الجزيرة:
2024-07-01@13:11:38 GMT

مائة عام دون خلافة

تاريخ النشر: 6th, April 2024 GMT

مائة عام دون خلافة

قبل نحو شهر من الآن حلت الذكرى المئوية لإلغاء الخلافة العثمانية، وتحديدا في تاريخ الثالث من مارس/آذار 1924، وأصبح المسلمون لأول مرة في تاريخهم دون دولة تجمعهم وتحافظ على هويتهم وترعى حقوقهم. لم تكن الخلافة العثمانية هي النموذج الأمثل والأكمل للحكم، ولكنها كانت تشكل رمزية سياسية كبيرة، وكانت تعبّر عن الوحدة السياسية للعالم الإسلامي من طنجة إلى جاكرتا، كما يقول المفكر الجزائري مالك بن نبي.

في الواقع فقد ظل المسلمون على امتداد تاريخهم السياسي، يعيشون تحت ظل الخلافة بشكل أو آخر، وذلك منذ الخلافة الراشدة، مرورًا بالخلافة الأموية، ثم العباسية بتجلياتها المختلفة وانتهاءً بالخلافة العثمانية. من أجل ذلك فقد كان قرار إلغاء الخلافة صعبًا على النفوس، صعبًا على الأفهام، وأثار قرار الإلغاء موجة ضاربة من الحزن والإرباك على امتداد العالم الإسلامي. هذه الذكرى الأليمة جديرة بالتأمل وأخذ العِبر وشحذ الهمم، ومن المعيب أن تمر دون التأمل فيها والوقوف على معانيها. وهذا ما نحاول تسليط الضوء عليه في هذا المقال.

الحراك الإسلامي لإحياء الخلافة

قدمت الدولة العثمانية خدمات جليلة للإسلام والمسلمين، على امتداد العالم الإسلامي بشكله المعلوم اليوم، ولا يكاد يخلو مصرٌ من الأمصار من أثر طيب وعمل نافع قدّمهما العثمانيون، وعملوا على مدى أكثر من أربعة قرون، على حماية بيضة الدين في ظل واقع داخلي معقد، وصراع دولي واستعماري محموم بالذات في القرن الأخير من عمر الخلافة.

وأسهمت الدولة العثمانية كثيرًا في التقدم المادي والعسكري والاقتصادي للعالم الإسلامي، وحافظت على وحدة المسلمين وقوة شوكتهم، رغم التحديات الداخلية والخارجية الهائلة التي واجهتها.

ورغم حالة الوهن التي أصابت الخلافة، وبداية تمزق العالم الإسلامي؛ بفعل موجة الاستعمار الغربي منذ منتصف القرن التاسع عشر، فإن جمهور المسلمين ظلوا يدينون بالولاء للخلافة. ولذلك فإن قرار إلغاء الخلافة كان كارثيًا ومؤلمًا وأحدث حالة إرباك هائلة على امتداد العالم الإسلامي، وانتظمت حركة فاعلة لإحياء الخلافة من جديد، وقد كان ذلك حراكًا واسعًا يتفق في الهدف، ويختلف في الوسيلة والمنهج.

بذل قادة كبار في العالم الإسلامي جهودًا محمودة من أجل إحياء الخلافة، كما لعب المجتمع المدني دورًا محوريًا في هذا المجال، تمثّل ذلك في مؤسسات معرفية مثل الأزهر، أو تجمعات مدنية إسلامية كما فعل المسلمون في الهند والبلقان وأفريقيا وآسيا وأوروبا، وفي بقاع نائية مثل اليابان وإندونيسيا، واستمرت جهود المجتمع المدني المسلم لإحياء الخلافة حتى اندلاع الحرب العالمية الثانية.

أسهم عدد كبير من المفكرين والكتّاب في توجيه الرأي العام واستنباط الأفكار والرؤى الممكنة؛ لإعادة الخلافة الإسلامية، وشهدت ساحات الفكر والعلم مساهمات عميقة وجريئة من كتّاب ومفكّرين من أمثال جمال الدين الأفغاني، ومحمد عبده، والكواكبي، ومالك بن نبي، وغيرهم.

لقد قدم كل هؤلاء المفكرين أفكارًا مازالت صالحة وملهمة للأجيال. تبنى مفكر الشرق جمال الدين الأفغاني فكرة الجامعة الإسلامية منذ نهاية القرن التاسع عشر الميلادي، وفي القرن العشرين طرح المفكر مالك بن نبي فكرة قيام كومنولث إسلامي، ومن بين أهم المفكرين المسلمين الذين اهتموا بموضوع الخلافة، الدكتور عبد الرزاق السنهوري، الذي حاول تقديم رؤية عملية جديدة لإحياء الخلافة.

خصص الدكتور السنهوري رسالته للدكتوراه في جامعة السوربون في العام 1926 لموضوع الخلافة، وذهب السنهوري إلى أن واقع العالم الإسلامي في تلك المرحلة، وفي ظل الصراع الدولي الاستعماري المسعور، لن يسمح بقيام خلافة جديدة، ولكن العالم الإسلامي الذي بدأ يتشكل في مجموعة دول قومية يمكن أن يلتقي تحت مظلة منظمة سياسية جامعة، تكون هي البديل للخلافة.

أطلق على تلك المنظمة عصبة الأمم الشرقية. ومهدت أفكار السنهوري الطريق فيما بعد لقيام منظمة التعاون الإسلامي الحالية التي أُنشئت في العام 1969، وتتخذ من مدينة جدة مقرًا مؤقتًا لها إلى حين تحرير القدس.

بالرغم من التحولات السياسية الكبيرة التي شهدها العالم الإسلامي بعد الحرب العالمية الثانية، وتجذر فكرة الدولة القومية، وقيام دول مستقلة على امتداد رقعة العالم الإسلامي الذي كان يخضع كله للسلطان السياسي أو الروحي لخليفة واحد، فإن قضية وحدة العالم الإسلامي ظلت قائمة.

وبذلت دول مثل باكستان وماليزيا والصومال ومصر والمغرب وغينيا، أدوارًا كبيرة وقدمت أفكارًا ومبادرات مهمة في سبيل إنشاء كيان يمثل وحدة العالم الإسلامي، وأثمرت هذه الجهود عن قيام تجمّعات أهلية لا تزال عاملة، مثل مؤتمر العالم الإسلامي، ورابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة. إلا أن الجهد الأكبر في هذا الصدد هو ما قام به الملك فيصل بن عبد العزيز والذي انتهى بعقد أول قمة إسلامية في التاريخ الحديث والتي عقدت في مدينة الرباط في العام 1969، وانتهت بقيام منظمة التعاون الإسلامي والتي تمثل أكبر مؤسسة جماعية سياسية في العالم الإسلامي، تضمّ في عضويتها 57 دولة.

عصر الخلافة الأوروبيّة

هذه السياقات التاريخية الموجزة، تؤكد أن فكرة الخلافة كانت تشكل قناعات ثابتة في العقل الجماعي المسلم بشكل يشبه الإجماع، ولم تكن فكرة الخلافة بأي حال مفروضة من الخارج على جمهور المسلمين طوال تاريخهم السياسي، بل إن التفكير السياسي العام في تلك المرحلة كان يقوم على مفهوم الأمة بمعناه الواسع، وليس على مفهوم الدولة بمعناه الضيق، وبصورته الحداثية التي هي نتاج لتطور الفكر السياسي الغربي.

لم يكن قرار حل الخلافة وليد الصدفة، وإنما جاء نتاج عمل فكري طويل ضمن حملة الغزو الفكري والعسكري التي شنتها الدول الغربية الأوروبية ضد العالم الإسلامي، ونشطت القوى المستعمرة في الترويج لفكرة الدولة القومية، في مواجهة فكرة الأمة التي قامت عليها الخلافة.

إن حملة الترويج للدولة القومية على النموذج الأوروبي كان القصد النهائي لها هو تمزيق وحدة العالم الإسلامي وإضعاف قوته. وبتفتّت العالم الإسلامي إلى دويلات أصبح من السهل الانقضاض عليه من الأطراف، وهكذا أُكلت دول وكيانات إسلامية كثيرة يوم أُكلت السلطنة العثمانية.

الغريب في الأمر أن القوى الأوروبية التي قاومت الخلافة وحاربت فكرة وحدة العالم الإسلامي، وزينت الدولة القومية في العالم الإسلامي، سرعان ما بدأت في البحث عن وسيلة توحد دولها لتتمكن من مواجهة تحديات مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية. وهكذا بدأت دول أوروبا منذ منتصف القرن العشرين العمل على تكوين خلافة أوروبية.

بدأت فكرة الخلافة الأوروبية باتحاد الفحم الحجري، وانتهت بتكوين الاتحاد الأوروبي الذي أصبح الوعاء الجامع لكل دول أوروبا تقريبًا. وبقيام الاتحاد الأوروبي بدأت أوروبا عمليًا في الانتقال من ضيق الدولة القومية بمحدداتها السياسية والاقتصادية، إلى سعة الاتحاد المفضي إلى الوحدة تحت مظلة الاتحاد الأوروبي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ ترجمات حريات وحدة العالم الإسلامی الدولة القومیة على امتداد فی هذا

إقرأ أيضاً:

"ظفار الإسلامي" يُطلق "الريادة" للخدمات المصرفية المُتميزة

 

مسقط- الرؤية

أعلن ظفار الإسلامي عن إطلاق الريادة للخدمات المصرفية المتميزة والمتوافقة مع الشريعة الإسلامية؛ لتلبية الاحتياجات والأهداف المالية للزبائن، التي تمنح خدمات شخصية ومزايا حصرية لتعزيز تجربتهم المصرفية.

ويوفر حساب الريادة لزبائن ظفار الإسلامي الأولوية في معالجة معاملاتهم المصرفية اليومية عن طريق كادر متخصص من المدراء ذوي الخبرة الواسعة في جميع الفروع المنتشرة بمحافظات سلطنة عمان التي وصلت إلى 24 فرعًا.

وصُمِّم تصميم العديد من المنتجات والخدمات المصرفية المبتكرة والعروض الحصرية التي تساعد الزبائن على إدارة متطلباتهم المصرفية اليومية براحة وسهولة. إذ توفر بطاقة الخصم المباشر" فيزا سينجنتشر" مجموعة من خدمات السفر والمطاعم والتسوق مثل الدخول المجاني إلى أكثر من 1,000 صالة في المطارات الدولية الرئيسية، إضافة إلى تأمين سفر مجاني للرحلات المتعددة، وخدمة الكونسيرج "المساعد الشخصي" التي توفر كل ما يلزم  الزبون من حجز الرحلات والمطاعم وغيرها على مدار الساعة. كما توفر بطاقة "وورلد ماستركارد الائتمانية" أحد أفضل برامج المكافآت؛ حيث يمكن لكل زبون كسب نقاط على إنفاقه كنقاط استرداد نقدي.

ويتمتع زبائن الريادة بمجموعة من الحلول التمويلية بأسعار تنافسية، مثل التمويل الشخصي، والتمويل على المركبات بمدة تصل إلى 10 سنوات، والتمويل السكني لمدة تصل إلى 25 سنة، إضافة إلى تمويل جميع نفقات أنواع السفر منها نفقات الحج والعمرة لمدة سداد مرنة تصل إلى 3 سنوات، وتمويل نفقات التعليم لمدة تصل إلى 10 سنوات. كما يستطيع زبائن الريادة فتح حسابات التوفير والجارية بطريقة سهلة وسريعة والإنتفاع بأسعار تنافسية للربح على الودائع، إضافة إلى احتساب الربح على أساس يومي ليتم الدفع بنهاية كل شهر بالنسبة لحساب الأمين للاستثمار.

وقال زياد بن أحمد الميمني رئيس الخدمات المصرفية المتميزة في ظفار الإسلامي: "إن الريادة للخدمات المصرفية المتميزة هي امتداد لإلتزام ظفار الإسلامي بتقديم خدمات مصرفية استثنائية للزبائن وبناء علاقات دائمة وعميقة معهم؛ إذ نسعى إلى تقديم تجربة مصرفية لا مثيل لها تفوق التوقعات من خلال الجمع بين الحلول المالية الشخصية والخدمات ذات الأولوية والامتيازات الحصرية بالإضافة إلى خدمات إدارة الثروات".

مقالات مشابهة

  • "ظفار الإسلامي" يُطلق "الريادة" للخدمات المصرفية المُتميزة
  • صراع الأفكار
  • الجيش الإسرائيلي: لن نغادر قطاع غزة إلا في هذه الحالة
  • الإفتاء تستعدُّ لمؤتمرها العالمي التاسع بمشاركة أكثر من مائة دولة
  • برعاية السيسي.. “الإفتاء” تستعد لمؤتمرها العالمي التاسع بمشاركة أكثر من مائة دولة
  • "العالم الإسلامي" تدين قرار الاحتلال الإسرائيلي بتوسيع عمليات الاستيطان بالضفة الغربية
  • العالم الإسلامي تدين قرار الاحتلال الإسرائيلي بتوسيع عمليات الاستيطان بالضفة الغربية
  • قصور الطيور بتركيا.. رحلة عبر الزمن تُغرد بالرحمة على مر العصور
  • السباق نحو خلافة سعيد الناصري في مجلس عمالة الدارالبيضاء يخلق انقساماً داخل البام
  • 5 انتخابات تخطف أنظار العالم