يكتب الشعر من دون ضجيج، يكتبه لأنه يحبه، لم يمتهنه ولم يسترزق منه، ولم يصبح نجماً إعلامياً، حيث لم يحظَ باهتمام الماكينة الإعلامية الفلسطينية في السبعينيات، ولم ينضم للوبيات الثقافية في تلك المرحلة.. وغاب عنه الإعلام عندما عاد من الخليج.. عاش حياته المهنية في الإدارة والتربية واستقرّ في دمشق من غير ضجيج.



هو قامة شعرية، لكن ظلّها لم يمتدّ كما تستحق.. مضامينه رقيقة وقوية وحنونة وحاسمة وواضحة ومباشرة، هادئة وصادمة.. مبدعة بالاستعارات والمجازات.. تسكنه فلسطين أينما حلّ ورحل. كتب للعودة والهوية والقدس واللاجئين والمخيم وأزقته.. وعن الثورة حتى النصر وعن المقاومة حتى التحرير..

التقيته أكثر من مرة في مكتب مؤسسة فلسطين للثقافة في دمشق.. مع صديقه الشاعر صالح هواري (راجع مقالنا عنه في هذا الموقع) وكان يقتصر الحديث على السلام والكلام العابر.. وشاركتُ معه في مهرجان شعري في مثل هذه الأيام من العام 2008، بمناسبة "أسبوع الأرض" في جامعة دمشق، برعاية وزير الثقافة السوري.

إنه الشاعر محمود رضا حامد

ولد في عام 1941 في صفد بفلسطين. واقتلعت عائلته منها في عام 1948، فتهجروا وهاجروا ولجأوا إلى سورية واستقروا في دمشق.

درس المراحل الابتدائية والثانوية في مدارس دمشق، وحصل على شهادة الثانوية العامة فيها، والتحق بالجامعة ونال الإجازة في الآداب من قسم اللغة العربية جامعة دمشق.

عمل بعد تخرّجه مدرساً بثانويات دمشق، حتى عام 1967، حيث أوفد إلى الجزائر كعضو بالبعثة التعليمية السورية إلى الجزائر، وبقي فيها حتى عام 1969. وانتقل للعمل في المملكة العربية السعودية، حيث بقي فيها عشرين سنة متنقلاً من التدريس، إلـى مساعد مدير مدارس الدوحة السعودية (1970 ـ 1972)، ومسؤول إداري في شركات فرنسية عاملة في المملكة (1975 ـ 1990).. ثم عاد إلى دمشق.

لكن عمله لم يقتصر على التدريس في السعودية، فقد اشتغل بالصحافة والإعلام في مؤسسة اليمامة الصحفية (1972 ـ 1985) وفي الوكالة الفرنسية لتطوير التلفزيون السعودي (1980 ـ 1985)، وفي جريدة الشرق الأوسط ومجلة المجلة العربية (1985  ـ  1990).

في دمشق، عاد لينخرط مجدداً في النشاط الثقافي، فثبّت عضويته في اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين بدمشق، واتحاد الكتاب العرب بدمشق، وتسلم مهمة أمين سر جمعية الشعر في اتحاد الكتاب العرب في دمشق.

كتب المقالة والأبحاث والشعر، وحصل على الجائزة الأولى في مهرجان الشعر الثالث في دمشق عام 1965، وفي مهرجان عنّابة في الجزائر عام 1968. جائزة القدس في بيروت 2010.

محطات مهمة

التقى في السبعينيات بأم كلثوم، واتفقا أن تغني له قصيدة أسمعَها إياها.. ولكن لم تتسع الأيام لها، يقول في القصيدة:


                                            محمود حامد وأم كلثوم

حَلِمَت بكَ الأيام قبل المولد            ..                 يا طائر الشوق المسافر في غد
عمري تفتح في لقاك حدائقاً           ..                 والعطر فاح غداة نمت على يدي
وصباه كالنيل اشتياق للهوى          ..                 عاش الحياة وليس غيرك يقتدي
عد ياحبيبي إن عمري ليلة                ..                  كنتَ الهدى فيها وكنت المهتدي

يقول حامد: توفيت أم كلثوم ولم أعطِ قصيدتي لأحد ولن أعطيها.. وهذا عهد بيني وبينها.

وحين قرأ الفنان البحريني المثقف خالد الشيخ، قصيدته «أروع العشق ما تلاه اعتذار» وهي في مجموعة صادرة عن اتحاد الكتاب العرب عام 1986، وحاول التواصل معه، والتقيا في عام 2006 وأنجزا معاً أوبريت عنوانها «الطريق إلى يافا - إليك أعود»، وسجل الأوبريت مع حوالى 17 فناناً بين مطربين وفنانين معروفين مثل الفنان الفلسطيني عبد الرحمن أبو القاسم ولطفي بوشناق وفتحي عبد الوهاب. تم تسجيل الأوبريت عام 2007، بإنتاج قطري بثّته قناة الجزيرة كاملاً (الأوبريت موجودة على اليوتيوب لمن يرغب).

مؤلفاته

ـ موت على ضفاف المطر، شعر، 1983.
ـ أغان على شفاه الصنوبر، شعر، 1985.
ـ افتتاحيات الدم الفلسطيني، شعر، 1990.
ـ شهقة الأرجوان، شعر، 2000.
ـ مسافة وردة تكفي، شعر، 2002.
ـ الريح والزيتون، شعر، 2003.
ـ بيسان، شعر، 2004.
ـ لمن تغني البلابل، شعر (للأطفال)، 2005.
ـ أغاني العصافير، شعر (للأطفال)، 2009.
ـ عابرون في الدمعة الأخيرة، شعر، 2016



نماذج من شعره

من قصيدة: افتتاحيات الدم الفلسطيني

(1)

هم يحفرون لجثتي قبراً، يضيق، يضيق كي،
لا يخرجَ الجسد القـتيل لكي يحارب من جديدْ

فإذا بهم قبل احتواء القبر لي
يجدون سيفي خارجاً من قاع لحمي..
يصرخون: هو الشهيدْ

للمرة المليون عاد،
أما رأيتم،
كيف تنفر صهلة الدم كالبروق من الوريدْ

وتصير رعداً
ثم موتاً،
ثم سيفا صاعقاً..؟
ما لان إلا حين ضم القبة السمراء فيه دم الفلسطينيّ،
والكفُّ العنيد

(2)

هذي عيون الليل أم،
هذي عيون الموت تزحف؟؟
أم هُمْ الأشباح من وجع المقابر يخرجونْ

هاماتهم تبدو كأشجار الصنوبر،
في التراب جذورها
ونعالهم فوق الحصونْ

يتسللون كما الهواء،
يبعثرون الخوف في أجسادنا
نلغي مسامات الجلود،
فكيف ينبت شوكهم في لحمنا..
وإلى دمانا يدخلون؟

يتوغلون بنا فيكتشفون فينا
كل ما لم يكتشفه الآخرون

ننهار عند نعالهم..
نبكي وهم أبداً علينا يضحكون

نهوي وهم من بعد موت ينهضون

نمضي نجرجر رعبنا عن ساحهم
ونقول: كيف بهم وهم قتلى، ونحن الغاصبون؟!!

هم يصمدون ونحن نسقط،
يصمدون، ونحن نسقط، يصمدون

هم يخرجون من المسام، من العظام من الجماجم يخرجون

وبخوفنا نحن الطغاة محاصرون
تغفو على القصف العيون،

وحين تصحو
يرسل القصف التحية في جُنون

تتبسم الأجفان،
والأيدي تلوّح
لا تهاب من المنون

حين الصنوبر يستفيق على الجبال
تهاب منه الريح، يخشاه السكون

والكون يصمت حين يصخب في التلال الزيزفون

هذي العذوبة في دمانا علَّموها
كيف ترعش رهبة منها سيوف،
كيف يخلع هذه الدنيا دم ألِفَ الشموس
ونظرة كالبرق تلمع في العيون!!

مَرُّوا على جسدي خفافاً فانتشيت،
أنا الطريق لهم إليك،
وهم إليك العائدون

يأتون من جسدي،
ومن لحمي وعظمي يعبرون

وأنا الذي ربيتهم شبراً فشبراً،
قلت: لحظة يكبرون
سيكون ثأري في دماهم قد تغلغل،
عندها،
لا هَمَّ لو كنت التراب لنعلهم،
أو لا أكون

(3)

يتساءلون عن الطفولة في المخيم،
كيف تكبر؟
كيف يصبح صخرة بصموده؟

طفلٌ حَبا في الطين،
غاص إلى الجحيم بعوده؟

فيجيب زند البندقية..
كم فتى أضحى نبيّاً في المخيم
لحظة انهمرت دماه على تراب جدوده

وهو الذي مازال ينسكب الحليب على يديه
وفوق سمر زنوده

يتساءلون عن الطفولة في المخيم كيف تكبر؟
كيف ترسم درب عودتها على كراسة الفصل الصغيره؟
كيف تتسع المقاعد للكثير من الخيالات الكبيره؟

كيف تتضح الخريطة حين يحفرها الصغار على الجدار؟
بأصابع العشق الحزينه: عودةً، وطناً، ودارْ
ويداً تلوح للجليل بأننا آتون،
أن رياحنا وصلت إلى أرض المطار

(4)

يتساءلون فأخبريهم،
كم يعاني من يغادر لحظة هذا الحمى!!

مدي نزيف جراحنا
هذي الحدائق مثقلات بالظما

والحزن يسكن في السفوح
لا يبخل الجسد المناضل بالدما،

أبداً ولا،
بخلت بها هذي الجروح
إن يسحقوا أجسادنا،

ستظل تنبض داخل الأجساد روحْ
لن ينتهي تحت الثرى
من عاش يذبحه الطموح

(5)

نشتاق يخلعنا صهيل الرعد من هذا العذاب

فالحلم لن يبقى طويلاً عبر ذاكرة التراب
والريح تمسح ما كتبنا فوق صمت الرمل،
أو فوق السحاب

لا شيء يبقى
غير ما خَطَّ النزيف على الثياب

جسدي يغادرني،
تضيق به الجهات.. دمي يغادرني
تضيق به الشوارع، يستفز البرقَ صوتي،
كيف أصمت؟
والصهيل بداخلي

*كاتب وشاعر فلسطيني

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي تقارير الفلسطينية الشاعر فلسطين مسيرة شاعر هوية سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی دمشق

إقرأ أيضاً:

أول تعليق لـ أحمد عزمي بعد الاستجابة لمناشدته والعودة للتمثيل (فيديو)

علق الفنان أحمد عزمي، على منشوره على صفحته بموقع التواصل “فيس بوك” لمناشدة الشركة المتحدة إعادته للمشاركة بالأعمال الفنية لأنه غائب منذ فترة طويلة، قائلا: "ابني قالي إني تريند بعد كتابتي لبوست رغبتي في تسليط الضوء على تاريخي في التمثيل ورغبتي في العودة للتمثيل".

أشرف زكي يدعم أحمد عزمي بقوة ويتدخل في أزمته مع شركات الإنتاج تعرف على شروط حضور حفل صاحبة السعادة فى العالمين


وأضاف أحمد عزمي  خلال حواره مع الإعلامية والفنانة إسعاد يونس في برنامجها “صاحبة السعادة ” المذاع على قناة "دي إم سي": "ابني قالي الناس بتقوله إن بابا كاتب كلام موزون بالذهب"، معقبا: "ابني آدم  فرح لما عرف إني طالع مع إسعاد يونس في صاحبة السعادة".


وتابع أحمد عزمي :" انزعجت من بعض ردود الأفعال على البوست اللي كتبيته عن رغبتي في العودة للتمثيل"،مردفا: "موقف الشركة المتحدة معي وعودتي للتمثيل من خلال عمل فني أدى إلى توقف العديد من ردود الفعل السيئة على البوست الذي كتبته". 

وحرص الفنان الدكتور أشرف زكي نقيب المهن التمثيلية على دعم النقابة للفنان أحمد عزمي، بعدما نشر منشوراً طالبه فيه بالحصول على فرص عمل، وناشد زملائه في الوسط الفني والشركة المتحدة على توفير فرصة لتحقيق ذاته من خلال مشاركته في الدراما المصرية.

نقيب المهن التمثيلية يدعم أحمد عزمي 

وأكد أشرف زكي في تصريحاته الأخيرة، قائلاً : «نقابة المهن التمثيلية تدعم بقوه الفنان أحمد عزمي ، وسنتحدث مع الشركات المنتجة ليكون متواجدا في أعمال درامية خلال الفترة القادمة» .


من ناحيته، خاطب الفنان أحمد عزمي زملاءه وأصدقائه من الوسط الفني مساعدته ومساندته في توفير فرصة عمل فى أي فيلم أو مسلسل سواء فى موسم رمضان أو خارجه، ونشر أحمد عزمي، عبر صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك": «صباح الخير.. ومع الأيام الأولى في عام جديد من حياتي أدعو الله تعالى أن يرزقني وإياكم بنعمة الرزق والعمل.. وأتمنى أن يتيح لي فرصة للمشاركة في عمل، تخرجت في قسم التمثيل بالمعهد العالي للفنون المسرحية عام 2006، وشاركت في العديد من الأعمال وحصلت من خلالها على جوائز منها على سبيل المثال أحسن ممثل دور ثانٍ عن فيلم الأبواب المغلقة المهرجان القومي للسينما، وأحسن ممثل دور ثانٍ من مهرجان الإعلام عن مسلسل الجماعة، وأحسن ممثل مهرجان الإسكندرية عن فيلم قبلات مسروقة، وجائزة خاصة من لجنة التحكيم عن فيلم الوعد».

واضاف أحمد عزمي في حديثه: «وخلال الأعوام الثلاثة الماضية قدمت أعمالا في كثير من الدول العربية ومع كبار النجوم مسرحية الملك لير مع النجم يحيى الفخراني، والتي عرضت في مهرجان الترفيه بالمملكة العربية السعودية ومسلسل حرب الجبالي مع الأستاذ صادق الصباح، كما قدمت لشبكة راديو وتليفزيون العرب برنامج أعمال خالدة وفيلم المنبر الإمارات العربية، ومع ذلك لم يُعرض عليّ أي عمل».


وانهى أحمد عزمي حديثه، معلقاً: «أتمنى من أصدقائي وزملائي الفنانين الذين عملت معهم على مدار حياتي مساعدتي في الحصول على فرصة عمل، والانضمام إلى ركب الدراما في مصرنا الحبيبة، لا طعم للحياة بدون عمل، ابني يكبر أمامي ولا أعلم كيف سأعينه على مواجهة صعوبات الحياة، وأنا محروم من تحقيق ذاتي ولا أملك مهنة أخرى وأخشى من الموت كمدا وحزنا.. هذا طلب ورجاء.. وفقكم الله إلى ما فيه خير أمتنا وشكرا.. أعتذر».

مقالات مشابهة

  • (ليس عيداً وطنياً إنه جريمة بحق العراق والهوية الوطنية )
  • فنزويلا تدعو لمسيرة دعماً لفلسطين وتنديداً بـ"الإبادة الجماعية"
  • نحو نظرية إسلامية عالمية لبناء القيم والأخلاق والهوية
  • العراق وتركيا يوقعان مذكرة تفاهم بشأن الهجرة والعودة الطوعية
  • توقيع مذكرة بين تركيا والعراق للتعاون في ملف الهجرة والعودة الطوعية
  • الحوثي: الرد الإيراني شجاع ويجب على الدول العربية التوحد نصرةً لفلسطين ولبنان
  • بعد رفض رفع الحصانة عن أحد الأعضاء.. رفع الجلسة الافتتاحية للنواب والعودة غدًا
  • أول تعليق لـ أحمد عزمي بعد الاستجابة لمناشدته والعودة للتمثيل (فيديو)
  • نصرُ الله.. عاش واستشهد لفلسطين
  • حزب قائمة غزة تنظيم سياسي أسسه مؤيدون لفلسطين في النمسا