عربي21:
2025-03-04@12:01:44 GMT

قراءة سياسية في عبادة الصيام

تاريخ النشر: 6th, April 2024 GMT

عندما نضع الصيام في سياق العبادة في الإسلام نجد أن العبادة وسيلة تحقق غايات عليا في الحياة أهمها تحرير الانسان من كلّ ما يحول بينه وبين ممارسة دوره الكامل في الحياة، والإنسان صاحب الإرادة الحرّة هو وحده القادر على ممارسة دوره دون أن يكبّل هذا الدور أيّ شيء سواء كان ذلك عاملا داخليا أو خارجيا، فهو متحرّر من آصار وأغلال قد تكون داخل نفسه أو كمؤثر من خارج هذه النفس، فكونه عبدا لله تعني أنه تحرّر من كلّ شيء سوى الله، ولا شكّ بأنّ الله الذي أمر هذا الإنسان أن يكون عبدا له يريده متحرّرا من أيّ خضوع أو تبعية أو خوف أو قلق أو توجّه أو أن يحسب حسابا لأحد غيره، فهو الحرّ الذي يتمتّع بالحرية التي تؤهله لدخول المعترك السياسي بكفاءة عالية قوامها الحرية.



وهو بذلك يتمتع بحريّة كاملة تامّة تؤهله بأن يطلق كلّ طاقاته وإبداعاته دون أن يكون هناك ما يعيق أو يضعف أو يكبّل إرادته التي حرّرتها العبادة لله من كلّ شيء لا ينسجم مع هذه العبادة.

هذه واحدة لها علاقة مباشرة بتفعيل المسلم تفعيلا كاملا غير منقوص في كل الميادين، من أهمّها الميدان السياسي فلا يعقل أن تنتج العبادة الإرادة الحرّة ثم لا تأخذ دورها في هذا الميدان الهامّ. ثمّة عبادة الصوم بالتحديد تأتي لتحرّر المسلم من الخضوع لشهواته وأهوائه ومن نفسه الأمّارة بالسوء وكلّ ما يعطّل هذه النفس من القيام بدورها الإيجابي في الحياة، وهنا نرى كتحصيل حاصل أن هذه العبادة ستقوم بفعلها الذي يطلق كلّ طاقاته وينشّط كلّ قدراته في ميادين الحياة كافّة والتي من أهمها الميدان السياسي.

وهو بدءا من شهواته مرورا بأهوائه ورغباته وطبائعه واهتماماته وانتهاء بقدراته الروحيّة والعقلية ينقله من موقع العبد الخاضع لشهوته أو الخاضع لأهواء غيره من البشر إلى موقع السّيد الحرّ المتصرّف بحكمة ورشد، ففرق شاسع بين من يكون سيّدا على شهواته ورغباته وبين من يكون عبدا لها، الاوّل يخرج من الدوران في فلك الذات الضيّقة إلى حيث القضية التي تدور أمّته في فلكها، وبالتالي هو صاحب الكفاءة العالية ليمارس دوره السياسي، بينما الاخرون يجدون أنفسهم يدورون في فلك الأشياء لتموت بهم القضية أو يدورون في فلك الأشخاص فيتحوّلون من أمّة حية إلى أمة مريضة، وهذا للأسف هو حال الامّة في زمن الغياب الحضاري إذ يضيع دورها بما تتمتّع شعوبها من حالة من الدوران حول الأشياء أو الأشخاص بعيدا عن الدوران حول الأفكار التي تصنع منهم أمّة حيّة (د. ماجد عرسان كتاب فلسفة التربية الإسلامية) قادرة على ممارسة دورها السياسي بحرية واقتدار.

العبادة ممارسة عملية كي تنقلنا من الأشياء والأشخاص إلى الأفكار، تبدأ بالاقتناع بالفكرة ثم تعمّق الإحساس بها إلى الدرجة التي تخرجه من دوائر الأشياء والأشخاص وبالتالي يمارس قيم الدين بحريّة واقتدار بعيدا عن آصار وأغلال الأشياء والأشخاص.

لا يمكن الفصل بين العبادة ومظهرها السياسي إلا عند من أرادوا بعلم أو جهل تقزيم هذه العبادة وحرفها عن تحقيق أهدافها كاملة غير منقوصة.ثمّ إنّ تحديد الهدف المركزي والاستراتيجي من الصيام وهو (لعلّكم تتقون) وقد جاء بصورة الجماعة كما هو حال التكليف في الإسلام كي تخرج من دائرة التقوى الفردية وتنتقل من إنتاج إنسان التقوى إلى إنتاج مجتمع التقوى وأمّة التقوى، وهذا التزام كبير يجعل منها أمّة واحدة ذات قضيّة واحدة، فالقضيّة الفلسطينية مثلا واحتلال القدس والمسجد الأقصى يجعل من صميم تقوى الأمّة أن تكون هذه القضية هي قضية المسلمين أجمعين وأن إيلاءها ما تستحق من اهتمام وواجب والتزام هو من صميم قيمة التقوى التي جاء الصيام ليحقّقها ويرفع من شأنها كي تكون فعلا هي القضية المركزية لكلّ المسلمين، وهنا نجد أنه لا يمكن الفصل بين العبادة ومظهرها السياسي إلا عند من أرادوا بعلم أو جهل تقزيم هذه العبادة وحرفها عن تحقيق أهدافها كاملة غير منقوصة.

وكذلك لا يعقل هذا الفصل النكد بين تقوى المجتمع كقيمة عليا عليها أن تحقّق قيم الحريّة والعدالة والسيادة والكرامة والحياة الصالحة بكلّ ما تعنيه من أبعاد بينما هناك طغمة مستبدّة تتبع سياسة المستعمر وتخضع شعوبها لهذه السياسات وطريقه لذلك مصادرة هذه القيم واستبدالها بقيم الاستبداد من ظلم وفساد ومصادرة للحرية والكرامة، فأوّل ما تصنعه العبادة في الإسلام حرية وسيادة الانسان، ومعروفة قصة القبطي الذي شكى ظلم الوالي فعقد له الخليفة عمر المحاكمة في العبادة يوم عرفة في الحج، لأن العبادة والعدالة صنوان وأن من يركع لله لا يمكن ان نُركّعه لحكّام يركعون للمستعمر كي يحفظ لهم سلطانهم، وكانت كلمة عمر الخالدة: " متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا".

وهكذا وبشكل عملي وواعي تأخذ العبادة بأيدينا إلى عملية تحرير شاملة من عبادة العباد وعبادة الأشياء إلى فضاء حرّ ورحب يمارس فيه المسلمون الحياة الحرّة الكريمة بكل أبعادها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية بما يحقّ لهم استقلالهم وسيادتهم الكاملة غير منقوصة بأيّ حال من الأحوال، وانتصارهم الكامل لقضيتهم المركزية فلسطين، هذا إذا فقهوا : خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا، وكما قال عليّ رضي الله عنه: " لا خير في عبادة لا فقه فيها ولا خير في تلاوة لا تدبّر فيها".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الصيام رأي رمضان صيام معاني مدونات مدونات مدونات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة هذه العبادة فی الإسلام

إقرأ أيضاً:

لماذا فرض الله صيام رمضان؟.. احذر إفطار هذا اليوم يعرضك لوعيد شديد

جاءت الإجابة عن استفهام  لماذا فرض الله الصيام في رمضان ؟ في قوله تعالى: «يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ» الآية 183 من سورة البقرة، عن تفسيرها قال مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، إن الآية الكريمة تتحدث عن فرضية الصيام، وتبين لماذا فرض الله الصيام في رمضان ؟.

دعاء بعد الفجر في رمضان.. 3 آيات من سورة البقرة تعجل زواجكهل تأخير الاغتسال من الجنابة في رمضان إلى بعد الفجر يبطل الصيام؟لماذا فرض الله الصيام في رمضان

وأوضح «مركز الأزهر» لماذا فرض الله الصيام في رمضان ؟ ، في شرحه للآية الكريمة، أنه سبحانه وتعالى يقول يا أيها الذين آمنوا بالله وصدقوا رسوله صلى الله عليه وسلم قد فرض الله عليكم الصيام كما فرضه على الأمم قبلكم؛ ومعنى هذا أن الصيام عبادة قديمة لم يترك الله تعالى أمة من الأمم السابقة إلا افترضه عليها، لعلكم تتقون ربكم، فتجعلون بينكم وبين المعاصي وقاية بطاعته وعبادته وحده لا شريك له.

وتابع: فقد اُفْتُتِحت الآية الكريمة بنداء المؤمنين، الصادقين في إيمانهم، الموقنين بربهم، المخلصين في عبادتهم، لإثارة انتباه أسماعهم، وتشويق نفوسهم إلى ما يُلْقى على قلوبهم، من أوامرٍ إلهية، وهداياتٍ ربَّانية، فتقع منهم موقع الجِدِّ والامتثال،{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}.

فرضية صيام شهر رمضان

وأفاد بأن الآية بيَّنت ماهية الأمر الإلهي، وهو فرضية صيام شهر رمضان المبارك{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ}، والكتابة هنا: بمعنى الفرض، أي إن صيام رمضان فريضة على كل مؤمن ومؤمنة، بالغٍ، عاقلٍ، مُقيمٍ، صحيحٍ، خالٍ من الأعذار المبيحة للإفطار، لا يحل إفطاره دون عُذْر شرعي، والصِّيام: هو الامتناع عن شهوتي البطن والفرج في نهار رمضان.

وأضاف أن الصوم عبادة من أَجَلِّ العبادات وأعظمها ثوابًا، حيث اختص الله تعالى بتقدير ثواب الصائم فقال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «يَقُولُ اللهُ تعالى: الصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَأَكْلَهُ وَشُرْبَهُ مِنْ أَجْلِي».

ينقص ثواب الصيام

وأكد أن من صامه إيمانًا بالله ورسوله، واحتسابًا لأجره وثوابه عند الله - عز وجل - لا رياءً ولا سمعةً، محافظًا عليه مما يُنْقص ثوابه، من الغيبة والنَّميمة، وأكلِ أموال الناس بالباطل، غفر الله له ذنوبه، وأعدَّ له الثواب الجزيل، في جنات النعيم، ودخَلَها من بابٍ يقال له باب الرَّيَّان، لا يدخل منه إلا الصائمون المحتسبون.

من أفطر يوما واحدا في رمضان

وواصل: أما من أفطر يومًا واحدًا في نهار رمضان، جهارًا نهارًا، دون عُذْرٍ شَرْعي، وانتهك حُرْمة هذا الشهر الفضيل، لا يُعوِّضه صيام الدَّهر كلِه، لفضل الزَّمان وعظمته، واستحق اللعن والغضب من الله - عزَّ وجل -، والوعيد الشديد يوم الحساب.

الصِّيام ليس عبادة خاصة بالأمة المحمدية

وأشار إلى أن الصِّيام ليس عبادة خاصة بالأمة المحمدية، وإنما فُرِض على كثيرٍ من الأمم السابقة، { كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ }أي: كما فُرِض على الذين من قبلكم من الأمم السابقة، وذلك لأهمية الصيام في حياة الأمم والشعوب، إذ به تُربى النُّفوس على العزيمة والإصرار، وقوةِ التَّحمُّل وقت الأزمات والشدائد، والصبر على الجوع والعطش، في السِّلم والحرب، ويشعر الغني بحاجة الفقير والمسكين، والقوي بالضعيف، وتصفو الأرواح، وتزداد تعلقًا ببارئها وخالقها، في شهر الصيام، شهر القرآن والذكر والتسبيح.

الثمرة المرجُوَّة من الصيام

وختمت الآية الكريمة بالحديث عن الثمرة المرجُوَّة من الصيام، والغاية النَّبيلة منه، وهي تحقيق تقوى الله في نفس الصائم،{ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، والتقوى: من الوقاية، أي وقاية المؤمن من الوقوع فيما يُغْضب الله - عزَّ وجل -، فهي: فعل كل ما أمر الله عزَّ وجل به، والانتهاء عما نهى الله عنه.
فيخرج المؤمن من شهر رمضان، مُزوَّدًا بشُحْنةٍ إيمانيةٍ ربانيةٍ، يستنيرُ بها في سائر الشُّهور، ويستضيء بها في دُروب حياته، وأشواكها، ويستعين بها على فعل الطاعات، ونيل الدرجات، وترك المنكرات.

وحذر مما يفعله بعض المسلمين من الإقبال على الطاعة والعبادة في شهر الصَّوم، ثم الانقطاع عنها بمجرد انقضاء هذا الشهر الفضيل، فهو سلوك يتنافى مع الثمرة المرجُوَّة من الصِّيام وهو غرس التقوى في نفوس المؤمنين طيلة العام، وديمومة العبادة واستمرارها وإن قَلَّت. {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر: 99]. أي حتى يأتيك الموت.

شرع الإسلام لهذه الفريضة قانونها الخاص

ونبه إلى أنه قد شرع الإسلام لهذه الفريضة قانونها الخاص بها، من شروط وأركان وسنن ومندوبات إذا روعيت فيها صحت تلك العبادة وكملت.

وواصل: ولكل عبادة محظورات ومكروهات لا بد من معرفتها؛ لتجنبها، فإذا وقع فيها محظور بطلت، وإذا وقع فيها مكروه جنح بها عن الكمال، وكذا في كل عبادة أمور مباحة ترْكُها وفِعْلُها سواء في عدم الضرر والتأثير، لذلك كان على المكلَّف التمييز بين هذه الأمور التي تعرض لهذه العبادة -عبادة الصوم- حتى يحققها على الوجه الذي يرضى عنه الله تعالى، فيحصل بها الإجزاء في عالم الدنيا، والثواب الجزيل في الآخرة.

مقالات مشابهة

  • مدير الأروقة بالجامع الأزهر: الصيام عن المعاصي جوهر العبادة في رمضان
  • تحالف العزم:وزير الصناعة فاشل والعراق ما زال يعتمد على الإستيراد لأبسط الأشياء
  • لماذا فرض الله صيام رمضان؟.. احذر إفطار هذا اليوم يعرضك لوعيد شديد
  • مختار جمعة: الصيام عبادة خالصة لله.. وفضائله تُعادل أجر الحج
  • بالفيديو.. هبة النجار: الصيام عبادة تهذب النفس وتحقق التقوى
  • مفتي الجمهورية: الصيام عبادة شاملة تهدف إلى ترسيخ قيم الأخلاق والسمو الروحي لدى الإنسان| فيديو
  • شاهد| أهمية التقوى
  • أحمد عمر هاشم: شهر رمضان شهد أعظم الانتصارات في التاريخ الإسلامي
  • مفتي الجمهورية: عبادة الصيام هي سر بين العبد وربه
  • رمضان 2025.. عالم أزهري يوضح الحكمة من عبادة الله وخلق البشر |فيديو