، أكدت الظاهري أن بعض الأعمال الدرامية حققت نجاحاً لافتاً للنظر.

ونوّهت بدور المهرجانات السينمائية المحلية والفعاليات التراثية، كما أشارت الى أهمية الاستديوهات القديمة في تاريخ الدراما الخليجية.

واختتمت "الظاهري" مقالها بالتاكيد على أهمية الدراما الإماراتية في توثيق التراث ونقله للأجيال، ودعت الى تقديم دراما تضع الخارطة الفنية في واجهة التميز.

وفي ملف العدد: نقرأ لخالد صالح ملكاوي: "التراث الاماراتي مستنطقا عبر الشاشة الفضية"، ويكتب محمد نجيب قدوره عن:"هوية التراث الاماراتي في الاعمال الدرامية "، ونُطالع لعائشة علي الغيص: "بين التفاعل والتحديات.. استحضار التراث الإماراتي في الأفلام والمسلسلات والأعمال الدرامية.

ويرصد أحمد عبد القادر الرفاعي: "تجلّيات التراث في السينما الإماراتية: أفلام نجوم الغانم نموذجا". وينقل لنا محمد فاتح صالح زغل مشاهد:" في سيرة الماء.. والنخل والاهل" لناصر الظاهري، وهو الفيلم الفائز بـ 21 جائزة دولية، وترصد أماني إبراهيم ياسين: عوامل نجاح التجربة الإماراتية في التدريس بالدراما، وتحاور لولوة المنصوري الممثل والمخرج السينمائي ناصر اليعقوبي، حول أهمية الأفلام التسجيلية باعتبارها أرشيفا سينمائيا ومرجعاً للباحثين.

وفي الملف أيضاً، يكتب لنا أحمد حسين حميدان: " مرايا الدراما الإماراتية تعيد ملامح التراث الى الحياة المعاصرة "، فيما يثسلط عادل نيل الضوء على دور "الدراما التاريخية من الفن الى التثقيف".

ونُشاهد مع صالح كرامة العامري، الفيلم الوثائقي "سايرين الغوص"، وهو الوثائقي الذي يُعيد الحياة الى اعماق البحر، وناقش الأمير كمال فرج موضوع الشاعر كمصدر جديد لتطوير الدراما التلفزيونية، وذلك من خلال مقال حمل عنوان: "الماجد بن ظاهر.. فانتازيا تؤسس للدراما الشعرية في الإمارات".

وفي موضوعات العدد: يواصل عبد الفتاح صبري سلسلة مقالاته عن الباب بمقال بعنوان:"ذكريات أو ربما ذاكرة الباب "، كما يستكمل لمحمد فاتح صالح زغل سلسلة مقالات "في بيدار اللهجة الإماراتية فيما يطابق الفصيح"، وتُقدم لنا نايلة الأحبابي قصيدة "الوسمي" للشاعر أحمد بن سيف بن زعل الفلاحي، ونقرا للدكتور شهاب غانم قصيدة بعنوان:" في مولد النور "، وتُضيىء مريم سلطان المزروعي على"دلما عبق التاريخ وكنوز اللؤلؤ"، ويستعرض حمزه قناوي نشأة وتطور وتحولات فن الخط العربي، ويقرأ لنا خالد عمر بن ققه كتاب شهرزاد العربي "على جناح طائر" مُعتبراً إياه بأنه زاد تراثي عربي وعالمي.

وفي موضوعات العدد أيضاً: نُطالع إطلالة علي تهامي، على:"الحكايات الشعبية التركية"، حيث يؤكد لنا على أن الأسطورة تبقى دائما هي مصدر الحكايات الأدبية لدى الأتراك. ونتعرف من خلال مقال نورة صابر المزروعي الضوء على" الأبعاد الروحية لرقصة التنورة"، وتكتب شيخه الجابري"حلم لم يكتمل"، ويُحاور هشام ازكيض، الباحثة الأثرية نورة الكندي، حول خطط تأهيل معهد الشارقة للاعتناء بالمقتنيات الأثرية، وتُطلعنا مريم النقبي على سيرة الشاعر البدوي والمؤرخ الشعبي علي القصيلي المنصوري، وفي الصفحة الأخيرة تحكي لنا فاطمة حمد المزروعي عن "خروفة سحر القص".

يُذكر أن مجلة "تراث" هي مجلة تراثية ثقافية منوعة، تصدر عن هيئة أبوظبي للتراث، وترأس تحريرها شمسة حمد العبد الظاهري، والإشراف العام لفاطمة مسعود المنصوري، وموزة عويص وعلي الدرعي. والتصميم والتنفيذ لغادة حجاج، وشؤون الكتاب لسهى فرج خير، والتصوير لمصطفى شعبان.

وتُعد المجلة منصة إعلامية تختص بإبراز جماليات التراث الإماراتي والعربي الإسلامي، في إطار سعيها لأن تكون نزهة بصرية وفكرية، تلتقط من حدائق التراث الغنّاء ما يليق بمصافحة عيون القراء وعقولهم.

مقالات مشابهة

  • اتفاقية شراكة لـ20 عاماً.. روسيا وإيران تثيران مخاوف الغرب
  • درس غزة المنتصرة
  • الدراما التاريخية من الفن إلى التثقيف.. في العدد الجديد من مجلة «تراث»
  • هل تتفوق الصين على الغرب في صناعة السيارات؟
  • البرهان سيظهر لأمريكا وغيرها من بلاد الغرب صفحات أسد جديد
  • زيارة السوداني الى لندن: رسالة استقلال عراقية إلى الغرب
  • انطلاق فعاليات المنتدى المحلي للتنمية المستدامة بشمال سيناء
  • كورد قبورستان.. كشف بعض غموض وأسرار الحياة في أربيل التاريخية
  • #الحضارة_الزائفة
  • الضمير الإيراني العامري :لن يلغى الحشد ما دام السوداني يشتري أصوات الغرب بالمال العراقي