العز بن عبدالسلام، رحمه الله، شيخ الإسلام الذي خلد الله ذكره، وكان من الزاهدين، واشتهر بالورع والتقوى والتحرّي في الفتوى، هو عبدالعزيز بن عبدالسلام بن أبي القاسم بن الحسن السلمي، الدمشقي، الشافعي، شيخ الإسلام، وُلد العز بدمشق سنة 577هـ (1181م) ونشأ فيها، ودرس علوم الشريعة واللغة العربية، وتولى الخطابة بالجامع الأموي والتدريسَ في زاوية الغزالي فيه، واشتهر بعلمه حتى قصده الطلبة من مختلف البلاد، ثم هاجر إلى مصر، فعُيّن قاضياً للقضاة فيها، وتولى التدريس والإفتاء، وعُيّن للخطابة بجامع عمرو بن العاص، وعمّر حتى مات بالقاهرة سنة 660هـ (1262م) ودُفن بها.


تفقه العز بن عبدالسلام على الإمام فخر الدين بن عساكر، وقرأ الأصول والعربية، ودرس وأفتى وصنف، وبرع في المذهب الشافعي، وبلغ رتبة الاجتهاد، وقصده طلبة العلم من أرجاء البلاد الإسلامية، وتتلمذ على يديه أئمة كشيخ الإسلام ابن دقيق العيد، والإمام علاء الدين أبي الحسن الباجي، والشيخ تاج الدين بن الفركاح، والحافظ أبي محمد الدمياطي، وأبي شامة، وغيرهم.
وله تصانيف مفيدة، وفتاوى سديدة، وكان إماماً، ناسكاً، ورعاً، عابداً، وكان جامعاً لفنون متعددة، عارفاً بالأصول والفروع والعربية، إضافة إلى ما جُبل عليه من ترك التكلف، مع الالتزام بالدين.
وعندما سافر من الشام إلى مصر، وقدم إليها، تلقاه واليها الصالح نجم الدين أيوب وبالغ في احترامه، وأكرمه حافظ الديار المصرية، وزاهدها الإمام عبدالعظيم المنذري، وامتنع من الفتوى وقال: كُنا نفتي قبل حضور الشيخ عز الدين، وأما بعد حضوره، فمنصب الفتوى متعيّن فيه.
وكان ورعاً متحفظاً في الفتوَى، أفتى مرّة بشيء، ثم ظهر له أنه خطأ، فنادى في مصر والقاهرة على نفسه، من أفتى له فلان بكذا فلا يعمل به فإنه خطأ.
وكان لا يحمل في قلبه غلاً على أحد، حتى من تعدى عليه وظلمه، قال رحمه الله: إني كل ليلة أحالل الخلق وأبيت وليس لي عند أحد مظلمة، وأرى أن يكون أجري على الله تعالى ولا يكون على الناس، عملاً بقوله تعالى: (... فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ...)، سورة الشورى: الآية 40، وأن يكون أجري على الله، ولا يكون على خلقه أحب إليَّ.
ومن مؤلفات الشيخ عز الدين «القواعد الكبرى»، وكتاب «مجاز القرآن»، وهذان الكتابان شاهدان بإمامته وعظيم منزلته في علوم الشريعة، وله كتاب «شجرة المعارف» وهو حسن جداً، وكتاب «الدلائل المتعلقة بالملائكة والنبيين -عليهم السلام- والخلق أجمعين»، و«الإمام في أدلة الأحكام»، و«الفتاوى الموصلية»، و«الفتاوى المصرية»، مجموع مشتمل على فنون من المسائل والفوائد، وغيرها.
توفي في العاشر من جمادى الأولى سنة 660هـ بالقاهرة، ودفن بالقرافة الكبرى، رحمه الله تعالى. وكان يومُ دفنه مشهوداً، وحضر جنازتَه الخاصُّ والعامُّ من أهل مصر والقاهرة، وشارك في الجنازة خلائقُ لا تُحصى، وصلى عليه ملكُ مصر والشام الظاهر بيبرس. وقد تأثر الظاهر بيبرس من وفاة العز، وتأسف على موته في أثناء دولته فقال: «لا إله إلا الله، ما اتَّفَقَتْ وفاةُ الشيخ إلا في دولتي»، واصطحب أمراءَه وخاصتَه وأجنادَه لتشييعِ جنازته، وحَمَلَ نعشَه وحَضَرَ دفنَه.
كما تأثر عامةُ المسلمين بوفاة العز، لفضله وعلمه ومواقفه. 

أخبار ذات صلة رمضان.. شهر الخير والتراحم تفاهم بين «الإمارات للخدمات الصحية» وجامعة عجمان

المصدر: صحيفة الاتحاد

إقرأ أيضاً:

مخطط حوثي لتجريف القطاع الخاص والقضاء على البيوت التجارية اليمنية

مخطط حوثي لتجريف القطاع الخاص والقضاء على البيوت التجارية اليمنية

مقالات مشابهة

  • خطيب الجامع الأزهر: قضية العلم هي الأخطر والأعلى شأنا في الإسلام
  • خطيب الأوقاف: شعوب دخلت الإسلام بسبب القوة الأخلاقية للمسلمين.. فيديو
  • خطبتا الجمعة بالحرمين: نسيان الفضل يُفرّق الأسر ويُفسد المجتمع.. والسيرة النبوية يجب أن يكون لها أثرٌ في حياة المسلم
  • قسمًا سيجبر الله خاطركم يا أهل غزة
  • التأصيل الشرعي لأعظم ثورات التحرير المعاصرة في ذكراها السبعين (1 من 2)
  • مخطط حوثي لتجريف القطاع الخاص والقضاء على البيوت التجارية اليمنية
  • الإفتاء: الإسلام حث على نظافة الفم والأسنان والجسد.. وهذا أبسط دليل
  • هكذا يتحالف بعض العرب مع عدو أمتهم
  • مدير «القومي للمسرح» ينعى مصطفى فهمي: رحمه الله وألهم أهله ومحبيه الصبر
  • هل صحيح أن ماء المطر فيه شفاء من السحر والعين؟..الشيخ “عبدالسلام السليمان” يجيب