الجزيرة:
2025-03-11@18:20:29 GMT

مائة عام دون خلافة

تاريخ النشر: 6th, April 2024 GMT

مائة عام دون خلافة

قبل نحو شهر من الآن حلت الذكرى المئوية لإلغاء الخلافة العثمانية، وتحديدا في تاريخ الثالث من مارس/آذار 1924، وأصبح المسلمون لأول مرة في تاريخهم دون دولة تجمعهم وتحافظ على هويتهم وترعى حقوقهم. لم تكن الخلافة العثمانية هي النموذج الأمثل والأكمل للحكم، ولكنها كانت تشكل رمزية سياسية كبيرة، وكانت تعبّر عن الوحدة السياسية للعالم الإسلامي من طنجة إلى جاكرتا، كما يقول المفكر الجزائري مالك بن نبي.

في الواقع فقد ظل المسلمون على امتداد تاريخهم السياسي، يعيشون تحت ظل الخلافة بشكل أو آخر، وذلك منذ الخلافة الراشدة، مرورًا بالخلافة الأموية، ثم العباسية بتجلياتها المختلفة وانتهاءً بالخلافة العثمانية. من أجل ذلك فقد كان قرار إلغاء الخلافة صعبًا على النفوس، صعبًا على الأفهام، وأثار قرار الإلغاء موجة ضاربة من الحزن والإرباك على امتداد العالم الإسلامي. هذه الذكرى الأليمة جديرة بالتأمل وأخذ العِبر وشحذ الهمم، ومن المعيب أن تمر دون التأمل فيها والوقوف على معانيها. وهذا ما نحاول تسليط الضوء عليه في هذا المقال.

الحراك الإسلامي لإحياء الخلافة

قدمت الدولة العثمانية خدمات جليلة للإسلام والمسلمين، على امتداد العالم الإسلامي بشكله المعلوم اليوم، ولا يكاد يخلو مصرٌ من الأمصار من أثر طيب وعمل نافع قدّمهما العثمانيون، وعملوا على مدى أكثر من أربعة قرون، على حماية بيضة الدين في ظل واقع داخلي معقد، وصراع دولي واستعماري محموم بالذات في القرن الأخير من عمر الخلافة.

وأسهمت الدولة العثمانية كثيرًا في التقدم المادي والعسكري والاقتصادي للعالم الإسلامي، وحافظت على وحدة المسلمين وقوة شوكتهم، رغم التحديات الداخلية والخارجية الهائلة التي واجهتها.

ورغم حالة الوهن التي أصابت الخلافة، وبداية تمزق العالم الإسلامي؛ بفعل موجة الاستعمار الغربي منذ منتصف القرن التاسع عشر، فإن جمهور المسلمين ظلوا يدينون بالولاء للخلافة. ولذلك فإن قرار إلغاء الخلافة كان كارثيًا ومؤلمًا وأحدث حالة إرباك هائلة على امتداد العالم الإسلامي، وانتظمت حركة فاعلة لإحياء الخلافة من جديد، وقد كان ذلك حراكًا واسعًا يتفق في الهدف، ويختلف في الوسيلة والمنهج.

بذل قادة كبار في العالم الإسلامي جهودًا محمودة من أجل إحياء الخلافة، كما لعب المجتمع المدني دورًا محوريًا في هذا المجال، تمثّل ذلك في مؤسسات معرفية مثل الأزهر، أو تجمعات مدنية إسلامية كما فعل المسلمون في الهند والبلقان وأفريقيا وآسيا وأوروبا، وفي بقاع نائية مثل اليابان وإندونيسيا، واستمرت جهود المجتمع المدني المسلم لإحياء الخلافة حتى اندلاع الحرب العالمية الثانية.

أسهم عدد كبير من المفكرين والكتّاب في توجيه الرأي العام واستنباط الأفكار والرؤى الممكنة؛ لإعادة الخلافة الإسلامية، وشهدت ساحات الفكر والعلم مساهمات عميقة وجريئة من كتّاب ومفكّرين من أمثال جمال الدين الأفغاني، ومحمد عبده، والكواكبي، ومالك بن نبي، وغيرهم.

لقد قدم كل هؤلاء المفكرين أفكارًا مازالت صالحة وملهمة للأجيال. تبنى مفكر الشرق جمال الدين الأفغاني فكرة الجامعة الإسلامية منذ نهاية القرن التاسع عشر الميلادي، وفي القرن العشرين طرح المفكر مالك بن نبي فكرة قيام كومنولث إسلامي، ومن بين أهم المفكرين المسلمين الذين اهتموا بموضوع الخلافة، الدكتور عبد الرزاق السنهوري، الذي حاول تقديم رؤية عملية جديدة لإحياء الخلافة.

خصص الدكتور السنهوري رسالته للدكتوراه في جامعة السوربون في العام 1926 لموضوع الخلافة، وذهب السنهوري إلى أن واقع العالم الإسلامي في تلك المرحلة، وفي ظل الصراع الدولي الاستعماري المسعور، لن يسمح بقيام خلافة جديدة، ولكن العالم الإسلامي الذي بدأ يتشكل في مجموعة دول قومية يمكن أن يلتقي تحت مظلة منظمة سياسية جامعة، تكون هي البديل للخلافة.

أطلق على تلك المنظمة عصبة الأمم الشرقية. ومهدت أفكار السنهوري الطريق فيما بعد لقيام منظمة التعاون الإسلامي الحالية التي أُنشئت في العام 1969، وتتخذ من مدينة جدة مقرًا مؤقتًا لها إلى حين تحرير القدس.

بالرغم من التحولات السياسية الكبيرة التي شهدها العالم الإسلامي بعد الحرب العالمية الثانية، وتجذر فكرة الدولة القومية، وقيام دول مستقلة على امتداد رقعة العالم الإسلامي الذي كان يخضع كله للسلطان السياسي أو الروحي لخليفة واحد، فإن قضية وحدة العالم الإسلامي ظلت قائمة.

وبذلت دول مثل باكستان وماليزيا والصومال ومصر والمغرب وغينيا، أدوارًا كبيرة وقدمت أفكارًا ومبادرات مهمة في سبيل إنشاء كيان يمثل وحدة العالم الإسلامي، وأثمرت هذه الجهود عن قيام تجمّعات أهلية لا تزال عاملة، مثل مؤتمر العالم الإسلامي، ورابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة. إلا أن الجهد الأكبر في هذا الصدد هو ما قام به الملك فيصل بن عبد العزيز والذي انتهى بعقد أول قمة إسلامية في التاريخ الحديث والتي عقدت في مدينة الرباط في العام 1969، وانتهت بقيام منظمة التعاون الإسلامي والتي تمثل أكبر مؤسسة جماعية سياسية في العالم الإسلامي، تضمّ في عضويتها 57 دولة.

عصر الخلافة الأوروبيّة

هذه السياقات التاريخية الموجزة، تؤكد أن فكرة الخلافة كانت تشكل قناعات ثابتة في العقل الجماعي المسلم بشكل يشبه الإجماع، ولم تكن فكرة الخلافة بأي حال مفروضة من الخارج على جمهور المسلمين طوال تاريخهم السياسي، بل إن التفكير السياسي العام في تلك المرحلة كان يقوم على مفهوم الأمة بمعناه الواسع، وليس على مفهوم الدولة بمعناه الضيق، وبصورته الحداثية التي هي نتاج لتطور الفكر السياسي الغربي.

لم يكن قرار حل الخلافة وليد الصدفة، وإنما جاء نتاج عمل فكري طويل ضمن حملة الغزو الفكري والعسكري التي شنتها الدول الغربية الأوروبية ضد العالم الإسلامي، ونشطت القوى المستعمرة في الترويج لفكرة الدولة القومية، في مواجهة فكرة الأمة التي قامت عليها الخلافة.

إن حملة الترويج للدولة القومية على النموذج الأوروبي كان القصد النهائي لها هو تمزيق وحدة العالم الإسلامي وإضعاف قوته. وبتفتّت العالم الإسلامي إلى دويلات أصبح من السهل الانقضاض عليه من الأطراف، وهكذا أُكلت دول وكيانات إسلامية كثيرة يوم أُكلت السلطنة العثمانية.

الغريب في الأمر أن القوى الأوروبية التي قاومت الخلافة وحاربت فكرة وحدة العالم الإسلامي، وزينت الدولة القومية في العالم الإسلامي، سرعان ما بدأت في البحث عن وسيلة توحد دولها لتتمكن من مواجهة تحديات مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية. وهكذا بدأت دول أوروبا منذ منتصف القرن العشرين العمل على تكوين خلافة أوروبية.

بدأت فكرة الخلافة الأوروبية باتحاد الفحم الحجري، وانتهت بتكوين الاتحاد الأوروبي الذي أصبح الوعاء الجامع لكل دول أوروبا تقريبًا. وبقيام الاتحاد الأوروبي بدأت أوروبا عمليًا في الانتقال من ضيق الدولة القومية بمحدداتها السياسية والاقتصادية، إلى سعة الاتحاد المفضي إلى الوحدة تحت مظلة الاتحاد الأوروبي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ ترجمات حريات وحدة العالم الإسلامی الدولة القومیة على امتداد فی هذا

إقرأ أيضاً:

بدأت برسالة من سيدة إلي مصطفي أمين.. كيف جاءت فكرة عيد الأم في مصر؟

عيد الأم في مصر.. يحتفل المصريون بعيد الأم في 21 مارس من كل عام، وهو تقليد بدأه الصحفيان مصطفى أمين وعلي أمين، مؤسسا صحيفة «أخبار اليوم»، بهدف تكريم الأمهات والاعتراف بدورهن في المجتمع. ولكن كيف بدأت فكرة عيد الأم في مصر؟ وما علاقته بالاحتفال العالمي بهذه المناسبة؟

الاحتفال بعيد الأم رسالة من سيدة إلي مصطفي أمين

جاءت فكرة عيد الأم في مصر بعدما تلقى علي أمين رسالة من سيدة تشكو من جحود أبنائها وسوء معاملتهم لها رغم تضحياتها الكبيرة من أجلهم، وفي ذات الوقت زارت إحدى الأمهات الصحفي مصطفى أمين في مكتبه، وروت له كيف كرست حياتها لأبنائها بعد وفاة زوجها، حتى تخرجوا من الجامعات وتزوجوا، ثم انقطعوا عن زيارتها تماما.

عيد الأم

وقد تأثر الأخوان أمين بهذه القصص، وقرر مصطفى أمين طرح فكرة تخصيص يوم للاحتفال بالأم في عموده الصحفي الشهير «فكرة»، وقد لاقت هذه الفكرة ترحيبا شديدا من قبل القراء، وتم تحديد 21 مارس، الذي يوافق بداية فصل الربيع، ليكون عيد الأم، واحتفلت مصر بأول عيد أم في 21 مارس 1956، ومن مصر، ثم انتقلت بعد ذلك هذه الفكرة إلى الكثير من الدول العربية.

عيد الأم عيد الأم عالميًا.. كيف بدأ الاحتفال به؟

يرجع أول احتفال بعيد الأم إلى عام 1908 في الولايات المتحدة، عندما أطلقت الناشطة آنا جارفيس حملة لجعل هذا اليوم إجازة رسمية، تكريما لكل الأمهات وتقديرا لدورهن ومعاناتهم مع أبنائهم.

وكانت آنا جارفيس شديدة الارتباط بوالدتها، ولم تتزوج، وكرست حياتها لنشر فكرة الاحتفال بالأمهات، وبفضل جهودها، اعترف الكونجرس الأمريكي بعيد الأم رسميًا في 10 مايو 1914.

ويختلف تاريخ الاحتفال من دولة إلى أخرى، ففي العالم العربي يُحتفل به يوم 21 مارس، بينما تحتفل به النرويج في 2 فبراير، والأرجنتين في 3 أكتوبر، وجنوب إفريقيا في 1 مايو، وألمانيا والولايات المتحدة في الأحد الثاني من شهر مايو، أما إندونيسيا فتحتفل به في 22 ديسمبر.

يوم عيد الأم عيد الأم.. يوم للاعتراف بالفضل والتقدير

وفي سياق متصل قد تحول عيد الأم إلى مناسبة عالمية تعبر عن الامتنان والتقدير للأمهات، ليصبح يومًا للاحتفال بدورهن العظيم في بناء الأجيال. في مصر، لا يقتصر الأمر على تقديم الهدايا والورود، بل أصبح اليوم فرصة للاحتفاء بكل أم قدمت التضحيات من أجل أسرتها، ولتأكيد أهمية الروابط الأسرية وقيم البر بالوالدين.

عيد الأم

اقرأ أيضاًحسام موافي: لا يجب أن نلغي عيد الأم لسبب الوفاة.. فيديو

أثمن كنوز حياتنا.. تركيا تحتفل بعيد الأم

محافظ القليوبية يكرم الأمهات المثاليات فى احتفالات عيد الأم

مقالات مشابهة

  • سوسن بدر: فكرة مسلسل "الكابتن" جديدة ودمها خفيف
  • رابطة العالم الإسلامي تدين قطع حكومة الاحتلال الإسرائيلي الكهرباء عن قطاع غزة
  • مستشار حكومي:وزراء فاشلين فاسدين في حكومة السوداني جراء المحاصصة التي ارهقت الدولة
  • رابطة العالم الإسلامي تُدين قرارَ حكومة الاحتلال الإسرائيلي قطع الكهرباء عن قطاع غزة
  • رئيس اتحاد علماء المسلمين يرحب بالاتفاق بين دمشق و”قسد”
  • بعد مائة عام سيدة تعيد كتاب استعاره جدها من مكتبة
  • ترامب أعاد البلاد إلى الوراء قرابة مائة عام في خمسة أيام
  • إليك أغرب أشكال الاحتجاج التي شهدها العالم على مر التاريخ (صور)
  • أكثر من مائة معسكر لتدريب المستنفرين في شندي
  • بدأت برسالة من سيدة إلي مصطفي أمين.. كيف جاءت فكرة عيد الأم في مصر؟