حزب العدالة والتنمية التركي والانتخابات المحلية.. النتائج والتداعيات
تاريخ النشر: 6th, April 2024 GMT
أجريت الانتخابات المحلية التركية في مقاطعاتها البالغ عددها 81 مقاطعة، وهي الانتخابات الثالثة من نوعها التي تجرى في عهد الرئيس "اردوغان"، وقد أظهرت نتائج هذه الانتخابات خسارة مدوية لحزب العدالة والتنمية مقابل حزب الشعب الجمهوري الذي تصدر المشهد؛ هذه النتيجة دفعت بالرئيس اردوغان في كلمة امام أنصاره بالإقرار بالخسارة متعهدا بالمحاسبة والمعالجة؛ الامر الذي يدفع الى التساؤل حول عوامل إخفاق الحزب في هذه الانتخابات وتداعياتها على مستقبله في الساحة السياسية التركية.
تراجع كبير في النتائج
حسب اللجنة العليا للانتخابات التركية فقد بلغت نسبة المشاركة 78,55% من عدد الناخبين الذين يحق لهم التصويت والبالغ 61 مليوناً و441 ألفاً و882 ناخب، كما أفرزت النتائج تصدر حزب الشعب الجمهوري المعارض المشهد، بحصوله على نسبة أصوات بلغت 37.76%، في المقابل حل حزب العدالة والتنمية في المركز الثاني بنسبة 35.48% ؛ كما حصل حزب الرفاه على المركز الثالث بنسبة 6.1%؛
وعلى مستوى المحافظات والبلديات تمكن حزب الشعب الجمهوري من السيطرة على بلديتي أنقرة وإسطنبول، حيث فاز أكرم إمام أوغلو أمام مرشح حزب العدالة والتنمية "مراد كوروم"؛ كما تم انتخاب "منصور يافاش" القيادي في حزب الشعب الجمهوري رئيسا للبلدية أنقرة؛
إضافة إلى ذلك، حصل حزب الشعب الجمهوري على رئاسة بلدية 36 مدينة ومحافظة – مقابل 20 بلدية فاز بها خلال سنة 2019- منها 15 مدينة كبرى و21 محافظة، حيث احتفظ الحزب بالبلديات الكبرى التي فاز بها عام 2019، مثل أزمير وأضنة ومرسين وأنطاليا إلى جانب إسطنبول وأنقرة ؛ كما تمكن الحزب من انتزاع 10 بلديات من حزب العدالة والتنمية؛
مقابل ذلك فاز حزب العدالة والتنمية برئاسة 23 بلدية منها 11 مدينة كبرى، و12 محافظة، وبذلك تراجعت حصة الحزب في عدد البلديات التي كان يسيطر عليها في انتخابات 2019 من 39 إلى 23؛ كما تراجع عدد المحليات التي يسيطر عليها حليف الحزب الحركة القومية من 11 بلدية إلى 8؛
إلى جانب ذلك، فاز ولأول مرة كل من حزب "الرفاه مجددًا" ذو التوجه الاسلامي وحزب "الجيد" برئاسة بلدية واحدة لكل منهما، كما رفع حزب مساواة وديمقراطية الشعوب رصيده من 8 (كان فاز بها الشعوب الديمقراطي) إلى 10 بلديات؛
وبمقارنة نتائج الانتخابات المحلية لهذه السنة مع تلك التي أجريت سنة 2019، فقد ارتفعت حصة البلديات الكبرى التي حاز عليها الحزب من 11 إلى 15، في المقابل انخفض عدد البلديات الحضرية التي فاز بها حزب العدالة والتنمية من 15 إلى 11 بلدية، كما انخفضت عدد المقاطعات التابعة للحزب إلى 13 بعد أن كانت 24، وأيضا انخفضت عدد المناطق إلى 360 بعد أن كانت 535؛ ونفس الامر فيما يتعلق البلديات بالفرعية أو بلديات أحياء المدن الكبرى حيث سجل تراجع في نتائج الحزب العدالة والتنمية من 19 إلى 8 من أصل 25 بلدية فرعية؛ وبذلك يبرز بشكل جلي تراجع نتائج حزب العدالة والتنمية مقارنة بالاستحقاقات الانتخابية التي خاضها منذ سنة 2002.
تحول في ميزاج الناخبين
من خلال النتائج المعلن عليها يبدو حدوث تحول في ميزاج الناخبين؛ فعلى مستوى توزيع الأصوات يمكن أن نسجل بعض الملاحظات، فيما يتعلق بالمعارضة، فقد صوت معظمهم لفائدة مرشحي حزب الشعب الجمهوري وذلك بغية قطع الطريق على مرشحي حزب العدالة والتنمية وحرمانهم من الفوز؛
في هذا الاطار، تراجعت أصوات باقي الأحزاب المعارضة وخصوصًا حزب الجيد، ففي إسطنبول على سبيل المثال عزز الصوت الكردي من فرص نجاح إمام أوغلو مقابل تخليه عن التصويت لمرشحة الحزب الكردي، "ميرال دانيش بشتاش"، أضف إلى ذلك، ساهم ضعف أداء حزب الخير (المعارض) في حفاظ حزب الشعب الجمهوري على قاعدته الانتخابية في إسطنبول.
وفيما يتعلق بأصوات الناخبين المؤيدين لحزب العدالة والتنمية فقد انقسمت بين فئتين، الفئة الأولى أرادت معاقبة الحزب الحاكم من خلال مقاطعة هذه الانتخابات، وقد برز ذلك بشكل واضح من خلال انخفاض نسبة المشاركة في العملية الانتخابية مقارنة بانتخابات 2019 حيث انخفضت النسبة إلى ما يقرب من 7 بالمئة وهو ما يعادل 6 مليون ناخب>
هذه النتائج تدعو إلى التأمل، فانخفاض نسبة المصوتين لفائدة حزب العدالة والتنمية مقارنة بالانتخابات السابقة تشير إلى عزوف واضح عن المشاركة بين أنصار الحزب مما يوحي إلى وجود رسائل تسعى القواعد الشعبية ايصالها للقيادة السياسية عبر صناديق الاقتراع مفادها رفض هذه القواعد للوضع الذي تشهده تركيا حاليا؛في هذا السياق يرجح ان يمثل كبار السن الشريحة الأكبر من المقاطعين، خاصة وأن هذه الشريحة تشكل الكتلة القوية التي تصوت عادة لفائدة حزب العدالة والتنمية، كما يعطي انطباع على وجود تقاعس لدى التيار الموالي لحزب العدالة والتنمية الناجم عن الشعور بالدعة نتيجة الاطمئنان على استمرار اردوغان والبرلمان في السلطة للسنوات الاربع القادمة مما منح هذه الفئة فرصة توجيه رسالة للرئيس وحزبه بضرورة تغيير السياسات القائمة من خلال مقاطعة الانتخابات.
أما فئة الثانية فهي التي اثرت التصويت لصالح حزب الرفاه ذو التوجه الإسلامي والذي يعد بديلا لبعض الناخبين عن حزب العدالة والتنمية، وهذا ما يفسر تراجع عدد الأصوات التي حصل عليها حزب العدالة والتنمية حيث انخفضت بأكثر من مليوني صوت (15.7 مليون صوت مقابل 18 مليون صوت في 2019)، رغم ارتفاع عدد المصوتين؛
عوامل إخفاق الحزب في الانتخابات
أكيد أن هذه النتائج تدعو إلى التأمل، فانخفاض نسبة المصوتين لفائدة حزب العدالة والتنمية مقارنة بالانتخابات السابقة تشير إلى عزوف واضح عن المشاركة بين أنصار الحزب مما يوحي إلى وجود رسائل تسعى القواعد الشعبية ايصالها للقيادة السياسية عبر صناديق الاقتراع مفادها رفض هذه القواعد للوضع الذي تشهده تركيا حاليا؛
فالعامل الاقتصادي كانت له تداعيات على توجهات الناخبين، خاصة مع استمرار الأزمة الاقتصادية رغم تعهد أردوغان في الانتخابات الرئاسية بأنه سيعمل على حلها، وانهيار الليرة التركية أمام الدولار الأميركي، وارتفاع نسبة التضخم وضعف القدرة الشرائية؛ والتراجع عن مسيرة تخفيض الفائدة التي كانت تهدف الحكومة إلى إلغائها بل تم تعيين شخص معارض لهذا التوجه في منصب وزارة المالية؛
إضافة إلى رواج أحاديث حول فساد في المحليات وفي مجال المقاولات وبناء المنازل في جنوب البلاد، ناهيك عن الخسائر الاقتصادية التي خلفها الزلزال الذي ضرب تركيا في 6 فبراير 2023، حيث سبق وأن صرح الرئيس أردوغان بأن خسائر هذا الزلزال تقدر بحوالي 104 مليارات دولار؛
لقد أرسلت النتائج الانتخابية برسائل إلى حزب العدالة والتنمية مفادها أن الشعب لا يريد مشاريع كبيرة ترهق جيبه وانما يريد تحسين الاقتصاد وان يشعر بذلك في جيبه ومصروفه وحياته وهو بمثابة اعلان عن رفض الإصلاحات والخطة الاقتصادية التي بدأ بها وزير المال والبنك المركزي القائمة على سياسة شد الاحزمة الصارم جداً؛ اضافة لعامل المسنين الحانقين على الحكومة بسبب عدم منحهم الزيادات المعاشية المطلوبة؛
إضافة إلى العامل الاقتصادي، يبرز عامل اخر يوازيه في الأهمية ويتمثل في تخلي الحزب عن مواقفه ومنطلقاته الأولى ويتمثل ذلك في عدد من المحطات؛ فضعف الموقف الرسمي الحكومي والحزب العدالة والتنمية من العدوان على غزة حيث لم يتماهى مع تطلبه الحاضنة الانتخابية من اتخاذ مواقف جريئة تناهض المحتل بل بالعكس من ذلك عمدت الحكومة التركية على إعادة العلاقات الدبلوماسية مع المحتل الإسرائيلي كما استمرت العلاقات التجارية بين الطرفين، الأمر الذي جرى على الحزب نقمة الاحتجاج مقاطعة أو إبطالا للصوت أو التصويت لأحزاب أخرى؛
حزب العدالة والتنمية وضرورة تصحيح المسار
إن إقرار الرئيس التركي رجب طيب بأن نتائج الانتخابات المحلية قد شكلت نقطة تحول، وتعهده بضرورة تصحيح الأخطاء التي قادت إلى أخفاق حزبه في هذه الانتخابات ودعوته قيادة الحزب إلى القيام بمراجعة وقراءة فاحصة لهذه النتائج وأسباب تخلف الملايين من أنصار الحزب عن المشاركة، لم يأتي من فراغ، فهو يدرك بأن هذه الانتخابات سيكون لها تداعيات مستقبلية سواء على المشهد السياسي أو على التحالف الذي يقوده أو حتى على الحزب الحاكم نفسه؛
لا أحد ينكر دور الرئيس التركي ومواقفه الإيجابية ووقوفه ضد الاستكبار العالمي ومناصرته لعدد من القضايا في ليبيا وأذربيجان وغيرها المؤيدة للشعوب وان تعارضت مع مصالح معتبرة لتركيا؛ ولا أحد يعترض على وجود إكراهات تحاصر دولة مثل تركيا، فلا زالت الحمولة الأتاتوركية العلمانية، ومخلفات الإرث الاستعماري الغربي تفرض عليها عدم تجاوز أدوار مرسومة سلفا تبقيها مقيدة باتفاقات سياسية وعسكرية واقتصادية وتحاصرها بعضوية الناتو؛ لكن ما يعيشه حزب العدالة والتنمية اليوم مثل تراجعا عن توجهاته السابقة، وقد ظهر ذلك جليا في عدة محطات أبرزها الملف الاقتصادي؛ إضافة إلى بروز مشاكل أخرى من قبيل التعامل المتسامح مع موجة العنصرية الداخلية، ويكفي أن نشير في هذ السياق إلى حوادث عنصرية ضجت بها مواقع التواصل الاجتماعي، مما اضطر معه أزيد من ربع مليون مقيم بصفة قانونية إلى مغادرة تركيا؛ إلى جانب تراجع الحزب عن استخدام حق الفيتو ضد انضمام السويد إلى الناتو بالرغم من إصرار على حرق المصحف.
إن إقرار الرئيس التركي رجب طيب بأن نتائج الانتخابات المحلية قد شكلت نقطة تحول، وتعهده بضرورة تصحيح الأخطاء التي قادت إلى أخفاق حزبه في هذه الانتخابات ودعوته قيادة الحزب إلى القيام بمراجعة وقراءة فاحصة لهذه النتائج وأسباب تخلف الملايين من أنصار الحزب عن المشاركة، لم يأتي من فراغ، فهو يدرك بأن هذه الانتخابات سيكون لها تداعيات مستقبلية سواء على المشهد السياسي أو على التحالف الذي يقوده أو حتى على الحزب الحاكم نفسه؛إلى جانب ذلك، تم تسجيل تراجع مهول في مواقف الحزب تجاه القضية الفلسطينية، الأمر الذي لا ينسجم مع المبادئ والمنطلقات الأولى التي شيد على أساسها الحزب، كما أنها لا ترقى إلى مستوى التصريحات الصادرة عن مسؤوليه والداعم للقضية الفلسطينية.
إن الاستقبال الاحتفالي لرئيس دولة الكيان المحتل واستمرار العلاقات التجارية والتعامل غير المفهوم وغير المبرر والمتسامح مع خلايا الموساد المكتشفة، وتعطيل تسيير قوافل سفن الحرية الداعمة والمساندة لصمود الشعب الفلسطيني، والاكتفاء بالتصريحات التلفزية بين الفينة والأخرى؛ حتى أن مواقف الحزب لم ترقى إلى مستوى مواقف دول مثل جنوب إفريقيا وكولومبيا والبرازيل أو حتى دول من أوروبا مثل بلجيكا وإسبانيا؛ قد شكلت نكسة للقاعدة الشعبية التي تعاطفت وأيدت الحزب انطلاقا من مبادئ المناصرة لقضايا الشعوب الإسلامية وخاصة القضية الفلسطينية، كما شكلت في الان ذاته طعنة في خصر شعوب المنطقة وهو ما صرح به قادة حماس أكثر من مرة ؛
وبذلك تكون نتائج الانتخابات الحالية قد أرسلت رسالة من القواعد الشعبية إلى حزب العدالة والتنمية مفادها أنه أمام منعطف كبير وإذا لم يستطع لملمة أوراقه بشكل سريع، فقد لا يختلف مصيره عن مصير حزب الوطن الأم الذي أسسه تورغوت أوزال، واندثر وغاب عن المشهد السياسي.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الانتخابات نتائج تركيا تركيا انتخابات رأي نتائج مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة حزب العدالة والتنمیة الانتخابات المحلیة حزب الشعب الجمهوری نتائج الانتخابات هذه الانتخابات هذه النتائج عن المشارکة أنصار الحزب إضافة إلى الحزب عن إلى جانب فاز بها من خلال أن هذه
إقرأ أيضاً:
هل يمكن لترامب خسارة الانتخابات مع السيطرة على البيت الأبيض؟
كيف يمكن للرئيس السابق دونالد ترامب، الذي رفض قبول خسارته في انتخابات 2020 وقد يرفض قبولها أيضًا هذا العام، أن يفرض طريقه نحو مراكز السلطة في الولايات المتحدة، خطوة بخطوة.
وقبل أربع سنوات، وبينما كانت وسائل الإعلام الأمريكية تعلن بالإجماع فوز الرئيس الحالي جو بايدن، أقسم دونالد ترامب أنه الفائز الحقيقي وادعى بوجود تزوير في الانتخابات، وهي مزاعم لم يُعثر لها على أي دليل حتى الآن.
وقالت مراسل الأخبار الأجنبية بار شيفر، في تقرير نشرته صحيفة "معاريف" الإسرائيلية: إن "ترامب حاول كل شيء للتشبث بالسلطة وسحب البلاد إلى فوضى من الاشتباكات العنيفة التي أدت إلى مقتل خمسة من رجال الشرطة وأربعة من مثيري الشغب في اقتحام الكابيتول في السادس من كانون الثاني/ يناير 2021، وعودته إلى الساحة السياسية أعادت مشاعر القلق بين معارضيه السياسيين وقسمت الشعب الأمريكي إلى نصفين: هل ستصبح سنة 2025 إعادة لبث أحداث 2021؟".
وأضافت شيفر أن "المقابلات التي أجراها مقربون منه في وسائل الإعلام وتصريحات ترامب نفسها تشير إلى أنه قد يرفض قبول نتائج الانتخابات الحالية، بل إنه هو وأنصاره يعبدون الطريق لذلك بالفعل".
وفي مقابلة مع صحيفة "بوليتيكو" تيم هافي، الذي قاد التحقيق في محاولات ترامب للتلاعب بنتائج الانتخابات في إطار لجنة تحقيق الكونغرس لأحداث السادس من كانون الثاني/ يناير إن "التهديد موجود". لكن عام 2024 ليس عام 2020، فقد تطورت طرق عمل ترامب وأصبحت أكثر تركيزا وتطرفا.
وبعض الأدوات التي هدد باستخدامها سابقا لتعطيل انتقال السلطة لبايدن لم تعد تحت سيطرته؛ الجيش ووزارة العدل في أيدي الرئيس بايدن، بالإضافة إلى ذلك، يحتاج ترامب إلى حلفاء يفوزون في الانتخابات ليتمكنوا من العمل باسمه.
ولإبطال هزيمته أمام المرشحة الديمقراطية، كامالا هاريس مثلاً، سيحتاج ترامب إلى دعم واسع من كبار قادة الحزب الجمهوري في الكونغرس، الذين لم يوافق بعضهم على التعاون معه حتى قبل أربع سنوات.
في ذلك الوقت، في عام 2021، قادته محاولته الأولى لقلب نتائج الانتخابات واستغلال الثغرات في النظام الديمقراطي إلى قيام الحزب الأزرق بتحديث قانون فرز الأصوات الانتخابية لإجبار الأطراف السياسية على قبول نتائج الانتخابات المعتمدة من حكومات الولايات، بمعنى آخر، لجعل "سرقة الانتخابات" أكثر صعوبة.
ويدخل ترامب سباق الانتخابات الحالي بخبرة من فشله الأخير، ومنصب الرئاسة له أهمية خاصة بالنسبة له الآن: إذا خسر، من المتوقع أن يواجه العديد من الدعاوى الجنائية التي قد تستمر لسنوات طويلة، وإذا فاز، فمن المرجح أن يتم تأجيل أو إلغاء هذه القضايا.
وقال عضو الكونغرس جيمي راسكين، الذي كان جزءًا من لجنة التحقيق في أحداث السادس من كانون الثاني/ يناير: "لا أحد يعرف بالضبط ما سيكون هجوم ترامب على النظام الانتخابي في 2024.. ماذا سيفعل هذه المرة؟".
ووفقًا للمشرعين ومحققي الكونغرس وناشطي الحزب والمسؤولين الانتخابيين وخبراء القانون الدستوري، تشمل خطوات ترامب وأنصاره: تعزيز الشك في نتائج الانتخابات من خلال مزاعم كاذبة ومبالغات بشأن عمليات تزوير واسعة النطاق، وتقديم دعاوى قضائية تهدف إلى إلغاء عدد كافٍ من الأصوات لتغيير النتائج في الولايات الحاسمة.
وتتضمن خطوات ترامب المتوقعة "ممارسة الضغط على المسؤولين المحليين وحلفاء الولايات لرفض التصديق على نتائج الانتخابات - وهي خطوة عديمة الجدوى لكنها قد تشجع المشرعين الجمهوريين المنتخبين في الكونغرس على ممارسة ضغط عكسي"، إضافة إلى "دعوة المشرعين في الولايات الحاسمة التي يسيطر عليها الجمهوريون لتعيين ناخبين بديلين للرئاسة".
ويأتي هذا بالإضافة إلى "الاعتماد على الجمهوريين في الكونغرس للموافقة على هؤلاء الناخبين البديلين - أو على الأقل رفض الناخبين الديمقراطيين - عندما يجتمعون للمصادقة على نتائج الانتخابات، ومحاولة منع هاريس من الحصول على 270 صوتا انتخابيا مطلوبًا للفوز، مما سيحول القرار إلى مجلس النواب، حيث قد يمنح الجمهوريون ترامب الفوز".
وقالت الكاتبة الإسرائيلية إن "بعض عناصر حملة غير تقليدية كهذه موجودة بالفعل، صرح ترامب أنه ينوي إثارة الشكوك حول نتائج الانتخابات، وادعى أن الطريقة الوحيدة التي يمكن أن يخسر بها هي إذا قام الديمقراطيون بالغش - على الرغم من عدم وجود أي دليل على تزوير كبير في 2020 أو الآن في 2024".
ووزع أنصار ترامب أنصاره لمثل هذه الرسائل، فيما غادر العديد من المسؤولين الذين عارضوه قبل أربع سنوات مناصبهم وحل محلهم أشخاص يرتبطون به، في هذه الأثناء، تزايدت التهديدات ضد مسؤولي الانتخابات وتنامت المخاوف من اضطرابات مدنية - سواء في مواقع الاقتراع، أو في منشآت فرز الأصوات، أو في حفلات المصادقة على الأصوات الانتخابية - مما قد يسهل على أي حملة تهدف لعرقلة نتائج الانتخابات.
حلفاء ترامب يدّعون أن الرئيس السابق يركز حاليًا على الفوز بالانتخابات بوسائل عادلة، وأنه لم يضع خططًا لسيناريو ما بعد الانتخابات في حال فوز هاريس. في المقابل، رفض ترامب مجددًا الالتزام بنقل السلطة بشكل سلمي في حال الخسارة.
هناك احتمال أن ترامب وحلفاءه قد لا يبذلون جهودًا واسعة لإلغاء هزيمته في الانتخابات، خصوصًا إذا حصلت هاريس على فوز كاسح، ما قد يجعل من الصعب على ترامب حشد الجمهوريين إلى جانبه. (في حال فوز ترامب، لا يتوقع أحد تحركًا مماثلًا من الديمقراطيين لقلب النتيجة). لكن وفقًا لجميع الأطراف الانتخابية، المشرعين وحلفاء ترامب، هناك شيء واحد مؤكد: في ليلة الانتخابات، بغض النظر عن النتائج، وعن عدد الأصوات التي لم تُحسب بعد، وعن المستشارين الذين قد ينصحونه بالعكس – سيعلن ترامب نفسه منتصرًا.
الخطوة الأولى لترامب ستكون الاستمرار في ما بدأه بالفعل: إذكاء الشكوك العميقة وغير المستندة إلى أي حقائق حول نزاهة الانتخابات. يزعم ترامب بوجود تزوير واسع النطاق من قبل الديمقراطيين، مدعياً أنهم يسجلون آلاف المهاجرين غير الشرعيين ويطلبون منهم التصويت بشكل غير قانوني. كما يشكك في قدرة خدمات البريد على معالجة الأصوات المرسلة عبر البريد، محاولًا تعطيل ميزة الديمقراطيين في هذا الشكل من التصويت.
حلفاؤه في الكونغرس وفي الولايات دعموا هذه المزاعم، وتلقوا الدعم الصريح من إيلون ماسك، الرئيس التنفيذي لمنصة "إكس" (تويتر سابقا)، الذي قام بنشر شائعات ونظريات مؤامرة إلى 200 مليون من متابعيه. ويعتقد الخبراء المستقلون أن ترامب لا يسعى فعليًا إلى تصحيح التزوير - لأنه لا يوجد دليل على مزاعمه - ولكنه يسعى لتهيئة الساحة لخطوات جذرية ضد النتائج في المرحلة التالية، التي تؤدي إلى يوم التنصيب في 20 يناير 2025.
قالت السيناتورة الديمقراطية بريا سوندرشان: "أعتقد أنهم يزرعون الشكوك. إنهم يحضرون الأرضية لنتيجة قد لا ترضيهم ومن ثم يجدون كبش الفداء لإلقاء اللوم عليه".
في حدث عقد مؤخرًا، وصفت وزيرة خارجية ميشيغان، جوسلين بونسون، ادعاءات ترامب حول الناخبين غير الشرعيين بأنها "أسطورة"، لكنها أشارت إلى أن "البذور قد زُرعت" لزعزعة ثقة الجمهور في نتائج الانتخابات.
وتظهر الاستطلاعات أن بين الجمهوريين هناك مستوى مرتفع من عدم الثقة في نتائج فرز الأصوات في 2024. هذا الشك الحزبي يشكل خلفية للمرحلة التالية: إجراءات التصديق على النتائج على مستوى المناطق والولايات.
ويُعتبر هذا الإجراء من الخطوات الأولى للتحقق من صحة نتائج الانتخابات. في 2020، ضغط ترامب على المسؤولين الانتخابيين في الولايات والمقاطعات لرفض التصديق على النتائج، لكنه فشل في معظم المحاولات. منذ ذلك الحين، نجح حلفاؤه في الفوز بمقاعد في مجالس الانتخابات في ولايات حاسمة قد تقرر نتائج الانتخابات القادمة. في هذه الأجواء، من السهل تخيل سيناريو خطير.
وفي إحدى الولايات الحاسمة، تستمر عملية فرز الأصوات لعدة أيام. تكون هاريس متقدمة على ترامب بعدة آلاف من الأصوات وتبدو وكأنها الفائزة. يشن ترامب حملة واسعة يتهم فيها الديمقراطيين بسرقة الأصوات. أعضاء مجالس الانتخابات في بعض المقاطعات يرفضون التصديق على النتائج، مما يهدد بحرمان الآلاف من الناخبين ويعرقل إكمال الفرز في الولاية.
يؤكد المسؤولون الكبار أن المجالس المحلية والولائية التي ترفض التصديق لن تتمكن من منع اعتماد النتائج. "سنتوجه فورًا إلى المحكمة"، قال سكرتير ولاية بنسلفانيا، آل شميدت. في الولايات الحاسمة، يمكن للمسؤولين الانتخابيين طلب تدخل قضائي لإجبار المجالس المعارضة على التصديق على النتائج.
ومع اقتراب الانتخابات، قدم الطرفان عشرات القضايا في مختلف أنحاء البلاد لضمان التفوق في إجراءات التصويت. ستحدد هذه القضايا الأصوات التي سيتم احتسابها. لكن في حالة خسارة ترامب، من المتوقع ظهور فئة جديدة من الدعاوى القضائية.
مجلس النواب الجمهوري
ومع افتراض أن الجمهوريين سيواصلون السيطرة على مجلس النواب. سيضغط ترامب على الهيئات التشريعية في ولايات مثل ويسكونسن، جورجيا، وكارولينا الشمالية لإرسال مجموعة بديلة من الناخبين تدعمه. قد ينتهي هذا السيناريو بأن يستغل رئيس مجلس النواب، الذي يخضع لسيطرة الجمهوريين، نفوذه لتأخير أو تغيير تحديد النتيجة.
إذا لم يتم تحقيق الأغلبية بـ270 صوتًا انتخابيًا، سيتم إجراء تصويت طارئ في مجلس النواب، حيث يكون لكل وفد ولاية صوت واحد. حاليًا، يملك الجمهوريون الأغلبية في 26 وفدًا، مما يمنحهم الأفضلية في اختيار الرئيس.
يستعد الديمقراطيون بالفعل لهذا السيناريو، في حال ظهور نتيجة متقاربة. وسيتطلب ذلك تعاونًا واسعًا بين حلفاء ترامب في جميع مستويات الحكم، وسيكون عرضًا قويًا للقوة أكثر بكثير مما كان عليه في عام 2020. "إذا كان الناس مستعدين لتجاهل القانون وإعلان شخص ما فائزًا، فإننا نتحدث عن انقلاب فعلي"، قال ريك هاسن، الخبير في القانون الدستوري والانتخابات.