ما هو مشروع أركتيتك للغاز المسال الذي تراهن عليه روسيا لتعويض خسائرها في الطاقة؟
تاريخ النشر: 28th, July 2023 GMT
موسكو- بدأت روسيا على ما يبدو مرحلة جديدة في الحرب ضد الولايات المتحدة الأميركية في سوق الطاقة مع إطلاقها مشروع "أركتيتك للغاز المسال 2" لإنتاج المنصات المتنقلة لإسالة الغاز الطبيعي، والذي تراهن موسكو على أنه في غضون سنوات قليلة سيسمح بزيادة حصتها في سوق الغاز الطبيعي المسال عالميا.
وفي ضوء العقوبات القاسية المفروضة عليها بدأت المنافسة الروسية في سوق الغاز الطبيعي المسال الناشئ تأخذ أبعادا جديدة بعد أن أصبحت قضية تسييل الغاز الطبيعي وتصديره أكثر إلحاحا على خلفية انخفاض إمدادات النفط للأسواق العالمية ومحدودية فرص استخدام خطوط الأنابيب.
وجاءت مشاركة الرئيس فلاديمير بوتين في حفل إرساء المشروع -والتي لم يتم الإعلان عنها مسبقا- لتدلل على حجم الطلب الآخذ في الازدياد على هذا الوقود، وأهمية خطوط الإنتاج الجديدة في تعويض خسائر روسيا جراء تفجير خط أنابيب نورد ستريم في سبتمبر/أيلول 2022، والذي تتهم فيه موسكو كييف وجهات غربية بالوقوف وراءه.
ويشمل المشروع إنشاء 3 خطوط تكنولوجية لإنتاج الغاز الطبيعي المسال بطاقة إجمالية تبلغ 19.8 مليون طن سنويا ومكثفات غاز مستقرة تصل إلى 1.6 مليون طن سنويا، وذلك من خلال ما تسمى قاعدة نوع الجاذبية أو نوع الجاذبية البحرية الثابتة أو منصة الجاذبية البحرية، وهي منصة لإنتاج النفط أو الغاز مثبتة على القاع باستخدام وزنها وتوصيلات الجزء السفلى من المنصة.
وبالإضافة إلى ذلك يسمح عدم وجود أعمال بناء مصنع للغاز الطبيعي المسال بتقليل التأثير الضار على البيئة بشكل كبير.
ويتزامن توقيت إطلاق المشروع مع شحن أول خط إنتاج للغاز الطبيعي المسال على طول طريق البحر الشمالي إلى حقل أوترنيي للغاز الطبيعي في شبه جزيرة غيدان في يامال.
فتحة "نهاية العالم"واشتهرت شبه جزيرة غيدان الواقعة في أقصى شمال روسيا بعد العثور فيها في العام 2014 على فتحة ثانية تشبه تلك التي اكتشفت قبل وقت قصير من ذلك على بعد نحو 30 كيلومترا من حقل غاز بوفانينكوف بقُطر 60 مترا وسميت فتحة "نهاية العالم"، إذ تشكلت نتيجة انطلاق الغاز من أعماق الأرض المجمدة، حيث قال شهود العيان إنهم شاهدوا انبعاث ستار دخاني تبعه انفجار ناري رافقته هزة أرضية قوية.
حرب العقوباتويأتي إطلاق هذا المشروع بعد فرض عقوبات قاسية على إمدادات الغاز الطبيعي الروسي في عام 2022، وكان الجزء الأكبر منها يذهب إلى أوروبا، مما أجبر موسكو على إعادة تنظيم وتسريع تطوير إنتاج الغاز الطبيعي المسال الذي لا يخضع للعقوبات.
يذكر أن نقل الغاز المسال أكثر ملاءمة وأرخص ويزداد الطلب عليه باستمرار في أكبر الاقتصادات الآسيوية، مثل الصين واليابان وكوريا الجنوبية والهند وتايوان.
وفي وقت تخلت السوق الأوروبية عن خط أنابيب الغاز الروسي زادت من استهلاكها من الغاز المسال، ففي غضون 10 أشهر فقط من العام الماضي -وفقا للاتحاد الدولي للغاز- تلقت بلدان الاتحاد الأوروبي 97 مليون طن من الغاز الطبيعي المسال، وهو ما يزيد بنسبة 55% على عام 2021.
حصة روسيا من السوق العالمي
يتميز بناء المصنع الجديد بأن تخزين الغاز الطبيعي المسال فيه لا يتم على الأرض، ولكن على منصة خاصة موجودة بشكل دائم في البحر.
وبحسب الخبراء، يؤدي ذلك لتسهيل عملية نقل الغاز الطبيعي المسال إلى الناقلات على طول طريق البحر الشمالي، إما إلى جنوب شرق آسيا أو أوروبا.
ووفقا لتصريحات الرئيس الروسي، فإن تنفيذ مشاريع إنتاج الغاز الطبيعي المسال سيسمح خلال السنوات الخمس إلى الست القادمة باستعادة الحصة التي تريدها روسيا في سوق الغاز الطبيعي المسال العالمي.
ووفقا لمعطيات الاتحاد الدولي للغاز في يوليو/تموز 2022، تستحوذ قطر وأستراليا على 21% من حصة السوق بـ77 و78.5 مليون طن سنويا على التوالي، ثم الولايات المتحدة بنسبة 18% بإنتاج 67 مليون طن، ثم روسيا بنسبة 8% بإنتاج 30 مليون طن (إمكانات روسيا في إنتاج الغاز الطبيعي المسال تقدر بـ136.7 مليون طن سنويا)، وأخيرا ماليزيا ونيجيريا وإندونيسيا والجزائر وسلطنة عمان.
ويوضح الخبير الاقتصادي مارات بشيروف أن روسيا في ظل الظروف الحالية تعتمد على تنويع سوق الطاقة لديها.
ويؤكد بشيروف -في حديثه للجزيرة نت- أن إرسال أول مصنع معياري للغاز المسال إلى يامال يعد جزءا مهما من إعادة هيكلة تصدير الغاز في روسيا، مؤكدا أنه عندما تنتهي الحرب في أوكرانيا ويتم رفع العقوبات سيعود الغاز الروسي للمرور عبر خطوط الأنابيب إلى أوروبا.
بدوره، يقول الباحث في مركز التقنيات الاقتصادية نيكيتا ماسليكوف -في حديثه للجزيرة نت- إن بوتين يدرك جيدا أن سوقا عالميا للغاز الطبيعي المسال يتم تشكيله حاليا، وينبغي لروسيا أن تحصل على حصتها فيه.
ويؤكد ماسليكوف أن الحديث يدور عن تشكيل سوق عالمي يشمل عددا من الدول الأفريقية ودول أميركا اللاتينية، ويترافق ذلك مع نمو حصة الغاز الطبيعي المسال في قطاع الطاقة العالمي خلال العشرين عاما القادمة، ولذلك تحرص روسيا على حجز مكانتها في السوق العالمي كون ذلك جزءا لا يتجزأ من إستراتيجيتها الجديدة في مجال الطاقة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ملیون طن سنویا للغاز الطبیعی فی سوق
إقرأ أيضاً:
مصر تجري محادثات مع شركات أجنبية بشأن صفقة غاز مسال طويلة الأجل
تجري مصر محادثات مع شركات أميركية وأجنبية أخرى لشراء كميات من الغاز الطبيعي المسال عبر اتفاقيات طويلة الأجل، في إطار سعيها إلى تجنب الشراء من السوق الفورية الأكثر تكلفة لتلبية الطلب على الطاقة، وفق ما نقلت رويترز عن 3 مصادر.
وعادت مصر إلى وضع المستورد الصافي للغاز الطبيعي، إذ اشترت عشرات الشحنات خلال العام الجاري وتخلت عن خطتها للتحول إلى مورّد لأوروبا، وسط انخفاض حاد في إنتاج الغاز المحلي.
وأشارت بيانات مبادرة بيانات المنظمات المشتركة (جيه أو دي آي) إلى تراجع إمدادات الغاز الطبيعي المحلية في سبتمبر/أيلول الماضي إلى أدنى مستوى في 7 سنوات، ويرجع ذلك إلى انخفاض الإنتاج من حقل ظهر وزيادة استهلاك الطاقة.
وتشير بيانات شركة الاستشارات إنرجي أسبكتس إلى توقعات بانخفاض إنتاج الغاز المحلي 22.5% إضافية بحلول نهاية 2028، وفي الوقت نفسه يتوقع محللون زيادة استهلاك الطاقة في البلاد 39% على مدى العقد المقبل.
3 أو 4 سنواتوقال مصدر في القطاع "تسعى وزارة (البترول) إلى توفير إمدادات لـ3 أو 4 سنوات للتحوط من الزيادات المفاجئة في الأسعار، وترغب أيضا في الاتفاق على شروط مرنة أملا في العثور على إمدادات غاز في وقت قريب أو عدم الحاجة إلى إمدادات كبيرة".
وقال مصدران تجاريان إن القاهرة تجري محادثات بشكل أساسي مع شركات في الولايات المتحدة وشركات تتولى تجميع وبيع الإنتاج من شركات أميركية، نظرا لمرونتها مقارنة بالمنتجين الآخرين.
وطلبت المصادر الثلاثة من رويترز عدم ذكر أسمائها، لأنها غير مخولة بالحديث عن هذه المسألة علنا.
ونقلت الوكالة عن مصادر تجارية في أكتوبر/تشرين الأول الماضي قولها إن من المتوقع أن تجري مصر مناقصة لشراء ما يصل إلى 20 شحنة من الغاز الطبيعي المسال لتغطية الطلب في الربع الأول من 2025، ودفعت مصر علاوة تتراوح بين دولار ودولارين مقابل مشتريات من الغاز المسال حصلت عليها في وقت سابق من العام الجاري.
وارتفعت أسعار الغاز المسال في السوق الفورية مؤخرا إلى ما يقارب 14.50 دولارا لكل مليون وحدة حرارية بريطانية من نحو 12 دولارا حينما بدأت القاهرة طرح مناقصات للشراء، مما يرفع تكلفة الشحنات الجديدة، في وقت تعاني فيه البلاد من أزمة في النقد الأجنبي.
وقال المصدر الأول إن مصر تعكف على تجهيز البنية التحتية اللازمة لاستيراد الغاز المسال في العين السخنة والإسكندرية، وأفادت شركة كبلر لتحليل البيانات الشهر الماضي بأنه من المتوقع أن تضع مصر وحدة عائمة ثانية للتخزين وإعادة التغويز في أوائل العام المقبل.
وأظهرت بيانات تتبع السفن من "كبلر" أنه منذ أوائل نوفمبر/تشرين الثاني الجاري حولت 4 شحنات من الغاز الطبيعي المسال مسارها من مصر إلى أوروبا.
وقال وزير البترول كريم بدوي أول أمس الاثنين إن إنتاج الغاز شهد زيادة 200 مليون قدم مكعبة بداية أكتوبر/تشرين الأول الماضي، مضيفا أنه يأمل في إضافة 420 مليون قدم مكعبة يوميا بحلول العام المقبل من حقلي ظهر وريفين، وهما اثنان من الامتيازات الرئيسية في مصر.
وعلاوة على الزيادة المحتملة في الإنتاج، قال المصدر الأول إن درجات الحرارة الأقل عن المتوقع ساهمت في تقليل استهلاك الطاقة وحجم الهدر عبر شبكة التوزيع.
ورغم الخطط الطموح التي وضعتها مصر لتصبح دولة رئيسية مصدرة للغاز بعد اكتشاف شركة إيني حقل ظهر البحري عام 2015 اضطرت القاهرة للعودة إلى سوق الغاز الطبيعي المسال لتلبية الاحتياجات المحلية.
وانخفض متوسط إنتاج حقل ظهر -وهو أكبر حقل غاز في مصر- إلى 1.9 مليار قدم مكعبة يوميا في النصف الأول من العام الجاري، مما أثار مخاوف حيال التحديات الفنية أو انخفاض الاستثمار.
تراجع إنتاج حقل ظهر للغاز الطبيعي في مصر (شركة إيني) مستحقات الشركاتوتعاني مصر من أزمة تأخر السداد لشركات النفط والغاز العاملة في مجالات الاستكشاف والإنتاج فيها، مما أدى إلى توقف البحث والاستكشاف في مشروعات متعددة، منها حل ظهر (أكبر حقول الغاز في مصر والواقع في البحر المتوسط).
وقالت وزارة البترول والثروة المعدنية في مصر الشهر الجاري إن خطط القاهرة لسداد مستحقات شركات النفط العالمية تتضمن إجراءات، منها ربط سداد هذه المستحقات المتأخرة بزيادة الإنتاج.
وأضافت الوزارة في بيان أنها أطلقت في الآونة الأخيرة حزمة حوافز لدفع الشركاء إلى زيادة الإنتاج بما يتجاوز المستويات الحالية، مع تخصيص الإيرادات الإضافية الناجمة عن هذه الزيادة لسداد الديون.
وقال وزير البترول والثروة المعدنية المصري كريم بدوي أوائل نوفمبر/تشرين الثاني الجاري إن مصر "بدأت في تطبيق بعض الآليات الجديدة فيما يخص سداد مستحقات الشركاء، منها المحافظة على انتظام سداد دفعات ثابتة بما يضمن استكرارية واستدامة السداد".
ولا تزال تفاصيل حزمة الحوافز الأوسع غير معلنة، لكنها تهدف إلى تشجيع زيادة الإنتاج، في الوقت الذي تواجه فيه مصر انخفاضا ملحوظا في إنتاج الغاز المحلي، والذي وصل في مايو/أيار الماضي إلى أدنى مستوى له في 6 سنوات.
واستجابة للتراجع تعهدت شركة إيني في أكتوبر/تشرين الأول الماضي ببذل جهود لاستعادة بعض معدلات إنتاج الغاز في حقل ظهر بحلول أوائل العام المقبل.