الشاعر محمود حامد.. كتب لفلسطين والعودة والهوية والمخيم
تاريخ النشر: 6th, April 2024 GMT
يكتب الشعر من دون ضجيج، يكتبه لأنه يحبه، لم يمتهنه ولم يسترزق منه، ولم يصبح نجماً إعلامياً، حيث لم يحظَ باهتمام الماكينة الإعلامية الفلسطينية في السبعينيات، ولم ينضم للوبيات الثقافية في تلك المرحلة.. وغاب عنه الإعلام عندما عاد من الخليج.. عاش حياته المهنية في الإدارة والتربية واستقرّ في دمشق من غير ضجيج.
هو قامة شعرية، لكن ظلّها لم يمتدّ كما تستحق.. مضامينه رقيقة وقوية وحنونة وحاسمة وواضحة ومباشرة، هادئة وصادمة.. مبدعة بالاستعارات والمجازات.. تسكنه فلسطين أينما حلّ ورحل. كتب للعودة والهوية والقدس واللاجئين والمخيم وأزقته.. وعن الثورة حتى النصر وعن المقاومة حتى التحرير..
التقيته أكثر من مرة في مكتب مؤسسة فلسطين للثقافة في دمشق.. مع صديقه الشاعر صالح هواري (راجع مقالنا عنه في هذا الموقع) وكان يقتصر الحديث على السلام والكلام العابر.. وشاركتُ معه في مهرجان شعري في مثل هذه الأيام من العام 2008، بمناسبة "أسبوع الأرض" في جامعة دمشق، برعاية وزير الثقافة السوري.
إنه الشاعر محمود رضا حامد
ولد في عام 1941 في صفد بفلسطين. واقتلعت عائلته منها في عام 1948، فتهجروا وهاجروا ولجأوا إلى سورية واستقروا في دمشق.
درس المراحل الابتدائية والثانوية في مدارس دمشق، وحصل على شهادة الثانوية العامة فيها، والتحق بالجامعة ونال الإجازة في الآداب من قسم اللغة العربية جامعة دمشق.
عمل بعد تخرّجه مدرساً بثانويات دمشق، حتى عام 1967، حيث أوفد إلى الجزائر كعضو بالبعثة التعليمية السورية إلى الجزائر، وبقي فيها حتى عام 1969. وانتقل للعمل في المملكة العربية السعودية، حيث بقي فيها عشرين سنة متنقلاً من التدريس، إلـى مساعد مدير مدارس الدوحة السعودية (1970 ـ 1972)، ومسؤول إداري في شركات فرنسية عاملة في المملكة (1975 ـ 1990).. ثم عاد إلى دمشق.
لكن عمله لم يقتصر على التدريس في السعودية، فقد اشتغل بالصحافة والإعلام في مؤسسة اليمامة الصحفية (1972 ـ 1985) وفي الوكالة الفرنسية لتطوير التلفزيون السعودي (1980 ـ 1985)، وفي جريدة الشرق الأوسط ومجلة المجلة العربية (1985 ـ 1990).
في دمشق، عاد لينخرط مجدداً في النشاط الثقافي، فثبّت عضويته في اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين بدمشق، واتحاد الكتاب العرب بدمشق، وتسلم مهمة أمين سر جمعية الشعر في اتحاد الكتاب العرب في دمشق.
كتب المقالة والأبحاث والشعر، وحصل على الجائزة الأولى في مهرجان الشعر الثالث في دمشق عام 1965، وفي مهرجان عنّابة في الجزائر عام 1968. جائزة القدس في بيروت 2010.
محطات مهمة
التقى في السبعينيات بأم كلثوم، واتفقا أن تغني له قصيدة أسمعَها إياها.. ولكن لم تتسع الأيام لها، يقول في القصيدة:
محمود حامد وأم كلثوم
حَلِمَت بكَ الأيام قبل المولد .. يا طائر الشوق المسافر في غد
عمري تفتح في لقاك حدائقاً .. والعطر فاح غداة نمت على يدي
وصباه كالنيل اشتياق للهوى .. عاش الحياة وليس غيرك يقتدي
عد ياحبيبي إن عمري ليلة .. كنتَ الهدى فيها وكنت المهتدي
يقول حامد: توفيت أم كلثوم ولم أعطِ قصيدتي لأحد ولن أعطيها.. وهذا عهد بيني وبينها.
وحين قرأ الفنان البحريني المثقف خالد الشيخ، قصيدته «أروع العشق ما تلاه اعتذار» وهي في مجموعة صادرة عن اتحاد الكتاب العرب عام 1986، وحاول التواصل معه، والتقيا في عام 2006 وأنجزا معاً أوبريت عنوانها «الطريق إلى يافا - إليك أعود»، وسجل الأوبريت مع حوالى 17 فناناً بين مطربين وفنانين معروفين مثل الفنان الفلسطيني عبد الرحمن أبو القاسم ولطفي بوشناق وفتحي عبد الوهاب. تم تسجيل الأوبريت عام 2007، بإنتاج قطري بثّته قناة الجزيرة كاملاً (الأوبريت موجودة على اليوتيوب لمن يرغب).
مؤلفاته
ـ موت على ضفاف المطر، شعر، 1983.
ـ أغان على شفاه الصنوبر، شعر، 1985.
ـ افتتاحيات الدم الفلسطيني، شعر، 1990.
ـ شهقة الأرجوان، شعر، 2000.
ـ مسافة وردة تكفي، شعر، 2002.
ـ الريح والزيتون، شعر، 2003.
ـ بيسان، شعر، 2004.
ـ لمن تغني البلابل، شعر (للأطفال)، 2005.
ـ أغاني العصافير، شعر (للأطفال)، 2009.
ـ عابرون في الدمعة الأخيرة، شعر، 2016
نماذج من شعره
من قصيدة: افتتاحيات الدم الفلسطيني
(1)
هم يحفرون لجثتي قبراً، يضيق، يضيق كي،
لا يخرجَ الجسد القـتيل لكي يحارب من جديدْ
فإذا بهم قبل احتواء القبر لي
يجدون سيفي خارجاً من قاع لحمي..
يصرخون: هو الشهيدْ
للمرة المليون عاد،
أما رأيتم،
كيف تنفر صهلة الدم كالبروق من الوريدْ
وتصير رعداً
ثم موتاً،
ثم سيفا صاعقاً..؟
ما لان إلا حين ضم القبة السمراء فيه دم الفلسطينيّ،
والكفُّ العنيد
(2)
هذي عيون الليل أم،
هذي عيون الموت تزحف؟؟
أم هُمْ الأشباح من وجع المقابر يخرجونْ
هاماتهم تبدو كأشجار الصنوبر،
في التراب جذورها
ونعالهم فوق الحصونْ
يتسللون كما الهواء،
يبعثرون الخوف في أجسادنا
نلغي مسامات الجلود،
فكيف ينبت شوكهم في لحمنا..
وإلى دمانا يدخلون؟
يتوغلون بنا فيكتشفون فينا
كل ما لم يكتشفه الآخرون
ننهار عند نعالهم..
نبكي وهم أبداً علينا يضحكون
نهوي وهم من بعد موت ينهضون
نمضي نجرجر رعبنا عن ساحهم
ونقول: كيف بهم وهم قتلى، ونحن الغاصبون؟!!
هم يصمدون ونحن نسقط،
يصمدون، ونحن نسقط، يصمدون
هم يخرجون من المسام، من العظام من الجماجم يخرجون
وبخوفنا نحن الطغاة محاصرون
تغفو على القصف العيون،
وحين تصحو
يرسل القصف التحية في جُنون
تتبسم الأجفان،
والأيدي تلوّح
لا تهاب من المنون
حين الصنوبر يستفيق على الجبال
تهاب منه الريح، يخشاه السكون
والكون يصمت حين يصخب في التلال الزيزفون
هذي العذوبة في دمانا علَّموها
كيف ترعش رهبة منها سيوف،
كيف يخلع هذه الدنيا دم ألِفَ الشموس
ونظرة كالبرق تلمع في العيون!!
مَرُّوا على جسدي خفافاً فانتشيت،
أنا الطريق لهم إليك،
وهم إليك العائدون
يأتون من جسدي،
ومن لحمي وعظمي يعبرون
وأنا الذي ربيتهم شبراً فشبراً،
قلت: لحظة يكبرون
سيكون ثأري في دماهم قد تغلغل،
عندها،
لا هَمَّ لو كنت التراب لنعلهم،
أو لا أكون
(3)
يتساءلون عن الطفولة في المخيم،
كيف تكبر؟
كيف يصبح صخرة بصموده؟
طفلٌ حَبا في الطين،
غاص إلى الجحيم بعوده؟
فيجيب زند البندقية..
كم فتى أضحى نبيّاً في المخيم
لحظة انهمرت دماه على تراب جدوده
وهو الذي مازال ينسكب الحليب على يديه
وفوق سمر زنوده
يتساءلون عن الطفولة في المخيم كيف تكبر؟
كيف ترسم درب عودتها على كراسة الفصل الصغيره؟
كيف تتسع المقاعد للكثير من الخيالات الكبيره؟
كيف تتضح الخريطة حين يحفرها الصغار على الجدار؟
بأصابع العشق الحزينه: عودةً، وطناً، ودارْ
ويداً تلوح للجليل بأننا آتون،
أن رياحنا وصلت إلى أرض المطار
(4)
يتساءلون فأخبريهم،
كم يعاني من يغادر لحظة هذا الحمى!!
مدي نزيف جراحنا
هذي الحدائق مثقلات بالظما
والحزن يسكن في السفوح
لا يبخل الجسد المناضل بالدما،
أبداً ولا،
بخلت بها هذي الجروح
إن يسحقوا أجسادنا،
ستظل تنبض داخل الأجساد روحْ
لن ينتهي تحت الثرى
من عاش يذبحه الطموح
(5)
نشتاق يخلعنا صهيل الرعد من هذا العذاب
فالحلم لن يبقى طويلاً عبر ذاكرة التراب
والريح تمسح ما كتبنا فوق صمت الرمل،
أو فوق السحاب
لا شيء يبقى
غير ما خَطَّ النزيف على الثياب
جسدي يغادرني،
تضيق به الجهات.. دمي يغادرني
تضيق به الشوارع، يستفز البرقَ صوتي،
كيف أصمت؟
والصهيل بداخلي
*كاتب وشاعر فلسطيني
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي تقارير الفلسطينية الشاعر فلسطين مسيرة شاعر هوية سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی دمشق
إقرأ أيضاً:
انطلاق فعاليات منتدى بغديدي الثقافي في نينوى
بغداد اليوم - نينوى
تحت شعار “أوتار القلب تغني شعرًا”، أطلق منتدى بغديدي الثقافي أولى فعالياته الأدبية بمهرجانه الأول “رخموثا” (محبة)، الجمعة (14 شباط 2025) الذي جاء بعد أيام قليلة من تأسيس المنتدى، متزامنًا مع عيد الحب، ليكون احتفاءً بالكلمة النابضة بالمشاعر وبالإبداع الذي يجمع القلوب.
حمل المهرجان بين طياته العديد من الفقرات المتميزة التي رسمت لوحة من الجمال والإبداع، حيث تم توزيع الورود ورسائل الحب على الجمهور الحاضر، في بادرة رمزية تجسد روح المناسبة. كما شهدت الأمسية قراءات شعرية شارك فيها 12 شاعرًا من الموصل، الحمدانية، برطلة، وكرمليس، ما أضفى على الأجواء طابعًا فنيًا رفيع المستوى.
وفي إطار الاحتفاء بالثقافة، تم افتتاح معرضٍ للكتاب بمشاركة مكتبة لويس قصاب ومكتبة أمل، إلى جانب معرض للفن التشكيلي والأعمال اليدوية قدّمه الفنانان غزوان كرش وتوما سمير، حيث تجسدت الإبداعات الفنية عبر لوحات تحاكي الجمال والحب بمختلف أبعادهما.
جاء هذا الحدث بدعم مباشر من اتحاد الأدباء والكتاب في نينوى، وبالتعاون مع دار مار بولس للخدمات الكنسية، التي احتضنت فعاليات المهرجان، بحضور نخبة من الشخصيات الثقافية والدينية، بينهم:
الأب اغناطيوس أوفي – راعي خورنة سيدة الرجاء ومدير مركز الدعم النفسي في بغديدي.
•الأب الراهب أفرام الجزراوي.
•الدكتور نشأت مبارك – عميد كلية الفنون الجميلة بجامعة الموصل.
•الفنان الدكتور وسام خضر.
•وجمهور كبير من عشاق الأدب والثقافة.
افتُتِح المهرجان بكلمة ترحيبية ألقتها الإعلامية إيفا ثائر، تلاها وقوف الحضور احترامًا لعزف النشيد الوطني. ثم ألقى الشاعر سعد محمد، رئيس اتحاد الأدباء والكتاب في نينوى، كلمة الاتحاد، تلتها كلمة منتدى بغديدي الثقافي التي قدّمها رئيس المنتدى الشاعر برزان عبد الغني.
اعتلى منصة المهرجان كوكبة من الشعراء الذين أنشدوا قصائد تفيض حبًا وإبداعًا، وهم:
1.الشاعر الدكتور هشام عبد الكريم
2.الشاعر الدكتور نينب لاماسو
3.الشاعر سعد محمد
4.الشاعر بشار البغديدي
5.الشاعر خالد اليساري
6.الشاعر أمير بولص عكو
7.الشاعر فهد أسعد
8.الشاعرة راما اسطيفان
9.الشاعر محمد جلال الصائغ
10.الشاعر نوئيل الجميل
11.الشاعر غزوان صباح
12.الشاعر لويس كامل
في ختام المهرجان، تم تقديم درعي الشكر والتقدير لكل من اتحاد الأدباء والكتاب في نينوى ودار مار بولس للخدمات الكنسية، عرفانًا بجهودهما في دعم الفعالية وإنجاحها. كما تم توزيع شهادات التقدير على جميع المشاركين، في لفتة تعكس حرص المنتدى على تكريم الإبداع وتشجيعه.
لم يكن “رخموثا” مجرد مهرجان، بل كان نبضًا ثقافيًا احتضن القلوب المتعطشة للشعر والفن، وبدايةً واعدة لمسيرة أدبية غنية في بغديدي، حيث يشكل المنتدى نقطة التقاء للمبدعين، ليضيء سماء المدينة بمزيد من الفعاليات الثقافية القادمة.