إعداد: يمامة بدوان

تمر اليوم الذكرى الثامنة على رحيل خلفان محمد الرومي، إحدى القامات الوطنية البارزة، وصاحب المسيرة الحافلة بالبصمات الباقية أبد الدهر، حيث قدّم للوطن سنوات طويلة من حياته مليئة بالعطاء والاجتهاد، وأورث حب الوطن وخدمته لأبنائه، وواكب مسيرة البناء، وبفضل جهوده وجهود أبناء جيله، حققت الدولة مكانتها المرموقة عالمياً في مختلف المجالات، لذا سجّل التاريخ اسمه ضمن الرعيل الأول من أبناء الوطن، الذين حملوا على عاتقهم تحويل حلم الإمارات العربية المتحدة إلى واقع، وعملوا بجد وإخلاص لينعم الوطن بالأمن والأمان والسلام، وينعم المواطن بالرفاهية والسعادة.

في السادس من إبريل عام 2016، رحل خلفان محمد خلفان الرومي عن عالمنا، وبرغم مرور ثمانية أعوام على الرحيل، إلا أنه ترك إرثاً مملوءاً بالولاء والانتماء، وتأثيراً قوياً في الحياة الثقافية والتعليمية والإعلامية، ليتذكر الجميع سيرته الخالدة التي رسم ملامحها بجهده من أجل الوطن.

مناصب وزارية

تقلد الرومي الكثير من المناصب في عدد من الوزارات، منها وكيل وزارة التربية، فقد انضم الفقيد لأعضاء الهيئة التي كلفت بزيارة الدول الخليجية والعراق وسوريا والأردن ولبنان، قبل أشهر قليلة من قيام اتحاد الإمارات، بعد أن اختاره المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه، لنقل وجهة نظره في ما يتعلق بمجريات الأمور، وإبلاغ هذه الدول بمشروع قيام الدولة.

كما تم انتدابه إلى جامعة الدول العربية التي قررت مناقشة قضية جزر الإمارات، التي احتلتها إيران قبل قيام الدولة بأيام قلائل.

وكان منصب وكيل وزارة التربية والتعليم هو المنصب الأول الذي بدأ به حياته المهنية، إبان تولي الراحل الدكتور عبد الله عمران تريم وزارة التربية، بعد التشكيل الثاني في عام 1973، وتولى منصب وزير العمل والشؤون الاجتماعية عام 1983 حتى 1990، وفي التشكيل الوزاري الثالث، كان خلفان الرومي وزيراً للصحة عام 1977، ثم تولى حقيبة الإعلام والثقافة في التشكيل الوزاري الخامس عام 1990، كما أسندت إليه عشرات المهام الوطنية، بتكليف من القيادة الرشيدة، وكان شاهداً على مراحل البناء والتطوير قبل تأسيس الاتحاد عام 1971 وبعده.

عطاء سياسي

لم يكن الرومي إحدى الشخصيات الفعالة، التي تمتلك تأثيراً قوياً في الحياة الثقافية والتعليمية والإعلامية، فحسب، إنما يسجل التاريخ دوره السياسي المهم في مسيرة الوطن، وتمثل عطاؤه السياسي في كثير من الإنجازات داخل الدولة وخارجها، منها مشاركته في أعمال اللجان الاتحادية التي كانت تعد القوانين والأنظمة لقيام دولة الإمارات العربية المتحدة.

كما كان عضواً في بعض الوفود التي أُرسلت لشرح وإطلاع بعض الدول على أسس قيام دولة الإمارات منها: قطر، البحرين، الكويت، العراق، سوريا، الأردن، لبنان، وعضو وفد انضمام الدولة لجامعة الدول العربية، ومناقشة قضية الجزر المحتلة، وعضو لجنة إعداد مشروع الدستور الدائم، وعضو لجنة شؤون الموظفين في الدولة، وعضو لجنة التشريعات، كما شارك في العديد من المؤتمرات والاجتماعات الخليجية والعربية والإسلامية والعالمية.

وترأس الفقيد العديد من الوفود الرسمية، وشغل عضوية مجلس الأمناء لكليات التقنية العليا، ونائب رئيس اتحاد مصارف الإمارات، وعضو لجنة الموارد البشرية في القطاع المالي والمصرفي، وعضو اللجنة العليا للانتخابات للمجلس الوطني الاتحادي، الدورتين الأولى والثانية، وكان الراحل رئيساً، ونائب رئيس، وعضواً في بنوك عدة.

كلمات وفاء

كانت كلمات أصحاب السموّ حكام الإمارات عن الراحل الرومي خير دليل على ما كان عليه من وفاء لأرض إمارات الخير، حيث قدم صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، واجب العزاء في الرومي، خلال زيارة سموه مجلس العزاء في منطقة السويحات في الشارقة، وأعرب عن صادق تعازيه ومواساته لأشقاء وأبناء وأسرة الفقيد.

وفي يوم وفاته كتب صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، على منصة «إكس»: «خلفان محمد الرومي أعطى للوطن سنوات طويلة من حياته، ومن عطائه وطاقته واجتهاده، وأورث حب الوطن وخدمته لأبنائه، أحد رجال الوطن الأوفياء.. وأحد رفقاء زايد وراشد في مسيرة البناء».

وفي تأبين الراحل عام 2016، قال سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية: «معلمي خلفان الرومي، عندما بدأتُ عملي في وزارة الإعلام والثقافة في التسعينات، كنتُ كأي شاب متحمّس ومندفع للعمل، كُنتُ أظنني قادراً على تغيير العالم كأي فتى مقبل على الحياة، إلا أنني كنتُ محظوظاً بمدير عاقل خبر الحياة كثيراً، لم يُكسّر طموحاتي على صخرة الواقع، بل تبنّى ذلك الحماس واحتواه، بحكمة الأب، وبخبرة المعلم الذي يتمنى أن يصبح تلامذته ناجحين في حياتهم، لم تكن عندي خبرة في العمل حينها، فكان أبو فيصل هو المعلم الذي استفدتُ من معرفته كثيراً، والموجّه الذي كان يُصحح أخطائي بابتسامة، وكلمات مُشجّعة».

إنجازات في «الصحافة العربية»

قدم الرومي إنجازات عظيمة لوطنه وشعبه وللصحافة على حد سواء، فكان آخر المناصب التي تقلدها هي رئاسة مجلس إدارة جائزة الصحافة العربية، كما كان من المواكبين لتأسيس الجائزة في دبي منذ اللحظات الأولى وقدّم العديد من المقترحات التي ساهمت في تطويرها.

سيرة شخصية

ولد خلفان بن محمد بن خلفان الرومي في 5 يناير/‏‏‏ كانون الثاني 1946، في إمارة الشارقة، وحصل على بكالوريوس في التاريخ من جامعة بغداد عام 1964، ويأتي الراحل في مقدمة حملة الشهادات الأكاديمية الذين تلقوا تعليمهم ضمن أوائل البعثات التعليمية الذين أُوفدوا إلى العراق سعياً لطلب العلم، وبعد عودته إلى الإمارات عُين مدرساً بمدرسة حطين عام 1968، ثم نائب مدير دائرة المعارف في الشارقة ومسؤول تعليم الكبار.

عبد الله عمران وخلفان الرومي.. شريكا المسيرة

لم تكن العلاقة بين الراحلين المرحوم الدكتور عبد الله عمران تريم، وخلفان الرومي، مجرد صداقة فقط، بل جمعت بينهما روابط وثيقة الركائز، فكانا معاً متوحدي الفكر والتوجه والكلمة والمسعى والهدف والقرار، واشتركا في إعلاء مكانة الدولة والنهوض بمقدراتها، من خلال مواقعهما المختلفة التي شغلاها بإخلاص وتفانٍ وأمانة، كما كانا سنداً لبعضهما بعضاً، دون أن يخل أحدهما بالتزامه الأخوي والأدبي تجاه الآخر، حيث استمرت صداقتهما العمر كله، حتى كتب لهما أن يكونا شريكين في الحياة والرحيل، رحمهما الله.

وكان كل منهما مؤثراً في حياة الآخر بدرجة كبيرة، وتوثق ارتباط كل منهما بالآخر، من خلال عشق بلاط صاحبة الجلالة، الصحافة الإماراتية، التي عملا فيها معاً، وأسساها في الدولة، حيث أسس الراحل د. عبد الله عمران جريدة الخليج، وجعلها مؤسسة ومنبراً إعلامياً شامخاً وعريقاً، ولطالما اجتمعا - رحمهما الله- في دار «الخليج» في جلسات نقاش مهنية واعية، تبادلا فيها الرأي والرؤى والأفكار والخطط، فيما نهض خلفان الرومي بجائزة الصحافة العربية، وكرس مكانتها على الساحة الإعلامية داخل الدولة وخارجها.

المصدر: صحيفة الخليج

كلمات دلالية: فيديوهات الإمارات وعضو لجنة

إقرأ أيضاً:

التشكيك: سلاح خفي في الحرب النفسية التي تشنها المليشيات

في الحروب، لا تُطلق النيران فقط من فوهات البنادق والمدافع، بل تنطلق أيضاً من وراء الشاشات وصفحات التواصل، عبر رسائل مشبوهة وأحاديث مثبطة، في إطار ما يُعرف بالحرب النفسية. ومن بين أبرز أدوات هذه الحرب وأكثرها خبثاً: “التشكيك”. هذا السلاح الناعم تُديره غرف إلكترونية متخصصة تابعة للمليشيات، تهدف إلى زعزعة الثقة، وتفتيت الجبهة الداخلية، وبث الهزيمة النفسية في قلوب الناس، حتى وإن انتصروا في الميدان.

التشكيك في الانتصارات العسكرية، أحد أكثر الأساليب استخداماً هو تصوير الانتصارات المتحققة على الأرض من قِبل القوات المسلحة السودانية على أنها “انسحابات تكتيكية” من قبل المليشيات، أو أنها “اتفاقات غير معلنة”. يُروّج لذلك عبر رسائل تحمل طابعاً تحليلياً هادئاً، يلبسونها لبوس المنطق والرصانة، لكنها في الحقيقة مدفوعة الأجر وتُدار بخبث بالغ. الهدف منها بسيط: أن يفقد الناس ثقتهم في جيشهم، وأن تتآكل روحهم المعنوية.

التشكيك في قدرة الدولة على إعادة الإعمار، لا يكاد يمر يوم دون أن نقرأ رسالة أو منشوراً يسخر من فكرة إعادة الإعمار، خصوصاً في مجالات الكهرباء والمياه وإصلاح البنى التحتية المدمرة. هذه الرسائل تهدف إلى زرع الإحباط وجعل الناس يشعرون أن لا جدوى من الصمود، وأن الدولة عاجزة تماماً. لكن الواقع أثبت أن إرادة الشعوب، حين تتسلح بالإيمان والثقة، أقوى من أي دمار، وقد بدأت بالفعل ملامح إعادة الحياة تظهر في أكثر من مكان، رغم ضيق الموارد وشدة الظروف.

التشكيك في جرائم النهب المنظمة، مؤخراً، لاحظنا حملة تشكيك واسعة، تُحاول التغطية على جرائم النهب والسلب والانتهاكات التي ارتكبتها المليشيات طوال عامين. الحملة لا تنكر تلك الجرائم بشكل مباشر، بل تثير أسئلة مغلّفة بعبارات تبدو عقلانية، لكنها في جوهرها مصممة بعناية لإثارة دخان كثيف ونقل التركيز نحو جهات أخرى.

كيف نُساهم – دون قصد – في نشر التشكيك؟ المؤسف أن الكثير منا يتداول مثل هذه الرسائل بعفوية، وأحياناً بدافع الحزن أو القلق على الوطن، دون أن يتوقف ليتساءل: من كتب هذه الرسالة؟ ولماذا الآن؟ وما الذي تهدف إليه؟ وبهذا نُصبح – دون أن ندري – أدوات في ماكينة التشكيك التي تخدم أجندة المليشيات وتطعن في ظهر الوطن.
كيف نواجه هذه الحرب النفسية؟
الرد لا يكون بصمتنا أو بتكرار الرسائل المشككة، بل بـ:
وقف تداول أي رسالة مجهولة المصدر أو الكاتب.
عدم إعادة نشر أي محتوى يحمل ظنوناً أو يشكك أو يُحبط أو يثير اليأس.
نشر الإيجابيات، وبث الأمل، وتعزيز الثقة بالله أولاً، ثم بمؤسسات الدولة مهما كانت لدينا من ملاحظات أو انتقادات.

في الختام، التشكيك لا يبني وطناً، بل يهدمه حجراً حجراً. فلنكن على وعي، ولنُفشل هذا السلاح الخفي، بمناعة داخلية قائمة على الإيمان، والعقل، والأمل، والثقة بأن الوطن سيعود أقوى، ما دام فينا من يرفض الانكسار ويؤمن بأن النصر لا يبدأ من الجبهة، بل من القلب والعقل.
عميد شرطة (م)
عمر محمد عثمان
٢١ أبريل ٢٠٢٥م

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • ياسر سليمان: الجائزة العالمية للرواية العربية أصبحت المنصة التي يلجأ إليها الناشر الأجنبي
  • مجدي البدوي: عيد العمال وتحرير سيناء محطتان مضيئتان في مسيرة الوطن
  • القومى للمرأة: ذكرى تحرير سيناء ستظل علامة فارقة في مسيرة الوطن
  • السيسي: التحديات التي يشهدها الاقتصاد العالمي تحتم تكثيف التعاون بين الدول العربية
  • نهيان بن مبارك يعتمد برنامج جناح «صندوق الوطن» في «أبوظبي للكتاب»
  • رئيس الشيوخ ناعيا النائب ثروت فتح الباب: أدى رسالته ومسيرته حافلة بالعطاء
  • كبار المواطنين: «بركتنا» تعكس حرص القيادة على جودة حياتنا
  • التشكيك: سلاح خفي في الحرب النفسية التي تشنها المليشيات
  • جلالةُ السُّلطان المعظّم يعود إلى أرض الوطن
  • الرئيس اللبناني يستقبل صقر غباش