رواندا.. 30 عاما من ذاكرة مثقلة بالدماء
تاريخ النشر: 6th, April 2024 GMT
تزامنا مع إحياء رواندا ذكرى مرور 30 سنة على الإبادة الجماعية التي شهدتها عام 1994 وراح ضحيتها أكثر من 800 ألف شخص غالبيتهم من عرق التوتسي، التقت الجزيرة نت الباحث والمؤرخ توم نداهيرو والباحث في الشأن السياسي غاتيتي نييرينغابو، الروانديين، لشرح سياقات تلك المذبحة المأساوية.
توجهتُ للقاء نداهيرو، حضّرت جيدا للمقابلة، محاور صعبة ومتشابكة عن تاريخ أمة ثم دولة طبعت بالمأساة مرارا.
مع حلول الذكرى الـ30 للإبادة الجماعية بحق التوتسي، تلمح في شوارع العاصمة كيغالي شعارات تدل على رسوخ تلك المذبحة في الذاكرة الجماعية للروانديين، فالطريق الذي أسلكه كي أصل للسيد توم نداهيرو، هو أحد الأماكن التي شهدت عمليات قتل جماعية.
تتزاحم الأسئلة، وللخيال ثقل كبير في هذه الحالة. تُرى كم شخصا فقد حياته على جنبات الطريق التي تشقها سيارة الأجرة؟ أين دفنوا؟ وما هي قصصهم؟
حزن دفينمشاهد متخيلة، وتساؤلات، تتلاشى أمام سمات نداهيرو. يغلب على محياه حزن دفين، يبتسم دون تكلف، يرحب بقدومي ويقول لي إنه يقدّر اهتمام الساعين لمعرفة التاريخ، وقد يكون في التذكر محاولة لمنع مأساة مشابهة، في بقعة أخرى من العالم.
سأعرف لاحقا خلال حديثنا، أن الحزن الطاغي على قسماته، يبدأ من طفولته، لاجئا مطارَدا مع عائلته بين دول الجوار. ليدفن لاحقا في سنوات شبابه، 12 فردا من عائلته قضوا في مجزرة على مقربة من مكان لقائنا.
"الإبادة الجماعية ليست شيئا يحدث فجأة، إنها جريمة كراهية يتم التحضير لها، وبناء ظروف تسمح بوقوعها، إنها شيء لا يخطط له أفراد، هي فعل ترتكبه دول وحكومات"، هكذا بدأ نداهيرو الحديث عن الإبادة الجماعية ضد التوتسي في رواندا، مضيفا "التخطيط للإبادة يحتاج أيديولوجيا تغذي مشاعر الكراهية، وفي رواندا بدأت كراهية التوتسي قبل عام 1994".
وخضعت رواندا وبوروندي للاستعمار الألماني، أواخر القرن الـ19 استمر حتى نهاية الحرب العالمية الأولى، حينما استبدلت الهيمنة الألمانية بالاستعمار البلجيكي.
وحافظت سلطات الاستعمار خلال الحقبتين، الألمانية والبلجيكية، على الحكم الملكي الذي كان بيد أقلية التوتسي، وبدأت بتعزيز امتيازاتهم في البلاد. ونظمت بلجيكا عام 1933 إحصاء سكانيا أصدرت بموجبه هويات تحدد الانتماء الإثني للروانديين.
تلا ذلك، بروز نظريات لأوروبيين أنثروبولوجيين بلجيكيين على وجه الخصوص، حول الأصول العرقية للهوتو والتوتسي وقبائل "توا".
وحسب المؤرخ في تلك الحقبة "وضعوا فرضيات حول أصول الهجرات لسكان رواندا، فادعوا أن التوتسي هاجروا من الشمال وأنهم ليسوا من السكان الأصليين".
عززت هذه الهويات التقسيم المجتمعي، كان الهوتو والتوتسي وأقلية صغيرة جدا من شعب "توا" جزءا من النسيج المجتمعي، لكن إصدار هويات تحدد الانتماءات كان بمثابة وصمة تنبئ بالكارثة، هكذا يصف توم نداهيرو تأثير التقسيم الإثني.
بث الكراهيةخلال سعيي لإعادة تشكيل صورة عما شهدته رواندا قبل 3 عقود، التقيتُ غاتيتي نييرينغابو، الباحث في الشأن السياسي، شاب غزير الثقافة دونما تكلف، اختار أن يكون اللقاء في مقهى "كيفو نوار" الذي يقدم صورة عن رواندا الحديثة، عصري لكنه يبتعد عن البهرجة.
بدأ غاتيتي حديثه للجزيرة نت، بتقديم سياق ما قامت به سلطات الاستعمار، "لقد كرست بلجيكا مصالح أقلية أرستقراطية من أثرياء التوتسي، وتركت البقية يغرقون في فقر مدقع، بصرف النظر عن إثنيتهم".
ويضيف "هذه العوامل أدت ابتداء من عام 1957 إلى وقوع أول أعمال العنف ضد التوتسي بذريعة سيطرتهم على مقدرات البلاد وإقصاء الهوتو".
في تلك الفترة تم الإعداد للأيديولوجيا الممهدة للإبادة ضد التوتسي -بحسب نداهيرو- حيث "تم الإعلان عما سُمي مانيفستو باهوتو (البيان السياسي للهوتو) الذي يدعوهم إلى انتزاع حقهم بالبقاء والوجود وبتجريد التوتسي من صلاحيات الحكم".
وُضع البيان، بدفع من سلطات الاستعمار وبتشجيع من رجال الدين الكاثوليك الذين تحولوا لرسل يبثون الكراهية بين الروانديين، وفق نداهيرو، وتأسست على إثره حركة "بارميهوتو" أو "انعتاق الهوتو" التي يصفها المؤرخ بأنها كانت أقرب إلى المليشيا منها إلى الحزب السياسي.
استمر التوتر بالتصاعد مع استقلال رواندا عام 1961، ووقعت أولى المجازر ما بين العامين 1963و1964، قُتل الآلاف من التوتسي ولجأ قرابة 130 ألفا إلى بوروندي وأوغندا وجمهورية الكونغو (زائير حينها).
يُقرّب نييرينغابو صورة تلك المرحلة، ويقول "انظر لما يجري في فلسطين، وستفهم السياق. هناك تغيب المحاسبة عن عمليات القتل، عندما يقتل مستوطن فلسطينيا هل تحاسبه إسرائيل؟ بالطبع لا، يقتلون الفلسطينيين ويأخذون منازلهم مكافأة لهم. في رواندا حدث أمر مشابه، استمر الهوتو بقتل التوتسي والاستيلاء على أملاكهم دونما تدخل من السلطات لردعهم أو محاسبتهم".
انسداد الأفق السياسيوعلى مدى العقود التالية، يبقى اللاجئون في مخيماتهم خارج حدود البلاد، ويبدأ التضييق عليهم. فتشكلت عام 1989 "جبهة رواندا الوطنية" ومُنيت بخسارة في أولى معاركها عام 1990 ضد قوات الرئيس جافينال هباريمانا. فشلت محاولات التوصل لاتفاق سياسي وارتفعت حدة التحريض ضد التوتسي، وصولا لمقتل هباريمانا.
يروي لنا نداهيرو الظروف التي أفضت لتشكيل الجبهة، ويقول "كنت لاجئا في ذلك الوقت في تنجانيقا (تنزانيا حاليا) وهكذا كان اسمها عندما وصلت إليها مع والدي".
ويضيف "بعد عقود بدأت الدول التي لجأنا إليها بمحاولة طردنا، لم يكن أحد يريدنا على أرضه. فتنامى لدينا شعور بضرورة الكفاح من أجل وطننا، كنا دون وطن ودون دولة ودون حقنا بالاعتراف بنا روانديين، فحملنا السلاح".
من جانبه، يقول نييرينغابو إن تلك الفترة اتسمت بانسداد الأفق السياسي، "قادة الهوتو رفضوا أي اتفاق، وبدأت وسائل الإعلام ببث خطاب الكراهية بشكل ممنهج". ويضيف "كانوا يخشون نزع الامتيازات التي تتمتع بها الطبقة الحاكمة، لقد دفع الفقراء الثمن سواء من الهوتو أو التوتسي، تم الزج بهم لقتال بعضهم بدلا من القتال ضد الفقر".
ويتابع "ووقف المجتمع الدولي متفرجا، مرة أخرى، وتخلى عنا بأسوأ الطرق الممكنة. كذب الفرنسيون في مجلس الأمن وادعوا أن المجازر غير حقيقية، وكذب الإعلام الغربي أيضا. يتكرر الشيء نفسه الآن حول ما يجري في فلسطين. هل يكترث مجلس الأمن أو الإعلام الدولي؟".
في السادس من أبريل/نيسان 1994، تحطمت طائرة تقل الرئيس هباريمانا، واعتُبرت الشرارة لما سيجري لاحقا. اتُهم التوتسي بإسقاط الطائرة، وبدأت أعمال عنف سرعان ما تحولت إلى مذبحة. في اليوم التالي بدأ القتل المباشر للمعارضين السياسيين داخل البلاد ولم ينج رئيس الوزراء آنذاك.
على مدى 100 يوم، قُتل قرابة مليون شخص غالبيتهم من التوتسي، داخل الكنائس وفي المجمعات الرياضية، وفي العاصمة والقرى، وفرّ من استطاع إلى دول مجاورة. وبحلول منتصف يوليو/تموز 1994 بسطت "جبهة رواندا الوطنية" سيطرتها على البلاد.
"كان الأمر فظيعا، قتلوا النساء والأطفال والرجال، كانوا يقتلون كل من يحمل بطاقة هوية كُتب عليها توتسي. خسرتُ 12 فردا من عائلتي، عندما عدت إلى كيغالي بعد انتهاء المجازر كان عليّ أن أحاول معرفة أين قُتلوا وأين أُخفيت جثثهم كي نتمكن من دفنهم بشكل لائق"، يقول نداهيرو بصوت ملؤه الألم.
استعمار وفقراطلعتُ على شهادة مصورة، يصف فيها جان دو ديو تواهيرا، وهو أحد الذين شاركوا في عمليات القتل، هجوما على كنيسة في كيغالي. يقول إن "الجيش آنذاك سمح لمجموعة من الشبان، وهو من بينهم، بالدخول إلى الكنيسة حيث لجأ المئات".
ويضيف تواهيرا "كنا ننتقي عددا منهم ونأخذهم إلى حفرة في الباحة الخارجية ونقتلهم بالسلاح الأبيض، وكنا برفقة أشخاص نظموا العملية برمتها".
وبحسب شهادة الرجل الذي خضع للمحاكمة، "تراكمت الجثث، وكان يحثنا القادة على الإسراع، بالقول إن مقاتلي جبهة رواندا الوطنية يقتربون من المكان". ولا يحاول -في شهادته- تبرير ما اقترفه، ويقول إن الشباب في ذلك الوقت "كانوا تحت تأثير خطاب كراهية إثني لم يكن وليد اللحظة".
يقدم لنا غاتيتي نييرينغابو ما يراها أسبابا أفضت للفاجعة، "كانت المنطقة تشهد صراعا حفيا بين القوى الاستعمارية السابقة والجديدة، كل دولة تدعم فريقا، فرنسا تدعم الهوتو بينما حاولت الولايات المتحدة دعم "جبهة رواندا الوطنية".
ويضيف "هناك عوامل أخرى تتعلق بغياب التنمية والفقر الشديد مما حوّل الروانديين إلى أدوات بيد قلة حاكمة". أما الأخطر -وفق نييرينغابو- فهو "غياب المساءلة والمحاسبة على مدى عقود منذ ما قبل الاستقلال، عندما فشلت الدولة بوقف استهداف التوتسي، بل شجعت عليه".
أما نداهيرو فيرى أنه يمكن لوم سلطات الاستعمار على ما شهدته رواندا من انقسامات عرقية قبل الاستقلال، "لكن لحظة الاستقلال تعني أننا نتحمل المسؤولية عما جرى لنا".
وبينما أشكر نداهيرو على اللقاء، وأتحضر للمغادرة، إذ به يقول لي "أعول عليك لنقل قصتي، وأتمنى لمن يقرأ شهادتي أن يدرك كم يصعب العودة بالذاكرة لتلك الحقبة المأساوية. نتذكرها كي لا نكرر تلك الأخطاء".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ ترجمات حريات
إقرأ أيضاً:
المستشار السياسي السابق لـ”حميدتي” يكتب عن مستقبل الدعم السريع في السودان
إ
عداد: يوسف عزت
*مقدمة:* يواجه السودان مرحلة دقيقة من تاريخه الحديث، حيث تعكس المواجهة المسلحة بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني صراعًا أكثر تعقيدًا من كونه نزاعًا عسكريًا. فعلى الرغم من النجاحات الميدانية التي حققتها قوات الدعم السريع في بداية النزاع، إلا أنها تعاني حاليًا من تراجع ملحوظ على الأصعدة السياسية والاجتماعية والعسكرية. يهدف هذا التحليل إلى دراسة الأسباب الجوهرية لهذا التراجع، مع التركيز على العوامل البنيوية، والسياسية، والقيادية. كما يسعى للإجابة على السؤال المركزي: هل تمتلك قيادة الدعم السريع استراتيجية واضحة لحماية المجتمعات وضمان بقائها وسط هذا التصعيد؟ *أولاً: غياب الانضباط والانفلات الأمني* تعدّ السيطرة على الأمن والنظام أحد العناصر الأساسية للحفاظ على الشرعية والقبول الشعبي. غير أن الواقع في مناطق نفوذ قوات الدعم السريع يُظهر اختلالًا أمنيًا خطيرًا انعكس في انتشار أعمال النهب، وانتهاكات حقوق المدنيين. ويمكن تحليل آثار هذا الانفلات من خلال بعدين أساسيين: 1. فقدان التأييد الشعبي: • أسهمت الانتهاكات الميدانية في تقويض الثقة الشعبية بقوات الدعم السريع، خاصةً في المناطق الحضرية التي كانت أكثر تضررًا من عمليات النهب والاعتداءات. • انعكست هذه الانتهاكات على صورة القيادة باعتبارها غير قادرة على السيطرة على عناصرها، مما أدى إلى عزلة متزايدة في الأوساط المجتمعية. 2. تعزيز الفوضى وانعدام السيطرة: • أدى غياب المحاسبة الداخلية إلى بروز مجموعات منفلتة تعمل خارج السيطرة المباشرة للقيادة، مما كرّس بيئة من الفوضى وصعوبة استعادة النظام. *الخلاصة:* أضعف الانفلات الأمني قدرة الدعم السريع على تقديم نفسه كفاعل منظم ومشروع، وخلق حالة من الاستقطاب السلبي ضده داخل المجتمعات المحلية. ⸻ *ثانياً: تراجع الرؤية السياسية وانعدام المصداقية* بدأت قوات الدعم السريع مسارها السياسي بعد اندلاع الحرب عبر طرح رؤية الحل الشامل دات النقاط العشر، والتي لاقت قبولًا داخليًا وخارجيًا باعتبارها محاولة لصياغة مشروع سياسي مدني. إلا أن هذا الزخم تلاشى بسبب تضارب الخطاب السياسي مع الواقع الميداني. 1. التناقض في الخطاب السياسي: • اعتمدت القيادة خطابًا يركز على مواجهة الإسلاميين (“الكيزان”)، مما أكسبها دعمًا مؤقتًا من القوى المدنية المناهضة للنظام السابق. • غير أن وجود عناصر محسوبة على الإسلاميين داخل صفوف الدعم السريع قوّض مصداقية هذا الخطاب، وكشف عن تناقض جوهري بين الشعارات والممارسات. 2. تأثير الحرب على الأولويات السياسية: • فرضت الحرب أولويات جديدة على قيادة الدعم السريع، حيث أصبح الحشد القبلي والاجتماعي أولوية تفوق الالتزام بالمشروع المدني، مما أدى إلى تراجع الرؤية السياسية إلى مجرد أداة تكتيكية. *الخلاصة:* غياب خطاب سياسي متماسك يعكس رؤية مستقبلية واضحة أدى إلى فقدان الدعم الشعبي والانكشاف أمام المجتمع الدولي كفاعل غير قادر على الالتزام بمبادئ التحول المدني. ⸻ *ثالثاً: ضعف القيادة وتعدد مراكز القرار* تعاني قوات الدعم السريع من أزمة قيادية بنيوية تتجلى في غياب مركز موحد لاتخاذ القرارات الاستراتيجية. وتظهر هذه الإشكالية في النقاط التالية: 1. تعدد دوائر صنع القرار: • يشكل التداخل بين القائد الأول (محمد حمدان دقلو – حميدتي) ونائبه (عبد الرحيم دقلو) مصدرًا لتضارب القرارات وتباطؤ الاستجابة للأحداث. • تسهم تأثيرات المحيطين بالقيادة من أفراد الأسرة والمقربين في خلق ديناميكيات معقدة تُعيق اتخاذ قرارات حاسمة. 2. غياب التخطيط طويل الأمد: • تفتقر القيادة إلى رؤية استراتيجية بعيدة المدى، حيث يعتمد اتخاذ القرارات على ردود الفعل الآنية دون تحليل معمق للعواقب المستقبلية. *الخلاصة:* انعكس غياب القيادة المركزية الموحدة على كفاءة إدارة الحرب، وتسبب في قرارات متضاربة، مما أضعف الموقف السياسي والعسكري للدعم السريع. ⸻ *رابعاً: أزمة التحالفات السياسية والعسكرية* تورطت قيادة الدعم السريع في تحالفات متباينة مع قوى سياسية وعسكرية، خلال السنوات الماضية آخرها تبني مشروع “السودان الجديد”. لكن هذه التحالفات تعاني من تناقضات بنيوية واضحة: 1. التناقض مع التركيبة الاسرية والاجتماعية للدعم السريع: • يتطلب مشروع السودان الجديد إعادة هيكلة الدعم السريع كمؤسسة قومية ديمقراطية، في حين أن بنيته القائمة تعتمد على قيادة الأسرة والولاءات القبلية. 2. الطابع التكتيكي للتحالفات: • تتعامل قيادة الدعم السريع مع التحالفات كأدوات مرحلية فرضتها ظروف الحرب، دون التزام فكري أو سياسي حقيقي بالمبادئ التي تقوم عليها هذه التحالفات. *الخلاصة:* غياب رؤية استراتيجية للتحالفات والثبات عليها جعل الدعم السريع يبدو كفاعل انتهازي، مما يهدد استمرارية هذه التحالفات ويؤدي إلى عزلة سياسية متزايدة. *خامساً: الصدام مع الدولة المركزية وتأثيره على الاصطفاف القبلي* أدى الصدام المباشر بين قوات الدعم السريع والدولة المركزية إلى إعادة تشكيل الاصطفافات القبلية في السودان بصورة غير مسبوقة فللمرة الأولى في تاريخ السودان الحديث، أصبحت المجتمعات العربية منقسمة بين دعم الجيش أو الدعم السريع، مما أدى إلى حالة استقطاب حاد والدخول في حرب اهلية مباشرة. • دفع هذا الاستقطاب المجتمعات إلى تسليح نفسها بشكل مستقل، مما حول الحرب لحرب أهلية واسعة النطاق ذات قوى متعددة. *الخلاصة:* ساهم الصدام مع الدولة المركزية في تفكيك التحالفات القبلية التقليدية وأدى إلى تعميق الانقسامات المجتمعية واعاد المكونات العربية في غرب السودان إلى محيطها التقليدي والتحالف مع قوى الهامش التي كانت تستخدم هذه المجتمعات لقمعها ،كأداة لسلطة المركز . يمكن تطوير هذا التحول لحل صراع المركز والهامش بتبني مشروع دولة خدمية بدلا من التعريف التقليدي للصراع بأن المركز هو عروبي إسلامي والهامش إفريقي زنجي وهو تعريف غير صحيح كرست له سلطة الحركة الإسلامية وعمقتها وتبنتها كسياسات حتى الان ، وكنتيجة لذلك انفجر الصراع بهذه الصورة التي نشهدها الان ، ولكن يمكن وفق المعادلات الراهنة الوصول لحلول لصالح جميع السودانيين من خلال التفكير الواقعي والاعتراف بالأزمة وحلها حلا جذريا وذلك يحتاج لعقول تنظر إلى ابعد من مصالحها. *الإجابة على السؤال الجوهري:* هل تمتلك قيادة الدعم السريع استراتيجية واضحة لحماية المجتمعات التي تقع في مناطق سيطرتها وضمان بقائها؟ بناءً على التحليل السابق، لا تمتلك قيادة الدعم السريع استراتيجية متكاملة لتحقيق هذا الهدف، وذلك للأسباب التالية: 1. الارتجالية بدل التخطيط الاستراتيجي. 2. التناقض في الخطاب السياسي والممارسات. 3. غياب قيادة موحدة لاتخاذ القرارات. 4. الاعتماد على تحالفات ظرفية غير مستدامة. 5-عدم القدرة هلى التخلص من ارث الماضي والتكيف مع التحولات التي تستدعي اعادة تشكيل القيادة وصياغة مشروع وطني يمثل مصالح قطاعات واسعة تتبناه وتشارك في تنفيذه. *توصيات* 1. إعادة هيكلة القيادة: إنشاء مركز موحد لاتخاذ القرارات الاستراتيجية. 2. ضبط الأمن: فرض انضباط صارم على القوات ومحاسبة المتجاوزين. 3. صياغة رؤية سياسية متماسكة: تطوير مشروع وطني يعكس المصالح الحقيقية لجميع الفئات. 4. تعزيز المشاركة المجتمعية: إشراك الكفاءات المحلية في صنع القرار. 5. تبني استراتيجية طويلة الأمد: التركيز على حلول مستدامة تربط بين الأمن والسياسة والتنمية. *خاتمة* يتضح أن قيادة الدعم السريع تواجه تحديات بنيوية تهدد بقاءها كفاعل سياسي وعسكري مؤثر. إن غياب التفكير الاستراتيجي والارتباك في الخطاب والممارسة يجعل مستقبلها مرهوناً بقدرتها على إصلاح هذه الاختلالات واعتماد رؤية متماسكة ومستدامة. الدعم السريعالمستشار السياسي السابقحميدتي